كلمة العدد

          لقد كثرت المحن والبلايا والمصائب والفتن اليوم في العالم كله وعاد الإنسان المعاصر رغم جميع ما حازه من وسائل التنعم والراحة محاطًا بالأزمات القاسية في كل من الأنفس والآفاق والجسوم والأرواح، وجميعُ النهضات التي فاض بها العلم الحديث لم تُوَفِّر له طمأنيةً في القلب وراحةً في النفس وسلوىً في الروح، بل زادته قلقًا وكآبة وكَرَبًا، وجعلته يتقلّب على أحرَّ من الجمر.

       وبات يتساءل حائرًا: لماذا يبلوه الله بهذه المحن والفتن؟ ما حكمته في ذلك؟ ألم يكن له تعالى معدى عن إنزال البلايا به وإيقاعه في الفتن؟.

       والإجابة عن هذا السؤال الحائر تتمثل في أن نعلم أن الله تعالى يفعل ما يشاء؛ لأنه خالق كل شيء ومالكه، وليس لأحد مهما كان وأيًّا كان أن يسائل الله تعالى: لِـمَ فعلتَ ذلك. قال تعالى:

       «لَايُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ» (الأنبياء/23).

       وهو بديع الكون ومالك الملك، فله الخيرة فيما يفعل، قال تعالى: ﴿قُلِ اللّٰهُمَّ مَٰلِكَ الْـمُلْكِ تُؤْتِي الْـمُلْكَ مَنْ تَشَآء وَتَنْزِعُ الْـمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَآءُ ۖ  بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ   إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيـرٌ تُولِـجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُـولِـجُ النَّهَـارَ فِي اللَّيْلِ ۖ  وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْـمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْـمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ   وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (آل عمران/26-27)

       وللمؤمن أن يستنبط بعض الحكم الإلهية في البلايا والمحن التي يبتلي بها الله – تعالى – عباده عن إرادته ومشيئته. وقد درس العلماء هذه القضية الهامّة بنواحيها وأبعادها فتوصّلوا إلى ثلاث حكم مركزية: 1- قد يكون البلاء عقوبة. 2- وقد يكون امتحانًا. 3 – وقد يكون رفع درجات.

       والعقوبة قد تكون فردية أي تخصّ الفردَ بعينه. قال تعالى: ﴿مَآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ۖ   وَ مَآ أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَج﴾ (النساء/79).

       وقد تكون جماعيّة أي تعمّ الجماعةَ. قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّنْ مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوْا عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى/30).

       وبلاء العقوبة ينزل بسبب الغفلة عن الله تعالى وعصيانه وارتكاب ما حَرَّمَه واتيانِ المنهيّات، كما ينزل بسبب الظلم والعدوان أو الغش والخداع، وغير ذلك من الـمُحَرَّمَات.

       ثم إنّه – بلاء العقوبة – قد ينزل بالمؤمن كما ينزل بغير المؤمن. أمانزوله بالمؤمن، فلكي ينتبه إلى ما صدر منه من المعاصي والذنوب؛ فبلاء العقوبة يأتي مُنَبِّهًا له ومُذَكِّرًا إيّاه ورادعًا له وعائدًا به إلى شرع الله تعالى، فالذي يحالفه التوفيق الإلهي واللطف الرباني يراجع نفسَه عند البلاء، ويستعرض دفتر أعماله، ويستغفر من ذنوبه، ويتوب إلى ربه توبة نصوحًا، ويعاهده أنه لن ينحرف – بتوفيقه – عن الصراط المستقيم فيما يأتي من مراحل عمره.

       أمّا غير المؤمن فإنه – بلاء العقوبة – ينزل به عقوبةً له على ما ارتكبه من معاصي الله تعالى أو معاصٍ في حق عباده. وتأتي هذه العقوبة مؤلمة فاجعة قوامها سخط الله عليه وإهلاكه وتدميره إيّاه أحيانًا في الدنيا إلى جانب ما سيصير إليه من العذاب الأليم في الآخرة.

       والمؤمن الذي يحالفه التوفيق ما إن يلاحظ أن بلاء العقوبة قد حَلَّ به إلاّ وينتبه أنه بسبب ذنب كان قد اقترفه، ويضع نصب عينيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا يصيب ابنَ آدم خدشُ عود، ولا عثرةُ قدم، ولا اختلاج عرق، إلاّ بذنب. وما يعفو الله عنه أكثر» (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن قتادة [9358] والضياء عن الحسن – رضي الله عنه –)

       فيسرع إلى ربّه مُغِذًّا خُطَاه بالاستغفار والتوبة والإنابة إليه، ويتصدق على الفقراء إطفاءً لسخط الله تعالى. فقد قال سيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه –: «ما نزل بلاء إلّا بذنب، ولا رُفِعَ إلّا بتوبة» (مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرر لأبي محمد عبد العزيز السلمان، 2/162).

       ويؤمن إيمانًا جازمًا بأن تعجيل الله تعالى العقوبة له هو في الواقع فضل منه عليه لا يمكن أن يُوَفَّىٰ حقَّه بالشكر والتقدير؛ لأنه تعالى إنما عَجَّلَ له العقوبة حتى يعتبر ويتلقى الدرس ويرتدع عن الذنوب، فيحظى بالأمن والسرور، علمًا بأنه تعالى لم يُؤَخِّر له العقوبة إلى الآخرة؛ حيث ما يناله من العقاب الإلهي في الدنيا ليس بشيء بالنسبة إلى العذاب الذي كان ليلاقيه في الآخرة. وقد صدق رسولنا – صلى الله عليه وسلم – إذ أبان هذه الحقيقة قائلاً: «إِذا أراد الله بعبده الخيرَ عَجَّلَ له العقوبةَ في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرَّ أمسك عنه بذنبه؛ حتى يوافي به يوم القيامة» (أخرجه الترمذي عن أنس – رضي الله عنه –  برقم 2396).

       ويؤمن بأنه إذا عُوقِبَ في هذه الدنيا على ذنب من ذنوبه فلن يُعَاقبَ إن شاء الله عليه في الآخرة؛ لأنه بعيد عن رحمة الله تعالى التي سبقت رحمتُه غضبَه أن يجمع عليه عقابين على ذنب: عقاب الدنيا وعقاب الآخرة. وقد روى أبو سخلة في هذا المعنى عن علي – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قرأ «وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» (الشورى/30) وقال: «ما عفا الله عنه فهو أعزّ وأكرم من أن يعود إليه في الآخرة؛ وما عاقب عليه في الدنيا فالله أكرم من أن يعيد العذابَ عليه في الآخرة» (راجع: تفسير الرازي 27/601، ط: دارإحياء التراث العربي، بيروت)

       وقد قال السلف: إن الآية أرجى آية في كتاب الله؛ لأن الله تعالى جعل ذنوب المؤمنين صنفين: صنف كَفَّره عنهم بالمصائب في الدنيا، وصنف عفا عنه في الدنيا، وهو كريم لا يرجع في عفوه، وهذه سنة الله مع المؤمنين.

       وقد قال العلماء: إنّ للذنوب آثارًا وانعكاسات سلبية سيئة خطيرة على حياة الإنسان ينتبه لها المؤمن عند نزول العقوبـة التي يُعَجِّلُها الله الكريم له، فيبادر إلى التعامل معها بالإنابة إليه تعالى والتضرع له والتوبة الصادقة إليه. منها ظلمة في القلب، و وهن في الجسم، وحرمان من العلم والرزق وطاعة الله، و وحشة بين المذنب وبين ربّه وبين الناس، وذل وطرد من فضل الله، وشفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم القيامة، وذهاب بركة العمر والرزق؛ فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا يزيد في العمر إلّا البرُّ، ولا يردّ القَدَرَ إلّا الدعاءُ، وإن الرجل ليُحْرَمُ الرزقَ بالذنب يصيبه» (أخرجه ابن ماجه عن ثوبان – رضي الله عنه، برقم 4022).

       قال بعض الصالحين: إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حمارى (إحياء علوم الدين للغزالي 4/54، ط: دار المعرفة؛ بيروت). وقال بعضهم: أعرف العقوبة حتى في فأر بيتي (نفس المصدر). وقال أبو سليمان الداراني – رحمه الله – : «لايفوت أحدًا صلاةُ الجماعة إلّا بذنب يُذْنِبْه» (إحياء علوم الدين للغزالي 4/54، ط: دارالمعرفة، بيروت).

       وقال الفضيل – رحمه الله –: «ما أنكرتَ من تغيّر الزمان وجفاء الإخوان، فذنوبك أورثتك» (نفس المصدر).

       على كلّ فإن المؤمن عندما يجد تغيرًا ونكارة في أحواله يدرك دونما تردّد أن ذلك آتٍ لا مَحَالَة من عند نفسه، ويعلم أنه لن يعود إلى حالته السابقة من الخير والصلاح إلّا بالعودة إلى ربّه تعالى بالاستغفار والإنابة وإصلاح ما فسد من حاله.

       قال ابن القيم – رحمه الله – في كتابه «الجواب الكافي»: جاء في بعض الآثار عن الربّ تبارك وتعالى أنه قال: «عزّتي وجلالي لايكون عبد من عبيدي على ما أكره، ثم ينتقل عنه إلى ما أُحِبّ، إلّا انتقلتُ له ممّا يكره إلى ما يُحِبّه» (الجواب الكافي، 1/74، ط: دارالمعرفة، المغرب).

       ومَنْ أصدق قولاً من الله تعالى:

       «ذٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَـمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّروا مَا بِأَنْفُسِهِمْ لا وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأنفال/53).

       ورغم أن الإنسان يرتكب من المعاصي الداعية إلى إهلاكه وتدميره ما لا يُحْصَىٰ؛ ولكن الله الرؤوف الرحيم الكريم يرحمه، ولا يحاسبه عاجلاً في الدنيا وإنما يُؤَخِّره إلى أجل مُسَمًّى. قال تعالى:

       «وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ   فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيْرًا» (فاطر/45).

       وبلاء العقوبة ينزل – كما أسلفنا – بالفرد والجماعة. قال عزّ وجلّ: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيْقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُوْنَ» (الروم/41).

       فإذا كان في الجماعة صالحون وفاسدون، فإن الله تعالى قد يُنَجِّي الصالحين، ويُوقِع العقوبةَ على الفاسدين وحدهم. قال الله تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذِيْنَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِيْنَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـٰلِحٰتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ج سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ» (الجاثية/21).

       وقال تعالى: «فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِيْنَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ج قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ الْـمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوْا ج كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْـمُؤْمِنِينَ» (يونس/102-103).

       وجاء في الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه دخل على عائشة – رضي الله عنها – ورجل معه، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حَدِّثِينا عن الزلزلة، فقالت: «إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمرَ، وضربوا بالمغاني، وغار الله – عزّ وجلّ – في سمائـه، فقال للأرض: تزلزلي بهم. فإن تابوا ونزعوا، وإلّا هدمها عليهم» قال: قلتُ: يا أم المؤمنين أ عذاب لهم؟ قالت: «بل موعظة ورحمة وبركة للمؤمنين، ونَكَالٌ وعذابٌ وسَخَطٌ على الكافرين». قال أنس: ما سمعتُ حديثًا بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنا أشدّ فرحًا مني بهذا الحديث. (أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات، 1/29، ط: دار ابن حزم، بيروت).

       وقد يجعل الله البلاء يعمّ الصالحين والفاسدين. قال تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً ۖ   وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الأنفال/25).

       جاء في الحديث عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش – رضي الله عنهن جميعًا – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل عليها فَزِعًا يقول: «لا إله إلاّ الله، ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه». وحَلَّقَ بإصبعه: الإبهام والتي تليها. قالت زينب ابنة جحش: فقلتُ: يا رسول الله أَنَهْلِك وفينا الصالحون؟. قال: «نعم إذا كَثُرَ الخُبْثُ» (أخرجه البخاري، برقم 3346).

       وعن مسعر، قال: بلغني أن مَلَكًا أُمِرَ أن يخسف بقرية، فقال: يا ربِّ! فيها فلان العابد، فأوحى الله تعالى إليه: أن به فابدأ، فإنه لم يتمعّر وجهه في ساعة قط» (أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات، برقم 16).

       وقد يأتي البلاء امتحانًا للعبد.

       فعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرضا، ومن سَخِطَ فله السَخَطُ» (أخرجه الترمذي برقم 2396، وابن ماجه برقم 4031).

       وقال – صلى الله عليه وسلم – :

       «إن أشدّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثمّ الذين يلونهم ثلم الذين يلونهم» (أخرجه البيهقي في شعبه برقم 9319).

       ولذلك ينبغي للؤمن إذا نزل به بلاءٌ أن يرضى بما أصابه الله به من البلاء والامتحان، حتى يرضى الله عنه، وينعم عليه ويجزيه جزاءًا موفورًا. ويجب عليه أن لا يهتمّ للمصيبة وينظر إلى النعم التي أنعمها الله عليه. وقد تَجَلَّىٰ هذا الموقف الإيماني النبيل في قصّة عروة بن الزبير – رضي الله عنه – حيث قُطِعَتْ رجله ومات أعزّ أولاده في ليلة واحدة، فدخل عليه أصحابه ليُعَزُّوه، فوجدوه يقول: «اللهم! كان لي بنون سبعة، فأخذتَ منهم واحدًا، وأبقيتَ ستة. وكانت لي أطراف أربعة، فأخذتَ منها طرفًا، وأبقيتَ لي ثلاثة. وأيمك لئن ابتليتَ لقد عافيتَ، ولئن أخذتَ لقد أبقيتَ». (أخرجه البيهقي في شعبه برقم 10631).

       وقد يأتي البلاء رفعًا للدرجات ومحوًا للسيئات.

       فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «لا يزال البلاءُ بالمؤمن أو المؤمنة في نفسه و ولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة». (رواه البيهقي في الشعب برقم 9377).

       وعن أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله عنهما – أنهما سمعا رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «ما يصيب المؤمنَ من وصب (وجع) ولا نَصَب (تعب) ولا سَقَم (مرض) ولا حزن حتى الهمّ يهمّه (يغمّه) إلَا كُفِّر به من سيئاته» (رواه مسلم برقم 2573).

       وعن بريدة الأسلمي – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ما أصاب رجلًا من المسلمين نكبة فما فوقها، حتى ذكر الشوكة، إلّا لإحدى خصلتين: إلّا ليغفر الله من الذنوب ذنبًا لم يكن ليغفر له إلّا بمثل ذلك، أو بلغ به من الكرامة كرامة لم يكن يبلغها إلّا بمثل ذلك» (رواه البيهقي في شعبه برقم 9391).

       وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «إذا كثرت ذنوبُ العبد، ولم يكن له ما يُكَفِّرها من العمل ابتلاه الله بالحزن ليُكَفِّرها عنه» (رواه أحمد برقم 25236).

       وخلاصة القول: أن المؤمن عليه – إذا أصابه ابتلاء – أن يعلم أنه قد أتى من نفسه وتقصيره في جنب الله وذنبه الذي ارتكبه، فيتوب إلى الله ويستغفره، حتى يزيل عنه البلاء، فإن لم يزل فليعلم أنه امتحان منه له أو رفع لدرجاته وزيادة في حسناته ومحو لسيئاته جميعًا، فليلتزم الصبر وليحتسب وليرض بقدر الله ليرضى الله عنه ويرضيه يوم لا ينفع مال ولابنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

       وكذلك يجب على المؤمن إذا رأى مصيبة نزلت بآخرين من المسلمين في المجتمع، أن لا يشمت بهم، وإنما يجب عليه أن يظن بهم خيرًا، ويؤمن بأن ذلك امتحان لهم لرفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة الحسنات.

(تحريرًا في الساعة 11:30 من ضحى يوم الأربعاء: 26/صفر 1437هـ  الموافق 9/ديسمبر 2015م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الثاني 1437 هـ = يناير – فبراير 2016م ، العدد : 4 ، السنة : 40

Related Posts