مع انسلاخ شهر الله ذي الحجة يودِّع المسلمون عامًا هجريًّا ولى دبره بكل ما حمله من المتاعب والمعاناة صورًا وألوانًا من قتل، وتشريد، وتخويف وترويع، وتهديد، وتدمير لممتلكاتهم، وانتهاك لحرماتهم و مقدساتهم، وشعائرهم و رموزهم الدينية المحترمة، في مشارق الأرض ومغاربها على أيدي أولئك الذين عجنت طينتهم بالبغضاء والكراهية والشحناء ضد الإنسانية وضد المسلمين الذين رضوا بالله ربًّا، و بالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا ونبيًّا صلوات الله وسلامه عليه. ومن أبشع صور النيل من المسلمين و إيذائهم مما لم يتجرأ عليه إلا بعض البلاد الأوربية والغربية الحانقة المنزعجة من المد الإسلامي في عقر دارها– هو الإساءة إلى نبيهم  ﷺ ،  الذي هو أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم و أموالهم التي اقترفوها، وتجاراتهم التي يخشون كسادها.لقد واجه و يواجه المسلمون في أقصى الأرض و أدناها الألاقي من أعدائهم من نقص في الأموال والأنفس والثمرات، وسمعوا ويسمعون أذى كثيرًا من الذين أوتوا الكتاب ومن الذين أشركوا ؛ ولكن طفح الكيل، وعيل صبرهم حين أسيء إلى النبي  ﷺ ، وخاصة في بلد سقوه بدمائهم، وضحوا في سبيل تحريرها من الاستعمار الغاشم الذي جثم على صدره سنين طويلة، ينهب ثرواته، وينهشه بالأنياب والحراب، ويمزِّق أشلاءه، ويقطع أوصاله، ويمتصّ الدماء من عروقه.

         لقد مضى عام هجري كامل بثوانيه ودقائقه وساعاته وأيامه وأسابيعه وشهوره، ونحن نستقبل عامًا هجريًّا جديدًا في ظل هذه الظروف التي قوست ظهور كثير من الناس. وبهذه المناسبة يجب أن نتذكر ما قاساه الرسول  ﷺ  وأصحابه في مكة بلده، وعلى أيدي أبناء جنسه من مشقات ومتاعب، حتى حان موعد هجرته إلى المدينة المنورة، وتحققت معه أو قبله أو بعده هجرة أصحابه المخلصين ممن ضربوا أروع الأمثلة في البذل والتضحية و الفداء، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا، ولم يهنؤوا في مكة بلذيذ الطعام والشراب.

         لنتساءل أنفسنا عما قدمنا في العام المدبر لأنفسنا ولأمتنا من الأعمال الصالحة، وأعمال البر بالإنسانية، وليوم تشخص فيه الأبصار، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حملٍ حملها، و ترى الناس سكارى وما هم بسكارى؛ ولكن عذاب الله شديد.

         فأيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، راجعوا أنفسكم، وعودوا إلى سيرة نبيكم الأكرم، وانظروا في أعمالكم، واطلبوا رضوان ربكم، وسارعوا إلى التوبة والاستغفار، وأقلعوا عن المعاصي والذنوب التي صارت بكم إلى هذا المصير الذي يشمت العدو، ويجر عليكم هذه البلية التي تضحك، وحقًّا شر البلية والرزية ما يضحك. وقولوا بلسان صادق وقلب خاشع: ﴿لَآ ‌إِلَٰهَ ‌إِلَّآ ‌أَنتَ ‌سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء:87]. [التحرير]

(تحريرًا في الساعة العاشرة صباحًا من يوم الأحد: 25/ذوالقعدة 1443هـ=26/يونيو2022م)

مجلة الداعي، المحرم-صفر 1444هـ = أغسطس-سبتمبر2022م، العدد: 1-2، السنة: 47

Related Posts