دراسات إسلامية
بقلم: أبو عاصم القاسمي المباركفوري
الزهد في الدنيا من شعائر الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام- ومن ميزات المؤمن بالله ورسوله. و الإسلام- وإن لم يأمر أتباعه بالانقطاع عن الدنيا إلى الآخرة إلا أنه لم يُرِد منهم أن يتهافتوا على الدنيا و يسيل لعابهم لها، ويكونوا أشد حرصًا عليها من اليهود على الحياة الدنيا، فيتقاتلوا على جمع المال من حيث جاء: أ من الحلال أم من الحرام. وكان السلف الصالح ينظرون في الدنيا و زوالها وفنائها و اضمحلالها على عجل، ولايغيب عن بالهم ما في التزاحم عليها، وعلى كسبها من الغصص والأنكاد ثم ما تؤول إليها من الانقطاع المصحوب بالأسى والحسرة، وأن الدنيا ممر و معبر، وليست دارالمقام والدوام، كما ينظرون في الآخرة وإقبالها وثباتها وشرف ما فيها من الخيرات الكاملة الدائمة.
والناظر في سيرة السلف الصالح – رحمهم الله تعالى- يجد قصصا كثيرة تكشف عن غنى النفس والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة،نستعرض فيما يلي جانبا منها:
فهذا الحاج إمداد الله المهاجر المكي(1233-1317هـ /1817-1899م) -أحد كبار المربين المعروفين في شبه القارة الهندية- هجر دياره في الهند، و وصل إلى مكة ونزل بها، وكان لايملك شيئا. و ذات مرة مضى عليه أيام دون أن يجد شيئا يذوقه ويقيم به صلبه، إذ نظر إليه بعض الناس وعرف ما كان يعانيه الشيخ من الجوع والفاقة، ولم يتجرأ أن يقدم إليه المال وجها لوجه، فاحتال لذلك بأن استعار منه إزارًا،كان عنده تظاهرًا بأنه في حاجة إليه وسيرده إليه، فأخذه وخرج ثم عاد وقد دس فيه مئتى ريال، وكان الشيخ في صلاته، فوضع بين يده وعاد أدراجه. ولما سلم الشيخ وجد إزاره فيه المال، فظن أن الرجل قد أودعه إياه، فحفظه حتى يأتيه يسترد وديعته، ولم ينفق منه على نفسه شيئا، ولم يخطر بباله أنه هدية، فيجوز له أن ينفقها على نفسه مع ماكان يعانيه من الفاقة والجوع. ثم جاءه الرجل يزوره و ليعرف مصير ماله الذي دسه في إزاره. فوجد الشيخ على ما كان عليه من الجوع والفاقة فسأله: هلا أنفقت المال الذي دسسته لك في الإزار؟ فقال الشيخ: إنه أمانة، وما كان لي أن أنفقه على نفسي. فقال الرجل: إنما كان هدية، ولم يكن وديعة. فرد عليه الشيخ: ما هكذا يهدى إلى الناس(1).
وهذا الإمام محمد قاسم النانوتوي- مؤسس الجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ديوبند– (1248-1297هـ/1833- 1880م) عاش ما عاش في وطنه «نانوته»، وله بيت بل قصر يملكه، ثم دعته شؤون دارالعلوم/ديوبند المتزايدة إلى اتخاذ ديوبند وطنا له، واستقدام أهله وولده إليها. وكانت زوجه من ديوبند ولها فيها أهلون وأقارب فنزلت هي في بيتهم، وأما الإمام النانوتوي فاتخذ غرفة من مسجد «تشته» سكنا ومأوى له بحكم أنه لم يكن يملك في ديوبند بيتا ولا مأوى يأوي إليه هو زوجه وأولاده. وعرض عليه أصحابه ومحبوه أن يسكن في بيتهم إلا أنه أبى، وكان يؤثر أن يعيش في الدنيا كأنه غريب أوعابر سبيل. و البيت الذي يسكنه أولاده وأحفاده اليوم كان قد عرض عليه السكنى فيه يوما من الأيام إلا أنه رفض هذه الفكرة، وعاش ما عاش في غرفة من غرف مسجد «تشته».
وذات مرة أراد أحد أصحابه ومسترشديه أن يشتري بيتا ويهبه للإمام النانوتوي، وكان على علمٍ بأن طلبه سيواجه بالرد والرفض البات، وأن الإمام النانوتوي لن يرضى بأن يدخل في ملكه بيت من البيوت. فاحتال لذلك بأن اشترى البيت وسجله باسم زوجته، وقدم أوراق تسجيل البيت بعد إكمال الإجراءات اللازمة إلى الإمام النانوتوي. ثم تحولت زوجه مع أولاده من بيت أهلها إلى هذا البيت، وقضت حياتها. ولايزال هذا البيت ملكا لهذه العائلة الكريمة. ولم ينفق الإمام النانوتوي ما عاش درهما ولا دينارا على بناء البيت أو ترميمه وإصلاحه. وذلك حين كانت الدنيا مقبلة عليه، ولو شاء لعمل لنفسه ما شاء من البيوت والقصور الشامخة. يقول الشيخ محمد يعقوب النانوتوي (1249-1302هـ/1834-1886م): «لا أغلو لوقلت: إنه لم ينفق على بيته قطميرا، ولوشاء لعمل جدرانه من ذهب(2).
ومن أروع قصص زهده وتقواه وغناه عما في أيدي الناس أنه ذات مرة صب بعض الأثريا كيسا ملآن نقودا على نعاله رغم إبائه المستمر وإصراره على الرفض، فما كان من ا لشيخ إلا أن طلب من خادمه أن ينفض النقود عن نعاله، وقال له: ألا ترى، إننا نكسب العيش والأثرياء من طلاب الدنيا وبهجتها كذلك يكسبون العيش لأنفسهم، ولايفرق بيننا وبينهم إلا أن طالب الدنيا يطلبها ويتبعها ويتملقها ويترامى في أقدامها، والدنيا تطرده وتفر منه وتُذِله ثم لاتجود عليه إلا بالقليل التافه. وها هي الدنيا تقع في أقدامنا ونحن نطردها ونركلها. والحمد لله على ذلك(3).
وذات مرةٍ عرض عليه بعضُ الأثرياء ستةَ آلاف روبية هندية، وقال له:أنفقها في وجوه الخير. فقال الشيخ: أنت أهل لإنفاقه في وجوه الخير. فرد عليه: لست أهلا لذلك. فقال له الشيخ: عندي ما يدل على أنك أهل له، لو كنتُ أنا مؤهلا لهذا الإنفاق لمنَّ الله تعالى علي بذلك. فتولَّ أنت إنفاقَه في وجوه الخير(4).
وذات مرة عرضت عليه وظيفة من إمارة «بهوبال» المسلمة تدر عليه خمسة مئة روبية هندية شهرية فقيل له: هلا قبلت هذه الوظيفة واشتغلت بها؟ فقال: إنهم لم يعرضوا هذا الراتب الباهظ إلا لأنهم رأوني مؤهلا لذلك، وأما أنا فلا أجدني مؤهلا لهذه الوظيفة، وأبى أن يقبلها رغم الإصرار المتواصل(5).
وذات مرةٍ قدم بعض أحبائه إليه رداءً وحليةً ذهبيةً على أنهما هدية لزوجته، فاستلمهما الشيخ وأوصلهما إلى زوجته ثم أعرب عن موقفه من مثل هذه الأموربقوله: لاشك أن هذه الحلية والرداء مما يشرح القلبَ ويسرُّ النفس، إلا أنه لايأتي عليهما زمان طويل حتى يتعرضا للهلاك والضياع، وقال لها أيضا: إن هذا الرداء المزخرف يغني ما يغني عنه الرداء الأبيض العادي من الكتان، وإن الله تعالى سيعوضكِ – إذا أنفقته في سبيله – خيرًا من هذا الرداء وهذه الحلية وما هو أطول بقاءً. فما كان من الزوجة المطيعة لبعلها حتى أنفقتهما في سبيل الله، ولم تجد في نفسها حزازة(6).
وأراد بعض أصحاب المطابع أن يوظفه في مطبعته، فقال له: «لا أحمل كفاءة علمية إلا أن بمكنتي أن أقوم بتدقيق نصوص القرآن الكريم للطباعة ولا أكلفك أكثر من عشر روبيات». وفي الأيام نفسها عرضت عليه بعض الإمارات الإسلامية الهندية وظيفةً على راتب يقدر بثلاث مئة روبية هندية كل شهر، و تلقى الإمام النانوتوي الخطاب في هذا الصدد فلم يلبث أن رد عليه بقوله: «أقدِّر هذه المبادرة منكم إلا أني أتقاضى هنا عشر روبيات في الشهر، أنفقها على نفسي وأهلي وتتوفر منها خمس روبيات، هبك قبلت هذه الوظيفة؛ فإني يكفيني من الثلاث مئة هذه، خمسُ روبيات فكيف أفعل بمئتين وخمس وتسعين روبية؛ إذ لايزال يساروني هم البحث عن وجه أنفقها فيه!. ثم لم يقبل هذه الوظيفة(7).
وفي يوم من الأيام سافر إلى رام فور، فأراد أميرها أن يزوره الشيخ في بيته، فأبى الشيخ الدخول عليه، وقال للرسول: أنا أعرابي بدوي، لاعلم لي بآداب الدخول على الأمراء، فلا آمن أن يصدرمني ما يخالف أدب الدخول. فأرسل إليه الأمير: «لابأس، فقد أعفينا عنكم آدابَ الدخول على الأمراء؛ فإني أنا الراغب في زيارتك». فرد عليه الشيخ بقوله: يا عجبا، أنت الراغب في الزيارة ثم أنا أقوم بالدخول عليك»(8).
ومن قصص زهده ورضاه بالقليل ونفوره من الدنيا إلا بما يقيم أوده أن «أمير بهاولفور» بنى مدرسة دينية، وقال لعلماء المنطقة: أنا أتولى بناء المدرسة، ولكن كيف عمارتها؟ فقالوا: ندلك على عالم تستدعيه إلى المدرسة فسوف تنشط المدرسة. فقال: «التمسوا جوهرة من الجواهر العلمية، وأنا أتولى دفع ثمنها. وكان غَرَّه مالُه وما كسب. وفعلًا تم بناء المدرسة، فقال للعلماء: أين الجوهرة العلمية التي التمستموها؟ فقالوا: هو الشيخ محمد قاسم النانوتوي. فسألهم عن راتبه الذي يتقاضاه في محل عمله، فقالوا: أربع أوخمس روبيات هندية.-وهذا ما كان يتقاضاه العلماء في تلك الحقبة من الدهر. فقال لهم الأمير: سيروا إليه، واعرضوا عليه مئة روبية راتبًاشهريا، إذا قبل العمل في مدرستنا. وكيف برجل أصبح يتقاضى مئة روبية في حين كان لايزيد راتبه على خمس روبيات.
وفرح العلماء في المنطقة كثيرًا على هذا العرض السخي من الأمير لاستقدام الشيخ النانوتوي إلى المدرسة، فتوجهوا إلى ديوبند ظنًا منهم أن الشيخ لن يتردد في قبول هذا العرض السخي، فدخلوا عليه، فهشَّ الشيخ للقائهم وبالغ في الحفاوة اللائقة بهم وتكريمهم ثم سألهم عن سبب مجئيهم إليه؟ فقالوا: يا سيدي، قد بنى الأمير في منطقتنا مدرسة، وهو يرغب أن تتولى التدريس فيها مقابل راتب شهري يقدر بمئة روبية. فرد عليهم الشيخ بما لم يكن بحسبانهم، وقال لهم: إن راتبي خمس روبيات، أنفق منها ثلاثا على نفسي وأهلي، واثنتين على الفقراء والأيتام. وهَبْ توليت العمل في مدرسته، وتقاضيت مئة روبية؛ فإن نفقتي لاتزيد عن ثلاث روبيات في الشهر، ثم أرْهقُ نفسي سحابةَ النهار في البحث عن المساكين و الفقراء الذين أنفق علهيم السبع والتسعين روبية المتبقية من راتبي. أليس ذلك مما يشغلني عن التدريس، فلا أرضى بالتنقل إلى مدرسته. فلزموا السكوت وعادوا أدراجهم(9).
وكان الشيخ محمد يعقوب النانوتوي(1249-1302هـ/1834-1886م) يزهد في الدنيا الزهد كله، ويعافها وما فيها، ويغيب كثيرا عن الدنيا وما فيها، يقول شيخنا الأستاذ/ نور عالم خليل الأميني –حفظه الله-: «وكان مستغنيا عما عند الناس كسلفه الذين كانوا يهتمون بجانب الآخرة، و لايبالون بجانب الدنيا. يُروى أن أحدًا من أصحابه كان مدلا به كثيرًا، قال له ذات يوم: إن السري الفلاني يود أن لو زرته مرة، فقال: سمعت أنه يهدي إلى كل «مولوي» – مثقف بالثقافة الدينية الشرعية- يزوره مئة روبية، وبما أنه يدعوني إليه بنفسه، فقد يجوز أن يهدي إلي مئتي روبية. وماذا تقع مني هذه المئة والمئتا روبية، إني لن أذهب إليه لأضع من مكانة «المولوية».
وبما أنه كان قنوعًا زاهدًا، فلم تغره المناصب العليا ذات الرواتب الكبيرة، واكتفى بالراتب الزهيد الذي كان يناله من دارالعلوم/ديوبند، فقد سجل المترجمون له أن الشيخ جمال الدين -الذي كان ذا منصب عالٍ في إمارة بهوبال المسلمة، وكان من تلاميذ والده الشيخ مملوك علي – رحمه الله-، فاحتراما لعلاقته هذه المشرقة دعاه إليه في «بهوبال» ليوليه وظيفة مرموقة ذات راتب كبير؛ لكنه ما رضى أن يغادر دارالعلوم/ديوبند رغم الراتب المتواضع الذي كان يناله منها، و وجه إلى بهوبال مكانَه ابنَ أخته الشيخ خليل أختر الأمبيتهوي(10).
يُذكر أن الملك الأفغاني حبيب الله أهدى إليه على يد سفيره في الهند خمسة آلاف روبية هندية، وأشار إلى أنه سيواصل إهداء مثلها مستقبلا، وأنه لايريد بذلك إلا أن يدعو الشيخ له بالخير. فلما عرضها السفير الأفغاني على الشيخ محمد يعقوب النانوتوي استغنى عنها وردها، وخاف السفير– إذا كتب إلى الملك رد الشيخ الهدية أن ظن أنه لم يقم بتسليم الهدية إليه، فالتمس من الشيخ أن يكتب – على أقل تقدير– أنه – السفيرالأفغاني- قد حضره، وعرض الهدية فكتب باللغة الفارسية ما معناه: «إني أحبك بحكم أنك مسلم، وأنا أدعو الله تعالى لك من أعماق قلبي دائما، وخاصةً بعد ما بلغني من حبك للإسلام وتقدير العلم وأهله في هذه الأيام، فقد زادني ذلك سرورا على سرور، فبارك الله تعالى فيك، و عُرضت علي هديتُك إلا أني –كما لايخفى- قد بلغت المشيب، وأن الله تعالى قد منَّ علي كثيرًا، فكيف أفعل بهذا المال إذا جمعته وعددته؟ فأرده عليك آملا أن يتم إنفاقه في وجه آخر من وجوه الخيرو البر(11).
وهذا الشيخ المربي الجليل أشرف علي التهانوي المعروف بحكيم الأمة (1280-1362م/ 1863-1943م) الذي قام بحق بأعمال تجديدية في الإسلام، والذي امتدت نفحاته وعلومه إلى آفاق الأرض- ذات مرة أصر عليه الأمير سليم الله خان – أمير داكه- إصرارا لامزيد عليه أن يزورها، فلم يجد الشيخ بدًا من قبول زيارته إلا أنه اشترط شروطا عدة لهذه الزيارة، أولها: أنه لايقبل هدية عينية أو نقدية. فالتزم الأمير بهذه الشروط بحذافيرها في هذه الرحلة. ثم اتفق أن طلبه الأمير نفسه مع جماعة من العلماء إلى زيارة داكه، و كان عليهم في طريقهم إلى «داكه» أن يمروا بـ«كالكوته»، وجعل الأميراستقبال الشيخ والوفد المرافق له ونزولهم وطعامهم وشرابهم في «كالكوته» إلى بعض أصحابه. و وصل الشيخ إلى «كالكوته»، ولقيه الرجل المذكور بالحفاوة الكبيرة والترحيب الحار، وأبدى فرحه وسروره من قدومه الميمون، وبينما كان يتحدث إلى الشيخ طلب منه أن يلغي شرط عدم قبول هدية عينية أو نقدية، فقال الشيخ التهانوي: «هل من اللازم أن يهدي المرء إلى من يحبه حين يكون في بيته، وإن كان لابد من الإهداء فهلا زاره في بيته – حبيبه-، وأهدى إليه ما أحب أو أرسل إليه الهدية وهو في بيته». فأخذ الرجل العزة بالإثم فقال: عفوًا، إن العطشان يرد البئر ليبرد غلبته، لا أن البئر تنتقل إلى العشطان لتسقيه».
فأخذ كلامه هذا من نفس الشيخ مأخذا عظيمًا، وأثار فيه القلق والحزن، فقال قولًا ملؤه استغناء العالم بما وهبه الله تعالى من العلم: «تزعمون أنكم بئر ونحن العطاشى، ونحن نرى أننا البئر وأنتم العطاشى. والدليل على ما نرى أن المرء في حاجة إلى دين ودنيا. ولديكم شيء واحد مما نحن في حاجة إليه وهو الدنيا، وقد منحنا الله تعالى منها ما يغنينا، وأما حاجتكم- وهو الدين- فليس لديكم منه ما يغطي حاجتكم. فأنتم في حاجة إلينا، وليس العكس. فهل أنتم العطاشى ونحن البئر، أم العكس؟ ثم رجع الشيخ من «كالكوته» إلى بيته «تهانه بهون» دون أن يواصل سيره إلى «داكه»، وذلك على حساب نفسه ولم يقبل من الرجل حتى نفقة السفر. وظل الرجل يلح على الشيخ قبوله(12).
وذات مرة زار الشيخ مدينةَ «رامفور» بطلب من أميرها للمناظرة مع البريليوية، ولدى مرجعه منها أراد أن يقدم له أمير «رامفور» أكثر من نفقة السفر وأجرة القطار، فأبى الشيخ قبوله ورده قائلا: «لايجوز شرعًا للحكومة أن تصرف من بيت المال أكثر من الحاجة»(13).
وهذا شيخ الإسلام حسين أحمد المدني رحمه الله (1296-1377هـ=1879/1957م)، كان يدرس في دارالعلوم/ديوبند، ويتقاضى منه راتبا زهيدا، وكثيرا ما كان يضطر إلى الاستدانة في نهاية الشهر حتى يستلم راتبه فيؤدي منه ما عليه من الدين، وينفق ما بقي على نفسه وأهله وضيوفه، وكان مضيافا كثير الرماد.
وأراد أهل منطقة «باره» من مدينة «بتنه» بولاية بيهار الهندية أن يقوم الشيخ بزيارة دعوية لمنطقتهم، وأرسلوا له نفقة السفر بالبريد، و وصل شيخ الإسلام إلى المنقطة فوعظ الناس وذكرهم، فلما أراد العودة منها – وكانت هذه المنطقة منطقةً إسلاميةً ذات ثراء فاحش، فأرادوا أن يقدموا للشيخ بعض المال، فقال الشيخ: مهلا، فظن الناس أن الشيخ استقل الهدية، فزادوا إليها ما زادوا، وأقبل الشيخ خلال ذلك على شنطته، ليخرج منها ورقة حسابات سفره، ودفعها إليهم قائلا: «هذه تفاصيل المال الذي أرسلتموه مسبقًا إلي، وقد صرف منها في الرحلة إليكم، وهذا القدرمنها قد بقي، ولم أحتج إلى إنفاقه في السفر فدونكم ذلك. ورجَعَ إليهم ما بقي من المال. وأراد الناس أن يقبل الشيخ ما كانوا يريدون تقديمه له، ولايرد المال المتبقي، إلا أن الشيخ رفض رفضا باتًا، ولم يرض قبول شيء منه»(14).
* * *
الهوامش:
(1) الحافظ محمد إقبال الرنغوني،حضرت حاجي إمداد الله، ص69 ط: أكاديمية إسلامية بما نشستر.
(2) راجع: الشيخ أسير الأدروي، الإمام محمد قاسم النانوتوي: حياته وأعماله، ط: أكاديمية شيخ الهند، دارالعلوم/ديوبند) ص 251 .
(3) راجع: أكابر كي زاهدانه زندكي ص 22.
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه27-28.
(7) المصدر نفسه.
(8) نفس المصدر29.
(9) أكابر كي زاهدانه زندگي ص 30-31.
(10) مقدمة الشيخ نورعالم خليل الأميني على كتاب«الإمام محمد قاسم النانوتوي كما رأيته» للشيخ محمد يعقوب النانوتوي(ط: أكاديمية شيخ الهند، الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند) ص17 -19.
(11) أسلاف كي زاهدانه زندگي ص 33؛ بيس بڑے مسلمان ص213؛ تذكرة الرشيد 2يا 3/172.
(12) اكابر كي زاهدانه زندگي 35؛ بيس بڑے مسلمان ص344
(13) اكابر كي زاهدانه زندكي 36؛ بيس بڑے مسلمان ص344
(14) اكابر كی زاہدانہ زندگی ص40؛ شيخ الإسلام كے حيرت انگيرواقعات ص73.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1437 هـ = أغسطس – سبتمبر 2016م ، العدد : 11 ، السنة : 40