كلمة العدد
وَطَنَ يَطِنُ (ض) بالمكان: أقام به؛ و وَطَنَ البلدَ: اتخذه وَطْنًا، وكذلك اِتَّطَنَ واسْتَوْطَنَ وتَوَطَّنَ البلدَ: اتخذه وَطْنًا. والوَطْنُ ج: أوطان: منزل إقامة الإنسان وُلِدَ فيه أو لم يُولَدْ.
ويُعَرَّفُ الوطن أيضًا بأنه واقع مادي جغرافي الملامح، يُشَكِّل جزءًا من الكرة الأرضية، التي يتوطنها البشر منذ قرون في مجموعات متفاعلة متماسكة بهدف تحقيق مصلحة في بقعة أرضية مُعَيَّنة؛ ولذلك لا يستطيع الإنسان العيش بدون وطن يحميه ويدافع عنه ويرعاه ويُقَدِّم له الخدمات المختلفة.
ويُعَرَّف الوطن كذلك بأنه هو الأرض التي ينشأ عليها الإنسان ويتوارثها، وهو المصدر الذي يُؤَمِّن له مُسْتَلْزَمَات الحياة من طعام وشراب ولباس ومأوى، كما يؤثر الوطن في تكوين شخصيات مواطنيه بما يُرَسِّخ فيهم من عادات وتقاليد وأعراف ومُعْتَقَدَات، بالإضافة إلى تأثيرات الأرض والماء والهواء والحرارة والأحياء التي تُكْسِب المواطنين صفات متشابهة.
من ثم يختلف سكان وطن عن سكان وطن آخر في الأمزجة والطبائع والملكات والخصائص الإنسانية الكثيرة التي يمتاز بها أهالي وطن عن أهالي وطن آخر، رغم تشارك الناس جميعًا في المزايا الإنسانية الكثيرة المتشابهة.
* * *
بعيدًا عن الديانات والحركات، والدعوات والمنظمات، والأحزاب والمذاهب، والاتجاهات الهدّامة التي وُجِدَت لتنحرف بالإنسان عن مساره الصحيح وخطّه المستقيم، ظلّ الإسلام – دين الله الخاتم الخالد الباقي – يدعوه إلى المحجّة البيضاء التي ليلُها كنهارها والتي لايزيغ عنها إلّا هالك؛ فبينما دعت الاتجاهات الْـمُعْوَجَّة الـمُدَمِّرَة إلى عبادة الأوطان، واتخاذها إلهًا من دون الله، واعتبارها أمًّا حنونًا تَخِرُّ لها الجباهُ ساجدةً، واعتبار جميع ما فيها من التراب والطين، والأشجار والأنهار، والجبال والسهول، والمزارع والغابات، والقرى والأرياف، والصحارى والخضراوات، حتى الثقافات والحضارات، واللغات واللهجات، والديانات والمُعْتَقَدَات، والمباني والآثار، والمواسم والأعياد، والجيوش والبنود، والأمكنة ذات الخلفيّة والقداسة الدينية. اعتبار ذلك كله مُقَدَّسًا مثل الإله؛ فإذا أخلَّ بإجلاله أحد من المواطنين أو بدا أنه يُقَصِّر في الخضوع لعظمته، استحق العقاب الرسمي الذي قد لايمسّه إذا قَصَّرَ في إكرام مواطن أو ارتكب إهانتَه والنيلَ من عرضه أو غمطَ حقوقه.
بعيدًا عن ذلك كله – الذي ليس إلّا نابعًا من التطرف والضلال، والغنى عن الهدي الرباني، واتّباع المنهج الشيطاني، والصدور عن الهوى النفساني – أَصَّلَ الإسلام حبَّ الوطن، وحَدَّدَ معالمه وأُسُسَه التي تُوَافِق الطبيعةَ البشريّةَ، للغرض النبيل الذي يختصر في خدمة العباد، وإسعاد الكون، وعبادة ربّ العباد: ربّ السماوات والأرضين، وعمارة الأرض وإصلاحها، واجتناب كل ما يُفْسِدها، ويَسْلُبُها أمنَها ويُحَوِّلها جحيمًا لمن على ظهرها.
إن الإسلام لم يجعل الوطن إلهًا يُعْبَد من دون الله، ولم يُضْفِ عليه القداسةَ، ولم يُعِرْهُ المكانةَ العظيمةَ الجليلةَ التي تقتضي من الإنسان أشرف المخلوقات وأكرم الموجودات أن يُطَأْطِئَ له رأسَه، ويُخْضِع له جبهتَه، ويُرْكِع له رأسَه، ويعتبره أشرفَ وأحقَّ تكريمًا من نفسه.. الأمر الذي تدعو إليه الديانات والحركات الدنيوية الباطلة التي تضلّ كالعادة الصراطَ المستقيمَ، وتتخبط في شؤون الحياة خبط عشواء، وتقلب الموازين، وتتبنّى المعكوسَ في كل ما يمسّ الحياةَ والمجتمعَ ومصالحَ العباد والبلاد.
من طبيعة البشر المركوزة في طينته المعجونة معها أن يحب الوطن دونما إملاء من أحد أو ضغط منه؛ لأنه وُلِدَ فيه، ونشأ على ترابه، وتنفس في جوه، وانتشق هواءه، وشرب ماءه، وتَغَذَّىٰ بحبوبه وغَلَّاته، واستأنس بكل شيء فيه، وتَمَتَّعَ بكل جزء منه، وتَعَلَّقَ به تعلُّق الجسم بالروح، وعرفه معرفة الشخص لنفسه، وصبا إلى كل ما فيه من أشجار وثمار، وزروع وخضرة، وأرض خالية وعامرة، ودور وقصور، وقشوش وأكواخ، وغدران وحياض، وسهول ومرتفعات، ووِهَاد ونُهُود.
فاقتضى ذلك أن يحبّه طبيعيًّا، ويحافظ عليه، ويدافع عنه، ويقاتل دونه لدى الحاجة، ويفديه بمهجته إذا مست الضرورة، ويخدم مصالحه، ويحب سكانه، ويُؤَمِّن وسائلَ الحياة فيه، ولا يمسّ من يساكنه فيه بسوء أو مكروه، ولا يسمح لأحد بأن يعبث بخيراته، ويُهْدِر حسناته، ويُضِيع ما فيه من الوسائل والمُنْتَفَعَات العامة، وأن يقف في وجه من يحاول بحيلة ما أن يخصّها لنفسه أو لفئة دون فئة محتسبًا لدينها أو ثقافتها أو تقاليدها أو لغتها أو محليّتها.
اقتضى ذلك أن يحافظ على استمرارية عطائه للجيل الحاضر والأجيال القادمة، ويعمل على تقدّمه وازدهاره، ورخائه وبنائه، وسيادته وسلامته، وقوته وكونه أنفع للعباد والشعب، وأخدم لمصالحه من ذي قبل، واستقلاله وحريته، وبالتالي يجب أن يحرص الحرصَ كلَّه على أن يجعله بكل ما لديه من حيلة وتدبير وتفيكر وبوسعه من جهد وعمل يَتَأَبَّىٰ على كل نوع من الاستعمار داخلي وخارجي، عسكري واقتصادي، واجتماعي وسياسي، وفكري وثقافي، حتى لايخضع المواطنون لأي من الاستعباد والتسخير، ليكونوا أحرارًا متاحًا لهم أن يعبدوا الله وحده، ويعملوا بأوامره ونواهيه، وشرائعه وأحكامه، ويركضوا في مجال الحياة دونما قيد يُفْرَضُ عليهم أو حدّ يوضع في طريقهم؛ لأن الإسلام جاء ليُخْرِج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن عبادة العباد والأصنام والأحجار والأوثان أو … إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، واستعباد الناس إلى حريتهم المطلقة التي لاتُقِرُّ بعبوديّة أحد غير الله (انظر تاريخ الطبري: 3/520). وقد نهى سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن كل نوع من ممارسة عملية الاستعباد مع عباد الله، قائلًا: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟» (فتوح مصر والمغرب 1/195).
واقتضى حبُّ الوطن- فيما اقتضى – أن يُؤْخَذَ بطريقة شرعية وقانون قضائي على أيدي الظلمة الذين يقفون في طريق حريّة العباد، ويضيقون عليهم الأرض بما رحبت، ويُعْدِمُون عليهم فرصَ العمل والوظيفة وكسب لقمة العيش، ويمنعون عن توزيع الثروة القومية توزيعًا عادلًا، ويجعلونها تتجمع لدى أفراد معدودين، ويحاولون أن يزداد الأثرياء ثروة، والفقراء فقرًا، والأشقياء بأنواعهم شقاءً، وأن يخدموا فقط مصالح كبار رجال المال والأعمال على حساب التجار وأصحاب الصناعات الصغيرة والحرف اليدوية العادية والعمال الذين يعملون على أجرة يومية أو رواتب يتقاضونها أسبوعيًّا أو شهريًّا أو نصف شهري، وأن يفرضوا ضرائب باهظة على الشعب لايطيقونها، فيجعلونه ناقة حلوبًا يُحْسِنون حلبَها ويُسِيئون علفَها.
إن حبّ الوطن يقتضي أن يُؤْخَذ على يد كل صنف من الظالمين، وأن تُمَارَسَ الحيلولة في طريق كل نوع من العدوان الداخلي والخارجي، وأن يُجْعَل الوطنُ مأمنًا لكل من يسكنه، وأن يُؤَمَّن الحفاظُ على نفسه، وماله وممتلكاته، وأعماله وتجاراته، وعرضه وأرضه، ويُفْسَح المجالُ أمام العمل بدينه وعقيدته وتعاليمها؛ لأن ذلك جزءٌ من الحريّة التي لابد أن يتمتع بها كلُّ إنسان بغض النظر عن دينه ومُعْتَقَده واتّجاهه الفكري الإيجابيّ البنائي الذي لايترك ضررًا مباشرًا على الآخرين من أفراد البشر.
إن حبّ الوطن يقتضى أن يحال دون كل نوع من الفاشيّة Fascism والعرقيّة Racism واللونيّة Chromaticity والتطرف واللاعدل والاعتداء؛ لأن ذلك كله أمراض فتاكة لا يَسْعَدُ معها المواطنُ، ولايستقرّ الوطن، ولا يهنأ المجتمع، ولايسود الأمن الذي هو أغلى نعمة يمنّ بها الله تعالى على الإنسان.
إن ذلك كله وغيره قد رَكَّزَ عليه الإسلام، ودعا إليه دعوة قوية بكل من القول والسلوك. وذلك مُتَجَلٍّ ومُتَبَلْوِرٌ في تعاليم النبي –صلى الله عليه وسلم- وأقواله وتعامله، وجميع مواقف الخلفاء الراشدين، والصحابة والتابعين، وجميع الحكام المسلمين الملتزمين، والقادة الصالحين، والأمراء الأكفاء، والسلاطين اللائقين، الشاعرين بالمسؤولية، الملقاة على كواهلهم، تجاه دينهم وعقيدتهم، و وطنهم ومجتمعهم، وشعبهم وبلادهم ومواطنيها.
يتجلّى ذلك في الحديث الذي رواه كل من الترمذي وعبد الرزاق عن عبد الله بن عدي بن الحصراء أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة، يقول:
«والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخْرِجْت منك ما خرجتُ» (الترمذي: 723؛ ومصنف عبدالرزاق: 8868).
وفي رواية:
«اللهم أنتِ أحبّ البلاد إلى الله، وأنتِ أحبّ البلاد إليّ، ولولا المشركون أَهْلَكِ أخرجوني، لماخرجتُ منكِ» (أخرجه القرطبي عن قتادة وابن عباس، ج16، ص235).
كما أن وثيقة المدينة المنورة، أَكَّدَت مفهوم الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، ومنعت التظالم بين أفراد المجتمع المدني الذي أَسَّسَه النبي –صلى الله عليه وسلم- على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وعلى الاتحاد الوطني بين المسلمين واليهود الذين كانوا مواطنيهم في المدينة، فكفلت الوثيقة لغير المسلمين حقوقهم، وحدّدت واجباتهم نحو الوطن الواحد.
وقد جعل الله عزّ وجلّ حماية الوطن والدفاع عنه جهادًا في سبيله، باعتباره موطنًا لعبادته تعالى، وتنفيذ أحكامه، وإقامة دينه، وبسط سيطرته، وجعله مكانًا آمنًا للعباد؛ لأنه شاء لهم الأمن والسلام والصلاح، ولم يرضَ لهم القلق والاضطراب والبلبلة واللا أمن والفساد، فقال تعالى:
«وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ» (آل عمران/167).
* * *
اتضح من الحديث والقرآن أن حبّ الوطن متفرع من حبّ الله لذلك الوطن ولكونه خيرًا للإنسان وصالحًا له من حيث السكنى ومن حيث الأمن ومن حيث عبادة الله عز وجل الذي خلق الأرض لتكون صالحة لسكنى ونشأة الإنسان، وجعل مكة المكرمة أم القرى – المساكن المعمورة بالإنسان – .
أما الذي اشتهر على ألسنة الناس وأقلامهم من «حبّ الوطن من الإيمان» فقد رفض العلماء الثقات أن يكون حديثًا؛ بل قالوا: إنه مكذوب على النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا يصحّ ألبتة؛ ولكن قال أحد العرب: سمعتُ أعرابيًّا يقول: «إذا أردتَ أن تعرف الرجل، فانظر: كيف تَحَنُّنُه إلى أوطانه، وتَشَوُّقُه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه». إن ما قاله الأعرابي، يُؤَكِّد ما كان يَتَمَتَّعُ به هو – وهو على أصالته العربية – من المروءة والفتوة والإنسانية النبيلة التي ظلّوا – العرب – يحتفظون بها حتى في جاهليتهم التي كانوا يتقاتلون فيها على أحطّ شيء وبأدنى سبب.
وقيل: ثلاثُ خصال في ثلاثة أصناف من الحيوان: الإبل تَحِنّ إلى أوطانها، وإن كان عهدها بها بعيدًا؛ والطير إلى وكره، وإن كان موضعه مُجْدِبًا؛ والإنسان إلى وطنه، وإن كان غيره أكثر نفعًا.
ولما اشتاق النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى مكة أنزل الله تعالى عليه قوله: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ» (القصص/85) إلى معاد: أي إلى مكة. وقد وَفَى اللهُ بوعده فأعاده إليها خير إعادة وإعادة صدق.
وفي الأثر: قَدِمَ أُصَيْل الغفاري على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من مكة قبل أن يُضْرَب الحجابُ، فقالت له عائشة – رضي الله عنها – : «كيف تركتَ مكة؟» قال: «اِخْضَرَّتْ جنباتها، وابْيَضَّتْ بطائنها، وأَغْدَقَ إِذْخِرُها، وانتشر سَلَمها» فقال له –صلى الله عليه وسلم-: «حَسْبُك يا أُصيْلُ لا تحزني» (المقاصد الحسنة 1/298).
وقال الله تعالى:
«وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» (النساء/66).
دلّت الآيةُ على حبهم لوطنهم مع تَلَبُّسِهم بالإيمان؛ لأن ضمير «عليهم» للمنافقين؛ مما يؤكد أن حبّ الوطن يكون مركوزًا في الفطر البشريّة والوطن الأصلي الأول الذي يولد فيه وينشأ، وإلى هذا المعنى يشير قول الشاعر العربي العباسي العبقري ذي الذكاء المفرط أبي تمام حبيب بن أوس الطائي (188-231هـ = 788-845م).
وكَمْ مِنْ مَنْزِلٍ فِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَىٰ
وحَنِينُـــــهُ أبَــــدًا لِأَوَّلِ مَنْـــــزِلِ
* * *
على كل فإن الإنسان مفطور على حبّ الوطن، والحنين إليه، والتَّشَوُّق لكل شيء فيه، وحبّ كل ما يتعلق به وينتمي إليه من الإنسان والحيوان والنبات والجماد.
فالإنسان لِيُحِبَّ الوطنَ ويَحِنَّ إليه لايحتاج أبدًا إلى عوامل خارجية تُنَمِّي فيه حبّ الوطن، والتشوّق إليه، والغرام به، والحرص عليه، والفداء له، والتضحية من أجله، والاستماتة في الدفاع عنه والانتصار له.
ولكن العوامل التي استجدّت في العصر الحاضر تفاعلت واختمرت وأثرت سلبيًّا على حبّ الإنسان لوطنه تحت ظروف العَوْلَـمَة والتشابك العالمي والاندماج الدولي وسهولة التنقل بين الأمكنة البعيدة والتواصل المباشر بين أفراد البشر في كل أرجاء المعمورة، فرأى العلماء أن الحسّ الوطني عاد يضعف، وحبّ الوطن يتضاءل، إذاقسناه بما كان عليه الإنسان في الماضي، الذي كان يفقد فيه المواصلات السريعة ووسائل التنقل والتواصل.
فاحتيج إلى تنمية حب الوطن وترسيخه وتعميقه وبلورته في أذهان الإنسان المعاصر، حتى يحفظ هذا الدرس السعيد من جديد ويُتَرْجِمَه إلى الواقع، ويؤدي ما عليه نحو الوطن من واجبات ويعرف ما له على الوطن من حقوق.
وعندما يُذْكَر الوطن وأهمية حمايته يقفز إلى الذهن ذكر الشباب كعامل أساسي لحضارته وتقدمه وازدهاره والدفاع عنه وتعزيز سلامته وسيادته؛ وكمصدر لطاقته الدائمة المتجددة الدافعة له إلى مصاف الدول المتقدمة التي فرضت نفسها على دول العالم؛ ولذلك ترى الدولُ من واجبها الأوجب صناعة وتربية جيل شابّ مُثَقَّف مُسَلَّح بالعلم مُؤَهَّل تأهيلًا قياديًّا، قادر على النهوض بالوطن. وذلك عن طريق غرس حب الوطن بنحو علمي في الأذهان وبلورة مفهوم الانتماء للوطن لدى النشء الجديد.
وتدعو الدول لذلك لاتّباع الخطوات التالية:
(أ) التعاون بين أفراد المجتمع الواحد لحماية الوطن من كل ما يُهَدِّد أمنَه واستقراره.
(ب) المساهمة بشكل إيجابي وبنّاء في الارتفاع بالوطن باستخدام كل الطرق والوسائل المتاحة بشرية كانت أو غير بشرية.
(ج) تضافر الجهود لغرس الانتماء للوطن.
وذلك بالتعاون بين البيوت والأُسَر والـمُؤَسَّسَات و وسائل الإعلام.
والدول الإسلامية أَحْوَجُ ما تكون إلى اتّباع هذه الخطوات لتحقيق هدف تعميق مفهوم الحب والانتماء الصادق للوطن، في زمن الاستعمار العسكري الفكري الرهيب الذي يفرض وجوده بقوة عنيفة عليها جميعًا، بحيل ماكرة متنوّعة تركت الحلماء منا حيارى لا يكادون يهتدون سبيلًا إلى التخلص من مخالب هذا الاستعمار الجديد البغيض.
إن حبّ الوطن بالنحو البنائي الإيجابي الذي أراده الإسلام هو واجب المسلمين في العالم، حتى يتمكنوا من صناعة الجيل الذي يكون قادرًا بإذن الله على دحر العدوّ عن الوطن الإسلامي الكبير الواسع، ودرء الكلاب والذئاب عن الحياض الإسلاميّة، التي هي بصدد تكديرها بنحو تعود غير لائقة للشرب ألبتة.
(تحريرًا في الساعة (12) الثانية عشرة من ضحى يوم الأربعاء: 27/المحرم 1439هـ الموافق 18/أكتوبر 2017م).
نور عالم خليل الأميني
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الآخر 1439 هـ = ديسمبر2017م – يناير2017م ، العدد : 4 ، السنة : 42