دراسات إسلامية

أحد خريجي دارالعلوم/ديوبند المبرزين القدامى

الشيخ السيد عبد الرحمن القاسمي الأزهري: أديب هندي أعجب العرب إبداعه

بقلم:   محمد رافع الهدوي (*)

       انتقل السيد عبد الرحمن سيد محمد المحضار العيدروس القاسمي الأزهري إلى الرفيق الأعلى – تغمّده الله بواسع رحمته وأدخله قصور جنانه ونفعنا بما كتب ببنانه – ملبّيًا نداء ربه في 22/نوفمبر الماضي عن عمر يناهز الـ95 عاما. وبرحيل هذا العالم الأديب المعروف بـ«السيد الأزهري»فقدت الهند – وولاية «كيرلا» بشكل خاص- رجلًا نذر حياته ووقته وجميع إمكانياته لخدمة العلم والأدب والدعوة الإسلامية. وقد خلَّف وراءه عديدًا من الآثار القيمة في الأدب العربي والتاريخ والعلوم الإسلامية. طبّقت شهرة السيد العالم العربي والإسلامي رغم بعده عن محبط الوحي الشريف والبلاد العربية. وقد قضى أكثر من عشرين سنة في مختلف أرجاء البلاد العربية كتلميذ وباحث وأستاذ ومحاضر. وخلال هذه الرحلات العلمية تمكّن من اكتساب معرفة وفهم شاملين عن الشعب العربي والجماهير المسلمة وإحساس نبضة الأمة ومعرفةثقافتها حق المعرفة، ما أدّى إلى تعمّقه وتمكنه من اللغة العربية وآدابها وتاريخها. ولا يتمّ الحديث عن خدمات الهنود للغة العربية إلا بذكر كتابه الرائع الممتاز «العرب والعربية». قد غربت هذه الشمس المشرقة بعد إكمال مهمتها النبيلة من النشر العلمي والدعوة الإسلامية، تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا في كل من الأوساط العلميةوالدينيةوالأدبية.

ولادته وأسرته

       ولد السيد عبد الرحمن الأزهري سنة 1930م(1) في قرية «مرتّم كود» (Marathamcode) قرب «كنّمكلم» في مقاطعة «تريشور» بـ«كيرالا». وكان أبوه السيد محمد كوتش كويا، وأمه فاطمة الزهراء فوكنج بيوي. وينحدر من أسرة كريمة من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- (وهو في السلسلة الثامنة والثلاثين من أحفاده -صلى الله عليه وسلم-) في آل عيدروس الذي ينسب إلى عبد الله بن أبي بكر العيدروس (811–865هـ)(2) والذي يرجع جذورها إلى «حضرموت» في «اليمن». انتقل جدّه الخامس السيد عبد الرحمن وعائلته من موطنه تريم باليمن إلى عدن، ثمّ إلى مليبار في ولاية «كيرالا» بالهند، حاملًا على كتفه أعباء الدعوة الإسلامية. وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي أيام الحاكم السلطان تاج الدين تيبو، واستقبله السلطان بكل خير، وقدّمه له كلّ عون ودعم. وتوفي جدّه – رحمه الله – في مدينة «فناني»، بمقاطعة «مالابرم» في «كيرالا» عام 1164هـ. وكان أبوه عالـمًا كبيرًا وشيخ الطريقة الرفاعية، وأوّل من حصل على شهادة الباقوي(3) من السادات، كما كان أجداده وإخوته أيضًا ذوي فضل وشرف وأصحاب علم ومعرفة(4)، وفي الجملة ولد السيد في أسرة علمية وترعرع في تربية إسلامية، انتهج منها مسلك آبائه وأجداده في العلم والمعرفة.

رحلاته العلمية

       تعلّم السيد عبد الرحمن مبادئ العلوم الدينية على أبيه الذي كان عالـمًا كبيرًا، على عادة المسلمين في تلك الأيام. ثمّ بعد ذلك التحق بدروس المساجد(5) المختلفة المشهورة في كل من «كلّور» (Kallur) و«آنمنغاد» (Anamangad) و«ويلتور» (Vailathur)، واكتسب العلوم الإسلامية المختلفة من نوابغ علماء «مليبار» أمثال محي الدين كتي مسليار كيتشيري، ومحمّد مسليار كرنغفارا وغيرهما. وهذا لم يكن يشفي غليله حتى سلك مسالك العلم الأخرى وارتحل في طلب المزيد فالتحق بكلية الباقيات الصالحات بـ«ويلور»، تاملنادو سنة 1948م، هي مؤسسة علمية شهيرة في جنوب الهند، وتخرّج منها بعد ما تلقّى العلم من أفواه كبار المشايخ وجهابذة العلماء، من بينهم شمس العلماء أبوبكر مسليار، والشيخ عبد الرحيم حضرت، والشيخ حسن حضرت وغيرهم.بالإضافة إلى اهتمامه البالغ بالدراسات، كان يشارك في جميع حركات الطلبة وفعالياتهم بكل نشاط وقوة، وبفضلها انتخب رئيسًا لـ«جمعية الطلبة»(6). وبقي يتعلم بهذه الكلية طوال ثلاث سنوات، حتى حصل على الشهادة النهائية «المولوي الفاضل الباقوي» في العلوم الإسلامية بدرجة ممتازة.وفي سنة 1951م رجع إلى بلده، واشتغل كمدرّس في إحدى دروس المساجد في «تلكّدتّور» بـ«ترور» (Tirur) بمقاطعة «مالابرم»، وقصد إليه الطالبون من شتى أرجاء البلد لينهلوا من معين علمه الصافي يبلغ عددهم زهاء مئة طالب. واستمرّت خدمته هناك خمس سنوات.

إلى دار العلوم ديوبند

       ما زال السيد تلتهب في قلبه جمرة الرغبة والشوق في اللحوق بدار العلوم/ ديوبند، وأخذ الأحاديث النبوية من علمائها العباقرة، والاستنارة بنور بيئتها العلمية. والتي أوقد شُعلتها أستاذه العالم الفاضل الشيخ حسن حضرت، خلال محاضراته في «كلية الباقيات الصالحات». وكان يشجع تلامذته لزيارة دار العلوم وأخذ الحديث وأصوله منها، لما وجد هنالك من العناية البالغة والشمولية التامة في تدريس الحديث الشريف فشد رحاله إلى ديوبند – مركز العلم والثقافة في شمال الهند- مستزيدًا بما هناك من الذخائر العلمية والأدبية، حتى انضمّ إلى الجامعة الإسلامية دار العلوم وتعلّم علومًا مختلفة من العلماء العباقرة والأساتذة المهرةوالمشايخ الكبار بالجامعة، وعلى رأسهم الشيخ المحدث المناضل الكبير ضدّ الاستعمار الإنجليزي السيد حسين أحمد المدني- رحمه الله- (1879-1957م) المعروف بشبه القارة الهندية بـ«شيخ الإسلام»، والشيخ الكبير الأديب الفقيه محمد إعزاز علي الأمروهوي- رحمه الله- (1882-1954م) المعروف بـ«شيخ الأدب»، والعلامة الشيخ محمد إبراهيم البلياوي – رحمه الله- (1886-1967م) وغيرهم. ونال منها الشهادة للأحاديث النبوية، كما درس بجده واجتهاده كتب الفلسفة الإسلامية والآداب العربية وتفاسير القرآن الكريم. وتخرج منها وهو حامل شهادة «القاسمي»، ثمّ عاد إلى درس المسجد في «تلكّدتّور» (Thalakkadathur) كمدرّس، حيث اشتغل بتدريسه لمدة سنتين.

إلى ما وراء الهند

       ولم يقتنع السيدبالشهادات العلمية الكثيرة ولم ترو تلك المؤهلات ظمأه، فعزم على مواصلة رحلاته في طلب مالم يتسنّ له الحصول عليه من العلم والأدب. وكان السيد عبد الرحمن منهومًا في العلم والأدب وانتقل من معلّم إلى آخر، ومن مركز إلى آخر، ومن جامعة إلى أخرى. مصداقًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «منهومان لا يشبعان: منهوم في العلم لا يشبع منه، ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها»(7).

       فخرج في طلب العلم من حدود الهند وسافر إلى مصر – مهد الحضارة والثقافة ومنبع العلم والأدب العربي- يقرّب إليه آفاقًا جديدة كانت بعيدة عن متناوله في الهند. والتحق بجامعة الأزهر التي فتحت أمامه أبوابًا جديدة من العلوم والآداب وتمكّن في ساحتها من تطوير مهاراته الأدبية في اللغة العربية وإتقان إبداعاته فيها كما تبحّر في العلوم الإسلامية بمصاحبة العلماء والمشايخ المتقين.ونال منها شهادتين: شهادة العالمية من كلية أصول الدين مع تخصص إجازة الدعوة والإرشاد وشهادة التدريس من كلية الدراسات العربية. وكان لتشجيعات الشيخ الكبير والعالم الفاضل ويران كتي مسليار كيبتّا -رحمه الله- وإرشادات الدكتور محي الدين الآلواي – رحمه الله- (1925-1996م) أثر بالغ في قدومه إلى أرض مصر والتحاقه بجامعة الأزهر. واشتهر بعد ذلك بين أهل «كيرالا» بلقب «السيد الأزهري» بسبب تخرّجه من جامعة الأزهر في وقت لم يسبقه فيه إلا قليل من أهل ولايته.

       هذا، لم يكتف السيد به ولم يطفئ نار الشوق في قلبه، فتوجّه إلى جامعة القاهرة وتخرّج من كلية الآداب فيها، وفي هذه الأيام اطّلع على فرع جديد من العلوم – أي ما يسمّى بعلم المكتبات والمعلومات- لكثرة مزاولته للكتب والمكتبات المختلفة قراءة ومطالعة. ووجد في نفسه أن هذا العلم سيفيد في قراءاته الواسعة واكتشاف الذخائر المدفونة في رفوف المكاتب القديمة والجديدة في مختلف أنحاء العالم بأيسر الطرق، حتى تعلّم هذا الفرع العلمي من جامعة القاهرة وحصل على شهادة فيه، والذي كان غير متوفّر لدى العلماء الهنود. ولقد أكرمه وأثنى عليه خلال إقامته في هاتين الجامعتين لنحو ست سنوات، نبذة من كبار الأدباء ومشاهير العلماء في البلدان العربية من مصر والعراق والسودان والكويت وغيرها، كما نال عددًا من الإجازات والشهادات على أيديهم. وتمكّن من هذه الرحلات العلمية الطويلة في مختلف أنحاء البلاد العربية من معرفة الشعب العربي والدول العربية بشكل تام، والاتصال بكبار المشايخ والعلماء في البلدان الإسلامية، والاستفادة من بيئات علمية مختلفة، وزيارة مكتبات عظيمة، جميع ذلك ساهم في تطوّره إلى عالم كبير وأديب مبدع وكاتب بليغ.

       ونرى السيد وقت دراسته في مختلف مراكز العلم طالبًا مجتهدًا وباحثًا متقنًا حريصًا على اكتساب العلوم والمعارف، مستغلًا من موارده إلى الدرجة القصوى، يبذل فيه قصارى جهده، وينفق له جلّ وقته وقوّته. يقول الأستاذ محمود النواوي (ر) مقرًّا ببراعته واجتهاده حينما كان طالبًا في الأزهر: «عرفت الأستاذ السيد عبد الرحمن الأزهري منذ كان طالبًا بكلية الشريعة الإسلامية بالأزهر فرأيت فيه مثال الطالب الصادق الصالح المجد المقدر لأساتذته الحريص على الإفادة من تعليمهم وتوجيههم»(8).

       وعلى الرغم من هذه الرحلات العلمية قد سافر الشيخ إلى بلدان عديدة ذات أهمية تاريخية، ما أدّى إلى وفرة علمه وتعمّقه في التاريخ الإسلامي. وهذه الرحلات لم تكن بالنسبة إليه مجرد رحلات للتنزه ومشاهدة البلدان والتعرف على الأشخاص بل استفاد منها كثيرًا وجعلها مصدرًا قويًا لأجل تزكية نفسه وتنمية روحه والاتصال بكثير من المشايخ المتصوّفة في مختلف أنحاء المعمورة. وكان له صلة وثيقة بالسلاسل الصوفية إلى آخر أيامه، من أهمّها الطريقة القادرية.

خدماته في الجامعات العربية

       لما انتهت هذه الفترة الطويلة في جمع العلوم والآداب صرف الأزهري اهتمامه إلى مجال التعليم والتدريس، وعيّن محاضرًا بجامعة السيد محمد بن علي السنوسي(9) في «ليبيا» سنة 1962م، وبقي هنالك كمحاضر في كلية اللغة العربية لثلاث سنوات. وخلال هذه السنوات طبع كتابه الرائع «العرب والعربية» من مصر سنة 1964م. وقبل ذلك كان قد عمل أستاذًا في كلية اللغة العربية بـ«جامعة الأزهر»، وذلك لما علم الشيخ محي الدين عبد الحميد (1900- 1972م) – عميد الكلية آنذاك- بقدرته اللغوية ومهارته الأدبية. ثمّ غادر من مصر إلى مكة المكرمة قاصدًا الحج والعمرة وتقدّم خلالها بطلب الوظيفة في وزارة التعليم السعودية بتوصية كل من أستاذه الشيخ المعمر محمد حسن الذي كان مفتي الديار المصرية، والشيخ إبراهيم مفتي المملكة العربية السعودية.ولما أدركت السلطات علمه وذكاءه وتعرّفت على قدرته وبراعته في اللغة، عيّنوه معلّمًا في معهد تدريب المعلّمين في محافظة وادي الدواسر في منطقة الرياض. ثمّ في السنة 1968م انتقل منها إلى الخليص في محافظة مكة المكرّمة، واشتغل هناك بالتدريس في كلية تابعة للجامعة بالرياض، حيث عمل فيهاأستاذًا لمدة طويلة زهاء 16 سنة. حتى قضى السيد جزءًا كبيرًا من حياته في الخدمات التعليمية في المعاهد العلمية والكليات العربية في البلاد العربية. وإبان هذه الفترة كتب عديدًا من المقالات والرسائل خاصة في اللغة العربية.

في قيادة جمعية العلماء لعموم «كيرالا»

       وبعد تقاعده عن الخدمات في الجامعات عاد السيد الأزهري إلى موطنه سنة 1984م، واشتغل بالدعوة الإسلامية والخدمات التعليمية وقام بها بنشاط ملحوظ، وكان رائدًا مشى في الأمام في النشاطات العلمية والدينية شهدتها ولاية «كيرالا» في أواخر القرن العشرين. وكان خطيبًا مصقعًا يهزّقلوب السامعين بألفاظه المؤثرة وأسلوبه الرائع، وكان واعظًا دائم الحضور في منابر الحفلات الدينية التي تقوم بتنظيمها جمعية العلماء لعموم «كيرالا». وأنشأ السيد بعضًا من المؤسسات الدينية، وأدّى دورًا مهمًّا في تدبير معاهد علمية كثيرة وتطويرها، وتشكيل المناهج حسب متطلبات العصر الحديث. منها الجامعة النورية العربية، بـ«فتّيكّاد» (Pattikkad)، التي انتُخب عميدًا لها من قبل أعضاء لجان المدارس، كان على رأسهم آنذاك العالم الكبير والمصلح الكريم السيد محمد علي شهاب – رحمه الله- (1936-2009م)، وتربّع السيد على هذا المنصب لخمس سنوات من سنة1995م إلى سنة 2000م. ومنها مجمع مالك دينار الإسلامي الذي تمّ تأسيسه على يد السيد في «تريشور».

        وفي سنة 1993م انتخب كنائب الرئيس لجمعية العلماء لعموم «كيرالا». ثم بعد سنتين – عقب وفاة الشيخ كي كي أبو بكر حضرت الذي كان رئيس الجمعية- انتخب السيد عبد الرحمن العيدروس الأزهري باتفاق جميع العلماء رئاسة الجمعية. وذلك منصب لا يتولاه إلا العالم الفاضل المتقي. واستمرّ في رئاستها تسع سنوات، وفي سنة 2004م استقال من هذا المنصب بأسباب صحية ولكنه كان مشتركًا – ما أمكنه – في جميع النشاطات الدعوية والدينية.

أديب عربي أعجب العرب إبداعه

       كان السيد الأزهري كاتبًا مبدعًا ذا مهارة نادرة وقدرة خارقة في اللغة العربية وآدابها. وتناول اللغة بسهولة مع الاحتفاظ على حسنها وجمالها، فأعجب به حتى العرب. وقد كتب كثيرًا في اللغة العربية، كما عمل محاضرًا في العربية في الجامعات العربية. وكفى له فخرًا في مجال اللغة والأدب أنه علّم اللغة العربية وآدابها للمواطنين العرب.

       قد ألف كتبًا عديدة في التاريخ والعلوم الإسلامية المختلفة، بالرغم من أن كتابيْه في العربية طار بهما صيته عبر الآفاق. أوّلهما عن اللغة العربية والأمة العربية، وثانيهما عن موطنه «مليبار»، ونشأة الإسلام فيها وتطوّره وتقدّمه والنشاطات الدينية عبر هذه المنطقة، والشخصيات العبقريّات الذين شجّعواهذه النهضة الدينية والعلمية، وقادوها من الأمام. وتفاصيل هاذين الكتابين كما يلي:

1. العرب والعربية:

       وهذا كتاب جامع عن اللغة العربية والشعب العربي، تم نشره في عام 1964م من قبل الناشر المصري، مطبعة دار التأليف. ويناقش فيها المؤلّف عن اللغة العربية: مكانتها بين اللغات ونشأتها وتطوّرها في مختلف الأطوار واختلاف لهجاتها وإعرابها، وكل ما إليها من أداء الحروف وترتيبها، كما تناول العرب بالبحث: جغرافيتهم وثقافتهم القبلية وحضارتهم القديمة مع بيان أديانهم وأصنامهم وأخلاقهم الفريدة. وهذا الكتاب كنز مفيد لطلاب العربية وآدابها.

       وقد قدّر هذا الكتاب واستحسنه كثير من العلماء والأدباء حتى من البلاد العربية؛ لما اشتمل عليه من مضمون جامع ومحتوى نافع. يقول فضيلة الدكتور الشيخ محمد عبد المنعم الخفاجي(10) في تقديم هذا الكتاب: «إن هذه الدراسة القيمة جدير بالذيوع وبالتقدير معا، وأودّ أن تطبع بلغتها العربية وأن تترجم إلى لغات كثيرة خاصة الأردية السائدة في الهند قبل تقسيمها، مع أن لغة «مليبار» (مالايالم) لها حروف خاصة، ليتمكّن ملايين المسلمين من قراءتها والإفادة منها»(11). وكذلك أعجب العرب أسلوب هذا الكتاب وإبداعه اللغوي، ويشهد لذلك كلمات الشيخ محمود النواوي في مقدمة الكتاب: «ما كنت أعتقد أن يخرج بهذا الكتاب في بيان عربي فصيح لعجمته واستعصاء الأسلوب العربي المبين عن مثله، ولكنه جاء منذ أيام فعرضه عليّ لقراءته. فإذا كتاب في اللغة العربية وآدابها لا يقدم على مثله إلا فحول الأدباء والباحثون الفاحصون من رجال اللغة العربية الأصيلين. وبعد مجهود لا يعرفه إلا من مارس الأدب وزاول التأليف فيه بعد أن توفّر على دراسته سنين عددًا وقلب مراجعه وتذوق أساليب العرب وآدابها»(12).

2. من نوابغ علماء «مليبار»:

       وهذا في الأصل سيرة عالم كبير وكاتب مجيد من «كيرالا»، وهو ويران كتي مسليار من كيبتّا (Kaipatta). وقد اشتمل الكتاب مع هذا على تاريخ الإسلام ونشأته وتطوّره في ولاية «كيرالا»، وعن نظام التعليم العلمي ودور المدارس والمكاتب الدينية في نشر هذه الدعوة، مع ما بيّن فيها من خدمات العلماء العباقرة والسادات البارزين في هذه المهمّة، منهم زين الدين المخدوم المليباري والسيد علوي المنفرمي وابنه السيد فضل لكل منهم يد طولى في نشر العلم والدين في الديار الهندية. وكذلك بعض الشخصيات الذين لهم خدمات جلية في كفاح الاستقلال الهندي، أمثال مهاتما غاندي، وعلي مسليار، وميتو مولوي، والحاج كنج أحمد واريمكنّتّ وغيرهم. وقد ساهم هذا الكتاب في تعريف مليبار وشخصياتها البارزة للقراء العرب إلى حدّ كبير. وطبع بمطبعة البيان التجارية، دبي سنة 2003م،  ونشر من قبل وزارة الأوقاف للإمارات العربية المتحدة.

       وقد أثنى على هذين الكتابين كثير من الأدباء والعلماء والمؤرّخين من البلاد العربية، وتعجّبوا بما فيها من المضمون الشامل والأسلوب الرائع واللغة القوية. إضافة إلى هذين الكتابين له آثار قيمة أخرى، كما نشر كثير من المقالات في المجلات العربية خاصة حينما اشتغل بتدريس اللغة العربية في المملكة العربية السعودية. وقد تناول في أعماله موضوعات تشتمل الأدب والتاريخ واللغة والتصوف، والدعوة الإسلامية وغيرها، ويدلّ جميع هذه الآثار على دقة علمه ومهارة تحليله وروعة أسلوبه في معالجة العلوم المختلفة، ومعظم أعماله كانت في اللغة العربية، وإن كان له كتابات في اللغة مالايالم (لغة أهل كيرالا)، منها مطبوعة وغير مطبوعة، والبعض لا يزال مخطوطًا – وفق الله لطباعته ونشر معلوماته- ومن أعماله الجليلة ما يلي:

       1. أبو نواس وحياته

       2. تاريخ النحو وتطوّره

       3. مجمع تاريخ رسولنا الأعظم -صلى الله عليه وسلم-

       4. التصوف الإسلامي

       5. موجز تاريخ الأدب العربي والدعوة الإسلامية في مليبار

       6. قصة ملك مليبار الذي اعتنق الإسلام

       7. تاريخ الشيخ مالك بن دينار الذي نشر الإسلام في مليبار

       8. التصوف الصحيح والمتصوفة

       9. مختصر حياة شمس العلماء

       10. تاريخ السيد علوي المنفرمي

       11. النشاط الديني في الهند

       12. الفتح المبين على شرح فتح المعين

       وفي الختام، تتمثّل حياة هذا العالم الكبير والأديب البارع قدوة حسنة للجميع لاسيما للطلبة والباحثين في جده واجتهاده في طلب العلم، وكدحه ومواظبته في تحقيق العلوم والتعمّق فيها، واجتياز الآفاق وارتحال القارات لأجل العلم لوجه الله الخالص في خدمة اللغة والأمة. وفقنا الله الإفادة من هذا المورد العلمي الصافي.

*  *  *

المراجع

في اللغة العربية

           السيد عبد الرحمن القاسمي الأزهري، العرب والعربية، مطبعة دار التأليف، مصر، 1964م.

           السيد عبد الرحمن القاسمي الأزهري، من نوابغ علماء مليبار، مطبعة البيان التجارية، دبي، 2003م.

           د. أشفاق أحمد الندوي، مساهمات الهند في النثر العربي خلال القرن العشرين، دلهي 2003م.

           جمال الدين الفاروقي، أعلام الأدب العربي في الهند، مكتبة الهدى، كاليكوت، 2008م.

           محمد الفاروقي ومحمد إسماعيل المجددي، تاريخ العربية وآدابها، منشورات صحارى، كاليكوت، 2010م.

           محمد إسماعيل الهدوي، أى ب، العرب والعربية للسيد عبد الرحمن العيدروسي القاسمي الأزهري: باكورة من مليبار في الدراسات عن اللغة العربية، مجلة النور، فتّكّاد.

           محمد شافع الوافي، الاعتراف بالتعمق العلمي للسيد عبد الرحمن القاسمي الأزهري الهندي المليباري بتحليل كتابه «العرب والعربية»، ثقافة الهند، نيودلهي.

في اللغات الأخرى

           السيد أُنيْس ميلموري، أسرة آل عيدروس في «كيرالا» (في مليالم). غير مطبوع.

           يونس أسلم الهدوي، حياة السيد عبد الرحمن العيدروسي القاسمي الأزهري ومساهماته (في الإنجليزية)، رسالة الماجستير، جامعة دار الهدى الإسلامية «كيرالا» 2015م.

المواقع الإلكتروني

http://www.islamonweb.net/article/2015/11/49291/

http://digitalpaper.ezinemart.com/Suprabhaatham/epapermain.aspx?queryed=137&eddate=11%2f23%2f2015

http://www.kvartha.com/2015/11/azhari-thanagal-arab-scholar.html

http://www.utharadesam.com/article_details&article_id=1099

الهوامش:

(1)       وهذا كما في جواز سفره، ولكن لا يظهر هذا التاريخ صحيحا وفقا لكثير من الوقائع في حياته. وقد وجد في بعض المصادر عن حياته أنه ولد سنه 1924م، وهذا أقرب إلى الصواب.

(2)       وللمزيد عن سيرته ينظر: موسوعة الأعلام الإلكترونية، د. عبد الولي الشميري:  http://www.al-aalam.com/personinfo.asp?pid=6670

(3)       الباقوي لقب يدعى به خرّيجو الباقيات الصالحات، أقدم المعاهد العلمية في مدينة فيلور في ولاية تامل نادو، أسسها الشيخ عبدالوهاب بن عبد القادر الشاذلي، الذي اشتهر بلقب «أعلى حضرت»، سنة 1855م.

(4)       ومن العلماء النبلاء في أقاربه السيد مصطفى العيدروس، الذي اشتهر باسم «السيد فولّاني»، وابنه السيد عبد الرحمن محضار العيدروس – صاحب كرامات- والسيد محضار فوكويا العيدروس، أخو السيد الأزهري. (السيد أنيس ميلموري، أسرة آل عيدروس في كيرلا،كتاب غير مطبوع في لغة مليالم)، وللمزيد عن أسرته ونسبه ينظر: يونس أسلم الهدوي، Life and Contributions of Sayyid Abdurahman Al Ayderusi Al Azhari، رسالة الماجستير، جامعة دار الهدى الإسلامية، كيرلا، 2015.

(5)       درس المسجد نظام التعلّم الديني شاع في كيرلا منذ أن أسّس الشيخ محي الدين عبد الله الحضرمي الأوّل من نوعها سنة 670هــ، وفي هذا النظام يتخذ المسجد عادةً مكان إقامة الطلاب وتعلمهم تحت رعاية أستاذ عالم يتولّى القيام بتربية التلامذة وتدريسهم. وكانت المساجد في المراحل الأولى بعد قدوم الإسلام في كيرالا، محورا رئيسيا تدور حولها وتبدأ منها الدعوة الإسلامية ونشر علومها في كل منطقة من مناطقها.

(6)       اتّحاد طلبة الكلية الباقيات الصالحات.

(7)       سنن الدارمي، باب فضل العلم والعالم، ص 1/355.

(8)       السيد عبد الرحمن القاسمي الأزهري، العرب والعربية، مقدمة، ص 7.

(9)       تمّ تأسيسها في مدينة البيضاء سنة 1961م، ويعرف أيضا بالجامعة البيضاء الإسلامية.

(10)     ولد الدكتور في المنصورة، بمصر وعمل أستاذًا وعميدًا لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وهو عضو مجلس جامعة الأزهر، والمجلس الأعلى للفنون والآداب، والمجالس القومية المتخصصة، ومجلس إدارة اتحاد الكتاب، ورئيس مجلس إدارة رابطة الأدب الحديث. وله نحو خمس مئة كتاب وحصل على جوائز عديدة منها جائزة شوقي في الأدب، وجائزة رابطة الأدب الحديث وغيرهما.

(11)     السيد عبد الرحمن القاسمي الأزهري، العرب والعربية، تقديم، ص 5.

(12)     السيد عبد الرحمن القاسمي الأزهري، العرب والعربية، مقدمة، ص 7.

*  *  *

بيان الملكية

      اسم المطبوعـة  :           الـداعـي

      الدورة النشرية  :           شهريـة

      الطابع والناشر :           (مولانا) أبوالقاسم النعماني

      الجنسيـــة                     :           هنــدي

      العنـــوان                      :           دارالعلوم ، ديوبند ، يوبي

      رئيس التحرير  :           نور عالم خليل الأميني

      مالك المطبوعة :           دارالعلوم ديوبند

      أصادق على أن التفاصيل المـذكـورة أعلاه صحيحـة

      حسب علمي واطلاعي               ( توقيع )

                                                (مولانا) أبوالقاسم النعماني


(*)              باحث الدكتوراه، جامعة جواهرلعل نهرو، نيو دلهي

                البريد الإلكتروني: rafimambadan@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الآخرة 1437 هـ = مارس – أبريل 2016م ، العدد : 6 ، السنة : 40

Related Posts