الأدب الإسلامي
بقلم : أ . د. يوسف عز الدين
عضو مجمع اللغة العربية – القاهرة، نزيل بريطانيا حاليًّا
إن عدم الاهتمام بالأدب العربي في العراق ظاهرة عند كتاب مصر ونقادهم ، مع أني كتبت أكثر من خمسين من كتبي عنه ونُشرت في أبرز دور النشر في الكنانة ، كما حاضرت سنوات عنه في معهد الدراسات والبحوث العربية ، وأصدر المعهد ستة كتب عنه وتجلى عدم الاهتمام عندما دار حوار لي حول الأدب، نشر في الأهرام وردَّ أستاذ فاضل من جامعة القاهرة وأخر لا أذكر اسمه .
ونحن طلاب الأدب في العراق نعرف كل صغيرة وكبيرة عن الأدب والأدباء في مصر، وأنا درّست الأدب العربي لطلابي في عدد من الجامعات وكنت أقف طويلاً عند الريادة الأدبية عند البارودي وشوقي وحافظ وأصدرت كتابًا بعنوان «فصول في الأدب الحديث والنقد» طبع في مكتبة دار العلوم في الرياض ونفدت طبعته ، وقد كان الجيل الماضي أكثر عناية بالعراق وأكثر اتساعًا في الفكر وكان ينشر في الصحف والمجلات الشيء الكثير، وكتب عنه الدكتور بدوي طبائة وأساتذة من دار العلوم ما لا يمكن إغفاله وقد خصني شخصيًّا بفصل من كتبه رحمه الله . ولم يقف اهتمام مصر على الأدب في العراق – على بعد الشقة وبعد المسافة – فقد زارته أم كلثوم ورواد الفن ، ونظم معروف الرصافي والزهاوي ومحمد باقر الشبيبي في قصائدهم الإعجاب بها فقد قال معروف الرصافي أم كلثوم في فنون الأغاني – أمة وحدها بهذا الزمان – وقال محمد باقر الشبيبي يخاطب الدكتور زكي مبارك :
صـــــريع الغـــــــــوانــــي لا تلمــــــــني
فإنني صريع أغاني أم كلثوم لا دعد
هـــــواه على أطــــراف دجلـــة وافــد
وأمّا هـــوى قلـبي فللنيــل والــوفــــــد
كما زاره قادة الفكر والفن مثل الدكتور عزام والأستاذ عبد الحميد العبادي وأحمد حسن الزيات ونجيب الريحاني ويوسف وهبي وبشارة واكيم ومحمد عبد الوهاب . وفازت جامعة بغداد بالدكتور محمد طه الحاجري أستاذًا والدكتور عبد الله درويش وأطال الدكتور كمال نشأت البقاء أستاذًا رائدًا في جامعة المستنصرية .
والغريب أن مدير الفندق الذي أنزل فيه ردّد أمامي قول معروف الرصافي :
يا قــوم لا تتكلمـوا إن الـــكلام محــــرم
ناموا ولا تستيقظوا مــا فــاز إلا النُّـــوَّم
ولما جاء معروف الرصافي إلى القاهرة ذهب الدكتور طه حسين بنفسه لزيارته ودعاه والوفد الذي معه إلى داره .
سقت هذا القول بعد أن وجدت أساتذة هذا الجيل يغفلون ذكر الأدب العربي في العراق قبل أن أشير إلى مخطوطة مذكرات معروف الرصافي .. التي قمت بنشرها بكتاب سميته «الرصافي يروي سيرة حياته» وفيها صراحة في القول وصورة لحياته التي كان يحياها ويظهر شذوذه في حياته وتظهر شخصيته الغريبة فيها . ففي الليل يعكف على الشراب والميسر وما يحتاج الليل ، وفي النهار الإنسان المتزن والشخصية المهابة عضو في البرلمان أو أستاذ في كلية أو صاحب جريدة معروفة . أحبه أهل العراق حبًّا كثيرًا وحفظوا شعره لأنه كان خير من عبر عن عواطف أهل العراق وسجل المشكلات السياسية والاجتماعية ، ولأنه كان لاذع الهجاء شديد الاندفاع ولعله يشابه عباس محمود العقاد في شدّة القول . كان أحد القضاة معجبًا به ويزوره كل ليلة ويشارك في مجلسه وأخذ يدون ما يقوله الرصافي يوميًّا – وفيها ما فيها .
ولما كان في بغداد كان يسكن دارًا يلاصق بيوت بنات الهوى حتى إن الزيات أراد زيارته فقال له : أحد الزملاء كيف تزور هذا المكان ؟
قال له يا أخي نحن كالآخرين يزوره الوزراء والأعيان ونحن مثلهم .
ما كان يقيم وزنا لأحد ، يتمتع في ليله ما شاء . كان شديد الدفاع والغيرة عن أمته واسع الذكاء شديد الحفظ ما كان عنده مكتبة يعتمد على ما حفظ من المتون والشعر ؛ جاءتني المذكرات في أوراق متفرقة مفردة بخط القاضي خالد محمد حافظ فوجدتها كثيرة النفع فهو له رأي في الأدباء والمفكرين والمعاصرين ودوَّن فيها حياة بغداد وجسورها ومجالس الغناء ومقاهيها وغرائب أهل العراق ، فهي إضافة إلى حياته فيها تاريخ الحياة العمرانية والاجتماعية منذ العهد العثماني والعهد الملكي . ولم أطبعها في مصر خوفًا مما يثار حولها من قول في شذوذه وما فيها من صراحة ولما ترددت في الأمر وجدت السلف الماضي طبع ديوان ابن سكرة وأخبار أبي نواس وكتبًا معروفة يطبع كثيرًا منها وهي ممنوعة ، وكل ممنوع مرغوب .
إن هذه المذكرات برغم ما فيها مما لايمكن نشره ، فهي أول مذكرات لكاتب عراقي كبير يتحــدث فيها بصــراحــة عن حياته دون تزويق وتلقي الضوء على فترة من حياة العراق العامة وتقاليده .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان – شوال 1426هـ = سبتمبر – نوفمبر 2005م ، العـدد : 8–10 ، السنـة : 29.