دراسات إسلامية
بقلم: الدكتور رشيد كهوس (*)
تمخض عن الاجتماع الذي عقده سادة قبائل العرب عام 412م من أجل توحيد أسماء الشهور العربية التي تعددت تسمياتها في شبه الجزيرة العربية آنذاك، اعتماد التقويم العربي الذي يقوم على حركة القمر، وكان ذلك في حياة كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واعتمـد المسلمون التقويم العربي – بعد ظهور الإسلام- ليكون تقويم الأمة الإسلامية ودولتها، ونظرا لاعتمـاده الهجـرة النبويـة الشريفة بداية له فقد سمي بالتقويم الهجري. وقد اعتمد بعد عامين ونصف من خلافة الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-، في ربيع الأول من عام 16 للهجرة.
ويعد التاريخ بالهجرة تطوراً له خطره في النواحي العمرانية البشرية، وكان أول من وضع التأريخ بالهجرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- كما سلف القول-، وذلك عندما قدم إليه – رضي الله عنه- صك مكتوب عليه كلمة (شعبان) قال عمر – رضي الله عنه-: «كيف نعلم أن المقصود شهر شعبان الماضي أم الحالي؟ فعقد مجلسًا للشورى حضره كبار الصحابة – رضي الله عنهم- وعرض هذه المسألة، أي تحديد التأريخ حتى لا تقع الأخطاء في العقود والمعاملات، فقال بعضهم: أرخوا من مولد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وقال آخرون: من مبعثه، وأشار علي – رضي الله عنه- إلى أن يؤرخ من الهجرة، فاستحسن عمر هذا الرأي ، واستقر الأمر على أن تكون بداية التأريخ من بداية هجرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وأرخوا من محرمها.
روى الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله- في سبب جعلهم بداية التأريخ في شهر محرم وليس في ربيع الأول الشهر الذي تمت فيه هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم- أن الصحابة – رضي الله عنهم- الذين أشاروا على عمر –رضي الله عنه- وجدوا أن الأمور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة، هي مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، ووجدوا أن المولد والمبعث لا يخلو من النزاع في تعيين سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى عند المسلمين، فلم يبق إلا الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان من المحرم، إذ وقعت بيعة العقبة الثانية في ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو هلال محرم، فناسب أن يُجعل مبتدأ.. ثم قال ابن حجر: وهذا أنسب ما وقعت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم(1).
وروى ابن أبي خيثمة من طريق ابن سيرين قال: قدم رجل من اليمن فقال: رأيت باليمن شيئاً يسمونه التأريخ يكتبونه من عام كذا و شهر كذا، فقال عمر: هذا حسن فأرخوا، فلما أجمع على ذلك قال قوم: أرخوا للمولد، وقال قائل: للمبعث، وقال قائل: من حين خرج مهاجراً، وقال قائل من حين توفي، فقال عمر: أرخوا من خروجه من مكة إلى المدينة، ثم قال: بأي شهر نبدأ؟ فقال قوم: من رجب، وقال قائل: من رمضان، فقال عثمان: أرخوا من المحرم فإنه شهر حرام و هو أول السنة ومنصرف الناس من الحج، قال: و كان ذلك سنة سبع عشرة و قيل: سنة ست عشرة في ربيع الأول.
وأفاد الإمام السهيلي – رحمه الله- في الروض الأنف (4/255 ) أن الصحابة – رضي الله عنهم- أخذوا التأريخ بالهجرة من قوله تعالى ﴿لَـمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَىٰ التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقاً، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر و هو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام، وعبد فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- ربه آمناً، و ابتداء المسجد، فوافق رأي الصحابة ابتداء التأريخ من ذلك اليوم.
وبهذا الحدث الإداري المتميز أسهم الفاروق –رضي الله عنه- في إحداث وحدة شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في شبه الجزيرة العربية؛ حيث ظهرت وحدة العقيدة بوجود دين واحد، ووحدة الأمة بإزالة الفروق، ووحدة الاتجاه باتخاذ تأريخ واحد.
وفيما يأتي شرح لمعاني أسماء أشهر التقويم الهجري:
محرّم الحرام: وهو أول شهور السنة الهجرية ومن الأشهر الحرم: سُمِّي المحرّم لأن العرب قبل الإسلام كانوا يحرّمون القتال فيه.
صفر الخير: سمي صفـرًا؛ لأن ديـار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها فيه للحرب وقيل: لأن العرب كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفر المتاع.
ربيع الأول: سمي بذلك؛ لأن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك الاسم.
ربيع الآخر: سمي بذلك؛ لأنه تبع الشّهر المسمّى بـ«ربيع الأوّل».
جمادى الأولى: كانت تسمى قبل الإسلام باسم جمادى خمسة، وسميت جمادى لوقوعها في الشتاء وقت التسمية حيث جمد الماء وهي مؤنثة اللفظ.
جمادى الآخرة: سمي بذلكَ؛ لأنّه تبع الشّهر المسمّى بجمادى الأولى .
رجب الفرد: وهو من الأشهر الحرم. سمي رجبًا؛ لأنه من الأشهر الحرم وكانت العرب ترجب رماحها فيه أي تنزع النصل من الرمح وتكف الناس عن القتال. وقيل: رجب أي التوقف عن القتال.
شعبان: لأنه شِعب بين رجب ورمضان، وقيل: سمي شعبان؛ لأن الناس يتفرقون فيه ويتشعبون طلبا للماء. وهناك رأي يقول: إنه ربما سمي شعبان؛ لأن العرب كانت تتشعب فيه وتتفرق للحرب بعد قعودهم عنها في شهر رجب.
رمضان: وهو شهر الصّوم عند المسلمين. سُمّي بذلك لرموض الحر وشدة وقع الشمس فيه وقت تسميته؛ حيث كانت الفترة التي سمي فيها بذلك شديدة الحر.
شوال: وهو الشهر الذي يقع فيه عيد الفطر، وسمي بذلك لشولان النوق فيه بأذنابها إذا حملت «أي هزلت وجف لبنها»، فيقال تشوَّلت الإبل: إذا هزلت وجفّ لبنها.
ذو القعــدة: وهــو مــن الأشهـر الحرم: سمي ذا القعدة؛ لأنه أول الأشهر الحرم وفيه تقعد الناس عن الحرب.
ذو الحجة: وفيه موسم الحج وعيد الأضحى ومن الأشهر الحرم. وقد سمي بذلك؛ لأن العرب قبل الإسلام يذهبون للحج في هذا الشهر.
* * *
(*) أستاذ ورئيس مجموعة البحث في السنن الإلهية بكلية أصول الدين بـ«تطوان» جامعة القرويين، المغرب.
(1) فتح الباري، 7/28.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1437 هـ = أكتوبر – ديسمبر 2015م ، العدد : 1- 2 ، السنة : 40