دراسات إسلامية

بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه الله-

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

إجراء المعاش لموظفي «دارالعلوم»:

       لم تحدد «دارالعلوم» لموظفيها عمرًا يُحَالون فيه إلى التقاعد، فقد استحسنوا الاستفادة من تضلع الموظف من العلم، وتجربته التي عاشها في حياته العملية، مادام يستطيع القيام بالخدمات المنوطة به، دون أن يعوقه عن العمل وضعٌ صحي. فأما إذا خارت قواه، و تحتمت الإحالة إلى التقاعد؛ فإن خدماته السابقة تستوجب أن يعامَل معاملةً ملؤها المروءة و الشفقة والأخذ بيده في خضم الحياة، ولم يكن ثمة قانون يضبط هذا الأمر لحد الآن، فلما تم إحالة كل من الشيخ يسين والمنشي منظور أحمد إلى التقاعد في أعقاب خدمات طالت أربعين سنة، قرر المجلس الاستشاري إجراء معاش لهما نظرًا إلى خدماتهما المديدة في«دارالعلوم».

عام 1354هـ، ورئاسة إدارة «دارالعلوم»:

       نُصِبَ الشيخ العلامة شبير أحمد العثماني- رحمه الله- (ت1369هـ= 1989م)- في العام الماضي قائمًا بأعمال مدير «دارالعلوم» حين توجهه إلى الحج، ثم توصل المجلس الاستشاري عام 1354هـ إلى نصب الشيخ العثماني رئيسًا لإدارة «دار العلوم» نظرًا إلى شخصيته الفذة وعلوكعبه في العلم والمعرفة. وكان الشيخ العثماني حين ذاك نازلًا في المدرسة الشهيرة في «دابيل» بولاية غجرات بشكل مستمر، ولم يرضَ قطع صلته كليًا عن هذه المدرسة، فكان دأبه في أول أمره أن يقضي مدةً في «دابيل» ومدة مثلها في «ديوبند» إلا أن مكانة «دارالعلوم» السامية اجتذبته إلى نفسها.

قضية الإشراف على «دارالعلوم»:

       من أبرز أحداث هذا العام قضية الإشراف على «دارالعلوم». وقد دأبت -«دارالعلوم»- على اعتبار من عُرِف بين علمائها بعلمه وفضله وورعه وتقواها وإصابة رأيه مرجعًا لشؤونها الإدارية، وكان أعضاء المجلس الاستشاري بها يرجعون إليه في قراراته النهائية إلا أنه لم يكن ثمة قانون ودستوريضبط ذلك. والواقع أن شؤون «دارالعلوم» كانت تُدار على أساس الدين والخلق القويم والإخلاص والاحتساب بدلًا من وضع قوانين يغلبها الرياء والسمعة. وكانت اختصاصات المشرف تتلخص في أن رأيه يحسم الأمر– وإن كان موافقًا لما ذهب إليه الأقل من أعضاء المجلس الاستشاري – فيما إذا تضاربت آراء أعضائه في شأن من شوؤنها. وأما إذا اتفق أعضاؤه على أمر من الأمور يخالفه رأي المشرف؛ فإنه يعيده – مشفوعًا بوجوه اختلافه معهم -إلى المجلس الاستشاري لإعادة دراسته؛ فإن أصرَّ المجلس على رأيه ولم يرجع عنه، فإنه يعتبر قضاءً مبرمًا في الأمر، ويتم تنفيذه دون استرضاء المشرف.

       وشهد عام 1345هـ وضع قوانين ولوائح تخص الشؤون الإدارية، فاعتبروا الآلية الآنف ذكرها قانونًا عامًا. ثم شهدت سنة 1348هـ أوضاعًا اختلفت فيها آراء أعضاء المجلس الاستشاري، فذهبت فئة منهم إلى إقرار الآلية السابقة، بينما وصفت فئة أخرى هذه الآلية بأنها تشير إلى عجز المجلس الاستشاري والاستغناء عنه، ورغبت في اعتبار رأي الأغلبية فاصلًا في القضايا المختلف فيها. فدرست عدةُ دورات المجلس الاستشاري هذا الأمر، واستقال الشيخ أشرف علي التهانوي – رحمه الله (1280-1362هـ) عن الإشراف على «دارالعلوم» لمصلحة رآها. و وافقت دورة المجلس الاستشاري المنعقدة في شهر رجب عام 1354هـ على استقالته بما يلي:

       «يوافق المجلس الاستشاري – مع الأسف البالغ – على استقالة الشيخ أشرف علي التهانوي عقب دراسة متأنية مراعيًا في ذلك مكانة الشيخ و وقاره، طالبًا منه أن لايحرم «دارالعلوم» دعواته الصالحة، وعناياتها الفائقة في المستقبل»(1).

عام 1355هـ، وتدشين ثلاثة أقسام:

       تم تدشين ثلاثة أقسام تخص خريجي «دارالعلوم» والمتعاونين معها، وتوسعة الموارد المالية، وحفظ الوثائق والمستندات، و التربية البدنية للطلاب. وهي كالتالي:

قسم التنمية و التطوير:

       واستهدف هذا القسم إقامة منظمة باسم خريجي «دارالعلوم»، والمتعاونين معها مستعينًا بالكتابات والأدوار العلمية التي تعمل على توسعة نطاق «دارالعلوم» وتعميمه، ويقوم كل عضو من هذه المنظمة بتقديم ما لا يقل عن روبية واحدة كل سنة. ونصبوا لتحقيق هذا الهدف العاملين على تلقي التبرعات النقدية متوزعين على مختلف أنحاء البلاد، ومهمتهم التجول في المناطق المختصة بهم والعمل لصالح «دارالعلوم». وسيمربك تفاصيل الدورالذي يقوم قسم التنمية والتطوير في الصفحات التالية بإذن الله تعالى.

قسم الوثائق:

       واستمر الأمر على أن يقوم كل مكتب من المكاتب الإدارية بـ«دارالعلوم» بالحفاظ على المستندات والوثائق الخاصة به عنده، ولم يعملوا له مذكرةً مرتبة ومنظمة لذلك. فكانوا يلاقون الألاقي في الحصول على المستندات والأوراق لدى الحاجة في حينها، ومما زاد الطين بلةً توسع الشؤون الإدارية وازديادها في «دارالعلوم» مع مرور الأيام، فقد كانت الأوراق والمستندات متفرقة في مختلف المكاتب الإدارية، بجانب تطرق السقم والنقص إلى معظم الأوراق بالنظر إلى السلوك الإداري، ومن شأنه أن يخلق مشاكل في مستقبل الأيام. فدشنوا قسمًا خاصًا به سموه «قسم الوثائق» تفاديًا من هذه المشكلة. ونُقِلت كافة الأوراق والملفات و الوثائق القديمة المتوفرة في مختلف المكاتب الإدارية إلى هذا القسم، وضبطوا أمرها و رتبوها ترتيبا خاصًا يعين على الوصول إليها حين الحاجة، بجانب استكمال الإجراءات الإدراية الخاصة بكل الأوراق الوثائق والمستندات. ويحتفظ قسم الوثائق اليوم سجلات أتى عليها مالايقل عن مئة وأربع عشرة سنة.

قسم التربية البدنية:

       لايخفى ما للرياضة البدنية والتنزه من أهمية وخاصةً للطلاب الذين يعيشون ليلهم ونهارهم في إجهاد العقول وإتعابها. و كان الطلبة يقومون بممارسة الألعاب التي يهوونها في أوقات الفراغ دون نظام وقواعد تضبطها. ونظرًا لهذه الحاجة الهامة من حياة الطلاب اعتنوا بها، ودشنوا لها قسما خاصًا بالرياضة البدنية. وذلك ليعينهم على توفير القوة الجسدية وتنميتها عن طريق الرياضة البدنيَّة بجانب القوة العقلية لحد لابأس به. كما قطع هذا البرنامج السبيلَ على انصراف الطلبة إلى ما لاينفعهم من الألعاب قبل أن يستفحل شرها. وكان الطلبة يتعلمون في هذا القسم أنواعًا من الرياضة البدنية أمثال «اللعب بالعصي»، وغيره.

وفد من علماء مصر:

       وفي تلك الأيام زار الهند وفد رفيع المستوى من علماء مصر، يضم أبرز أساتذتها. وبدعوة من «دارالعلوم» زارها الوفد عشية 2/ذي القعدة عام 1355هـ، وتجول في مختلف مرافقها، وقضى الوفد عجبه مما رأى بأم عينيه من انصراف الأساتذة و جهودهم المضنية في التعليم والتدريس، وكثرة الدروس المنوطة بكل واحد منهم، بجانب الجمع بين تدريس العلوم والفنون المختلفة. وأكثر الشيخ إبراهيم الجبالي – رئيس الوفد – من إبداء عجبه من  ذلك. وكان يستبعد أن يتولى أستاذ واحد تدريس عدة كتب من مقرارات العلوم المختلفة ذات المستوى العالي خمس أو ست ساعات متوالية، ويقول: أنى له الجمع بين هذه العلوم المختلفة.

       وفي نهاية جولة الوفد في مرافق «دارالعلوم» انعقدت حفلة قدمت فيها كلمة التحية والترحيب بالضيوف المبجلين، و ردَّ رئيس الوفد عليها بكلمة شَكَرَ فيها لـ«دارالعلوم» ونوَّه بالخدمات التي تقوم بها، كما أكد على رغبته الشديدة في تطوير العلاقات وتنميتها وإحكامها بين «دارالعلوم» و«جامع الأزهر الشريف».

عام 1356هـ، و أبنية جديدة عديدة:

       وفي هذه السنة – التي نحن بصدد الحديث عنها – أنشئت سبعة أبنية جديدة بجانب الأعمال والأحداث الروتينية. وأول هذه الأبنية مبنى القسم الفارسي، الذي أقيم بجوار الفصول القديمة لهذا القسم بذكرى الشيخ سعدي – عليه الرحمة-، وذلك على نفقة المدعو/سرورخان غته دار من سكان «حيدرآباد دكن». وثاني هذه المباني مبنى قسم الوثائق – ذو طابقين- أقيم بالجانب الجنوبي من مكتب رئيس «دارالعلوم».

       وثالث هذه المباني استكمال مبنى السكن الطلابي. وذلك أنه تم إنشاء خمس غرفات فقط من السكن الطلابي المعروف بـ«الدارة الجديدة» في الجانب الغربي، على عهد الحافظ محمد أحمد( 1279-1347هـ = 1862-1928م)، والشيخ حبيب الرحمن(ت 1348هـ =1929م) – رحمهما الله تعالى- في حين كانوا ينوون بناء اثنتين وخمسين غرفةً في هذا السكن الطلابي العملاق. واستكماله قد يستغرق مدة لايعلم مداها إلا الله تعالى فيما إذا اعتمدوا في ذلك على التبرعات العادية الروتينية، فقام الشيخ محمد طيب – رئيس الجامعة- بالسفر إلى «حيدرآباد دكن»، ليتلقى مساعدة سخية دفعة واحدةً من ولاية «حيدرآباد»، دكن. وذلك على عهد السير أكبر حيدري – الرئيس العام – فتقدم الشيخ إلى النواب عبد الباسط خان الراحل ليتوسط في عقد لقاء بينه و بين الرئيس العام، واجتمع به، فشرح أهداف «دارالعلوم» خلال الاجتماع وذكر أن (47) غرفة من غرف السكن الطلاب المعروف بالدارة الجديدة في حاجة إلى من يمولها، وهو مشروع عملاق من النوع الملكي، فلا يحققه إلا مملكة سخية دينية، و لاشك أنها هي المملكة الآصفية دكن في عصرنا. وبصفتك رئيسًا عامًا لها، سيكون عهدك عهدًا مذكورًا ، واسمك محفورا في  الأوساط العلميَّة بصورة دائمة مقرونًا بالاحترام والتقدير فيما إذا مددت إليها يدَ المساعدة السخية. وكان لهذه الكلمات مفعولاً طيبا في قلب السر حيدري فلم تدعه حتى قال: لا آلو جهدًا أخويًا في هذا الصدد. والحيلة إلى ذلك أن أم جلالة «نظام» قد توفيت، فاكتب إليه عريضة تشير فيها عليه بالصدقة الجارية لصالحها على المؤسسات الدينية بما فيها «دارالعلوم/ديوبند»، ويكون نصف المساعدات الموافق عليها من قِبَله لصالح «دارالعلوم»، والنصف الباقي أجعله لسائر المؤسسات الدينية في المنطقة. فقدم الشيخ عريضةً بهذا المعنى وعرضها على السير أكبر حيدري لعرضها على نظام دكن. وفعلًا تم عرضها عليه في اليوم نفسه مقرونةً بتوصية منه بتخصيص مئة ألف روبية لهذا الهدف، ولم يقتصر النظام على الموافقة على مئة ألف، وإنما رفع سقف هذه المبالغ إلى مئتي ألف روبية مما زاد رئيس «دارالعلوم» فرحًا وسرورًا. فقد كان غادر «دارالعلوم» على أمل في الحصول على ما بين خمسين إلى ستين ألف روبية، وكان يتوقع أن بناء غرفة واحدة من هذا السكن الطلابي لايكلف أكثر من ألف روبية. وأفضى الشيخ مقصود علي خان الحيدرآبادي – عضو المجلس الاستشاري بـ«دارالعلوم»- بهذه البشارة إلى رئيس «دارالعلوم» على الهاتف، واستطرد قائلا: هذه هي المرة الأولى في تاريخ هذه البلاد أن تصدر الموافقة على عريضة خلال يومٍ واحدٍ من غير أن تتيه لاستكمال الإجراءت الإدارية؛ بل ضعفوا المبلغ المقترح لذلك. وشكَّل السير أكبر حيدري لجنة تشرف على إنفاق هذه المبالغ، وأبدى رأيه مسبقًا بضرورة إيداع هذه المبالغ البنكَ، وصرف المرتبات المالية لطلاب دكن من فوائدها. وبلغ ذلك رئيس «دارالعلوم» فتجرأ على طلب موعد للاجتماع بالسير أكبر حيدري مرة ثانية وأعرب له عن استنكاره لإخلافه ما قطع على نفسه من الوعد بأسلوب صريح ملؤه النكير والكراهية وقام من مجلسه أسفًا عليه. فلم يملك السير أكبر حيدري إلا الندم ولزوم الصمت.

       عاد رئيس «دارالعلوم» – وقلبه ملؤه الأسى على ذلك – إلى ديوبند، ثم سافر لتحقيق الهدف نفسه إلى «مدراس»، ونزل على مريت حاجي إسماعيل الراحل- الذي كان من أصحاب الحافظ محمد أحمد ومسترشديه – وقص عليه قصة حيدرآباد دكن، وقال له: ولا أظن أن أحدًا سواكم يكشف كربتي هذه. وقد أثر ذلك في قلب «مريت حاجي» كثيرًا، فقال: لا عليك إلا أن تكتب لي نداء من «دارالعلوم» لذلك، ثم نكفيك ما سواه. ولن تتكبد مشقات التنقل من مكان إلى آخر. فعمل «مريت حاجي» على ذلك فلم يمض العشر الأول من رمضان حتى تجمعت لديه سبعة وأربعون ألف روبية قدمها إلى رئيس «دارالعلوم»، قائلا: لن نعجز عن جمع تبرعات تصل إلى مئة ألف فيما إذا واصلت النزول علينا ما تبقى من أيام شهر رمضان هذا. فرد عليه الشيخ قائلا: ما كان لنا أن نحرص على المزيد ما دام قد هيأ الله تعالى لنا ما نحتاج إليه من المبالغ. فاكتمل بناء غرف السكن الطلابي المعروف بـ الدارة الجديدة كلها بهذه التبرعات ولم يبق إلا إنشاء البوابة المركزية – التي عرف فيما بعد ببوابة ظاهر-(2).

عام 1457هـ، ومَقدم الحافظ محمد إبراهيم وزير المواصلات :

       كانوا يشعرون – منذ زمن بعيد – بحاجة ماسة إلى شارع خاص يصل «دارالعلوم» بمحطة السكة الحديدية، واسترعوا انتباه حكومة ولاية أترابراديش المحلية عام 1947م حين تشكلت حكومات وطنية في سبع ولايات  هندية، ووجهوا دعوة إلى الحافظ محمد إبراهيم – وزير المواصلات في الحكومة المحلية – ليرى بأم عينَيه حاجة «دارالعلوم» هذه. فزار الوزير الموقر ديوبند في 31/مايو عام1938م، وكان في استقبال الضيف المبجل لدى وصوله إلى محطة «ديوبند» مسؤولو «دارالعلوم» و طلبتها بجانب وجهاء مدينة ديوبند ومديرية «سهارن فور»، ومسؤولي مصلحة الأنهار، وأعضاء البلدية. وخرج الوزير الموقر من المحطة في مسيرة فخمة مرَّت بأسواقها المزدانة بمناسبة قدومه الميمون، حتى ألقى عصاه في الساعة التاسعة صباحًا في «دارالعلوم».

     وهذه هي المرة الأولى يقوم فيها مسؤولو«دارالعلوم» بمثل هذا الاستقبال الحار السار، ونحن في غنى هنا عن الإشارة إلى أن هذا الحماس والفرحة الغامرة من نتاج رغبة «دارالعلوم» القديمة في الحرية والاستقلال. وهذه أول مرة تشاهد فيه «دارالعلوم» أعضاءَ الحكومة من سكان البلاد. وتمثَّل لـ«دارالعلوم» تأويل الرؤيا التي رأتها منذ زمن بعيد. فلاتسأل عن فرحتها وحماسها بهذه المناسبة. وقدموا في الحفلة كلمات التحية والترحيب والقصائدة المليئة بعواطف الشكر والامتنان. وشكر مسؤولو «دارالعلوم» للضيف المبجل على قدومه الميمون. وتضمت كلمة التحية والترحيب – بإيعاز من الشيخ حسين أحمد المدني رحمه الله- لفت انتباه الوزير الموقر إلى شق شارع باسم «دارالعلوم»، يصل بها إلى محطة سكة الحديد بصورة مباشرة. وفي نهاية البرنامج رد الوزير الموقر على الكلمات التي ألقيت في الحفل، بكلمات تطفح ولَهًا وحبَا ومودةً لـ«دارالعلوم»، حيث قال ما معناه:

       «كم زرت من الأماكن، وكم أُلقِيت عليَّ من كلمات التحية والترحيب منذ أن وليتُ هذه الوزارة، فإن كان شيء منها مفخرةً لي فإن كلمة التحية والترحيب التي ألقيت علي في «دارالعلوم» اليوم هي مفخرةٌ ومعزَّةٌ لي، وإن هذه الكلمة الترحيبية عادت من الذكريات التي لاتكاد تنسى ما عشتُ، ولاتطاوعني الكلمات التي أعبر بها عن شعوري بالتقدير البالغ الذي لقيته اليوم، فإن العلماء هم حفظة الإسلام في الهند، تلك الفئة التي حالت دون انزلاق الشعب المسلم الهندي إلى الإلحاد و الزندقة، و ردَّت هجمات الأعداء عليه، ولم يأمن المسلمون على دينهم من الحكومة الإنجليزية –رغم امتداد عهدها وقوة سلطانها – إلا بفضل هؤلاء العلماء، فيالها من سعادةٍ أن يحظى المسلم بتكريم وتقدير من أمثال هذه الفئة من العلماء. وإن هذا التقدير العظيم الذي لقيته منكم أعتبره شيئا يغريني بأن أضحي له لا بوزارة واحدةٍ؛ بل بآلاف الوزارات. وأنا أوكد لكم –رغم شغلي للوازرة في هذه الولاية، ورغم هذا الاحترام الذي لقيته منكم – أني أعتبر نفسي أصغر من أصغر طالب في هذه المدرسة، وأعتبر خدمته سعادةً لي أية سعادة. ويسعدني أن أقول لكم: إني مستعد للعمل لصالح هذه المدرسة ما استطعت إليه سبيلًا سواء أكنتُ في السلك الحكومي أم خارجه.

       وأما ما أشارت إليه كلمة التحية والترحيب من شق الطريق المباشر من المحطة إلى «دارالعلوم»، فأرى أن تحقيق هذا الأمل أقَلُّ من يقال فيه: إنه خدمة من الخدمات. وأرى أن هذا الشارع يجب أن يشق، والحكومة الحالية مستعدة دومًا للقيام بما يسعها القيام به داخلَ اختصاصاتها ونطاق عملها المتاح لها. وأنا أوكد لكم أن الحكومة المحلية حريصة على العمل لصالح أساتذة هذه المدرسة وطلابها».

*  *  *

الهوامش:

(1)       التقارير الدورية للمجلس الاستشاري  للدورة المنعقدة في 30/رجب عام 1354هـ.        

(2)       مستقاة من مذكرات الشيخ محمد طيب رئيس دارالعلوم.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1437 هـ = أكتوبر – ديسمبر 2015م ، العدد : 1- 2 ، السنة : 40


(*)    أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

Related Posts