دراسات إسلامية

بقلم: فضيلة الشيخ المفتي سعيد أحمد البالنبوري (*)

تعريب وتعليق: أبو فائز القاسمي المباركفوري

قال الله تعالى:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل/97].

       تناولت الآية الكريمة  معنىً عظيمًا يهمنا جميعًا رجالًا ونساءً. فلْنُصْغِ إليه أسماعنا ولنتدبره؛ إنه يضمن لنا القضاء على معاناتنا وما يحل بنا من صروف الدهر.

       ولاتجد اليوم في الدنيا أحدًا إلا حيران تائهًا، محاطًا بالهموم والأحزان. وقلّ من يتنفس الصعداء، مطمئن البال، قرير العين، فرحًا مسرورًا. و الناس يتلمسون الراحة والطمانينة. وهذه الآية الكريمة تصف لهم حلًا ناجعًا لما يواجهونه من المشاكل والمعاناة كلها، وكيف يمكن الإنسان أن يعيش عيشة الأمن والطمانينة والراحة؟ وما الطريق الذي يتبعه للحصول على حياة ملؤها السلامة وقرارة العين، سكون الفؤاد؟

الفرح والطرح قرينان

       إن الله تعالى خلق الهم والطمانينة في هذه الدنيا مقترنين، ويفرق بينهما في الحياة الآخرة. فالراحة والطمانينة الجنةُ دارها، والهم والغم والمعانات والمشقات النارُ محلها. فالجنة لاهمَّ فيها، والنار لاراحةَ ولانعيمَ فيها. فهما يتفارقان في الآخرة وإن اقترنا في هذه الدنيا.

       وأضرب لكم عليه مثلًا: يزرع الفلاح الحب في حقله، فالنبات والحب مقترنان بدءًا من الغراس إلى حصاده. فالقمح مثلًا ينبت نباته فهو كلأ نضير فحسب، لايستسيغه البشر. ثم ينمو نموًا فيطلع في نباته السنابلُ، وهي أوراق، وليس مما يأكله الناس. ثم ينعقد فيها الحب، الذي ينفع الناس، إلا أنه خليط بالورق والنبات. ثم يدرك القمح، ويحصد، ويترك أيامًا، فيجفّ، ثم يداس، ثم يذرى به في الريح، فيمتاز الحب عن العصف. وهكذا تختلط النساء الصالحات والكافرت بعضهن ببعض. و لب هذا الكون وخلاصته هم المسلمون والمسلمات، فإذا قامت الساعة فرز الحب عن العصف. قال الله تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْـمُجْرِمُونَ﴾[يس/59] فيصير المسلمون والمسلمات إلى الجنة، والكافرون والكافرات مآبهم النارُ.

       والحاصل أن الخير والشر، والراحة والألم، والإيمان والكفر، لا يمتاز بعضها عن بعض في هذه الدنيا. ويتخلل هذه الدنيا والآخرةَ عالمُ البرزخ وعالم القبر. فلايخرج الإنسان من الدنيا إلى الآخرة مباشرةً، وإنما يبقى في عالم البرزخ مدةً تمكنه من الخروج إلى الآخرة. وحينئذ يميز الكفر عن الإسلام، والكافر عن المسلم، وينادي منادٍ في ميدان المحشر: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْـمُجْرِمُونَ﴾. وكذلك يمتاز كل شيء عن غيره يومئذ. والراحة مكانها الجنة، والألم داره النار، وإن اجتمع أسبابهما وتلاقت في هذه الدنيا. والدنيا فيها النعيم والألم. فمن أراد حياة الراحة والطمانينة فعليه أن يتبع هدى الله تعالى. ومن لم يتبعه كان حظه الألم والهم والمعاناة والمشقات.

من اتبع الهدى فلايضل ولا يشقى

       وتناول القرآن الكريم في نهاية الجزء السادس عشر قصة آدم -عليه السلام-. وخلق الله تعالى آدم وحواء، ثم أسكنهما في الجنة، وقيل لهما: اسكنا حيث شئتما، وكلا منها ما شئتما، وأنه لاشقوة فيها، ولا جوع، ولاعطش، ولا حر ولابرد، ولاهم ولاحزن، ولاألم ولانصَب، اللهم إلا أنه أمرهما ألايقربا شجرة بعينها، فيخرجا منها إلى الدنيا، وفيها أنواع من الشقوة، ثم غرهما الشيطان بعد زمن، فأكلا منها.

       وقد يتساءل البعض: ما الشجرة التي حذرهما الله –تعالى- قربَها؟ قلنا: الله أعلم بها؛ لأن القرآن الكريم لم ينص عليها. ولايسعنا القطع بها إلا من جهة الكتاب والسنة. وهو من أمور الآخرة. ولايدرك العقل البشري ما يخص العالم الآخر، ولاعلم لنا إلا ما علمناه القرآن والسنة في صدده.

       وأما ما اشتهر على ألسنة الناس أنها السنبلة (القمح)، فلاأصل له، بل يرده نص الآية (شجرة)، فإنها تصدق على ما له ساق وأغصان. والسنبلة ليس لها ساق وأغصان. فحمله على السنبلة، رجم بالغيب. وروي أنها التين.والله أعلم.

       فلما أكلا منها أمر هما الله –تعالى- بالهبوط على الأرض، وسكناها، وأنه لا مقام لهما في الجنة. ويعيش ذريتهما في الأرض إلى قيام الساعة. وأن هدى الله تعالى يأتيهم، فمن اتبعه فلايضل ولا يشقى. قال الله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾[طه/123].

       والضلال: يطلق عليه في الأردية «گم راهي» فهي مركبة من كلمتين : «گم» (أخطأ)، و«راه» (الطريق) أي فمن اتبع هداي فلا يخطئ الطريق. والمعنى أن الجنة أصل وطنكم، وأنتم عائدون إليه، غير أنه يجب سلوك طريق بعينه. وسيأتيكم من هداي، فمن اتبعه، لم يخطئ الطريق، وسيصل إلى وطنه الأصلي في أمن وسلام، فيدخل الجنة لاينحرف ولا يلوي، و يعيش في الدنيا في راحة وسلامة ما عاش، ولايصيبه نصب ولاتعب.

       ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰمَةِ أَعْمَى﴾[طه/124]، وإذا كان أعمى فلن يهتدي إلى الجنة، ولن ينال الراحة والسلامة في الدنيا.

يجب اتباع الهدى بجانب الإيمان

       هذا الذي ذكرته يتلخص في أن هدى الله تعالى يجب اتباعه، ولايجزئ مجرد الاعتراف به. ومثله مثل رجل يقتني الدواء من الطبيب ويعترف بأن هذا ينفع في الحمى، ويستدل عليه ثم أودعه الخزانة، فإن حماه لن تزول ولو كان الدواء أنفع. فإنها لاتزول إلا بتناول جرعاته، فإذا تناول شَعَرَ بالراحة والصحة. وكذلك لايجزئ الاعتراف بهدى الله تعالى وقبوله، وإنما يكسب المرءُ فائدته المطلوبة باتباعه والأخذ به.

       من النساء والرجال من يقول: ما بالنا نلقى المشقات، ونحن مسلمون؟ ومثل هؤلاء كثير من الرجال وقليل من النساء؛ لأن المرأة جُبلت على الغِرة والسذاجة. وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بدين العجائز». لأن إيمانهن أقوى، إذ لاينفذن في عمق الدين، بل هن على علم بالخطوط العريضة منه، ويتشبثن بها، دون نقاش فيه أوالتفات يمينًا وشمالًا، أوإكثار من السؤال عنه، وتتبع السبب وراء ذلك. وليس هذا أمر محبب. والرجال أكثر عناية بمثل هذه الأمور من النساء. وذلك من فضل الله لهم عليهن. وثمة طائفة من النساء ومن الرجال تتساءل نفوسهم عن سبب معاناتهم ماداموا أهل الإيمان؟

لاسعادة إلا في اتباع الهدى

       وهذا ما أود أن أجيب عنه : نحن مسلمون، ويعني ذلك أننا نؤمن بأن ما أنزل الله تعالى على رسوله، وأرشدنا إليه نبيه –صلى الله عليه وسلم- من الهدى وأسلوب الحياة، رائع جدًا. وهذا إيماننا وعقيدتنا.ولكن هذا الهدى الذي جاء به النبي-صلى الله عليه وسلم- هو بين دفتي المصحف، والمصحف في الخزانات. و لن نسعد بهذا الهدى مالم نحققه في واقع حياتنا. ونحن على إيمان بأن أكثر أساليب الحياة أمنًا وراحةً: هو هدى القرآن الكريم، ولكن لم نحققه في واقع حياتنا. فاعلموا أن اتباع ما أنزل الله تعالى من الهدى وأسلوب حياة العيش هو الذي يضمن للبشر النجاة من المعاناة، ويجلب عليه الراحة والطمانينة، في كل أحواله: مرضه، وصحته، سرائه وضرائه، فقره وغناه. فلانحظى بهذه الراحة والطمانينة إلا إذا كانت حياتنا تبعًا لما جاء به الإسلام.

       وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيٰوةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وأما السيئات فلاتبرأ عنها ساحة الصالحين، رجالا أونساء، والله تعالى يغفرها لهم. ويجزيهم الخير بأعمالهم الصالحة.

       فهذه الآية تتحدث عن حال الدنيا وعن حال الآخرة. فمن آمن وعمل صالحًا من ذكر أو أنثى، منَّ الله تعالى عليه في الدنيا بحياة طيبة آمنة مطمئنة. وجزاه في الآخرة خيرًا. والحاصل أن الحياة الطيبة المطمئنة في الدنيا لمن آمن وعمل صالحًا من ذكر أو أنثى.

ما الإيمان؟

       الإيمان المفصل: آمنت بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره من الله تعالى.

       1. الإيمان بالله: أي بأن خالق الكون هو الله تعالى وحده، وهو المدبر له، وأن الدنيا ليست بأنف. ومن الناس – وكثيرمنهم في بلادكم أمريكا – يرى أن الكون خلق نفسَه، وهو قائم بنفسه، وفي غنى عن خالق ومدبر. ويقول «درون» – أحد فلاسفة بريطانيا-: إن الإنسان أصله من القردة. ثم تحول إلى الإنسان. فصفّق له الكفرة. وهذا القول من السخافة والبطلان ما لا يخفى على أحد؛ فإن القرد لايعدمه الكون. فما المانع من تحولها إلى الإنسان. وإنما لجأوا إلى ذلك تخلصًا وتفصيًا من القول بخالق الكون وربه ومالكه. ألايرى أن الإنسان إذا كان خُلق من القرد، فمِمَّ خلقَ القرد؟ فيقول: من التراب، فالتراب مَن خلقه؟ وينتهي الأمرإلى القول بالخالق والمالك. فهلا بدأوا بالاعتراف بخالق الكون ومالكه.

       والحاصل أن الواجب علينا أن نؤمن بأن الله تعالى خلق هذا الكون، ولم يَحدُث تلقائيًا، بدون خالق. وكذلك الله سبحانه خلقنا، ثم قدر لنا أسباب الحياة، وعلمنا سليقة عيشها، ووفر لنا حاجاتنا. فالواجب – ليس علينا فحسب؛ بل على الخلق كله- أن لانعبد إلا الله وحده. وصرف العبادة والاستعانة إلى غيره سبحانه إشراك به. فإنه وحده، لاشريك له، لاأم له و لا والد له، لم يلد ولم يولد، هو صمد، لم يكن له كفوًا أحد، واحد أحد. فهذا ما يجب أن نعتقده في ذات الله تعالى. وهي إحدى دعائم وأسس الإيمان السبعة.

       ومن الناس من لايؤمن بالله أصلًا، ومنهم من يشرك به وإن كان يؤمن به. فالنصارى يؤمنون بالله تعالى، ولكنهم أشركوا اثنين، فقالوا: الله ثالث ثلاثة.ومثلهم في ذلك مثل الهندوس في الهند، الذين ينادون الله بـ«برميشور»، و «إيشور»، و«بهكوان» بالإضافة إلى اتخاذهم الآلاف من الآلهة. وكذلك المجوس يتخذون إلهين اثنين.

       و صرف شيء مما يختص بالله تعالى إلى غيره، هو اتخاذه إلهًا، وإشراكه به. فالنصارى- مثلًا- يؤمنون بالله -سبحانه-، إلا أنهم يصرفون إلى عيسى -عليه السلام-، وأمه ما يختص بالله -سبحانه وتعالى-. ويطلبون منهما حاجاتهم، ويعبدونهما من دونه، فهذا هو الإشراك بالله –تعالى-. ومن المسلمين من يطوف بالقبور، وينذر للصالحين، ويقدم إلى قبورهم قرابين، ويطلب منهم حوائجه؛ فكل هذا إشراك بالله –تعالى-. فصرف شيء مما يختص بالله –تعالى- إلى غيره من الخلق، هو إشراك بالله –تعالى-، وهي كبيرة.

يحرم السجود لغير الله تعالى

       قدم بعض الصحابة ـ وهو قيس بن سعد -رضي الله عنه- الشام، فوافقهم  يسجدون لمرزبان لهم. فحدثت به نفسه أن هذا ما لا وزن، والناس يسجدون له، والرسول –صلى الله عليه وسلم- حبيب الله تعالى، وأعظم المخلوقات وأكرم الموجودات، فهو الأحق بالسجود. وإذا كان هؤلاء يسجدون لمرزبان لهم، فهلا نسجد لسيد الأولين والآخرين محمد –صلى الله عليه وسلم-، فهو ملك الملوك.

       فلما قدم المدينة، قال: يارسول الله، أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لمرزبان لهم.وأنت أعظم رسل الله تعالى، وأحبهم إليه، فأنت الأحق بأن نسجد لك. فأمرنا به. فقال-صلى الله عليه وسلم-: «أرأيت لو مررت بقبري أكنتَ تسجد له»؟ قال: قلت: لا.(إذًا كان الصحابة على علم بأن السجود للقبر عبادة له،ولايجوز صرف العبادة إلى غيـرالله تعـالى فنفى قيس ذلك. والرسول –صلى الله عليه وسلم- حي في قـبره، فلوجاز السجود له وهو حي بين أظهرهم لجاز وهو في قبره. فإذا حرم السجود لقبره، حرم السجود له وهو حي بين أظهرهم لامحالة. فالحياتان سواء بالنسبة لـه –صلى الله عليه وسلم-، فكان حيًا في الدنيا وهو حي في قبره).

لايجوز السجود تعظيمًا

       ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «فلا تفعلوا، لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق». أي أن حقوق الزوج على زوجته عظيمة جدا، لا تكاد المرأة تؤديها مهما بالغت في التعظيم له. فيجب على المرأة أن تقوم بتعظيم زوجها ما وسعها ذلك في حدود الشرع. ولايخفى أن سجود المرأة لزوجها-لو أُمِرَت به- لم يكن من سجود العبادة، بل تعظيمًا له، ثم إن النبي-صلى الله عليه وسلم- حرمه عليها، فدل على حرمة السجود لغير الله، ولو تعظيمًا؛ فإنه من الإشراك به سبحانه، ومن الكبائر. فيجب أن نؤمن- إيمانًا راسخًا- بالله تعالى دون الضرائح، والقبور، وحبائل التعاويذ. فإنه من مؤشرات ضعف الإيمان. فآمنوا – إيمانًا راسخًا – بالله ربكم، خالق الكون ورب العالمين، وإليه تضرعوا، و أنيبوا، ومنه اطلبوا حوائجكم، وإياه فاعبدوا. ولاتعبدوا أحدًا غيره، ولاتسألوا غيره، وهذه أول أسس الإيمان.

الملائكة خلقوا من نور

       ويجب الإيمان بالملائكة وأنهم خلقوا من النور، ليسوا ذكرًا ولا أنثى، لايأكلون ولايشربون، ولاينامون ويطيعون الله تعالى فيما أمرهم، ولايعصونه. فالإيمان بالملائكة من أسس الإيمان.

3-.الإيمان بالكتب السماوية كلها

       والثالث من أسس الإيمان: الإيمان بأن ما أنزل الله تعالى من الكتب على أنبيائه هدى للناس. ولايجب العمل إلا بالقرآن الكريم، ولايجوز العمل بسواه من الكتب السماوية اليوم. فإن القرآن الكريم نسخ سائرها. فيجب العمل بالقرآن وحده. ومثل ذلك مثل الحكومات المختلفة في العالم؛ فإن لكل واحدة منها قوانين ولوائح تخصها، نحن نعترف بها، ولانأخذ إلا بدستور بلادنا. فمثلًا أنتم تتبعون قانون أمريكا هنا، وأنا آخذ بقانون الهند في بلادي، ولكننا جميعًا نعترف بالحكومات كلها.كذلك يجب الإيمان بالكتب التي نزلها على رسله وأنبيائه، ولايجب علينا العمل إلا بالقرآن، لأننا في عهد نبوة سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم-. وكان يجب العمل بالتوراة في عهد موسى -عليه السلام-، وكانت هي دستور ذلك الزمان. ثم جاء عيسى -عليه السلام-، فانتهى وجوب العمل بالتوراة، ووجب العمل بالإنجيل، فإنه دستور ذلك العهد. فلما نزل القرآن الكريم، لم يعد العمل بالتوراة واجبا، و وجب العمل بالقرآن الكريم، فإن هذا عهد القرآن ودستوره. إلا أنه يجب الإيمان بالكتب السماوية كلها. وهذا أيضا من أسس الإيمان.

4. وجو ب الإيمان بالرسل كلهم

       وكذلك يجب الإيمان بجميع الأنبياء والرسل -عليهم السلام- منذ آدم إلى نبينا -عليه الصلاة والسلام-. وقد بعث الله رسلًا كثيرين هدى للناس، ويبلغ عددهم مئة وعشرين ألفًا كما تفيد بعض الروايات. منهم ثلاث مئة وثلاثة عشر رسولًا، أنزل عليهم مئة وأربعة كتب. ويجب الإيمان بهؤلاء الأنبياء والرسل، وما أنزل عليهم من الكتب. وإن الكفر بنبي من الأنبياء أو رسول من الرسل كفريخرج من الملة، وإن وجب العمل بشريعة الرسول الذي بعث في زمنٍ بعينه. وبما أن هذا زمن سيد الأولين والآخرين، فيجب العمل بالقرآن الكريم، دون الكتب السماوية غيره.

لماذا يجب الإيمان بالملائكة، وبمن سبق من الأنبياء وما نزل عليه من الكتب؟

       فهذه الخصال الأربع: الإيمان بالله، وبملائكته، وكتبه، ورسله حلقات سلسلة واحدة، وتتعانق بعضها مع بعض. فإننا نؤمن بأن الله- الذي هو خالقنا ورازقنا، ومالكنا- خلق هذا الكون لنا. ثم أنزل علينا هداه بواسطة ملائكته. والكتب الإلهية كلها نزل بها الملائكة. فإن لم نؤمن بالملائكة، فكيف الإيمان بالوحي والنبي، والكتب الإلهية؟ وإن الإيمان بالوحي، والكتب السماوية، والأنبياء يوجب الإيمان بالملائكة الذين يمثلون وسائط ؛ لأن الله تعالى لايكلم بشرًا في هذه الدنيا من غير واسطة. و اختص الله -سبحانه وتعالى- موسى -عليه السلام- في الطور بالكلام مباشرة. ولم تجر عادة الله تعالى في الدنيا أن يكلم بشرا بغير واسطة. فينزل الملائكة بالوحي على رسله وأنبيائه. والرسل يبلغون الناس ما يوحى إليهم من ربهم. وهذا ما يطلق عليه «الكتب السماوية». فهذه الخصال الأربع حلقات سلسلة واحدة.

5. للدنيا يوم آخر

       والخامس: الإيمان بأن الدنيا لاتدوم، وأنها لها يوم تنتهي إليه. ثم تقوم الساعة، وينتقل الناس إلى عالم آخر. ولايعتقد إلا الكافر أن هذه الدنيا يطرأ عليها الموت، ولاشيء بعده. قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾[الجاثية/24] أي لاحياة بعدها. نأكل فيها ونشرب، وننمو ونشيب، ثم في آخر المطاف نموت ولا حياة بعده، وهذه الدنيا تستمر على ما هي عليه، يولد المرء ويموت، ولاتنتهي. وهذه عقيدة باطلة؛ لأن هذه الدنيا حادثة، وليست قديمة؛ فلابد من يوم تنتهي فيه، وهو اليوم الذي يطوي فيه بساطها، ويطلق عليه «اليوم الآخر»، كما أننا نولد، ونموت يومًا من الأيام. فالإيمان به واجب.

6.الإيمان بالبعث بعد الموت

       السادس من أسس الإيمان: الإيمان بالبعث والنشور بعد الموت، فيقوم الحساب، ويجازى كلُ أحد بما كسب. ويرى الكافر أنه لا يبعث بعد الموت.

*  *  *


(*)             رئيس هيئة التدريس وشيخ الحديث بالجامعة.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة  1437 هـ = أغسطس – سبتمبر 2016م ، العدد : 11 ، السنة : 40

Related Posts