محليات

بقلم : فضيلة الشيخ أسرار الحق القاسمي(*)

ترجمة : أبوعائض القاسمي المباركفوري

رد رئيس الجمهورية الهندية – من جديد – مشروع قانون مكافحة الإرهاب المتنازع عليه والذي أقره المجلس الإقليمي بولاية «غجرات»، وهذه هي المرة الخامسة يرد فيها الرئيس الهندي هذا المشروع خلال مدة تناهز اثني عشر عاما. ويعد السيد برنب موخار جي – رئيس الجمهورية الهندية الحالي – ثالث رؤساء الهند الذين ردوا هذا المشروع؛ فقد سبق أن رده من قبلُ السيد أي بي جي عبد الكلام ثم السيدة برتيبها باتيل. وقد يقال: إن كلًا من السيد برناب موخار جي والسيدة برتيبها باتيل ينتميان إلى حزب الكونغريس الذي رشحهما لهذا المنصب، وعليه قاما برد مشروع القانون الذي أقرته الحكومة التي يقودها حزب «بي جي بي» (B.J.P)، ولكن السيد أي بي جي الكلام كان حزب «بي جي بي» (B.J.P) هو الذي رشحه لهذا المنصب، وهو بدوره طعن فيه ورده. والجدير بالذكر أن هذا المشروع يتصف من القساوة وتوسعة اختصاصات الشرطة بما جعل الأوساط العلمانية والعادلة بله المسلمين يذمونه ويعارضونه، ويعتبرونه قانونًا غير شرعي وأسود. ويرجع ذلك إلى أن هذا القانون يخول للشرطة اختصاص مراقبة من تشاء واعتقاله وحتى الاعتداء عليه؛ بل إن هذا القانون المتنازع عليه – الذي أقرته حكومة «غجرات» التي تقودها حزب «بي جي بي» (B.J.P) – يجعل بيان المتهم بين يدي الشرطة اعترافًا شخصيا له بالجريمة ماخوذًا به في المحكمة. وتراجعت الوزارة الداخلية عن القانون المحلي (Ordinance) عقب رد رئيس الجمهورية المشروع إلا أنها أفادت بأنها ستقوم بإرساله إلى الرئيس الهندي مرة أخرى بعد ما يتم دراسة بنوده من قبل المجلس الإقليمي بولاية «غجرات».

       ويُعدّ هذا القانون أشد قوانين البلاد لمكافحة الإرهاب قسوةً وجورًا، وقد تم وضع هذا القانون أول مرة في المجلس الإقليمي بولاية «غجرات» عام 2004م حين كان «ناريندرا مودي» يتبوأ مقعد رئاسة الوزراء في الولاية. ثم أقره المجلس الإقليمي بولاية غجرات بأسماء مختلفة وبتعديلات تافهة عام 2004، 2008، 2009، 2015م وقام كل رئيس هندي عُرِضَ عليه القانون برده؛ إذ المشروع لايتحول قانونًا في البلاد إلا بعد توقيعه عليه. فقد صرحوا حين ردوه بأن بنودًا عدة من المشروع قاسية للغاية.

       وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي دفع الحكومة الإقليمية بولاية «غجرات» التي يقودها حزب «بي جي بي» (B.J.P)، إلى تكرار إقراره في المجلس الإقليمي، وعرضه على الرئيس الهندي ليتشكل قانونًا في البلاد؟ وهل بلغ هَمُّ الحكومة الإقليمية بولاية «غجرات» لتأمين الشعب من مخاطر الإرهابين مبلغًا يجعلها لا يَقِرُّ لها مضجعٌ حتى يتشكل المشروع قانونًا في البلاد رغم مخاوف أبداها رؤساء الهند وملاحظاتهم العديدة عليه. ليس الأمر كذلك، كما لايخفى.

       والحق أن المخاوف قائمة من استغلال هذا القانون ضد المسلمين؛ فإنهم هم المستهدفون في العالم بتهمة الإرهاب. ومما لايختلف فيه اثنان أن هذا الحزب المولود من رحم منظمة «آر إيس إيس» (R.S.S) يتبع سياسة معادية للمسلمين علنًا وجهرًا. ومن المعلوم أن الأخطاء المتعمدة التي تم ارتكابها في الاضطرابات التي أشعِلَت نارُها لإبادة المسلمين لايشهد بها قيادات حزب المؤتمر الوطني المعارض فحسب؛ وإنما يشهد بها العديد من ضباط الشرطة والسلطات الإدارية كذلك، وحزب «بي جي بي» (B.J.P)، على يقين – بحق – من أن الأخطاء التي ارتكبها سينزاح الستار عنها واحدًا بعد واحد فيما إذا حُرِمَ السلطةَ يومًا من الأيام، وبالتالي يتعذر تخلصه منها. والتحرق على تحويل مشروع القانون المعارض للإرهاب إلى قانون يَستهدف أولًا الحفاظَ على نفسه. وسبق أن صدع «آربي سينغ» – المدير العام للشرطة سابقًا – للإعلام أن كبير الوزراء آنذاك – وهو «ناريندرا مودي» – كان يوصيه – مباشرةً – بأخذ قيادات حزب المؤتمر وتوريطهم في قضايا مزورة.

       وإن بعض بنود هذا القانون – كما أسلفنا في السطور السالفة – يوجب أن يكون الاعتراف أمام ضابط الشرطة اعترافًا مأخوذًا به المرء أمام المحكمة، وهذا يعني أن الشرطة إذا نجحت في انتزاع الاعتراف من المتهم بجريمة لم يرتكبها – بتعذيبه خلال التفتيش معه –، فإن على المحكمة أن تعتبر اعترافه هذا حقا. كما أن ما تقدمه الشرطة إلى المحكمة من الاتصال الهاتفي أو على الإنترنت أو الاتصال الشفوي يعتبر حجةً عليه، ولو لم يتوفر تسجيل لذلك. أضف إلى ذلك أن مشروع القانون هذا مدَّد في صلاحية الشرطة لتقديم لائحة الاتهام ضد المتهم إلى ستة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر المتبعة حاليًا. ويعني ذلك أن الشرطة يحق لها أن تعتقل من تشاء وتحبسه لمدة ستة أشهر بمجرد الشبهة. كما أنه يوجب منع المحاسبة القانونية ضد الحكومة المحلية أو ضابطٍ من ضباطها. والحاصل أنه مشروع قانون أسود يعزّ مثيله في طول البلاد وعرضها.

       ولقد أصاب السيد برناب موخار جي – رئيس الجمهورية – حين رد هذا المشروع، ويجب أن يقابل قرارُه هذا بالترحيب والتقدير؛ فإنه بموقفه هذا من هذا المشروع قد حال دون تعرض كثير من الأبرياء للتعرض لويلات مثل هذا القانون الظالم.

       هذا، ولا تعدم البلادُ و ولاياتُها قوانينَ كافية لمكافحة الإرهاب وغيره من أفظع الجرائم والحيلولة دونها. ومن سوء الحظ أن دور الشرطة في جميع المناطق ظل ظالـمًا يشع عن الاعتداء. وسبق أن عمل عدد من ضباط الشرطة كتبًا تتحدث عن عصبية الشرطة واعتدائها وظلمها، كما أبرزت أفلام كثيرة صورةَ الشرطة المشوهة.

       يذكر أن عددًا من الوزارات المركزية بما فيها وزارة المواصلات ووزارة الإعلام والتكنولوجيا و وزارة الداخلية – التي يقودها «راج ناث سينغ» – قد عارضت هذا المشروع في حين يقود حزب «بي جي بي» (B.J.P) الحكومة المركزية. ورغم ذلك كله ضربت الحكومة الإقليمية في ولاية غجرات بمعارضتها عرضَ الحائط وقدمته إلى رئيس الجمهورية لكسب موافقته عليه. ولننظر ما عسى أن تكون مغبة السعي الأخير لتحويل هذا المشروع إلى قانون في البلاد. ولنرجُ أن شرطة ولاية «غجرات» والمؤسسات المنفذة للقانون فيها لن تتمتع بسلطة زائدة يسعها استغلاله ضد الأبرياء – سواء كانوا مسلمين أو معارضين سياسيين – بإيعاز من الحكومة. وسبق أن صرح رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» في غير مناسبة: إنه يرغب في إلغاء القوانين غير اللازمة. ويُستحسن أن يحمل الحكومة في ولايته «غجرات» على أن تَئِدَ – للأبد – هذا القانون الجائر الذي رده عدة رؤساء الجمهورية الهندية.


(*) عضو مجلس الشعب الهندي، ورئيس المؤسسة التعليمية الوطنية لعموم الهند.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1437 هـ = مايو – يونيو 2016م ، العدد : 8 ، السنة : 40

Related Posts