دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه الله-
(المتوفى 1399هـ / 1979م)
ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)
عام 1378هـ ، وشعبة منظمة خريجي دارالعلوم:
دأبت «دارالعلوم» على إناطة العمائم برؤوس الخريجين منها في مشهد عام منذ أول يومها، وكانت حفلات إناطة العمائم تعقد على فترة أعوام متلاحقة متقاربة كما سبق بيان ذلك في شرح أوضاع السنوات الأولى من إنشاء الجامعة، ثم عقدت حفلة عظيمة عام 1328هـ ، لاتزال ذكراها ماثلة أمام أعين شهودها، ثم اختفت الحفلات العظيمة على مستوى موسع لإناطة العمائم بعد عام 1328هـ، فقرر المجلس الاستشاري عقد حفلة عظيمة على مستوى موسع لإناطة العمائم برؤوس خريجيها بمناسبة مرور مئة عام على تأسيسها، وفعلاً تَمَّ نشرذلك في الصحف والجرائد، وكان عدد كبير من طلاب الجامعة قد تخرجـوا منها خلال هذه المدة، فتم تدشين قسم خاص بالاستعدادات اللازمة لعقد حفلة إناطة العمائم بصورة موقتة، ولكن الأوضاع لم تساعد ذلك فلم يتحقق الهدف، فرأى القائمون عليها عام 1378هـ تسمية هذا القسم الخاص بالاستعدادات اللازمة لعقد الحفلة المذكورة أعلاه بـ«منظمة خريجي دارالعلوم /ديوبند»، وذلك بهدف التنسيق معهم قبل عقد حفلة إناطة العمائم برؤوسهم.
وكانت «منظمة خريجي دارالعلوم/ديوبند» تمثل أمنية من أماني عظماء دارالعلوم/ديوبند القديمة، وكانوا يرغبون منذ أمد بعيد في نظم خريجي دارالعلوم/ديوبند في سلكِ رسمي يعين دارالعلوم على التعرف على نشاطاتهم وميادين عملهم فيما بعد التخرج منها بالإضافة إلى تعريفهم بحاجات دارالعلوم و أوضاعها الآنية. وفعلاً تم تعميم أهداف منظمة خريجي دارالعلوم/ديوبند و رسالتها بالمطويات والصحف والجرائد الصادرة في البلاد، فلما أدركت «دارالعلوم» أن خريجيها بدورهم يشعرون بهذه الحاجة وأكدوا مد يد العون والمساعدة لتحقيق أهدافها فوضعوا لذلك الخطط واللوائح و بدأوا العمل على ذلك، فأعدوا فهارس الخريجين في كل مديرية من المديريات وأرسلوها إليها. فقام الخريجون في كافة الولايات و المديريات بعقد الاجتماعات والحفلات للتاكيد على مساعدة «دارالعلوم» وفق توصياتها إلا أن الخريجين في بعض المديريات غضوا الطرف عن ذلك أو لم يطلعوا عليه مما عاق دون أن تلقى منظمة خريجي دار العلوم/ ديوبند ما تستحق من التطور والرقي، ولم يصل هذا العمل إلى ذروة كماله لحد الآن. والمرجو أن الحفلة على المستوى العام سيتم عقدها بعد اكتمال الخطوات والمراحل الأولية.
عام 1379هـ،ورحلة رئيس الجامعة إلى إفريقيا:
وبدعوة من السيد الحاج أحمد بتيل والسيد محمد بتيل – من أنصار دارالعلوم/ديوبند في «ري يونين» (إفريقيا الشرقية) غادر رئيس الجامعة 5/المحرم عام 1379هـ إليها، وزار خلالها كلًا من «زنجبار» و «دارالسلام» و «موريشيس» و «مدغاسكر» ومختلف مدن «ري يونين». فقام أهلها باستقباله استقبالًا نابعًا عن الحب والولاء لدارالعلوم وعقـــدوا حفلات في أماكن مختلفة منها. وحض رئيس الجامعة في هذه الرحلة بصورة خاصة المسلمين المتخلفين في هذه المناطقة على إرسال أبنائهم للدراسة في «دارالعلوم/ديوبند» حتى يتلقوا العلوم الدينيــة ويزدانوا بها وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، وينشروا فيهم التوجيهات الإسلامية، بالإضافة إلى إنشاء المدارس المحلية للدراسات الابتدائيــة في مناطقهــم. وجلبت رحلة رئيس الجامعة هذه منافع مادية أيضا متمثلة في نحو ثلاث مئة وخمسة وعشرون ألف روبية هندية من التبرعات الشعبية من غير طلب أودعوة إلى ذلك.
تمثيل «دارالعلوم» في المهرجان الخمسيني
لـ«دائرة المعــارف» في حيــدرآباد:
دائرة المعارف العثمانية إحدى دور النشر الشهيرة في حيدر آباد، وتعد من المؤسسات الهامة على مستوى الهند؛ بل على مستوى العالم الإسلامي. وقامت دائرة المعارف العثمانية بدور عملاق في نشر النوادرو المخطوطات العلمية في حياتها، كما حملت على عاتقها طباعة مصادر العلوم والفنون الإسلامية المختلفة بمبالغ باهظة، و ينظر إليها الأوساط العلمية في الهند وخارجها نظرة ملؤها التقدير الكبير. و نسقت دائرة المعارف الاحتفال بالمهرجان الخمسيني على مستوى موسع عام 1960م، شاركه أهل العلم في الدول الآسيوية والغربية، وتلقت «دارالعلوم» الدعوة منها للمشاركة في هذا المهرجان. وتلبيةً لدعوتها وجهت «دارالعلوم/ديوبند» الشيخ محمد سالم(1) – الأستاذ بدرالعلوم- وكاتب هذه السطور: السيد محبوب الرضوي إلى حيدرآباد. و قدمت رسالة رئيس الجامعة وبحث علمي إلى فعاليات المهرجان الخمسيني، كما عرضت المخطوطات النادرة – المودعــة في مكتبة دارالعلوم/ ديوبند – في معرض المهرجان الخمسيني، مما ساعد على تعزيز العلاقة العلمية بين المؤسستين العلميتين في الهند. وندب المستر: بهيم سين سجر- حاكم ولاية «آندهرا براديش» أعضاء وفد الجامعة إلى مأدبة الشأي خلال نزولهم في حيدرآباد، مما يوحي إلى الاعتراف بعظمة «دارالعلوم» ومكانتها المركزية.
هدايا علمية للسيد جمال عبد الناصر(2):
عزم السيد جمال عبد الناصر –رئيس الجمهورية المصرية- عام 1960م، على زيارة للهند، في حين كان الشيخ محمد طيب – رئيس الجامعة – متواجدًا في مصر، فتقدم إليه بدعوة لزيارة الجامعة. و صادفت زيارة السيد جمال عبد الناصر للهند الأسبوع الأول من شوال أيامَ الإجازة العامة في الجامعة.
ونظرًا إلى مكانة السيد جمال عبد الناصر استقل رئيس الجامعة أن يقوم الرئيس المصري بزيارة للجامعة زمن الإجازة العامة فيها، و ارتأى أن يقوم هو بالتوجه إلى دهلي ولقاء السيد جمال عبد الناصر، فلقيه وأعرب عن أسفه على عدم استقباله في ديوبند حتى يشرف «دارَالعلوم» بزيارته، وذلك بسبب الإجازة العامة. وتداركًا لذلك قدم له هديةً متمثلة في المصادر العلمية من إعداد علماء الجامعة أمثال: فيض الباري – شرح على صحيح البخاري- وفتح الملهم– شرح على صحيح مسلم-، وسوانح قاسمي- ترجمة الإمام محمد قاسم النانوتوي-، وتقبل السيد جمال عبد الناصر هذه الهدايا قائمًا، وقدم شكره لدرالعلوم/ديوبند بكلمات قيمة. وعاد السيد جمال عبد الناصر إلى القاهرة فقام بدوره بإرسال هدية غالية متمثلة في نسخة جميلة رائعة من نسخ المصحف الشريف إلى «دارالعلوم/ديوبند»، وضعت هذه النسخة من المصحف الشريف في إطار خشبي، من ميزاته أنه يبدو كتابا مجلدا بنفسه، فإذا فتحته عاد كرسيا للمصحف الشريف.
من الحجيج الكرام:
سعد عديد من مشايخ «دارالعلوم» وموظفيها بأداء شعيرة الحج وزيارة الروضة النبوية الشريفة منهم الشيخ المقرئ محمد طيب-رئيس الجامعة-وأستاذ الأساتذة العلامة محمد إبراهيم البلياوي(3)، والشيخ معراج الحق(4) والشيخ عبد الأحد(5) والمولوي محمود أحمد غل، والشيخ أحمد رضا، والمولوي زاهد حسن، والحاج الله ركها – موظف في قسم البناء -.
عام 1380هـ، وتدشين الجامعة الطبية:
تم تدشين دراسة الطب في «دارالعلوم/ديوبند» عام 1301هـ، وكان أول موظفيها الحكيم محمد حسن– الشقيق الأصغر لشيخ الهند محمود حسن الديوبندي -رحمه الله-. فكان الشيخ محمد حسن يقوم بتدريس الطلاب الفقه والحديث ومعالجتهم بالإضافة إلى تعليم الطب. وأصبح هذا القسم قسمًا مستقلًا برأسه منذ عام 1329هـ، وقطع هذ القسم مع مرور الأيام أشواط التقدم شأن «دارالعلوم» نفسها؛ ولكن لم يخصص له مبنى من المباني. وفي عام 1375هـ نالت الجامعة الطبية التابعة لدارالعلوم تبرعًا سخيًا من «أوقاف كرنال»، شريطة أن يطلق على مستشفى دارالعلوم /ديوبند «مستشفى نواب عظمت علي خان» الراحل. فأطلق عليه هذا الاسم. و تمَّ تشكيل لجنة للجامعة الطبية مستقلة (تضم أطباء محترمين ذوى نفوذ وتأثير)، وطلبوا من الحكومة الهندية أن تعترف بالشهادات الصادرة من الجامعة الطبية شأن شهادات الجامعات الطبية الأخرى الناشطة في البلاد، وأن يرخص لخريجيها ممارسة النشاطات الطبية، وفعلًا وافقت الحكومة على ذلك. وتقوم الجامعة الطبية بتدريس الطب علميا وتطبيقيا من خلال منهج دراسي يستغرق أربع سنوات. ويشتغل عدة أساتذة اليوم في تعليم الطلاب الطب ومعالجتهم، كما تم إنشاء مبنى موسع رائع خاص بالجامعة الطبية شمال دائرة «دارالعلوم/ديوبند»، يحتوي على فصول دراسية للطلاب بجانب قاعات بها أسرّة للمرضى. ولا تقوم الجامعة الطبية بمعالجة طلاب «دارالعلوم/ديوبند» فحسب، إنما تقوم بتوفير العلاج لكافة شرائح المجتمع على اختلاف دياناتهم ومللهم. وقد تمَّ إنشاء صالتين لدارالشفاء وأبنية أخرى لازالت قيد الإنشاء.
* * *
الهوامش:
(1 ) الشيخ محمد سالم بن الشيخ المقرئ محمد طيب القاسمي من مواليد عام 1344هـ/1926م ومن سلالة الإمام محمد قاس النانوتوي مؤسس دارالعلوم/ديوبند، تلقى دراسته في دارالعلوم حتى تخرج منها عام 1367هـ/1948م ثم ولي التدريس فيها في العام نفسه ويُعدّ من المحدثين المعمرين في العصر الراهن، شغل عدة مناصب في دارالعلوم/ديوبند،ورأس وأشرف على عدة مؤسسات علمية وتربوية ،تلقى عدة جوائز على خدماته العلمية والدينية ، منها جائزة الإمام الناتوتوي، أسس جامعة دارالعلوم/وقف، وتولى إدارتها ، ويشكل مرجعية دينية. للاستزادة من ترجمته راجع: موسوعة علماء ديوبند.
(2) جمال عبد الناصر بن حسين (1336 – 1390 هـ = 1918 – 1970م): ثائر عسكري ، حكم مصر ثمانية عشر عاما. ولد في قرية بني مر، بمحافظة أسيوط. وانتقل إلى القاهرة وعمره ثماني سنوات، وتعلم بها ثم بالإسكندرية، وشارك في المظاهرات المعادية للإنكليز. وتولى رئاسة الوزراء بمصر. و قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالاعتداء الثلاثي على مصر (1956م)، واكتسحت إسرائيل جوانب ضخمة من مصر وسورية والأردن (1967م) فأعلن أنه المسؤول الأول، ونزل عن الرئاسة. ولم يلبث أن استرد الاستقالة. وقف قلبه فجأة وتوفي بعد ثلاث ساعات.للاستزادة من ترجمته راجع: (جمال عبد الناصر – ط) لأحمد أبي الفتح، كتاب(كيف عرفت عبدالناصر- ط) لأحمد حسين، والأعلام للزركلي2/135.
(3) محمد إبراهيم بن عبد الرحيم البلياوي (1304-1381هـ /1886-1967م) من العلماء النابهين الراسخين المعروفين، من مواليد «قاضي فوره» من أعمال «بليا» بولاية أترابراديش، التحق بدارالعلوم/ديوبند عام 1324 أو 1325هـ، فقرأ كتب الحديث أمثال شرح معاني الآثار للطحاوي والموطأ للإمام مالك وغيرهما على الشيخ عزيز الرحمن وصحيح مسلم وابن ماجه على الشيخ محمد حسن و تخرج في الحديث على شيخ الهند محمود حسن الديوبندي عام 1328هـ. ولي التدريس في المدرسة الفتحبورية بدهلي لمدة ثم تحول منها إلى مدرسة عمري من أعمال مرادآباد، وولي رئاسة التدريس بدارالعلوم/مئو، أعظم كره زمنا، ثم ولي رئاسة التدريس في دارالعلوم/ديوبند ومكث بها نحو أربعين سنة. ومن آثاره: «المصافحة»، و«التراويح» و «أنوارالحكمة»، و«ضياء النجوم»-كلهامطبوع-. وله تعليقات قيمة باللغة العربية على كل من «سنن الترمذي» و«الخيالي» و «الميبذي». للاستزادة من ترجمته راجع: موسوعة علماء ديوبند؛ أكابرعلماء ديوبند ص 187؛ تاريخ دارالعلوم/ديوبند 2/215؛ علماء ديوبند وخدماتهم في علم الحديث للبرني ص194؛ مشاهير علماء دارالعلوم/ديوبند للمفتي ظفير أحمد ص 70؛ انا ر كے سائے تلے ص 139.
(4) معراج الحق بن نورالحق الديوبندي (1328-1412هـ/1910-1991م)، من العلماء النابهين، وعُرِف ببراعته في التدريس والتربية، وشدة التقيد بالمبادئ والمواعيد، تخرج في دارالعلوم ديوبند عام 1351هـ، وشغل- بجانب التدريس- منصب المشرف العام على شؤون السكن الطلابي ثم منصب وكيل الجامعة، خلّف وراءه الآلاف المؤلفة من أصحابه وتلامذته، قرأت عليه ديوان الحماسة في الأدب العربي، للاستزادة من سيرته وخدماته راجع: پس مرگ زندہ (أحياء بعد الممات) لشيخنا الأستاذ الأديب نور عالم خليل الأميني ص:239 ومابعدها.
(5) عبد الأحد بن عبد السميع الديوبندي (1329-1399هـ/ 1911-1979م)، من مواليد ديوبند، وكان والده مدرسا بدارالعلوم/ديوبند فتلقى الدراسة كلها فيها، وتخرج في الحديث عام 1355هـ وقرأ الفنون عام 1356هـ، ولي التدريس فيها في الصفوف الابتدائية ،ثم تدرج إلى القسم العالي، حج وزار عام 1377هـ، وأخذ السلوك عن شيخ الإسلام حسين أحمد المدني، وتميز بالقرى والإكثار من تلاوة القرآن الكريم، وتوفي عقب مرض امتد على تسعة أيام. من آثاره عدة كتب. للاستزادة من ترجمته راجع: موسوعة علماء ديوبند؛ و مشاهير علماء دارالعلوم/ ديوبند للمفتي ظفير ص 106.
(*) أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الأول 1438 هـ = ديسمبر 2016م ، العدد : 3 ، السنة : 41