دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ/ أبو عبد الله
أولا: العناصر:
1- الأطفال نعمة من الله يجب شكرها.
2- عناية الإسلام بالأطفال.
3- من أسس التنشئة السوية للأطفال.
أ- اختيار الاسم الحسن.
ب- الرضاعة الطبيعية.
ج- الإحسان وعدم الغلظة والشدّة.
د- العدل والمساواة بينهم جميعًا.
4- ضرورة تحقيق الحياة الكريمة للأطفال.
ثانيًا: الأدلة:
من القرآن الكريم:
1- قال تعالى: ﴿لِلّٰهِ مُلْكُ السَّمٰوٰتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى:49-50).
2- وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبٰتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ (النحل:72).
3- وقال تعالى: ﴿وَالْوَالِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة:233).
4- وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيّٰـتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان:74).
5- وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنٰـهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ (الطور:21).
6- وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمٰنُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصٰـلُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جٰهَدٰكَ عَلىٰٓ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يٰـبُنَيَّ إِنَّهَآ إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمٰوٰتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يٰــبُنَيَّ أَقِمِ الصَّلوٰةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان:13-19).
7- وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوٓا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلـٰٓئِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم:6).
الأدلة من السنة
1- عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُوْلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِيْ بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ الراوي: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (صحيح البخاري).
2- وعن مَعْقِلٍ بن يَسَارٍ رضى الله عنه عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلًّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» (متفق عليه).
3- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهَ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» (سنن الترمذي).
4- وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» (المستدرك للحاكم).
5- وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي، عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ، فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً، تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا» (صحيح البخاري).
6- عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ» قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: «وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللهُ بِهِ، وَيُغْنِيهِمْ» (صحيح مسلم).
7- وعن عُثْمَان الحاطبيّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ لِرَجُلٍ: «أَدِّبِ ابْنَكَ؛ فَإِنَّكَ مَسْؤُوْلٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟ وَأَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ» (السنن الكبرى للبيهقي).
8- وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آَبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» (رواه أبوداوود).
9- وَعَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ (صحيح البخاري).
10- وعن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ – رضي الله عنهما – قَالَ: كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي: «يَا غُلامُ، سَمِّ الله وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (رواه مسلم).
ثالثًا: الموضوع.
إن من أجل النعم التي أنعم الله – عز وجل – بها على الإنسان بعد نعمة الإيمان بالله سبحانه وتعالى نعمة الولد الذي به يُحفظ النسل، وتُقر العين، فالأطفال نعمة إلهية، وهبة ربانية، يختص الله بها من يشاء من عباده، قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمٰوٰتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩)أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى:49-50)، فبالأطفال تُملأ الحياة بهجة وسرورًا، ويُبدل ظلام البيوت إلى ضياء ونور، فهم مصابيح البيوت، وقرة العيون، وفلذة الأكباد، فهم زينة الحياة الدنيا، كما قال ربنا في القرآن الكريم: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَالْبٰـقِيٰتُ الصّٰــلِحٰتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (الكهف:46).
هذه النعمة العظيمة – نعمة الأطفال – تستوجب شكر الله – عز وجل – عليها، قال الخليل إبراهيم عليه السلام بعد أن رزقه الله – عز وجل – بنعمة الولد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمٰعِيلَ وَإِسْحٰقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَوٰةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ (إبراهيم:39-40)، فالشكر على النعم ويحفظها، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (إبراهيم:7)، وتستلزم الاهتمام بها حتى ينشأ جيل يعرف حقوق الله – عز وجل – وحقوق الوالدين والوطن والمجتمع.
ولقد اعتنى الإسلام عناية فائقةً بالأطفال وتربيتهم تربيةً تحقق للأبناء وللآباء سعادةً في الدنيا والآخرة، فاعتنى الإسلام بالطفل قبل أن يأتي للحياة فأمر راغبي الزواج بالانتقاء واختيار الزوجة الصالحة؛ لأنّ البيوت إذا شاع فيها جوُّ الإيمان انعكست آثاره على أهله خيرًا وبرًا، وسعادةً وهناءً، وهذا ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «… فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (صحيح مسلم)، وكان اهتمام الإسلام بالطفولة قبل ظهور المنظمات الدولية التي تهتم بشأن الطفولة، وذلك لأهمية هذه المرحلة الخطيرة والحرجة في حياة الإنسان، فالطفولة مرحلة أساسية يعبر بها كل إنسان إلى مرحلة النضج والرشد، فاعتنى الإسلام بالأطفال حتى يكونوا إضافة إيجابية وعنصرًا فاعلًا في المجتمع، فشرع لهم الكثير من الأحكام التي تعود على الولد والأسرة ثم المجتمع بالنفع والفائدة.
واهتمام الإسلام بالطفولة بدأ من مرحلة كونه جنينًا في بطن أمه، فشرع له من الأحكام والتشريعات ما يكفل له حقه، ويحافظ على آدميته واحترامه، في عناية فائقة ورعاية شاملة، فهذه المرحلة هي نقطة البدء، التي تستحق العناية والاهتمام، ومن ثمّ ضمن حق الحياة وهو في بطن أمّه، فحرّم الإجهاض عمدًا، وأوجب رعاية الحامل طيلة فترة حملها، وأباح للمرأة الحامل الفطر في شهر رمضان إذا خافت على جنينها، حتى ينمو الجنين نموًا طبيعيًا، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ المُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ وَعَنْ الحُبْلَى وَالمُرْضِعِ» (رواه النسائي).
كذلك من مظاهر عناية الإسلام بالطفل: اختيار أحسن الأسماء له، فقد ألزم الآباء اختيارَ الأسماء الحسنة لأولادهم التي ينادون بها بين الناس، فالاسم الحسن يبعث في النفس راحة وطمأنينة لا تتحقق مع الاسم السيئ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آَبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» (رواه أبوداوود)، فإذا ما أَهَلَّ المولود على أبويه فهما مأموران باختيار أحسن الأسماء له، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الغُلامُ مُرْتَهَنٌ بعقيقته يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِع، وَيُسَمَّى، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» (سنن الترمذي). ولقد رغب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الأمة في أحسن الأسماء وأحبها إلى الله، فعَنْ نَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» (سنن أبي داود) وفي رواية الإمام مسلم، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إَنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»، وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن تسمية الأبناء بأسماء قبيحة، فقال: «لَا تُسَمِّ غُلَامَكَ رَبَاحًا، وَلَا يَسَارًا، وَلَا أَفْلَحَ، وَلَا نَافِعًا» (صحيح مسلم).
والعلة في النهي عن الأسماء القبيحة مراعاة الجانب النفسي عند الطفل، حتى لا تسبب له أي نوع من أنواع الإيذاء النفسي، جاء رجل إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الوالد وابنه، وعاتبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (أي القرآن)، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلًا (أي: خنفساء)، ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلى تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك. (تربية الأولاد في الإسلام).
قال سفيان الثوري: «حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، وأن يزوجه إذا بلغ، وأن يحسن أدبه»؛ فإن حسن اختيار الاسم للولد يساعد على تنشئته في حياة كريمة فيبعد عنه السخرية والاستهزاء، ويوفر له الراحة النفسية التي يحتاجها كلما ذُكر اسمه، فالاسم هو عنوان الشخصية.
ومن مظاهر عناية الإسلام بالطفل: أن جعل رضاعته حقًا معلومًا له، قال تعالى: ﴿وَالْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ البقرة:233)، ففي الآية الكريمة أمر للأمهات في صيغة خبر والمعنى: يا أيتها الوالدات أرضعن أولادكن حولين كاملين، فالطفل في هذه السن يحتاج إلى نوعية معينة من الغذاء تساعد على بناء جسده، ولا يكون أفضل من لبن أمه الذي هيأه ربنا لهذه المهمة وصدق الله حين قال: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ (الملك:14). أما إن كانت الأم لديها علة طبية مشروعة تمنع من الرضاعة، أو امتنع الطفل من الرضاعة من الأم، أو توفيت الأم فشريعة الإسلام أوجبت على والده إحضار مرضع لهذا الطفل بأجرٍ سلامة له.
ولقد أثبتت بعض الدراسات الصحية والنفسية أن فترة رضاعة الطفل المقررة شرعًا بحولين كاملين ضرورية لنمو الطفل نموًا سليمًا من الناحيتين: الصحية والنفسية، وتقوي شعور الطفل بالدفء والحنان والأمان وهو ملتصق بأمه مما يساعد على تنشئة الطفل تنئشة سوية ويحيى حياة كريمة.
ومن أسس التنشئة السوية للأطفال: الإحسان إليهم وعدم الغلظة والشدّة معهم، فمن المقرر شرعا أن الرفق لا يأتي دائمًا إلا بكل خير، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها) أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» (صحيح مسلم)، فالقسوة والغلظة في التربية وتقويم سلوكيات الطفل تؤدّيان في أغلب الأحوال إلى نفوره من المربّي، وكرهه، وعدم الانصياع لكلامه. وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنه صلى الله عليه وسلم كان يحمل الحسن والحسين (رضوان الله عليهما) على كتفيه ويلاعبهما، وكان مبدأه صلى الله عليه وسلم في التربية هو اللين والرفق، فعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ إِذْ أَقْبَلَ حَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ فَحَمَلَهُمَا وَقَالَ: صَدَقَ اللهُ ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ (التغابن:15)، إِنَّي رَأَيْتُ هَذَيْنِ يَمْشِيَانِ، وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى نَزَلْتُ فَحَمَلْتُهُمَا» (سنن النسائي).
إن المربي الرفيق – والدًا كان أو معلمًا – هو الذي يراعي هذا الأساس العظيم من أسس التربية وهو المعاملة برفق ولين، ويبتعد عن الغلظة والقسوة، ويعالج الأخطاء بحكمة ورحمة، فالقسوة تورث قلبَ الطفل الخوف والجبن فضلًا عن حالة من الاضطراب النفسي والخجل والتردد، قال الأحنف ابن قيس في إحدى نصائحه: لا تكن عليهم قُفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قُربك ويملُّوا حياتك. إن التعامل بالرفق لا ينافي استعمال العقوبة عند الحاجة إليها، لكن يجب أن نذكر أنّ العقوبة عندالحاجة إليها، لكن يجب أن نذكر أنّ العقوبة يجب أن تستعمل بحكمة، فلا تكن على كل مخالفة يقوم بها.
كذلك من أسس التنشئة السوية للأطفال: العدل والمساواة بينهم جميعًا، فالعدل بين جميع الخلق مبدأ إسلامي أصيل يجب مراعاته، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة:8)، وينبغي أن يطبق هذا المبدأ خاصة بين الرجل وأولاده.
وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم الآباء والأمهات لهذا المبدأ وضرورة الالتزام به؛ بل وقرن الأمر به بالأمر بتقوى الله عزوجل. فعَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: «أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى رَسُولَ اللهِ فقال: أِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ» (صحيح البخاري)، وروى عبد الرزاق في مصنفه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَضَمَّهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَتْهُ اَبْنَةٌ لَهُ فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَأَجْلَسَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ عَدَلْتَ كَانَ خَيْرًا لَكَ، قَارِبُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ وَلَوْ فِي الْقُبَلِ».
فالعدل بين الأولاد له فوائد عظيمة، فهو من أعظم أسباب الإعانة على البر، ويساعد على تقديم جيل صالح سوي للمجتمع، ويساعد على زرع الأخوة بمعناها ومبناها بين الإخوة.
وعلى النقيض نجد التفريق بين الأولاد من أعظم أسباب العقوق والهجر والكراهية، ويكون سببًا في زرع الضغينة بين الأبناء.
وقد أثبتت بعض البحوث النفسية أنّ ظهور الاضطرابات النفسية والاجتماعية على الطفل يرجع في أغلبها إلى إحساس الطفل بالظلم وعدم العدل مع أقرانه، وليس أدل على ذلك من تصرف إخوة يوسف معه حين خُيل إليهم تفرقة في المعاملة من أبيهم يعقوب عليه السلام وتفضيله ليوسف عليه السلام عليهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيٰتٌ لِلسَّآئِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلٰـلٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صٰلِحِينَ﴾ (يوسف: 7-9).
كذلك من الأسس التي وضعها الإسلام لضمان تنشئة سوية للأطفال: التربية والتوجيه على أسس شرعية، فلقد أمر القرآن الكريم الآباء والأمهات بضرورة العمل على وقاية النفس والأهل من الوقوع في التهلكة، قال تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوٓا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلٰٓـئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم:6)، وتربية الطفل وتأديبه على أسس شرعية مطلب شرعي، وهو أيضا حق من حقوق الولد على الوالد، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما)، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا حَقَّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، فَمَا حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ؟ قَالَ: «أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ، وَيُحْسِنَ أَدَبَهُ» (شعب الإيمان للبيهقي). وروى الترمذي في سننه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».
فمن أهمّ أسس التنشئة السوية عند الأطفال توجيههم وتربيتهم تربية فاضلة، وينبغي أن تكون التربية والتعليم باللُّطف، دون إحراج خاصة أمام الآخرين، وهذا ما كان يحرص عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في تربيته للأطفال، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَطِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»(رواه الترمذي).
وها هو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يربي ويوجه بأدب ورفق ضاربًا أروع الأمثلة في توجيه الطفل وإرشاده، فعن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ (رضي الله عنهما) قَالَ: كُنْتُ فِي حجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (رواه مسلم). قال الإمام الغزالي (رحمه الله): والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عُوِّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة.
ومن ثم ينبغي على المربي أن يكون قدوة لأولاده، فيتحلى بمكارم الأخلاق قبل أن يأمرهم بها؛ فإن الأبناء يقلدون الآباء.
ولله در من قال:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
جدير بالذكر أن تربية النشء ليست مقصورة على الوالدين فحسب؛ بل تشمل المعلم بالمدرسة، فالمعلم يمثل قيم المجتمع وعليه مهمة تنشئة الأطفال تنشئة اجتماعية مرتبطة بقيم وتقاليد المجتمع الذي يعيشون فيه؛ فإن الأطفال أمانة يتحمل المجتمع بأسره مسؤولية رعايتهم، وحسن تربيتهم؛ وعلى الجميع أن يدرك عظم المسؤولية الملقاة عليهم تجاه الأطفال، وليس أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُوْلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِيْ بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ الراوي: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (صحيح البخاري).
إن الإسلام يحمل الوالدين مسؤولية حفظ الأبناء، فعَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحسَنِ، أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» (رواه ابن حبان). عندما نظر إلى الطفل اعتبره إنسانا له كامل الحقوق الجسدية والنفسية والمالية والتعليمية والتربوية، وأمر بالمحافظة عليها، يسعى بذلك لتحقيق حياة كريمة للأطفال، حتى يكون المجتمع متحضرًا، تسوده روح الألفة والمودة والمحبة والرحمة.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1439 هـ = مايو – يوليو 2018م ، العـدد : 9-10 ، السنة : 42