الفكرالإسلامي

بقلم:  الدكتور رشيد كهوس (*)

          يشغل القصص القرآني مساحةً واسعةً من القرآن الكريم- تقارب ثلث القرآن؛ وهو يشمل ثلاثة أنواع من القصص:

       1- قصص الأنبياء السابقين -عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام-.

       2- قصص الأمم والأحداث الغابرة.

       3- قصص السيرة النبوية المحمدية.

       ويمكن إجمال أهم أهداف القصص القرآني ومقاصده فيما يأتي:

       1- تثبيت قلب سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين: قال الله – عز اسمه وتقدست كلماته-: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[سورة هود: 120]، ففي القصص القرآني وأخبار السابقين تسلية للنبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأتباعه من بعده، حتى يصبروا على الابتلاء والأذى كما صبر من سبقهم بالإيمان من أتباع الأنبياء والمرسلين حتى أتاهم نصر الله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتٰهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمٰتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَائِ الْـمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام:33-34].

       2- إثبات صدق نبوة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ورسالته:  لأن دعوة أنبيائه ورسله واحدة ومنهاجهم واحد، وعقيدتهم واحدة… ولهذا فالنبي –صلى الله عليه وسلم- في دعوته ورسالته ليس بدعًا من الرسل؛ وإنما رسول من رب العالمين، قال الله – جل جلاله-: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [سورة الأحقاف:9]، وبنزول القرآن عليه بأخبار السابقين وأقوامهم لأكبر دليل على صدق نبوته ورسالته، قال الحق – جل وعلا-:  ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾[سورة هود:49].

       3-السير على منهاج السنن الإلهية وعدم تنكبها: إن إلحاح القرآن الكريم على الأمر بالسير في الأرض، لا لمجرد التسلي والوقوف على مصارع الأقوام الغابرة، والنظر في عاقبة المكذبين على مدار التاريخ، ولكن للاعتبار، وتجنب أسباب الهلاك التي وقعوا فيها، واكتشاف سنن الله التي لا تتعطل ولا تنخرم في التاريخ حتى لا تسقط الأمة فيما سقطوا فيه وتحصدها عجلة السنن.

       فالتاريخ يعيد نفسه، وتظهر فيه سنن الله جلية لاحبة. ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرٰهِيمَ وَأَصْحٰبِ مَدْيَنَ وَالْـمُؤْتَفِكٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنٰتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾ [سورة التوبة:70]. فأحداث التاريخ تتكرر، وسنة الله ثابتة مطردة على مدار التاريخ.

       إن قصص القرآن كنزٌ لا ينفد، ومَعين لا ينضب، في عبره ودروسه ، في الإيمان، وفي العمل والدعوة، وفي الجهاد والتربية، وفي المنطق والأسلوب، وفي الصبر والثبات، وفي الموازين والحقائق.

       هذا علاوة على أن أفضل الفوائد والفرائد وأهم الدروس و العبر في القصص القرآني هو تنبيه الناس على سنن الله -تعالى- في نشوء المجتمعات واندثارها، وتأثير أعمال الخير والشر فيها، ومطالعة أمر الله في أحوال الكافرين وسنته المطردة التي -لا تتعطل- فيهم: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [سورة الرعد:31].

       4- تثبيت عقيدة الإيمان وإبطال العقائد الفاسدة والضالة: وذلك من خلال الإيمان بالله –تعالى- وتوحيده في ألوهيته وربوبيته وصفاته، والإيمان بالبعث والنشور، وبكل أنبياء الله ورسله وملائكته وكتبه، وقضائه وقدره، وهذا واضح جلي من خلال قصص القرآن عن دعوات الأنبياء والرسل لأمتهم وأقوامهم. قال الحق – جل وعلا- في دعوة هود – عليه السلام- لقومه إلى الإيمان بالله وحده: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ [هود:50]، وقال عز من قائل في دعوة شعيب – عليه السلام- لقومه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [سورة العنكبوت:36]…

       5- تقويم سلوك الأفراد والجماعات وأخلاقهم: لتحقيق سنة الاستخلاف في الأرض، وهذا واضح وجلي من خلال معالجة كل نبي ورسول لصفة معينة في قومه كان يسعى لإصلاحها، كما سعى نبي الله لوط – عليه السلام- لإصلاح ما وقع فيه قومه من الفواحش والرذائل الدنيئة، وسعى نبي الله شعيب لإصلاح خلق قومه: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ(86)﴾ [سورة الأعراف]. وكما سعى كل الأنبياء والرسل لإصلاح أقوامهم، ففي هذه القصص عبرة وعظة ودروسٌ بارزةٌ لهذه الأمة، حتى لا تقع فيما وقع فيه أولئك فيحيق عليها العذاب الآجل والعاجل.

       هذا، إضافة إلى أن القصص القرآني سيق لأغراض شرعية بحتة كما أسلفت؛ وقد تناول – إضافة إلى ما ذكرت- عددًا وفيرًا من الأغراض؛ كإثبات الوحي والرسالة، وإثبات وحدانية الله، وأن الدين عند الله الإسلام منذ خلق آدم إلى يوم القيامة، وأن الأنبياء جميعًا يدعون إلى دين واحد وغاية واحدة، وإثبات شناعة الشرك والمعاصي، ومعاقبة الله تعالى عليها، والإيمان بنصر الله تعالى وتأييده لعباده الصادقين المؤمنين به وبرسالته ورسله، وانتهاج الأسوة الحسنة في الأنبياء والمرسلين – عليهم السلام- والتجمل بمكارم الأخلاق ومحاسن الخصال، وتعلم آداب الحوار، والجدال بالتي هي أحسن، وأساليب الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه، وتشخيص أمراض المنحرفين والمعاندين وكيفية معالجتها …

       وخلاصة القول: لقد عني القرآن الكريم عنايةً كبيرةً بالقصص، ونبه عقول الناس بلفت أنظارهم إلى ما حدث للأمم الغابرة، وأورد الكثير منها على وجه التفصيل، لا لمجرد التسلي والاطلاع على الأخبار، بل تعتبر تلك الأحداث التاريخية مرآة تتجلى فيها سنن الله في خلقه، ولهذا فإذا عرف الناس قصص الأنبياء والرسل مع أقوامهم، واعتبروا بها وأخذوا دروسها نجوا من الهلاك والخسران المبين.

       وصدق الله: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة يوسف:111].

       ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [سورة ق: 37].


(*)  أستاذ ورئيس مجموعة البحث في السنن الإلهية بكلية أصول الدين بـ«تطوان» جامعة القرويين، المغرب.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الآخرة 1437 هـ = مارس – أبريل 2016م ، العدد : 6 ، السنة : 40

Related Posts