كلمة العدد

       من جرّاء سوءات الحضارة الحديثة الغربية والشرقية المتضررة منها كلَّ التضرر عاد كل أب مسلم – ودَعْ ذكرَ غير مسلم – يشْكو اليوم فسادَ أبنائه وبناته عقديًّا وخلقيًّا، وعلميًّا وعمليًّا، وأدبيًّا ومعنويًّا، حتى صحيًّا وجسديًّا، وعقليًّا وفكريًّا. ويبحث عن الدواء الذي يُجَرِّبه عليهم، ويُعْطِي مفعولَه سريعًا، ويجعلهم يبرؤون من كل ما اصطلح عليه من الأمراض الكثيرة، الظاهرة والباطنةِ، والجسمية والخلقية؛ لأنه قد عَيِيَ وعاد مجهود الفكر بعد ما بحث عن أي طبيب نِطَاسِيّ يُشَخِّص الداء صحيحًا ويصف الدواءَ شافيًا.

       إن الآباء وأولياء الأمور، والمعلمين والتربويين، والاستراتيجيين والاستشاريين، والخبراء النفسيين، كلهم قد عجزوا اليوم عن معالجة ما يعانيه الأبناء والبنات عن الأمراض الجسدية والمعنوية الفتاكة التي أفسدت الجيل الجديد بنحو لايقبل علاجًا، ولاينفع فيه تدبير، ولا تجدي فيه حيلة مهما كانت مُحْكَمَةً.

       والفساد الذي استشرى في الأبناء والبنات والجيل الجديد كله لايمسّ ناحية منهم واحدة، وإنما يمسّ النواحيَ كلَّها؛ فالأمراضُ الخلقيّةُ وبالتالي الجسميّة لاتنحصر في نوع، وإنما تشمل الأنواعَ كلَّها، من عقوق الوالدين؛ والوقاحة؛ وممارسة الفواحش والمنكرات؛ والتقاعد عن أداء الحقوق؛ والتقاعس عن أداء الواجبات؛ واستباحة المحرمات؛ واللامسؤوليّة؛ وعدم الشعور بالذنوب؛ وعدم مخافة الله؛ والتجرأ على تخطّي حدود الله تعالى؛ والسفور والاستهتار؛ والاختلاط الحرام؛ وتشبّه الشباب بالفتيات؛ والفتيات بالفتيان؛ واعتبار مخالفة الأوامر والنواهي الإلهيّة والسنن النبويّة موضةً مُتَّبَعَة لا معدى عن محاكاتها؛ واعتبار التديّن واتباع أحكام الدين تقليدًا تَقَادَمَ عهدُه ووَلَّىٰ دورُه؛ واعتبار العاملين بالدين أصوليين أو متشددين أو قِدَميين جاهلين بمنهج العصر وأسلوب الحياة المتنوّرة والتعامل الحضاري؛ واللامبالاة الزائدة بالأرحام والقرابات القريبة والصلات العزيزة الجديرة بالتقدير اللائقة بالعناية والاحترام. وما إلى ذلك من الأمراض الخلقية التي لاتقبل الحصر.

       وقد أدّى الاختلاطُ الحرام، والمِثْلِيَّة، وتحدّي حدود الله بأنواعها إلى أمراض لم يسمع بها الأجداد، ولم يعرفها الأطباء على مدار التاريخ البشري، على رأسها الإيدز، والسرطان وموت الفجاءة، وأمراض الدم والكبد والكلية والقلب المُكْتَشَفَة حديثًا، والتي لم يعلم بها الأجدادُ. وذلك ما تَنَبَّأُ به وغيره نبيُّنا الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الكثيرة التي صَرَّح فيها بأشراط الساعة وفساد الزمان والفتن العمياء التي بدأت تَدَعُ العقلاءَ  اليوم حيارى. منها:

       ● «من أشراط الساعة الفحشُ والتفحش وقطيعة الرحم وتخوين الأمين وائتمان الخائن» (رواه عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأنس رضي الله عنهما كل من الحاكم 253؛ والبزار 6/409؛ وأحمد في مسنده 458).

       ● «سيأتي على الناس زمان يُخَيَّرُ الرجلُ بين العَجْزِ والفجور؛ فمن أدرك ذلك الزمان فَلْيَخْتَر العَجْزَ على الفجور» (رواه أحمد: 7744؛ والبيهقي في شعب الإيمان: 7979).

       ● «من اقتراب الساعة يُرَى الهلالُ قَبْلًا؛ فيقال: لليلتين، وأن تُتَّخَذَ المساجدُ طرقًا، وأن يظهر موت الفجاءة» (الطبراني في الأوسط: 9376؛ وأبوعمر الداني في السنن الواردة في الفتن: 396).

       ● «صِنْفَانِ من أهل النار لم أَرَهُمَا، قوم معهم سِيَاطٌ كأذناب، فيضربون بها الناسَ، ونساء كاسيات عاريات مُمِيلَات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة، ولا يجدن ريحَها، وإن ريحها لتُوجَد من مسيرة كذا وكذا» (مسلم:2128؛ وأحمد: 8664؛ والبيهقي: 590؛ وابن حبان: 7461).

       ● «لاتقوم الساعة حتى يُجْعَلَ كتابُ الله عارًا، ويكونَ الإسلامُ غريبًا، حتى تبدو الشحناءُ بين الناس، وحتى يُقْبَضَ العلمُ، ويَهْرَمَ الزمانُ، ويَنْقُصَ عمرُ البشر، وتنقصَ السنونُ والثمراتُ، ويُؤْتَمَنَ التُّهَمَاءُ، ويُتَّهَمَ الأُمَنَاءُ، ويُصَدَّقَ الكاذبُ، ويُكَذَّبَ الصادقُ، ويَكْثُرَ الْهَرَجُ وهو القتل، وحتى يُبْنَى الغُرَفُ فتُطَاوَل، وحتى تحزنَ ذواتُ الأولاد، وتَفْرَحَ العَوَاقِرُ، ويظهرَ البغيُ والحسدُ والشحُّ، ويهلكَ الناسُ، ويكثرَ الكذبُ، ويَقِلَّ الصدقُ، وحتى تختلفَ الأمورُ بين الناس، ويُتَّبَعَ الهَوَىٰ، ويُقَضَىٰ بالظنِّ، ويكثرَ المطرُ، ويقلَّ الثمرُ، ويغيضَ العلمُ غيضًا، ويفيض الجهلُ فيضًا، ويكونَ الولدُ غيظًا، والشتاءُ قيظًا، وحتى يُجْهَرَ بالفحشاء، وتُرْوَى الْأَرضُ رَيًّا، ويقوم الخطباءُ بالكذب، فيجعلون حقي لشرار أمتي، فمن صَدَّقَهم ورَضِيَ بهم، لم يَرُحْ رائحةَ الجنة» (كنز العمال: 38578؛ ومجمع الزوائد: 9266؛ والطبراني: 3020).

       ● «إذا اسْتَحَلَّتْ أمتي خمسًا، فعليهم الدَّمَارُ: إذا ظهر فيهم التلاعنُ، ولَبِسُوا الحريرَ، واتَّخَذُوا القَيْنَاتِ، وشربوا الخمورَ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء» (البيهقي عن أنس رضي الله عنه في شعب الإيمان: 5084؛ وأبو نعيم في الحلية: 3/359؛ والطبراني في المعجم الأوسط: 5061؛ وكنز العمال: 30864).

       ● «إن الله إذا أراد أن يُهْلِك عبدًا، نَزَعَ منه الحياءَ، فإذا نَزَعَ منه الحياءَ، لم تَلْقَه إلا مَقِيتًا مُمْقَتًا، فإذا لم تَلْقَه إلا مَقِيتًا مُمْقَتًا، نُزِعَتْ منه الأمانةُ، فإذا نُزِعَت منه الأمانةُ لم تَلْقَةَ إلا خائنًا مُخَوِّنًا، فإذا لم تَلْقَه إلا خائنًا مُخَوِّنًا، نُزِعَتْ منه الرحمةُ، فإذا نُزِعَت منه الرحمةُ، لم تَلْقَه إلا رَجِيمًا مُلْعَنًا، فإذا لم تَلْقَه إلا رجيمًا مُلْعَنًا، نُزِعَتْ منه رِبْقَةُ الإسلام» (ابن ماجه: 4054 عن ابن عمر رضي الله عنهما).

       ● «إن لكل أمة فتنةً، وفتنة أمتي المال» (الترمذي عن كعب بن عياض رضي الله عنه: 2258؛ وأحمد: 17471؛ والحاكم في المستدرك: 7896).

       والعلاج كان – ولازال – وسيظل كامنًا في التعليم الإسلامي القرآني والنبوي، الذي يتضمن برنامجًا شاملًا متكاملًا، جامعًا مانعًا، لإصلاح الإنسان والكون والحياة، والصياغة البشرية في البوتقة التي رضيها الله للإنسان، والتنمية البشرية الحقيقية التي تجعل أفرادَ البشر مصنوعين صِنَاعةً منشودةً لدى الله تعالى، فلا يبقى فيهم جانب غيرَ ناضج، ناقصًا غير كامل، ومخدوشًا غيرَ سالم.

       وقد تضمنت «سورة لقمان» برنامجًا متكاملًا لتربية الأولاد على الأسس الإنسانية النبيلة وصياغتهم في البوتقة التي يجيء المصوغ فيها انسانًا منشودًا لدى الخالق جلّ وعلا لتعمير الكون، وبناء المجتمع الإنساني الصالح، وإسعاد البشرية. وذلك من خلال وصايا لقمان الحكيم لابنه، وهي حسبما وردت في القرآن الكريم ثماني وصايا، نذكرها فيما يلي:

التحذير من الشرك بالله تعالى.

الإحسان إلى الوالدين.

اتّباع سبيل المنيبين إلى الله.

مراقبة الله عز وجل.

الأمر بإقامة الصلاة.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الصبر على الشدائد.

الآداب الاجتماعية.

توحيد الله تعالى

       فبدأ لقمان وصيته لابنه بالنهي عن الشرك قائلاً:

       «يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» (لقمان/13).

       بدأ به لأنه نهاية الشناعة والقبح أن يُسَوِّي الإنسان بين الخالق والمخلوق، بين الذي أوجد الكون وبين الذي لايقدر على إيجاد ذرة منه، وبين الذي خلق السماوات والأرض وبين الذي يعجز عن خلق أحط مخلوق مثل الذباب أو دونه.

       فمن أهم واجبات الوالدين اتجاه أبنائهما هو الاهتمام بغرس عقيدة التوحيد في نفوسهم، وتوجيههم نحو حبّ الله تعالى وحبّ رسوله –صلى الله عليه وسلم- وتعليمهم أن حبّه تعالى وحبّ نبيه –صلى الله عليه وسلم- يجب أن يظل فوق حبّ جميع شيء في الكون حتى الوالدين أو حتى نفوسهم هم، وأن يُوَحِّدُوا الله في كل حال من السرَّاء والضراء، فأرقى عمل أن يطيعوا الله تعالى، وأرقى علم أن يُوَحِّدُوه تعالى. ومن أجل كون التوحيد – الذي هو ضد الشرك – أساس الإيمان بالله تعالى، رَكَّزَ الأنبياء والمرسلون جميعًا على التوحيد وشَنَّعُوا على الشرك بأنواعه وأشكاله.

       قال تعالى وهو يخاطب نبينا خاتم الرسل –صلى الله عليه وسلم-:

       «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ» (الأنبياء/25).

       وللشرك أشكال لاتُحْصَىٰ، وقد يرتكب الإنسان الشرك وهو يتأكد أنه لايُشْرِك؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:

       «إن أخوف ما أَتَخَوَّف على أمتي الإشراك بالله. أما! إني لستُ أقول: يعبدون شمسًا ولاقمرًا ولا وثنًا؛ ولكن أعمالًا لغير الله وشهوةً خفيّة» (سنن ابن ماجه عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه: 4205).

       وقال –صلى الله عليه وسلم-:

       «الشرك أَخْفَىٰ في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة، وأدناه أن تُبْغِض على عدل، وأن تحب على جور» (تخريج أحاديث الإحياء:1754).

الإحسان إلى الوالدين

       وأَتْبَعَ الله تعالى التوحيدَ الإحسانَ إلى الوالدين ضمن وصايا لقمان الحكيم لابنه، فقال عَزَّ من قائل:

       «وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (لقمان/14-15).

       إن الله قرن إلى التوحيد وعدم الإشراك به تعالى الإحسانَ إلى الوالدين؛ مما يؤكد أهميته عنده تعالى؛ حيث جعله يلي توحيده تعالى وإفراده بالعبادة والعبودية؛ لأن الإحسان إليهما واجب يقتضيه طبيعيًّا العطفُ الفطري الذي فُطِرَا عليه نحو أبنائهما. إن الرحمة التي عُجِنَتْ بها طينة الوالدين نحو أولادهما، لهي أبرز صور الرحمة في هذه الدنيا التي خلقها الله مزرعة للآخرة، فوجب عليهم أن يُجَازُوهما بالإحسان إليهما والبرّ بهما والعطف عليهما وخفض جناح الذل من الرحمة لهما، وأن يُنَفِّذُوا أوامرهما، ويكونوا رهن إرشارتهما، وأن يدعوا لهما بالمغفرة والرحمة، وأن يجتنبوا كلَّ الاجتناب عقوقهما، وإيذاءَهما بأي من اللسان واليد، والقول والسلوك، وأي أسلوب من أساليب التعامل.

       وقد عَدَّ الإسلام عقوق الوالدين من الكبائر، ومقاربًا للشرك، وأكد الله تعالى الإحسان إليهما في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى:

       «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ» (النساء/36).

       «لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» (البقرة/83)

       «أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» (الأنعام/151)

       «وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» (الإسراء/23).

       «وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا» (الأحقاف/15)

       وفي هؤلاء الآيات كلّها قرن الله إلى ذكر التوحيد ذكر الإحسان إلى الوالدين، مما يدلّ دلالــةً صارخة على أن اهمّية الإحسان إلى الوالدين تلي أهمية توحيد الله.

       وفي وصية لقمان جاء ذكر الإحسان إلى الوالدين بأسلوب رقيق يُوَضِّح علاقة كل من الوالدين والأطفال موحيًا بالعطف واللطف والبلاغة والدقة، ومؤكدًا أن حقوق الله مُقَدَّمَة على كل حال على حقوق المخلوق بمن فيهم الوالدان؛ فإن أرغما الأولاد على الإشراك بالله، فلا طاعة لهما؛ لأنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومع ذلك أمر الله بمصاحبتهما بمعروف في هذه الدنيا التي إذا مارس فيها الإنسان أي نوع من الإحسان فإنه لا يضيع أجره في الآخرة، فيجب على الأولاد أن يؤدوا حقوق الوالدين المشركين في غير معصية الله، فيقوموا بالإنفاق عليهما، ومباشرة خدمتهما، ومداواتهما إذا مَرِضَا، وتوفير حاجاتهما المتنوعة التي تكثر في حياة الإنسان.

       إن الأولاد البارّين بالوالدين، يكونون سعداء بذواتهم، فيُسْعِدُون الكون، والمجتمع البشري، بجميع ما عندهم من مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، وكرائم العادات، التي تجعلهم يزرعون الخير، فيحصدون ثماره الحلوة، ويستفيد منها غيرهم من أعضاء المجتمع البشري. إن الذي يُحْسِنُ إلى الوالدين يُحْسِنُ إلى جميع الناس، والذي يسيء إلى الوالدين، يكون أكثر وأشدّ إساءة إلى غيرهما من أفراد البشر، الذين يتأذّون من جميع تصرفاته في الحياة؛ لأن المسيء إلى أكبر محسن إليه – وهو الوالدان – لابدّ أن يتجرأ على الإساءة إلى من هو دونه في الإحسان إليه. وذلك مايُجَرِّبُه كل إنسان في الحياة المعاصرة التي تديرها الحضارة الغربية التي جعلت الوالدين على هامش الحياة، بل من الأشياء المُسْتَهْلَكَة التي إنما يكون مصيرها سَلَّةُ الـمُهْمَلَات؛ من ثم كثرت اليوم دورُ العَجَزَة والمُسَنِّين التي لم يعرفها البشر في الماضي؛ لأن الأولاد كانوا بارّين مطيعين لآبائهم وأمهاتهم، وكانوا يفدونهم بأنفسهم وبأموالهم وبكل ما كانوا يكسبونه في الحياة.

       وهذه الأخلاق الكريمة والخصائل الحميدة كانت تنعكس على غير الوالدين من أفراد الجنس البشري، فكانت الإنسانية تَنْعَم بالخيرات والحسنات التي يزرعها الإنسان للإنسان، ولم تتحول الحياة جحيمًا لا تُطَاق كما نشاهد اليوم.

       من ثم عدّ النبي –صلى الله عليه وسلم- الولد الصالح البارّ من كسب الإنسانِ الأَطْيَب، فقال:

       «إن أطْيَبَ ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولد الرجل من كسبه» (النسائي عن عائشة – رضي الله عنها -: 4449).

       كما اعتبر –صلى الله عليه وسلم- الولَد الصالح صدقةً جاريةً للإنسان يصل إليه أجرها بعد موته، فقال:

       «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة: إلّا من صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَع به، أو ولد صالح يدعو له» (مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – :2682).

اتّباع سبيل المنيبين إلى الله

       «وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (لقمان/15).

       ثم أوصى لقمان ابنه باتّباع سبيل الصالحين المنيبين إلى الله تعالى، وقد حكى الله هذه الوصية بصيغة الخطاب تركيزًا على أهمية قضية الائتساء بالقدوة والشخصيات المثالية المرضية لدى الله تعالى، وعلى رأسها الأنبياء والمرسلون وأصحابهم وحواريوهم، فالاقتداء برسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصحابته – رضي الله عنهم – ومن اهتدى بهديهم من العلماء والصالحين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، يملأ الفراغ في حياة الإنسان – ولاسيّما الشباب الذي يحتاج للقدوة- ويمنعه من الميل إلى نماذج سلبيّة وشخصيات منحرفة اطردت اليوم من جراء إفرازات الحضارة الغربيّة الفاسدة التي لم تألُ جهدًا في تحويل الإنسان بهيمةً.

       وقد صدق ربنا الرحمن إذ قال:

       «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (الأحزاب/21).

       وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:

       «دينك دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا» (كنز العمال عن ابن عمر – رضي الله عنهما – : 5918).

       إن القدوة الحسنة هي التي تبني الإنسان، وبالعكس القدوة السيئة تُدَمِّره وتُفْسِده؛ ومن ثم رَكَّزَ الإسلام تركيزًا كبيرًا على الصحبة الصالحة وحَذَّر تحذيرًا كبيرًا من الصحبة السيِّئة.

       قال الشاعر:

عَنِ الْـمَرْءِ لَاتَسْأَلْ وأَبْصِرْ قَرِينَهُ

فَإِنَّ الْقَـرِينَ بالْـمُقَـارِنِ يَقْتَــدِي

فَإِنْ كَانَ ذَا شَـرٍّ فَجَانِبْـهُ سُـرْعَـةً

وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَــدِي

       وقال آخر:

لَا تَصْحَبِ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ

كَمْ صَالِحٍ بِفَسَــادِ آخَـرَ يَفْسُـدُ

عَدْوَى الْبَلِيدِ إِلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَـةٌ

كَالْجَمْر يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ

       وقال النبي –صلى الله عليه وسلم­-: «كلُّ مولود يُوْلَدُ على فطرة الإسلام، إلّا أن أبويه يُهَوِّدَانِه ويُنَصِّرَانِه ويُمَجِّسَانِه» (مسلم:2658).

مراقبة الله عز وجل:

       «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» (لقمان/16).

       هذه الآية نصٌّ على أن لقمان الحكيم أراد من خلال وصيته لابنه أن يؤكد له مدى قدرة الله تعالى وعظمته وأنه عالم الغيب وأنه المطلع وحده على ما في الكون من سرائر وأسرار وأمور تخفى على الخلق جميعًا، ولا تخفى عليه ألبتة. وذلك جزء صميم من العقيدة التي يجب أن يعتقدها المؤمن بالله، ولا يكمل التوحيد بدون تبني هذه العقيدة، ولايكتمل الإيمان، ولا يصح الدين، ولا تصفو العقيدة، ولا يُقْبَل من الإنسان أي عمل بدونها مهما بالغ في العمل وأكثر منه ودام عليه و واصله.

       وقد صَرَّح الله تعالى في الآية على لسان لقمان الحكيم أنه تعالى إذا قَدَّرَ للإنسان رزقًا، فإنه سيأتيه لا محالــة، مهما كان ضئيل المقـدار قليل الحجم الذي قد لايكون بمقدور الإنسان أن يزنه بميزان، والذي حكاه الله بـ«مثقال حبة خردل» فالإنسان مُطَالَبٌ أن لايشغل نفسه عن الفرائض التي افترضها الله تعالى عليه أثناء سعيه للوصول إلى رزقه، فإنه سيناله على كل حال ولا يحول دونه ودونه أي حائل من الحيوانات أو النباتات أو الجمادات؛ لأنها جميعًا جنود الله وتحت أمره ومرهون بإشارته.

       كما أن «مثقال حبة من خردل» يدلّ بوضوح على عدل ميزان الله تعالى، ودقته في الحساب والتقدير والإحصاء، لأن «حبة خردل» لا يكون لها وزن، و«فتكن في صخرة» يدلّ على أنها في مكان لايمكن الوصول إليه والاطلاع عليه والتفطن له بالعقل البشري والحدس الإنساني، و«أو في السماوات» في الكيان المتسع الهائل الذي تبدو فيه النجوم كأنها ذرّات ضائعة. «أو في الأرض» تائهة في التراب فلا تكاد تظهر.

       والمقصود من هذه التعبيرات القرآنيّة إظهار مدى قدرة الله عز وجل على إحصاء أعمال العباد الصغيرة والكبيرة، والحسنة والسيئة. وبذلك يتأكد الإنسان أن الله يراقبه في كل حال وفي كل مكان، فليلتزم مخافتَه تعالى في أعماله كلها وأحواله جميعها، ومن اتقاه في كل حال لا يضيع، ولا يتيه، ولا يفسد، ولا ينحرف، ولا يخرج عن إطار الأخلاق والمروءة البشرية، فيَسْعَد ويُسْعِد، ويَصْلُحُ ويُصْلِح، ويَنْعَم ويُنْعِمُ، ويساهم في بناء مجتمع بشري آمن يشعر فيه كل فرد بشري براحة القلب وطمأنينة الضمير.

       إن مراقبة الله تعالى، واستشعار أنه عزّ وجلّ يراه دائمًا، ويحاسبه على جميع تصرفاته في الحياة دقيقة كانت أو جليلة، تجعل الإنسان يخاف الله مخافة، تمنعه عن كل عدوان وطغيان يمسّ شخصه أوغيره؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كمارواه الشيخان:

       «الإحسانُ أن تعبد اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (البخاري عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:50؛ ومسلم:8)

       إن هذا الإنسان المراقب لله، الخائف منه، المتقي إياه تعالى في السرّ والعلن يوظف جميع جوارحه التوظيف البنائي الإيجابي الأمثل، فيساهم في عمارة الكون، وزرع الخير للخلق، وإقامة العدل للمجتمع البشري.

الأمر بإقامة الصلاة

       «يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَوٰةَ» (لقمان/17).

       الصلاةُ أول ما يُحَاسَبُ عليه الإنسان يوم القيامة، فمن صلحت صلاته نجا، ومن فسدت صلاته، خاب وخسر. قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:

       «إن أول ما يُحَاسَبُ به العبدُ يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» (الترمذي:417).

       إنها الوسيلة الوحيدة لاستكمال الصلة بين العبد وربّه، والتواصل مع الله تعالى، واستتمام الصفات الإنسانية، وعلى رأسها تحاشيه عن الفحشاء والمنكر اللذين هما أساس كل شرّ وفساد وفتنة في حياة الإنسان. قال الله تعالى:

       «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» (العنكبوت/45)

       ولذلك اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بالصلاة، وأَكَّدَ الأمر بالمحافظة عليها، وأدائها في كل حال: في حالتي الأمن والخوف، وحالتي الصحة والمرض، وحالتي السفر والحضر، قال تعالى:

       «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» (البقرة/238-239)

       على أن الصلاة لها أثر تربوي شامل على النفوس البشرية، وفيها سكينة القلوب، وإصلاح الفرد والمجتمع، ودرس للاتحاد والجَمَاعِيَّة التي دعا إليها الإسلام دعوة أكيدة، لأنهاتضمن صلاح الفرد والجماعة. فقال –صلى الله عليه وسلم-:

       «يَدُ اللهِ مع الجماعة» (سنن الترمذي:2166).

       وفيها تعليم لإدارة الأوقات، والمحافظة عليها، وأداء الأعمال كلها في مواعيدها حتى تأتي على أحسن ما يُرَامُ، ولا يطغى عمل على عمل، ومسؤولية على مسؤولية؛ لأن في ذلك إخلالًا بالنظام، ونقصًا للحق، وظلمًا لا يُقِرُّه الإسلام في حال ما.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

       من جملة ما أوصى لقمان الحكيم ابنه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه يُعَدُّ من مكارم الأخلاق؛ لأن في ذلك خدمة ذات أهمية كبيرة للمجتمع والفرد، وتجنيب له الانحراف الأخلاقي بأنواعه، الذي يفسد الفرد والمجتمع، ويُعَرِّضُه للبلاء العظيم والفتنة المستشرية التي تفتك اليوم بالمجتمعات البشرية في العالم كله، ولا يجد لها الأطباء البارعون والحكماء المختبرون أي دواء وعلاج، رغم كل مجهود مستطاع يبذلونه؛ ولذلك حرص الإسلام على أن يجند المسلمون أنفسهم للنضال ضد كل انحراف بكل من أيديهم أو ألسنتهم أو قلوبهم، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:

       «من رأى منكم مُنْكَرًا فليُغَيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان» (مسلم:49).

       وقد حَمَّلَ النبي –صلى الله عليه وسلم- مسؤولية تغيير المنكر والحيلولةَ دونه بكل ما يستطيعه، كلَّ فرد من أفراد المسلمين، وكأنهم جميعًا مُكَلَّفُون الدعوةَ والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر؛ لأن ذلك هو الطريق الوحيد إلى غرس كل خير واجتثاث كل شرّ، وزرع كل فضيلة، واستئصال كل رذيلة، وعليه يتوقف صلاحُ الفرد والمجتمع، وبدونه يفسد كل من الفرد والجماعة.

الصبر عند الشدائد

       «وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(لقمان/17)

       الصبر عند الشدائد والبلايا والمحن من أفضل القربات وأجلّ الطاعات، التي تُقَرِّب الصابرَ إلى الله تعالى وتجعله عزيزًا عنده وحبيبًا لديه، ولا سيما الصبر لدى ما يصيب الداعيةَ إلى الله من قبل أعداء الدعوة، والمتصدين للرسالة، والناصبين العِدَاءَ للحق. ومواجهة الدعوة بالمعارضة الشديدة والتحدي العنيف من قبل المدعوين الجهلاء مُتَصَوَّر و واقع لامحالة؛ لأن تغيير أفكار الناس وإرضاءهم بتحويل مُعْتَقَدَاتهم أمر صعب للغاية، لأن الأفكار المترسخة في القلوب والمعتقدات المتجذرة في النفوس لايسهل استئصالها، فينقلب حاملو هذه الأفكار والمعتقدات أعداءَ ألداءَ لمن يدعوهم إلى تركها إلى غيرها، فبالصبر وحده يمكن مواجهة الموقف الذي يتعرض له الداعي إلى الله، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؛ لأن الصبر يُمَكِّنُه من أن يضع الأمور في نصابها، ويتصرف بعقلية واتزان، ويقوم بالأمر المناسب في الوقت المناسب، وبطريقة حكيمة، ويصبر على الأذى الّذي قد يصيبه به أعداء الدعوة، أو على البلايا والمحن التي يتعرّض لها بقدر الله تعالى ليختبر مدى قدرته على ما يكرهه من الشدائد، فيرفعه درجات، ولا يجزع لديها ويفقد الثقةَ بالله فيحطّه درجات.

       والصبرُ بذاته صفة عظيمة من رُزِقَها رزق الخير الكثير الذي لا يُحْصَىٰ، إنه قوة خلقية تمكن الإنسان من ضبط نفسه، فتقدر على تحمل المتاعب والآلام، وتجتنب الانزلاق إلى الضجر والجزع، والسآمة والملل، والعجلة والغضب، والطيش والطمع، والفزع والخوف، والأهواء والشهوات.

الآداب الاجتماعية

       ثم أوصى لقمان الحكيم ابنه بالتقيد بآداب اجتماعية، لابدّ منها للإنسان لكي يستكمل صفاته الحسنة، ويكون فردًا صالحًا مصلحًا في المجتمع، فقال:

       «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» (لقمان/18-19)

       أي أَقْبِلْ على الناس متواضعًا مؤنسًا مستأنسًا، وإذا حَدَّثَكَ أصغرهم فأَصْغِ إليه؛ حتى يُكْمِل حديثَه؛ لأنه هكذا كان يفعل نبينا –صلى الله عليه وسلم-.

       إنها آداب إنسانية نبيلة، يجب أن يتعامل بها الكل مع الكل، فلا يجوز أن يُمِيلَ أحد وجهه عن الناس تكبرًا عليهم وإعجابًا بنفسه وتحقيرًا لهم، كما لايجوز أن يمشي مُتَبَخْتِرًا، فيتوسِط في مشيته بين الإسراع والبطء، ولا يرفع صوته عاليًا متجاوزًا الحدَّ المعتدلَ الوسط. إن التكبر يجب أن يبرأ منه كل مسلم؛ لأنه ليس من أخلاقه. إن الإنسان إنما يتكبر عندما ينسى حقيقة نفسه، وينسى مصيره ومرجعه حين موته، ولو ذكرها لخَجِلَ من نفسه، وتواضع دائمًا، وأخلص عبادته لله حقًّا، وعدّ نفسه أصغر من غيره مهما كان كبير القيمة وعظيم القامة. وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:

       «ما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» (مسلم: 2588)

       والـمَرَحُ معناه الفرح الزائد والنشاط البالغ بنحو مُجاوِز للحدّ، وهو كذلك ينبع من الخيلاء والتكبر والشعور المتجاوز بالعلوّ، فمعني المشي مرحًا، أن يمشي الإنسان مشية تدل على التكبر والتعالي.

       والمقصود من كل من الأمر بالمشي بعدم المرح، القصد والاعتدال في المشي، والغضّ من الصوت هو الأمر بالتقيد بالتواضع واتخاذه مسلكًا في الحياة يلازمه في مشوارها كلّه، حتى يبدو الإنسان سويًّا مستقيمًا نزيها لايؤذي غيره ولا يتأذى هو منه، فيعيش الحياة باعتدال وتواضع، واستقامة ولا انحراف، وثقة وطموح لمواجهة جميع أنواع التحديات، وقدرة كافية على تحمل المسؤوليات، وحسن إدارة للأوقات، ومحاربة لجميع التصرفات والسلوكيات التي يمكـن أن تُصَنَّفَ ضمن «سلبية».

       إن الله تعالى حكى في كتابه العزيز الخالد الباقي وصايا لقمان لابنه، لأنها بمجموعها تساعد على إيجاد البيئة الإيمانية الإيجابية الصالحة التي بدورها تؤثر في التعليم والتربية، والتثقيف والتأديب، عقيدةً وعبادة وسلوكًا، وفي صياغة الإنسان في البوتقة الإسلاميّة الصحيحة المناسبة المعتدلة التي إذا انصاغ فيها المسلم، عاد لايعرف أي شذوذ وانحرف في حياته؛ لأنه يَتَقَوَّىٰ شخصية من خلال المصاحبة الصالحة، وإقامة الصلاة، وأداء الفرائض الدينية، وتنمية الوازع الديني والخلقي، والتواصل الدائم مع أهل الصلاح والخبرة الدينية والدنيوية في محيطه الأسري وخارجه، وتعاطي جرعات الثقافة الإسلامية والآداب الإنسانية.

       إنّها التنمية البشرية الحقيقية التي هدى إليها القرآن، وعَلَّمَها رسولنا الخاتم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وأنشأ في ضوئها جيل الصحابة الذين نقلوا إلينا الكتاب والسنة غَضَّيْن طَرِيَّيْن، اللـذين ما تمسكنا بهما لن نضل أبدًا. و تعاليم الإسلام كلها نعمـة عامة للبشرية جمعاء، وهي خوان عـــامّ لجميع العـالـمين، فليستفيدوا منها وليستضيئوا بها، قبــل أن يدمــروا تمامًا أنفسهم وغيرهم، بحضارتهم الفاسدة، وإفرازاتها المدمرة.

(تحريرًا في الساعة الثالثة من مساء يوم الخميس: 26/صفر 1439هـ الموافق 16/نوفمبر 2017م).

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1439 هـ = يناير – فبراير 2018م ، العدد : 5 ، السنة : 42

Related Posts