دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ رفيع الدين حنيف القاسمي(*)
الخدم نعمة من نعم الله عز وجل، أنعم الله علينا بوجودهم… إنّهم إخواننا وأخواتنا، جعلهم الله تحت أيدينا، وأخضعهم لنا، واختبرنا بوجودهم في بيوتنا، يبيّن الله عز وجل الأواصر بين الخادم والمخدوم، ويعدّها من نعمه الغالية الثمينة التي أسبغ بها علينا فيقول الله عز وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾(1). فعلينا أن نحافظ على حقوق الخادم، ومنها:
* الرفق وعدم تعنيفه وتوبيخه:
ولنا أسوة وقدوة حسنة في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي كان يعامل خدَمَه بمنتهى الرفق واللطف، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمتُ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما أمرني بأمر فتوانيت عنه، أو ضيعته فلامني، فإن لامني أحد من أهل بيته إلا قال: دعوه، فلو قدر أو قال: لو قضي أن يكون كان(2).
* النصح له واحترام رأيه:
إن الخادم بشر مثلنا، وله عواطف وتطلعّات، فهو يعاني مثلما نعاني الشدائد والمحن، وربما أشد وأكثر منا، فلا نحتقر أن ننصح له ونقدمّ له المشورة، ثم نحترم رأيه واختياره، نرى ذلك الموقف في قصة «بريرة»، كانت أمةً عند السيدة عائشة -رضي الله عنها- أعتقتها السيدة، فأصبحت حرّة، فخيّرت بين الاستمرار مع زوجها «مغيث» أو الانفصال عنه، فاختارت الانفصال عنه، رغم حب «مغيث» الشديد لها، فيقول لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لو راجعته». قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع». قالت: لا حاجة لي فيه(3).
فتأمل – رحمـك الله – كيف نصح النبي –صلى الله عليه وسلم- بريـرة، ثم احتـرم رأيها، وما سلّط عليها رأيه فقط.
* عدم ضربه وإهانته:
إن هناك كثيرين يُهينون الخدم إهانة بالغة، بالسب، والشتم، والضرب، والركل، واللطم وسائر أنواع الإهانة والتذليل، وهذا موقف حدث أمام النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال أبو مسعود البدري: كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي «اعلم أبا مسعود». فلم أفهم الصوت من الغضب – قال – فلما دنا مني إذا هو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود». قال: فألقيت السوط من يدي فقال: «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام». قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا(4).
* السمر معه والانبساط وإدخال السرور عليه بالحديث:
إن التواضع للخدم بالسمر معهم، والتحدث إليهم، وإدخال السرور عليهم كأصدقاء وخلّان مقربين من شيم أهل المروءة والأخلاق الفاضلة، فعن أبي مويهبة مولى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: بعثني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من جوف الليل، فقال: «يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي»، فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه، مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى» قال: ثم أقبل علي فقال: «يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة» قال: قلت: بأبي وأمي، فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: «لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة»(5).
* الأكل معه:
من الأخلاق الفاضلة أن نحرص كلّ الحرص أن يأكل الخادم معنا؛ لأنه تكابد الحرّ و تحمّل الدخان في صنع الطعام، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه؛ فإنه هو الذي ولي حرّه ودخانه»(6).
* العفو عنه:
الإنسان مركب من الخطأ والنسيان، فهو عرضة للخطأ والزلل، ربّما أخطأ الخادم، وتكرّرت أخطاؤه، فالمطلوب منا أن نصبر عليه، وأن ننصحه، و نبادر في العفو عنه، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- في ذلك قال: جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام، فصمت، فلمّا كان في الثالثة قال: «اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة»(7).
* العطف والتراحم عليه:
إن الخدم أولى الناس بالرفق واللينة واللطف، خاصة في أوقات الشدة، وفي المناسبات الاجتماعية، وبالرعاية والتعاهد لأحوالهم وحاجياتهم، عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال لي: يا ربيعة، ألا تزوج؟ قال: قلت: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحبّ أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: يا ربيعة، ألا تزوج؟ فقلت: ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحبّ أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: والله لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني، والله لئن قال: تزوج لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت، قال: فقال: يا ربيعة، ألا تزوج؟ فقلت: بلى مرني بما شئت، قال: انطلق إلى آل فلان – حي من الأنصار – وكان فيهم تراخ عن النبي –صلى الله عليه وسلم- فقل لهم: إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة -لامرأة منهم- فذهبت فقلت لهم: إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة. فقالوا: مرحبًا برسول الله، وبرسول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، والله لا يرجع رسول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا بحاجته فزوجوني وألطفوني(8).
* خفض الجناح له وإكرامه بالوعظ الحسن وبالدعاء:
لا بد لنا أن نلين الجانب للخادم، ونكرمه بالوعظ الحسن، وندعو له بالخير، وهو من سنة نبينا –صلى الله عليه وسلم- عن ربيعة كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سل». فقلت أسألك مرافقتك في الجنة. قال: «أو غير ذلك». قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السجود»(9).
خلاصة القول:
إن الخادم جزء من المجتمع الإنساني، وهو يحمل في جسمه القلب الخفّاق، ويكنّ في نفسه التطلّعات والطموحات، وله حاجيات مثلنا، فعلينا رعاية حقوقه، والتعاهد بإتمام متطلّباته، فنعامله بالرفق واللين، ونحذر كل الحذر التعنيفَ والتوبيخ، ونقدمّ له النصح، ونحترم آراءه، ولا نهينه بالضرب واللطم والشتم، فلنحرص كل الحرص على إدخال السرور عليه، بالمحادثة والسمر معه، ونشاركه في طعامه، وأن نعفـو ونصفـح عن الزلَل والخطايا، وأن ندعو له، ونربِّيه بالوعظ والموعظة الحسنة وغيرها.
* * *
الهوامش:
(1) الأنعام : 165.
(2) مسند أحمد بن حنبل: مسند أنس بن مالك، رقم الحديث: 13442.
(3) البخاري، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 4979.
(4) صحيح مسلم: باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده، رقم الحديث: 4396.
(5) مسند أحمد، حديث أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 16040.
(6) سنن ابن ماجه: باب إذا أتاه خادمه بطعام فليناوله، رقم الحديث: 3291.
(7) أبوداود: باب في حق المملوك، رقم الحديث: 5166.
(8) مسند أحمد، حديث ربيعة بن كعب الأسلمي، رقم الحديث: 16627.
(9) صحيح مسلم: باب فضل السجود والحث عليه، رقم الحديث: 489.
(*) شاهين نغر، الحيدرآباد، الهند.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1437 هـ = سبتمبر 2016م ، العدد : 12 ، السنة : 40