كلمة المحرر

       تواجه أرض القدس أرض الإسراء والمعراج، أشنع صور المأساة والإبادة الجماعية للمسلمين، على أيدي أخس الخلق وشذاذ البشرية الصهاينة المدعومين بالسلاح المعنوي و الحربي من قبل أعداء الإنسان وأعداء البشرية كلها، ضاربين عرض الحائط بجميع المواثيق والقرارات الدولية، و بصورة وقحة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، استغلالا للوضع المخزي الذي يعيشه العالم الإسلامي و العربي، من التناحر والشقاق والخلاف داخل الصفوف، وضرب بعضهم أعناق بعض.

       إن اتصال المسلمين بهذه المدينة المقدسة مدينة القدس ترجع ذكراه إلى أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان حين أُسْرِيَ بنبينا محمد  صلى الله عليه وسلم إليها. ويشكل ذلك بداية فعلية للاتصال بين الإسلام والحرم القدسي الشريف. فالقدس في قلوب المسلمين و وجدانهم و شعورهم، وستظل فلسطين كلها كذلك حتى يتم تحريرها من براثن الصهاينة الجاثمين على صدرها، الذين يشكلون غدة سرطانية في جسد الأمة الإسلامية يجب اجتثاثها واستئصالها.

       أُسْرِيَ بنبينا محمد  صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة – على اختلاف في تحديد الشهر-بعد ما صبت عليه مصائب ومحن تقشعر من ذكرها الجلود، وأحدقت به الأحزان والغموم على وفاة زوجته الوفية الكريمة خديجة، ووفاة عمه أبي طالب الذي كان ركنًا شديدًا له مادام على قيد الحياة، وكان قد قفل من الطائف حزينًا كئيبًا لما لاقى من أهلها، جاء حادث الإسراء تسلية له  صلى الله عليه وسلم، وتعويضًا عما لقيه من المتاعب.

       ويشكل حادث الإسراء والمعراج من أبرز مظاهر التكريم الإلهي الذي ناله نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم، حيث ارتقى وبلغ مكانة لم يبلغها نبي ولارسول ولا ملك مقرب،وقربه سبحانه إليه نجيًّا، ولقد رأى  صلى الله عليه وسلم حين عُرِجَ به الشيء الكثير من ملكوت السماوات وآيات ربه الكبرى ليدرك بديع صنع الله تعالى وقدرته الخارقة اللامتناهية، ويعلم علمًا يقينًا أنه يأوي إلى ركن أشد لن يضره فقدُ مَن فقده أوخذل أحد أو نصب العداء له، فنال بذلك زادًا روحيًّا ثبَّت فؤاده، وأعانه على تحمل الرسالة و مواصلة مسيرته ودعوته.

       إن هذا الحادث تأكيد شديد على أن الإسلام هو المنتصر الغالب بإذن الله تعالى؛ لأن وراءه قوة لاتقهر، وقدرة لا تغلب، فعلى المسلمين أن يطردوا اليأس والقنـــــــوط من نفوسهم، ولا يَدَعُــــــــــوهما يتخذان إليهم سبيلًا، مهما قست الأوضاع، وادلهمت الأحوال، وضاقت الأرض بما رحبت عليهم، وتكالبت قوى الباطل من كل جانب ضدهم، وتداعت عليهم الأمم تـــداعي الأكلة على قصعتها.فليس ذلك إلا اختبارًا لقوة الإيمان،و تأصل العقيدة، وتمييزًا للحق من الباطل، وتزييلًا للصادق من الكاذب اللابس لباس المؤمنين. ﴿مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر/56].                                                [التحرير]

(تحريرًا في الساعة التاسعة من صباح يوم السبت: 16/جمادى الأولى1439هـ=2/فبراير 2018م)

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب 1439 هـ = مارس – أبريل 2018م ، العدد : 7 ، السنة : 42

Related Posts