دراسات إسلامية

بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه الله-

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

عام93-1394م، وفود من رابطة العالم الإسلامي:

       زار دارالعلوم هذا العام وفدان سعوديان، وفد من رابطة العالم الإسلامي كان يتجول في البلاد المختلفة في العالم، قدم دارالعلوم وسط السنة، وكان يرأس هذا الوفد السيد إبراهيم السقاف، وتلاه بعد مدة قصيرة وفد آخر في أوائل شعبان، يضم رئيس وزارة المعارف وممثلين من إدارة المباحث العلمية، ووصف هؤلاء دارالعلوم في أعقاب زيارتها بأنه منارة علم مضيئة، ومصدر للمعرفة الإلهية وملجأ لطلاب الهداية والرشد، واعترفوا بأن دارالعلوم خرّجت علماء قاموا بنشر علم الحديث في الهند، وحفظوا الدين الحنيف من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين و الفاتنين وضلالاتهم.

مقدم حاكم ولاية أترابراديش:

       في أواخرعام 1393هـ قدم دارالعلوم السيد أكبر علي- حاكم ولاية أترابراديش-، وقال – وهو يثني على دارالعلوم: «إن كبار علماء دارالعلوم هم الذين أذكوا في قلوب الملايين من البشر نار الحنين إلى الحرية، وغرسوا فيهم العواطف الجياشة للمشاركة في كفاح الحرية، وأناروا مشعل الوحدة بين الهندوس والمسلمين، و صيانة القيم الإنسانية العليا، والأسوة الحسنة للرحمة للعالمين، ونشر التوجيهات المقدسة،مما أنار كل بقعة من بقاع الهند، فدارالعلوم مهد علمي ومؤسسة عالمية للتوجيهات الإسلامية، وقلعة حصينة لكفاح الحرية، ومركز الوحدة، وأمينة على عظمة بلد مثل الهند».

       وقال – وهو يضع حجر أساس(Bhart degree college, deoband) -: بإمكاننا أن نقول اليوم – و نحن نرى رئيس دارالعلوم/ ديوبند و«سوامي ديوكليان» – مؤسس هذه الكلية- جنبا إلى جنبٍ-: إن القلوب التي يملأها الإخلاص، لا أنها لاتحمل الخلاف فقط، وإنما يعرف بعضها قيمة بعض، يدرك مكانته، ولايتسرب الخلاف إلا إذا فقدت الرغبة في الخدمة والعمل، ومن واجبنا بهذه المناسبة أن نقدم الشكر الجزيل إلى رئيس دارالعلوم، الذي يبذل وقته الغالي ويتواجد هنا بإخلاص ورغبة لتشجيع الدولة والملة، إن تواجد هذين الشخصين هنا اليوم يلقننا درسا يدعونا إلى أن نكون على قلب رجل واحد حبا وأخلاقا، ونسجل هذا الدرس على لوحة قلوبنا، ونطبقه في واقع حياتنا».

نشأة دارالقضاء:

       وأنشئت دار القضاء عام 1394هـ حفاظا على قانون الأحوال الشخصية الإسلامي والقوانين الشرعية وضمانا لاستمرارها، وبالتالي أنشئت دور القضاء في أماكن عديدة، تقوم بفصل القضايا الخاصة بالنكاح والطلاق ونحوهما من الأحوال الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية.

عام1395هـ، ورحلة رئيس دارالعلوم إلى إفريقية والحجاز وأوربا:

       قام فضيلة الشيخ محمد طيب – رئيس دارالعلوم- في أوائل شعبان عام 1395هـ بافتتاح مسجد عظيم في «سينت بيتر» في بلد ري يونين (Ri union) بإفريقية الشرقية، وكان فضيلته قد وضع حجر أساس هذا المسجد قبل ذلك بأعوام. وغادرها الشيخ إلى مكة المكرمة تلبية لدعوة رابطة العالم الإسلامي للمشاركة في مؤتمر رسالة المسجد الذي عقدته الرابطة. وكان مؤتمر الرابطة هذا يهدف إلى دراسة السبل المعينة على توحيد صفوف المسلمين في العالم. وتم استدعاء أهل العلم البارزين من  مختلف البلاد إلى هذا المؤتمر. وأبرز البحث الذي قدمه رئيس دارالعلوم إلى المؤتمر- أهمية المسجد والجوانب المفيدة له، مما يسترعي عناية كل مسلم. ومن أهم اقتباسات هذا البحث القصيرة مايلي:

       «إن رابطة العالم الإسلامي تستحق التقدير والتبريك على ما قامت به من الشعور بالأهداف الأساسية الدينية باسم «رسالة المسجد»، وإن خطوة الرابطة هذه خطوة مباركة للعالم الإسلامي كله، ومن المأمول أن تتحقق كافة شؤوننا الدينية والدنيوية بذكر الله تعالى وروح الصلاة.

       إن المسجد يشكل السبب الوحيد لفلاح الإنسان وصلاحه والإصلاح الديني والدنيوي، هو الذي يرسخ في ضمر الإنسان خصال الخير كلها عن طريق الذكر والصلاة، ويجعله عابدا صادقا لله تعالى ويحوله مواطنا صادقا، يبرز فيه مزيج من عواطف العبادة والطاعة والأخوة والمساواة والإيثار ودماثة الخلق، بالإضافة إلى القداسة والاجتباء. فيتحول إنسانا راحةً للبشرية.

       إن المسجد يشع – في الواقع – عن فكرة الطهارة والعبادة والسماحة والخدمة والدعوة والأخوة والمحبة والمساواة والاجتماعية العامة، وهذه هي أهداف الإسلام الأساسية التي يسعنا أن نطلق عليها «رسالة المسجد»، وإذا كان المسجد يشكل مكانا فإن خصال الخير هذه أصحابه وسكانه، الذين أقيم لهم هذا المكان المقدس. وعليه من واجبنا شرعا أن لا نجعل كلمة «مسجد» تقليدا أو اصطلاحا؛ بل يجب أن نعده عنوانا طبعيا لتحقيق هذه المقاصد والأهداف الهامة.

       ظل المسجد مفتتح كافة الشؤون الأساسية الإسلامية، ومنتهاها، فالمسجد نعبد فيه، ونتربى فيه، وهو مكان الدعوة، والمسجد مكان السياسة أيضا، وإذا كان المسجد يُخرِّج العلماءَ البارعين في جانب، فإنه ينطلق منه أيضا قوافل الجنود والعساكر كذلك، وإذا كان المسجد مكان التدريس والإفادة فإنه كذلك يفصل فيه القضايا، ويتم فيه إبرام الاتفاقيات الدولية. وأول شيء بدأ به النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة في سبيل إبداء شوكة الإسلام هو وضع حجر أساس المسجد، وبدأ الله تعالى خلق العالم بالمسجد الحرام، وبدأ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بنشر شوكة التشريع بالمسجد النبوي. فتبين أن المسجد مبدأ التكوين والتشريع كليهما، وإن المسجد يوجهنا إلى أن نقدم العبادة والأخلاق والمعاملات والمعاشرة والسياسات والاجتماعيات على منصة المسجد بالصبغة التي تصطبغ بها الصلاة والذكر والصلة مع الله تعالى ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عٰبِدُونَ﴾[البقرة/138].

       وعلى كل، فارتفاع صوت رسالة المسجد من هذه المدينة المقدسة والبلد الأمين، و ظهور فكرة تنظيم المساجد أو مقاصدها يبشر بالخير، ويشكل فالا حسنا، شريطة أن نخطو بهذا الصوت بالحقيقة التي تشكل الموضوع الحقيقي لعنوان رسالة المسجد هذا والمعنى الطبعي لهذا النداء. إذًا نرى أن المسلمين في العالم ستقبل عليهم أيام الخير والرخاء، وسيلبي هذا النداء مسلمو العالم كله وخاصة أهل العلم منهم بقلوب رحبة وصدرو مفتوحة. وأما فيما يخص علماء الهند وخريجي دارالعلوم ديوبند فأوكد لكم أنهم يرحبون به؛ بل يقدمون له كل عون ومساعدة منهم. وبالله التوفيق».

       وشارك مؤتمر رسالة المسجد هذا الشيخ المفتي عتيق الرحمن العثماني، والشيخ محمد منظو رالنعماني والشيخ منت الله الرحماني أعضاء المسجلس الاستشاري بدارالعلوم ديوبند.

       وغادر فضيلة رئيس دارالعلوم مكة المكرمة إلى «لندن» بدعوة من المسلمين بها مارا بباريس (فرنسا). وألقى كلمات في اجتماعات عدة مدنها، وتوفرت بذلك فرصة إصلاح معتقدات وأعمال كثير من المسلمين المتواجدين في إنكلترا.

مقدم شيخ الأزهر وعلماء عرب آخرين:

       من أهم أحداث عام 1395هـ زيارة الدكتور/ عبد الحليم محمود – شيخ الأزهر-، والشيخ عبد الرحمن البيطار- وكيل الأزهر- والشيخ محمد خاطر- المفتي العام بمصر- والشيخ محمد الفحام – شيخ الأزهر سابقا- لدارالعلوم/ ديوبند، وقال شيخ الأزهر الدكتور/ عبد الحليم محمود: «لاأملك إلا الاعتراف بأن مانراه في هذه المؤسسة من آثار ما عليه رئيس دارالعلوم/ديوبند من الزهد والتقوى وسمو العلم والإخلاص والاحتساب على الله تعالى، ومن جراء ذلك يشتغل خريجو دارالعلوم في المدن والدول كلها بنجاح»(1).

       وقال الشيخ محمد الفحام:

       «كنت على شوق إلى زيارة دارالعلوم منذ مدة من الزمان، ولم أزددت إلا شوقا إلى ذلك، ودعوت الله تعالى أن لايأتيني أجلي حتى أزور دارالعلوم، وأحمد الله تعالى على أن تحققت أمنيتي هذه اليوم، مما لاأنساه ما حييت، والذي رأيته بأم عيني يفوق كثيرا مما سمعته عنها، أدعو الله تعالى أن يمنّ على دارالعلوم ديوبند وعلمائها بالتوفيق والتطوربصورة شاملة، وهذه المؤسسة تعد إحدى قلاع الإسلام الحصينة، وأعان الله تعالى كل من يشتغل في هذه المؤسسة ليقوموا بخدمة الإسلام على أحسن وجه ممكن»(2).

       وبعد زيارة هؤلاء بأيام قامت جماعة من العرب بزيارة دارالعلوم، وضمت هذه الجماعة كلا من السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي- وزير في حكومة الكويت- والأستاذ عبد الرحمن – مدير مجلة «البلاغ»، الكويت- و الشيخ عبد المعز عبد الستار – من قطر-، بالإضافة إلى السيد شرف الدين محمدوف وغيره من ممثلي تاشقند-، وقال السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي في الحفلة التي عقدت على شرف الضيوف: «إن العالم الإسلامي يواجه اليوم تحديا سافرا، وكان هذا التحدي صادرا في الماضي من قبل أعداء الإسلام، الذين كانوا يقولون: إن الإسلام لايواكب هذا العصر. وأما اليوم فإن هذا التحدي يبرز من داخل الصف الإسلامي من الشباب المسلم، إن الشباب المسلم المثقف ثقافة جديدة يطالع كتب المستشرقين، فيتسرب إليهم الشكوك والشبهات ويقولون: إن الإسلام لايصلح للهداية والإرشاد في العصر الراهن. وما أشد الويل أن يوجد العدو داخل البيت؛ فإن مواجهته عنيفة وشاقة. إن هؤلاء الشباب لايعرفون الإسلام بخطوطه وملامحه في واقع الأمر. إننا في حاجة ماسة إلى علماء راسخين لمواجهة هذا التحدي الفكري، وإعداد العلماء الراسخين يحوجنا إلى دارالعلوم/ديوبند وأمثالها من المؤسسات. وهذه الحاجة لاتقتصر على الهند، وإنما العالم الإسلامي برمته في حاجة إليهم. إننا في حاجة إلى علماء أجلاء لكشف الشبهات الموجهة إلى الإسلام، إننا في حاجة إلى علماء على مستوى الحافظ الذهبي وابن حجر -رحمهم الله-، ونحن نعتز بأن العلماء على هذا المستوى متواجدون في دارالعلوم/ديوبند».

       تنهل دارالعلوم في أفكارها ونظرياتها من منهل الشاه ولي الله الدهلوي، وقام الإمام الغزالي بما كان يتطلبه عهده من صيانة الإسلام من غزو الفلسفة اليونانية، وقام الشاه ولي الله الدهلوي بالرد على الكفر والشر ك، وعلينا أن نعمل اليوم على ما يعد من إفرازات هذا العهد، فإن القوى الشيطانية تستحدث الأسلحة والآلات كل يوم، ويجب علينا أن تقوم بمواجهتها للحفاظ على معتقداتنا»(3).

       وقال الشيخ عبد المعز عبد الستار: «وفقنا الله تعالى لزيارة القلعة الإسلامية هذه، التي نسميها أزهر الهند دارالعلوم/ديوبند، أدعو الله تعالى أن يوفق دارالعلوم لخدمة الدين الحنيف والدعوة الإسلامية أكثر فأكثر، كنا في بلادنا نسمع عن دارالعلوم ونقرأ عنها بصورة مستمرة، وندرك أن دارالعلوم منارة الدين في الهند، التي تنور العالم كلها بضيائها الباهر، أدعو الله تعالى أن يجعل مستقبلكم خيرًا من حالكم،كما جعل الحال خيرًا من الماضي».

       وانتهى الشيخ بقوله: «أود أن ألفت انتباهكم إلى سورة العصر، يقول الإمام الشافعي-رحمه الله-: بحسب هذه السورة إصلاحا للحياة الإنسانية بما تحوي من المواد، فإنه لقنت الإيمان والعمل الصالح والتمسك بالحق والصبر على المصائب، فلو أن فلاسفة العالم وعلماءه كلهم شاركوا في وضع برنامج للحياة الإنسانية لم يتوصلوا إلى ما هو خير من هذه الخصال الأربع»(4).

الوفيات:

       حدثت  الفاجعة الأليمة المتمثلة في وفاة الشيخ محمد ميان في 7/ شوال عام 1395هـ. وكان الفقيد الغالي ذا نظرة واسعة وعميقة في الفقة والتاريخ الإسلامي بالإضافة إلى تمكنه من العلم وتبحره فيه. ستظل خدماته السياسية والتأليفية مذكورة دائما في جمعية علماء الهند، وقل من يدانيه في العزلة والتدريس والإفادة والتصنيف والتأليف والمواظبة على الأوراد رغم مشاركته في الضجات السياسية الهائجة. ظل عضوا من أعضاء المجلس الاستشاري في دارالعلوم سنوات وسنوات، وكان يتولى تدوين اقتراحات جلساته في معظم الأحوال.

       وفي أواخر ذي الحجة لبى الشيخ اشتياق أحمد – أستاذ قسم الخطوط بدارالعلوم- نداء ربه. وكان الفقيد خطاطا بارعا في خط النسخ والخط الفارسي، تخرّج عليه المئات في فن الخط، ينتشرون في أنحاء شبه القارة الهندية، وكان من تلامذة الخطاط البارع الشهير المنشي ممتاز علي الميروتي بواسطة واحدة. وكان على صلة قلبية خاصة بالشيخ النانوتوي -رحمه الله-، قام بتسهيل وشرح عدد من كتب  الشيخ النانوتوي، قامت دارالعلوم بنشرها وطبعها.

*  *   *

الهوامش:

(1)        لم أعثر على نص كلمته وقمت بنقل النص المترجم إلى الأردية – إلى العربية.

(2)        لم أعثر على نص كلمته وقمت بنقل النص المترجم إلى الأردية – إلى العربية.

(3)        لم أعثر على نص كلمته وقمت بنقل النص المترجم إلى الأردية – إلى العربية.

(4)        لم أعثر على نص كلمته وقمت بنقل النص المترجم إلى الأردية – إلى العربية.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العــلوم ديوبند ، المحرم – صفر 1439 هـ = سبتمبر- نوفمبر2017م ، العدد : 1 – 2 ، السنة : 42


(*)   أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

Related Posts