بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه اللّه-   (المتوفى 1399هـ / 1979م) ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

تراجم خريجي دارالعلوم/ديوبند:

89- الشيخ الخواجه عبد الحي الفاروقي رحمه الله:

         من سكان مدينة «كورداس فور» بولاية «بنجاب»، من أفاضل خريجي جامعة علي كره. وأكمل دراسته للحديث الشريف في دار العلوم/ ديوبند عام 1329هـ، وكان على صلة وطيدة بالحركة التي شنها شيخ الهند محمود حسن لتحرير البلاد، وبعد ما تخرج من دارالعلوم/ديوبند مكث مدة طويلة في «لاهور» يعقد حلقة تدريس القرآن الكريم، وكان يحضرها طلاب الكليات العصرية وكتبة المصالح الحكومية وغيرهم من الطبقة المثقفة ثقافة حديثة. وكان أسلوبه في تدريس القرآن الكريم يعتمد على تدريس الشباب القرآن الكريم بأسلوب يعرِّفهم على الروح الإسلامية الأصيلة، ويقيدهم بالشعائر الإسلامية من حيث يتمكنون من اختيار نمط الحياة الذي يريدون قضاءها عليه، ويأخذون أنفسهم بالسعي إلى تحرير الوطن. ولك أن تدرك نمط الدروس التفسيرية للشيخ الفاروقي بما يحويه الكتب التفسيرية: «الخلافة الكبرى»، و«الصراط المستقيم»، و«البرهان»، و«سبيل الرشاد»، و«البصائر» و«الذكرى». وأشار الشيخ في الخلافة الكبرى إلى أن انحطاط المسلمين في العصر الحاضر مرده إلى التخلي عن حياة المجاهدة في حين كان وجودهم في الدنيا يهدف إلى نشر كلام الله تعالى والقوة والمجاهدة. وتحدث الشيخ في تفسير سورة الأنفال عن فلسفة الجهاد، وأشار الشيخ إلى ضرورة الجهاد والمبادئ التي تضمن الفلاح والنجاح. وكتاب سبيل الرشاد يتضمن شرحًا فلسفيًّا خلابًا للقضايا الإسلامية. وأما كتابه «الذكرى» فتفسير للجزء الثلاثين من القرآن الكريم، وأكد الشيخ فيه على أنه لايعجز المسلمون عن الرقي والتطور فيما إذا تمسكوا بالتوجيهات القرآنية اليوم. وبعد التأكيد على ذلك يدعو الشيخ إلى التدبر في الحقائق والمعارف القرآنية والتأمل فيها. وكان الشيخ شغوفًا بتفسير القرآن الكريم بصفة خاصة، فقد أفرد مختلف سور القرآن الكريم بالتفسير. وجاءت هذه التفاسير أسهل لغة وبيانًا، وأيسر وأبسط أسلوبًا.

         تعرض الشيخ للاعتقال في سجن «لاهور» عام 1336هـ/1917م لانتمائه إلى حركة شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، وأطلق سراحه عام 1338هـ. وكان اسمه ضمن فهرس «الكولونيل» في قائمة الجنود الربانية.

         وظل الشيخ مدة من الزمان أستاذًا للتفسير ورئيسًا للقسم الديني بالجامعة الملية. وفي نهاية المطاف هاجر إلى باكستان، وشكل بها لجنة من العلماء الذين عملوا تفسيرًا للقرآن الكريم باسم «دروس القرآن» في مجلدين. وهذا التفسير أسهل وأبسط، حاول أداء معانٍ أكثر بألفاظ أوجز وأقل. وله كتاب في السيرة النبوية باسم «رسولنا»، وهوكتاب بلغة سهلة ميسورة للأطفال.

         ولم نعثر على تاريخ وفاة الشيخ.

90- الشيخ  عبد الشكور الديوبندي رحمه الله:

         من عائلة الشيوخ في ديوبند، وكان جده الأعلى الشيخ شمس الدين(1) ممن بايع السيد أحمد الشهيد رحمه الله. وتلقى الشيخ عبد الشكور الدراسة في دارالعلوم/ديوبند، وتخرج منها عام 1329هـ.

         ثم ولي التدريس مدةً من الزمان في كل من المدرسة الصديقية/دهلي، ومدرسة حسين بخش/ دهلي، واختير للتدريس في دار العلوم/ديوبند عام 1363هـ، وهاجر إلى الحجاز في شوال عام 1367هـ، وعُيِّن بها مدرسًا في المدرسة الشرعية. وكتب الله تعالى لدروسه في الحجاز قبولًا واسعًا، واستفاد منه كثير من علماء العرب.

         وكان الشيخ يجمع بين العلم والفضل والزهد والتقوى والإيثار والتواضع والإخلاص والبساطة بصورة تخلب الفؤاد. قضى حياته كلها في تدريس القرآن الكريم، والتفسير، والحديث النبوي. وكان حافظًا متقنًا للقرآن الكريم، ويقرؤه بأسلوب رقيق مؤثر يجعل السامع يسوده حالة من الوجد، وبايع شيخ الهند محمود حسن الديوبندي رحمه الله.

         توفي في جمادى الأولى عام 1383هـ/1963م في المدينة المنورة، ودفن في جنة البقيع.

91- الشيخ الحكيم عبد العلي اللكنوي رحمه الله:

         أصله من «تكية شاه علم الله» بمدينة «بريلي»، واشتهر بنسبته إلى «لكناؤ» لأنه نزل بها. ولد عام 1311هـ، وهو النجل الأكبر للحكيم عبد الحي-مدير ندوة العلماء لكناؤ، ومؤلف كتاب «نزهة الخواطر» – تلقى العلم في دارالعلوم ندوة العلماء/ لكناؤ، وتطبب على والده، ثم قرأ كتب الحديث الستة الصحاح على شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، والعلامة أنور شاه الكشميري، وغيرهما من الأساتذة عام 1329هـ. ثم أقبل على تلقي الإنجليزية، ونجح بتفوق وامتياز في اختبار (B.S.C) في كلية «كيننك»/لكناؤ عام 1337هـ. ثم توجه إلى دهلي للاستفادة من الطبيب الشهير الحكيم أجمل خان. وفي نهاية المطاف التحق بكلية الطب في لكناؤ، واجتاز اختبار الطب عام 1344هـ، وبدأ يزاول مهنة الطب في لكناؤ.

         ورغم دراسته الإنجليزية، وممارسته مهنة الطب كانت حياته على غاية من البساطة ونموذجًا لما كان عليه السلف الصالح. ورغم أنه شاهد الحضارة الغربية عن كثب، وقضى سنوات في جو نظامها التعليمي كان شديد الانتقاد لها، وكان يجمع بين الحضارة والثقافة القديمة والجديدة والعلوم الشرقية والعلوم الغربية جمعًا حسنًا يخلب الفؤاد. وظل – حتى خلال دراسته الإنجليزية والطب- دله وسمته وعشرته على نمط واحد. وكان بايع الشيخ حسين أحمد المدني.

         تعين ناظرًا لدارالعلوم ندوة العلماء/لكناؤ عام 1350هـ، وجمع بين عيادته التي كان يديرها، وبين واجبات نظارة الندوة حتى آخر نفس من حياته. وظل على عضوية المجلس الاستشاري لدارالعلوم/ ديوبند منذ عام 1377هـ إلى عام 1380هـ.

         توفي في لكناؤ في 3/ذي القعدة عام 1380هـ/ 1961م، ودفن في «تكية شاه علم الله»/ رائي بريلي حيث دفن آباؤه. والعالم البارز الشهير الشيخ السيد أبو الحسن الندوي شقيقه الأصغر ومن تلامذته.

92- الشيخ مبارك حسين رحمه الله:

         ولد في «سنبهل» بمراد آباد عام 1296هـ/1878م، وتلقى مبادئ العلم في بلده، ثم حوله والده إلى أحد علماء بيشاور، فمكث في بيته وتلقى العلم. وكان هذا العالم يتضلع من الفلسفة أكثر، فاصطبغ مبارك حسين بصبغته، فقرأ كتب المنطق والفلسفة صغارها وكبارها كلها. والتحق بدارالعلوم/ديوبند عام 1328هـ/1910م، وتخرج في دورة الحديث الشريف من دارالعلوم/ديوبند عام 1329هـ/1911م.

         وبعد أن تخرج من دارالعلوم/ديوبند صحب شيخَ الهند محمود حسن الديوبندي في رحلاته مدة من الزمان، وقد شب على حب المناظرة والمشاركة في النشاطات الجهادية منذ أيام دراسته. فشهدت هوايته الأخيرة من الرقي ما شهد علمه. وشهد مع الشيخ ثناء الله الأمرتسري بعض المناظرات في مدينة «بريلي»، وكسب نجاحًا بارزًا. ولقبوه بـ«أسد الإسلام».

         وأنشأ في مدينة «ميروت» عام 1334هـ/ 1915م مدرسة سماها «قاسم العلوم». وأنشأ الشيخ القاضي بشير الدين، والحاج تهور علي مدرسة سموها «دارالعلوم» عام 1338هـ/1919م لنشر مذهب ديوبند، فاختير الشيخ مبارك رئيسًا لهيئة التدريس بها بإيعاز من الشيخ خليل أحمد الأنبيثوي رحمه الله. و ذلك إبان حركة الخلافة. وتعين الشيخ مبارك – بجانب التدريس والإفادة في «ميروت»- ناظرًا للجنة الخلافة أيضًا، وظل عضوًا ناشطًا لجمعية علماء الهند في المساعي المبذولة لتحرير البلاد، فازداد عدد الطلاب في مدرسة «دارالعلوم» ببركته، فأنشأ عام 1925م مبنى للسكن الطلابي في قلب المدينة، وتم وضع حجر أساسه على يد العلامة أنور شاه الكشميري، وسمي المبنى بـ«ذكري شيخ الهند»، وهذه المدرسة موقعها في الجامع الملكي في «ميروت».

         توفي في جمادى الأولى عام 1361هـ/يونيو 1942م. ودفن في فناء السكن الطلابي لمدرسة دارالعلوم/ميروت، وأرخوا لوفاته من قولهم: «زينت آستان دار العلوم».

93- الشيخ شبير علي التهانوي رحمه الله:

         ولد عام 1312هـ، وهو ابن الأخ الشقيق للشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله، ومن سكان «تهانه بهون»، تلقى مبادئ العلم على الشيخ عبد الله الكنكوهي- مؤلف كتاب «تيسير المبتدي»- في مدرسة إمداد العلوم، في بلده. ومكث عند والده مدة من الزمان، وتلقى الإنجليزية، ثم التحق بجامعة مظاهر علوم/سهارن فور، وتلقى الفيوض العلمية والروحية على الشيخ خليل أحمد الأنبيثوي، وأكمل دراسته في نهاية المطاف في دارالعلوم/ ديوبند، وقرأ المثنوي للرومي على عمه الشيخ حكيم الأمة أشرف علي التهانوي رحمه الله درسًا درسًا.

         بعد ما تخرج في العلوم أنشأ مطبعة سماها «أشرف المطابع» لنشر أعمال حكيم الأمة رحمه الله. و دشَّن مجلتين سماهما «التبليغ»، و«النور»، وولي نظارة الخانقاه الإمدادية منذ عام 1337هـ إلى عام 1369هـ، ثم تحول إلى باكستان بعد أن تقسمت الهند على دولتين. وبدأ تجارة الكتب، وقام بنشر المجلدات الثمانية الأخيرة غير المطبوعة بالطباعة العربية، كما قام بطبع كل من كتاب «إعلاء السنن»، و «بهشتي زيور» طباعة راقية المستوى. هاجر إلى باكستان وهو يحمل الرغبة في الدعوة والتبليغ، وواصل المساعي لذلك طوال حياته.

         توفي في كراتشي في 28/رجب عام 1388هـ/ 1968م، ودفن بجوار الشيخ عبد الغني الفولفوري في مقبرة «ناظم آباد».

94- الشيخ إحسان الله تاجور رحمه الله:

         ولد في «نجيب آباد» عام 1311هـ/1893م، كان ينتسب إلى قبيلة «روهيله أفغان»، تلقى مبادئ العلم في بلده نجيب آباد، ثم التحق بدارالعلوم/ ديوبند لتلقي مزيد من العلوم، وتخرج منها عام 1331هـ. كان له ولع شديد باللغة العربية أيام دراسته، ثم تحول إلى الولع باللغة الأردية في المرحلة اللاحقة. كان الشيخ تاجور يقول الشعر وهو في أيام دراسته، وكان – رغم تلقيه الشعر على المدعو/رسا الرامفوري- يعرض أبياته على المدعو/حبيب حسن وحشي(2) أيضًا أيام دراسته في دارالعلوم/ديوبند.

         بعد ما تخرج من دارالعلوم/ديوبند تحول إلى «لاهور»، وشارك في إدارة مجلة «مخزن» الشهيرة فيها في تلك الأيام. ثم صدرت مجلة «همايون» في لاهور، فتحول الشيخ تاجور إليها، وكان يلقي محاضرات في الأردية والفارسية في كلية في «ديال سينغ» خلال ذلك.

         ولم يلبث أن التف حوله الشعراء الشباب في «لاهور»، ونال كثير منهم الصيت ولسان الصدق في الأيام اللاحقة. وأنشأ الشيخ تاجور في «لاهور» لجنة «رجال الأدب»، وعقدت أمسيات شعرية كثيرة في مواضع كثيرة تحت لواء هذه اللجنة. وله بعض الاجتهادات في الشعر الأردي. وفي أعقاب نشأة لجنة «رجال الأدب» أنشأ مركزًا للتأليف والتصنيف سماه «مركز اللغة الأردية». وقام هذا المركزبرعاية الشيخ تاجور بترتيب منتخب كلام الكتاب والشعراء البارعين كلهم أمثال: «أصغر الكوندوي»، و «كويا الجهان آبادي»، و«مجنون الكوركفوري»، و«جكر المراد آبادي»، و«أخترشير»، و«طالب الميروتي» في عدد من المجلدات.

         ودشَّن في أواخر عام 1931م مجلة راقية المستوى سماها «أدبي دنيا» -عالم الأدب-، ثم أنشأ مجلة أخرى سماها «شاهكار». وكان الشيخ تاجور يقدر على النظم والنثر على حد سواء، وتجاوز صيت مقدرته الأدبية «بنجابَ» إلى أنحاء البلاد كلها. ومنحته الحكومة البريطانية في نهاية المطاف لقب «شمس العلماء»، كما لقبته الأوساط الأدبية الهندية بـ«أديب الملك».

         توفي عام1371هـ في مدينة «لاهور» عن عمر يبلغ ستين عاما.

*  *  *

الهوامش:

(1)    كان الشيخ شمس الدين والد الشيخ عبد الخالق الذي نشط نشاطا عظيما في بناء المسجد الجامع في ديوبند، واستمرت الإمامة والخطابة في الجامع في أولاده، وإن كان الشيخ محمد طيب يتولى الإمامة وخطابة الجمعة مذ مدة طويلة. له رسالة في الفقه اسمها «عصا الشريعة». كان الشيخ شمس في أول أمره يميل إلى البدع بعض الميل، ولما بلغه مقدم السيد أحمد الشهيد إلى ديوبند هجاه في أبيات جرت على لسان كل صبي. وذات مرة توجه إلى منزل السيد أحمد الشهيد ليرى بأم عينيه ما الذي يحمل الناس على الالتفاف حول السيد أحمد الشهيد بهذه الكثرة الكاثرة، وكان السيد رحمه الله ينزل في مسجد القاضي بديوبند، فدخله الشيخ شمس الدين، وتبوأ مقعده في مجلس حافل بالأصحاب والمريدين،فلم يلبث أن أقبل إليه السيد أحمد الشهيد، و قال: أنت الذي هجوتني بالأبيات؟ وأطلق السيد هذه الكلمات بأسلوب جعل الشيخ شمس الدين يقلق قلقا شديدا. و اندفع يعتذر إلى السيد أحمد الشهيد، وقال: أنشدك الله تعالى أن تسامحني على هذه الوقاحة وسوء الأدب، وأدخل فيمن بايعك. فبايعه السيد أحمد الشهيد، فاصطبغ الشيخ شمس الدين بصبغته بعد أن بايعه. ودفن بالقرب من «ولايت شاه» أحد مشاهير الأولياء في ديوبند.

(2)    حبيب حسن وحشي من الشعراء المفوهين في ديوبند، كان له مقدرة خاصة على استخراج التواريخ، وامتدت يد الضياع إلى أعماله فضاعت. توفي في ديوبند عام 1344هـ/1925، ودفن في مقبرة «ولاية شاه». *  *  *


(*)      أستاذ الحديث واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

مجلة الداعي، رمضان – شوال 1444هـ = مارس – مايو2023م، العدد: 9-10، السنة: 47

Related Posts