كلمة العدد

          الثورة العسكرية التي بدأت تقوم بها في الساعة السابعة والنصف من الليلة المتخللة بين الجمعة والسبت 9-10/شوال 1437هـ (بالتقويم الهندي) الموافق 15-16/يوليو 2016م ثلة من الجيش التركي مُتَشَبِّعَة بأفكار «مصطفى كمال» العلمانية العدوانية الـمُتَطَرِّفَة كانت مُدْهِشة حقًّا؛ لأنها كانت مُفَاجِئَة، ولأنها أفشلها الشعب التركي، الناضج الوعي السياسي، الصادق الولاء لرئيس الجمهورية التركية السيد «رجب طيب أردوغان» الذي خَرَجَ على بَكْرَة أبيه من بيوته إلى الشوارع والطرقات، يواجه الدَبَّابَات والمُصَفَّحَات والأسلحة الثقيلة وحشود الجيش بصدور عارية وأيد خالية، على نداء وَجَّهَه إليه الرئيس التركي عبر الشبكة العنكبوتية. وقد ضَحَّىٰ كثير منه بنفسه في اشتباك مع الجيش، فقد ارتفع عدد القَتْلَىٰ من الجيش والشعب إلى نحو 300، إلى جانب مئات من المصابين.

       وقد مَزَّقَ الشعبُ أزياءَ كثير من ثلة الجيش التركي الثائرة، تناثرت في الشوارع والطرقات، ونشرت وسائل الإعلام المرئية صورًا حيّة لهذا المشهد الذي لن يَمَّحِيَ عن صفحة التاريخ، وشاهدها – الصور – المجتمع الدولي في غرابة غريبة، وانطبع ذلك في مخيلته بحيث لن تمحوه أيدي الدهور والأزمان.

       مما أثبت من جديد أن الصوت الجمهوري لايمكن كبحُه بقوة من الجيش والأسلحة إذا كان وراءه القوة الشعبية وقوة التضامن الوطني واتحاد الأحزاب السياسية. ربما كان ذلك أول تجربة لم يشهدها تاريخ الحكومات والثورات العسكرية أن الشعب دَحَرَ كيدَ الجيش الذي قام بالثورة، وأصابه بهزيمة منكرة، وتناوله بضربات ولكمات ولطمات وركلات سَجَّلَت دروسًا صارخة وعبرًا حيّة لكل من تُسَوِّل له نفسُه أن يحاول أن يسقط الحكومة التي شكَّلَهَا الشعب بأصواته.

*  *  *

       والسببُ في تفشيل هذه الثورة العسكرية في تركيا خلال ساعتين واعتقال – في إجراء أوّلي – ستة آلاف من ضباط القوات وقضاة المحاكم ورجال من شتى شرائح الصحافة والإدارة ممن اشتبه بتورطهم في إقامة الثورة.. يرجع إلى:

       1- توجيه رسالات متصلة من قبل الأحزاب السياسية كلها إلى الشعب أنهاصوت واحد على محاربة الثورة والسعي لإفشالها وأن الشعب يجب أن يظل متحدًا متماسكاً ويدًا حديدية في مواجهتها.

       2- نداءات متكررة متصلة ظلت ترتفع عبر الليلة من مساجد مدينة «إسطنبول» ومدينة «أنقره» العاصمة خصوصًا ومساجد تركيا عمومًا تهيب بالشعب إلى التوحد والتنسيق وتجاهل كل الخلافات لدحر الثورة غير الشرعية. وظلت المساجد في تركيا في تلك الليلة ساهرة مستضيئة بمصابيح كهربائية ساطعة.

       3- نداء الرئيس التركي «رجب طيب اردوغان» الشعب التركي أن يخرج جميعًا من بيوته إلى الشوارع والساحات ليساهم في دحر الفئة الباغية من الجيش. وقد لَبَّىٰ الشعب نداءه بشكل منقطع النظير، مما يدلّ دلالة صارخة على شعبيته البالغة ومحبوبيته لدى المواطنين التي يُؤَكِّدها أن حزبه وحده يحكم الجمهورية التركية منذ 15 عامًا، رغم أن وسائل الإعلام العالمية التي تتحكم فيها الصهيونية تقوم بدعاية مُكَثَّفَة متصلة ضده أنه يحاول أن يقيم الدكتاتورية في البلاد.

       وحبُّ الشعب له لهذا الحدّ، له أرضيّة صلبة تتمثّل في أنه رَكَّزَ جهوده بجدّيّة على تنمية البلاد اقتصاديًّا وتعليميًّا وعُنِيَ بما يخدم مصالح الشعب؛ فمنذ أن تَوَلَّىٰ حزبُه الحكم عام 2002م وَجَّهَ عنايته إلى الأخذ بالأسباب التي تتقدم به تركيا اقتصاديًّا، فهبط التضخم المالي من 90٪ إلى 6.5٪، وشهد الاقتصاد تقدمًا سنويًّا بنسبة 7٪ خلال الخمس سنوات الأولى من الحكم، مما جَعَلَ تركيا تحتلّ المرتبةَ الـ 18 في الاقتصاد العالمي، ولديها 135 مليار من العملات الصعبة، ونسبة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر هبطت إلى 17٪.

       كما عُنِيَ عنايةً بالغةً بمحو الأميّة وتوفير التعليم لجميع شرائح الأهالي، فالمتعلمون يشكلون اليوم 98٪. وهي نسبة مرتفعة جدًّا إذا وضعنا في الاعتبار الوضع التعليمي في البلاد الإسلامية الأخرى.

*  *  *

       ولقد أُوتِيَ «أردوغان» من ربه حكمةً وتحملاً وحنكة سياسية مغبوطة داعية لجميع القادة في العالم الإسلامي للتقليد؛ فلم يتعرض قط لنظريات «مصطفى كمال أتاترك» ولم يتناولها بالتفنيد؛ لأنه يعلَم أنها – النظريات الكمالية – متجذرة في تربة كل من الأوساط العسكرية والأوساط القضائية، اللتان ظلتا حارستين لها ودرعين واقيتين دون المساس بها.

       ولكنه لما تَقَوَّىٰ ديموقراطيًّا، وكسب شعبية قوية، وتَرَسَّخَ حبه في قلوب الشعب، تَوَجَّهَ إلى تقليص دور الجيش الذي ظل مُتَشَبِّعًا بالعلمانية الكماليّة الـمُشْرَبَة الإلحادَ، المحاربة للإسلام إلى الحد الأقصى. وقد نجح في ذلك إلى حدّ كبير؛ ولكنه لم ينجح في تطهيرة تمامًا من «الجرثومة الكمالية» وظلت هذه الشريحة من الجيش تنسج ضدّه المؤامرة، وتتربص به الدوائر، وتتحيّن الفرصة للانقضاض عليه بتنسيق من العلمانيين المتنكرين للدين من رجال القضاء وأساتذة الجامعات ومدرسي المدارس ورجال الإدارة والشرطة، وشتى الشرائح الاجتماعية بما فيها المنتمون إلى الإعلام والصحافة، وبتوجيه من أعداء الإسلام في الشرق عمومًا والغرب خصوصًا. وقد كانت محاولة إقامة الثورة العسكرية الأخيرة التي أفشلها الشعب ناتجة عن هذا التنسيق والمؤامرة.

       وقد ظلّ الجيش التركي العلماني يقوم بالثورة ضدّ القادة الذين شَمَّ فيهم رائحة التوجّه الإسلامي، فقد انقلب يوم 27/مايو 1960م على رئيس الوزراء التركي «عدنان مندريس»وأعدمه شنقًا؛ لأنه تجرأ في تركيا العلمانية الكمالية على السماح برفع الأذان باللغة العربية لأول مرة بعد ما حَرَّمَها «مصطفى كمال».

       ويوم 22/مارس 1971م أطاح بحكومة رئيس الوزراء سليمان؛ لأنه تَحَسَّسَ فيه هذا التوجهَ في قليل أو كثير. وكذلك يوم 12/سبتمبر 1980م قضى على الحكومة القائمة؛ لأنه ارتأى أنها لا تخضع لأوامره ونواهيه.

       ويوم 28/فبراير 1997م أرغم رئيس الوزراء التركي ذا التوجّه الإسلامي الفاقع السيد «نجم الدين أربكان» على الاستقالة، وفرض الحظر على حزبه السياسي.

       وجرى الانتخابات العامة عام 1999م؛ ولكن الشعب لم يُصَوِّت بشكل صحيح من مخافة الجيش.

       وفي انتخابات 2002م خاض حزبُ «رجب طيب أردوغان»: «حزب العدالة والتنمية» الانتخابات وفاز بأغلبية ساحقة، فتولى الحكم. وبما أن الرجل كان يتمتّع بدهاء سياسي ووعي إداري، فبينما طَوَّر البلاد تعليميًّا واقتصاديًّا إذ قام في الجيش بعملية تطهير، وَتَوَجَّهَ بجزء كبير منه إلى الإسلام بدلًا من النزعة العلمانية العنيفة.

*  *  *

       وقد حاول المحللون في العالم تَلَمُّسَ الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى قيام جزء من الجيش التركي بالثورة ضد الرئيس «طيب أردوغان» الذي استطاع بتلطفه البالغ أن يحكم قلوبَ شعبه لا أجسامَه وحدها؛ لأنه سهر على خدمة مصالحه، ونَمَّىٰ فيه الروح الدينية والعاطفة الإسلامية، ولأنه قاسم هموم وآلام الأمة الإسلامية كلها، ومَثَّلَها بقوة وجراءة وحكمة؛ حيث لم يكتفِ بمواساتها اللسانية، وإنما وقف بجانبها على أرض الواقع، واحتج ضد الظلم والعدوان الذي تتعرض له في الشرق والغرب، ورفع صوته لصالحها في المحافل الدولية، مما لم يحتمله الغرب وعملاؤه في الشرق من العلمانيين والليبراليين والمتنورين والمتحررين؛ لأن ذلك خطأ لن يُغْتَفَرَ في نظرهم، فظلوا يُشَوِّهون صورته في الإعلام، ويَتَّهِمُونه أنه يودّ تنفيذ الدكتاتورية في تركيا.

       ما حدث على أرض تركيا من محاولة الثورة ضد الحكومة الشرعية الـمُنْتَخَبَة من قبل الشعب بدا للجميع مُفَاجِئًا؛ ولكنه لم يكن مفاجئًا ولم يحدث بغتة؛ لأن محاولة تطويق تركيا تَكَثَّفَتْ منذ أن بدأت تقوم بـ«جرائم هائلة» لم يكن ليغفرها الغرب وإسرائيل وحليفتهما إيران، فقد سبقت محاولةَ الثورة الفاشلة تفجيراتٌ عديدةٌ كان آخرها تفجير عنيف نُفِّذَ على مطار أتاتورك الدولي بمدينة «إسطنبول» التاريخية أَدَّىٰ إلى مقتل 44 شخصًا وإصابة أكثر من مئة.

       وسَبَقَه هجوم يوم 7/يونيو 2016م على إحدى سيارات الشرطة استهدف مسؤولين عن الشرطة رفيعي المستوى أسفر عن مصرع 7 من ضباط الشرطة و4 من المدنيين.

       وفي 1/مايو 2016م هجمت سَيَّارَة مُفَخَّخَة على محطة الشرطة في مدينة «غازي أنتيب» الجنوبية، وأسفر ذلك عن مقتل ضابطين شرطيين وإصابة 22 من الشرطة.

       وقبل ذلك نُفِّذَ تفجير يوم 19/مارس 2016م في مركز للتسوّق بمدينة «إسطنبول» أدّى إلى مصرع ثلاثة من الإسرائيليين وشخص من الإيرانيين.

       ويوم 13/مارس 2016م تم تفجير سيّارة مُفَخَّخَة على موقف للحافلات بمدينة «أنقره» – العاصمة – مما أسفر عن مقتل 34 من الأشخاص وإصابة 120 منهم.

       ويوم 17/فبراير 2016م تم تفجير سيارة مُحَمَّلَة موادَّ متفجرةً في المدينة نفسها، وأسفر ذلك عن مقتل 27 من القوات إلى جانب مدني.

       ويوم 12/يناير 2016م تم تنفيذ عملية إرهابية في أمكنة سياحية بمدينة «إسطنبول» أسفرت عن مقتل 12 من السُيَّاح الألمان.

       إن أمثال هذه الأحداث لم تقع بهذه الكثافة والتتابع في السنوات الماضية حتى لم يقع مثلها في 2015م إلّا قليلًا. أما فيما قبله فلم يحدث قط إلّا في الأقل النادر الذي لا يخلو منه أيُّ بلد.

       محاولةُ تطويق تركيا والحرب الإرهابية التي شُنَّت عليها لم تكن مُصادِفَة، وإنّما كانت مُبَيَّتَة مدروسة؛ لأن تركيا انحرفت عن مسارها العلماني، وقد كانت محبوبة لدى الغرب عندما كانت تتبنّى العلمانيةَ العدوانيةَ الكماليةَ المتناهيةَ؛ ولكنها بدأت تتنكر لها شيئًا فشيئًا، رغم أنها لم تتخلَّ عنها كُلِّيًّا؛ حيث لا تزال تُطْلِق العنانَ لجميع الديانات والدعوات والفلسفات وتَتَّبِع الديموقراطيةَ التي يُنَادِي بها الغربُ؛ بل يُطَبِّل لها.

       ولكن الغرب لم يُعْجِبه ولن يُعْجِبَه أن تعود تركيا إلى الإسلام ولو وئيدةَ الخُطَىٰ. إنه جريمةٌ منها لم ولن تَغتفر لها اليهود والنصارى والمشركون بشتى أنواعهم وأشكالهم وألوانهم.

       وقد تَعَدَّدَتْ جرائمُها من هذا النوع، فعِيلَ صبرُ الغرب وأذنابه في الشرق. وكانت جريمتها الأولى الهائلة أن الشعب التركي أبدى ثقته الواسعة بالحركة السياسية الإسلامية من خلال التصويت الديموقراطي؛ حيث انتخب نُوَّابًا حاملين للنزعة الإسلامية حريصين على إيقاظ المارد الإسلامي في تركيا. ولَحِقَتها جريمةٌ أخرى لا تَقِلُّ شناعةً من الأولى، وهي أنها – تركيا – وَجَّهَتْ لمساعدة المظلومين الفلسطينيين ركبًا ثوريًّا تممثلًا في أسطول بحريّ باسم «فريدام فلوطيلا». وسَبَقَتْهما جريمةٌ أخرى وهي أنها أَبَتْ أن تساهم في الهجوم العسكري الغشوم على العراق الذي شَنَّتْه أمريكا وبريطانيا ودعت كثيرًا من دول الغرب والشرق إلى التكاتف معهما فهرعت لاستجابتهما. وقد اسْتَفْتَتْ تركيا في ذلك شعبَها فأَيَّدَها. وصدرت منها جريمةٌ أخرى لاحقًا، وهي أنها لم تكتفِ بالتنديد للعدوان الذي يتعرّض له المسلمون في «بورما»على يد كل من البوذيين والحكومة البورمية؛ بل أرسلت ممثلها إلى «بورما» الذي تَفَاوَضَ مع الحكومة البورميّة في شأن المساعدة وفي شأن كبح جماح البوذيين.

       وارتكبت الجريمةَ الكبرى عندما أَنْهَتْ علاقاتها الدبلوماسية مع مصر عند ما قضى الدكتاتور العسكري «عبد الفتاح السيسي» على حكومة الدكتور «محمد مرسي» المنتخبة على الطريقة الديموقراطية من قبل الشعب.

       وارتكبت جريمةً أخرى عندما احتجّت احتجاجًا قويًّا ضد الحكومة البنغلاديشية، واستدعت سفيرها؛ لأنها أعدمت شنقًا عددًا من قادة الجماعة الإسلامية.

       ولم تكن جريمتها هَيِّنَة وإنما كانت شديدة عندما آوَتِ المظلومين السوريين الذين لجأوا إلى تركيا فرارًا من عدوان الحكومة البَشَّارِيَّة والإرهابيين المأجورين لقتل وتشريد المسلمين السوريين السنيين، وأعلنت أنها ستمنح كثيرًا منهم الجنسيّة التركيّة، وقدمت لهم جميعًا كثيرًا من التسهيلات التي لا ينالها اللاجئون بنحو عاديّ في البلاد التي يلجؤون إليها. وهناك جرائم أخرى كبيرة وصغيرة تَنْصَبُّ في قناة خدمة الإسلام والمسلمين وتُسْخِط الغربَ وعملاءَه في الشرق.

       ولذلك كله تُبْذَل محاولات جادة لمحاصرة تركيا وتضييق الخِنَاق عليها، وسُلِّطَت عليها «داعش» وحُرِّضَ ضدها الانفصاليّون الأكراد، والعامل من ورائهما الغربُ الصهيوني الصليبيّ الـمُتَمَثِّل اليوم في إسرائيل والتحالف الغربي وإيران – التي لم يتعرض لها الغرب بسوء في التاريخ المعاصر قط، وإنما مَارَسَ أمام العالم تنفيذَ مسرحيّة الخلاف معها.

       من أجل هذه «الجرائم» المتصلة والأخرى التي يتخوف منها الغرب، كان هناك مخاوف شديدة أن يحدث في تركيا ما يكون أشدَّ مما ظلّ يحدث لحد الآن من الأحداث الإرهابيّة. وقد هَدَّدَت تركيا افتتاحيةٌ لصحيفة «النيويورك تايمز» مؤخرًا حملت عنوان Behind the cruel attack on Turkey قالت فيما قالت:

       «بعد تفجيرات مطار أتاتورك عادت تركيا بحاجة إلى إقامة العلاقات الاستخباراتية الوطيدة مع الاتحاد الأوربي والغرب. إن استهداف تركيا ليس مفاجئًا، وإنما كان مُتَوَقِّعًا؛ لأنها بدل أن تُعْنَىٰ بجانب «داعش» ظَلَّتْ تُوَفِّر الأسلحةَ والرجالَ لصالح «المجاهدين» المحاربين ضد «بشار». وإلى جانب ذلك أتاح الرئيس التركي «طيب أردوغان» للإسلام الثوري فرصةً وافيةً للإزهار والإثمار» – أي إن تركيا مُطَالَبَةٌ بالتخلي عن ذلك –.

       وتضيف الافتتاحية: «إن إرهابيي (داعش) يحتشدون مُغَادِرِين العراقَ وسوريا على الحدود التركية» –  أي إن «داعش» أُشِيرَ عليها من قبل سادتها أن تحارب تركيا فعلاً. ولا يغيبنّ عن البال أن «داعش» جماعة مأجورة للقتل والتدمير أقامها الغرب وإسرائيل وأمريكا؛ ولذلك فهي لم تستهدف لحد الآن إيران وإسرائيل وأمريكا.

       وتضيف: «إن السيد أردوغان قد حانت له لحظة حاسمة، إن أسلوبه القيادي الدكتاتوري أزعج الاتحاد الأوربي كثيرًا، إنه أنتج أزمات شديدة، ولا سيّما التي تتمثل في إيوائه للاجئين السوريين وخوضه الحربَ دونما حاجة مع الأكراد».

       إن الافتتاحية تضمنت تهديدًا واضحًا لتركيا ولـ«رجب أردوغان» وصَارَحَتْه أن يتَخَلَّىٰ عن كل ما تصنعه لصالح الإسلام والمسلمين ولصالح سيادة ووحدة وسلامة بلاده وأَسْلَمَتِها.

       ولذلك لـمّا تَمَكَّن الرئيس «أردوغان» من التحكم من جديد في مقاليد الحكم والإدارة والسيطرة على الوضع بعدما فشلت الثورة التي قامت بها مجموعة من الجيش بتواطؤ مع مجموعات من رجال القضاء ومصلحة التعليم ومنسوبيها والشرطة، واعتقل نحو 60 ألف شخص من كل من رجال الجيش، بمن فيهم 99 جنرالاً، و6000 من عامة القوات، و37 ألف من الموظفين، و21 ألف من الأساتذة، وألفين من القضاة، و 9 آلاف من الشرطة، وألغى تصاريح 24 من محطات الإذاعة والقنوات الفضائية، وأعلن تنفيذ حالة الطوارئ في بلاده لمدة ثلاثة شهور، وصارح أنه سيُطَهِّر القوات المسلحة من جميع الجراثيم الفتاكة، مما سيُرَسِّخ الديموقراطية، ويساعد على سيادة القانون، ويُعَزِّز قيم الحرية.

       لماصنع ذلك كلَّه، احتج ضدّه الاتّحاد الأوربي بقوة، وقال: الخُطُوَاتُ التي اتخذتها تركيا بعد إفشال الثورة العسكرية ضد كل من الجهاز التعليمي والجهاز القضائي والإعلام مرفوضة كليًّا، وأضاف: إنه قلق على تنفيذ تركيا حالة الطوارئ على أرضها؛ لأن هذه الخطوة خَوَّلَتْها صلاحيات واسعة لإدارة الحكم والسلطة من خلال المراسيم وإصدار الأوامر. إن اثنين من المسؤولين عن الاتحاد الأوربي رفيعي المستوى ضغطا على «رجب طيب أردوغان» أن يراعي سيادة القانون والحقوق الإنسانية والحرية.

       وحَذَّرا تركيا إلغاءَ الميثاق الأوربي للحقوق الإنسانية، وقال: عليها أن تراعي الشروطَ التي يجوز بموجبها إلغاؤه.

       ومن قبل ضَغَطَ وزيرُ الخارجية الألماني على تركيا أن تتعامل بالتوازن في ممارسة ردّ الفعل تجاه محاولة الثورة العسكرية الفاشلة.

       وكذلك اعتبرت منظمة العفو الدولية إجراءات تركيا إثر الثورة إجراءات صارمة غير عاديّة.

       وكذلك انتقدت فرنسا ما اتخذته تركيا من إجراءات لازمة إثر الثورة؛ ولكن «أردوغان» رَدَّ على وزير الخارجية الفرنسي قائلاً: إنه ينبغي له أن يُعْنَىٰ بما يعنيه، ولا يتعرض لما ليس له فيه خلّ ولاتمر. (صحيفة «راشتريا سهارا» الأردية اليومية الصادرة بدهلي الجديدة، العدد:6079، السنة:17، السبت: 17/شوال 1437هـ الموافق 23/يوليو 2016م).

       إن «أردوغان» حَمَّلَ مسؤوليةَ الثورة الفاشلة «فتح الله غولن» التركي الذي يقيم منذ سنوات طويلة بأمريكا؛ ولكنه بَرَّأَ ساحتَه تجاه الثورة وتَنَزَّه منها تمامًا، ولكن المُحَلِّلِين البصيرين بما وراءَ الأَكَمَة، يتأكدون أنه قد يكون حَرَّكَ الخيطَ من وراء الستار، ووَظَّفَتْه أمريكا وإسرائيل والغربُ لإشعال الثورة عن طريق من يُوَالُونَه في تركيا وخارجها. وقد اعتقلت تركيا كثيرًا ممن اشتبهت بتورطهم في الثورة من الموالين للرجل والمتبنين لليبرالية والعلمانية الكمالية والمنتمين إلى شتى المصالح الإدارية والقضائية والتعليمية والإعلامية والصحفية، يبلغ عددهم أكثر من ستين ألف.

       ورغم أن «أردوغان» حَقَّقَ نجاحًا عديم المثال في تفشيل الثورة؛ ولكن المحللين يُبْدُون مخاوفَهم من تكرار مثل هذه المحاولة أو ما يماثلها؛ لأن الـمُتَرَبِّصِين به والـمُتَصَدِّين له لن يقعدوا مكتوفي الأيدي؛ لأن المؤامرة ليست داخلية فقط، وإنما هي خارجية عالميّة أصلًا.

       وما يَسُرُّ هو أَنَّ «أردوغان» وسواعده في الحكومة التركية مُتَفَطِّنُون يَقْظَىٰ وَاعُون لما يُحَاك ضِدَّهم أو يُخَاف أن يُحَاك. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَي أمْرِهِ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُوْنَ﴾ (يوسف:21).

(تحريرًا في الساعة 11 من ضحى يوم الاثنين: 19/شوال 1437هـ  = 25/يوليو 2016م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة  1437 هـ = سبتمبر 2016م ، العدد : 12 ، السنة : 40

Related Posts