كلمة المحرر
في سلسلة من الاعتداءات والأعمال التعسفية ضد المسلمين اقتحم نحو عشرة آلاف شخص في مدينة «ديمابور»: «ناجالاند» شمال شرق الهند سجناً من سجونها شديد الحراسة ليختطفوا مسلمًا مشتبهًا به في جريمة اغتصابٍ، واقتادوه وطافوا به في الشوارع قبل أن يلفظ نفسه الأخير بعد أن سحلوه وأوسعوه ضربًا ومثلوا جثته وعلقوه على أحد أعمدة الإنارة، وذلك بدون محاكمة. وهذه المأساة – التي ترجع إلى التشنجات العرقية والدينية التي تعصف بالولاية التي يتهم أهلُها المسلمين بأنهم نزحوا من «بنغلاديش» واستولوا على أراضيهم الزراعية بصفةٍ غير شرعيةٍ. والأسلوب الذي اتبعه المهاجمون على السجن في معاقبة المتهم- ليس الجاني- بهذه الجريمة يستحق كل تنديد واستنكار شديد ويثير قلقاً ومخاوف في كافة أنحاء الهند و يحمِّل السلطاتِ المعنيةَ في البلاد مسؤوليته؛ فإن أجهزة الأمن في البلاد إذا ما أصيبت بالشلل بهذه الصورة المزرية فلا يستبعد أن يتكرر ذلك في مكان آخر أو أمكنة أخرى. والحق أن ما حدث في «ديمابور» يعتبر صفعةً قاسيةً على وجه الجمهورية والقانون والدستور والمحكمة في البلاد في بياض النهار، كما أنه مثالٌ حي على ممارسة الظلم والعدوان والعصبية وضيق النظر، وينادي على فشل خطير لنظام العدالة الجنائية.
إن دراسة تفاصيل المأساة وملابساتها تثير نقطةً أخرى لاتقلُّ أهميةً، وهي أن الضالعين في قتل المتهم وتمثيل جثته لم يقبلوا عليه إلا ظنًّا منهم بأنه نازح من «بنغلاديش»، والحق أنه ليس من بنغلاديش؛ بل من ولاية آسام الهندية وينتمي إلى عائلة لها تضحيات لاتنسى في الجيش الهندي ولقي أحد إخوانه – إمام الدين – مصرعَه دفاعاً عن البلاد في 1999م. وهذه الظاهرة تشير إلى الكيل بمكيالين اثنين، وفشو الظلم والاستبداد على أساس طائفي وعرقي وديني. وهي مؤشر دقيق إلى أننا لا نكره الجريمة وإنما نصلى نار العصبية الطائفية أو العرقية أو الدينية ولاننظر إلى المجرم على أساس جريمته وشناعتها وإنما يدعونا إلى اتخاذ موقف منه ما يمليه علينا النظرةُ الطبقية والطائفية والإقليمية. فلينظر الساسةُ – الذين أقاموا صرح سياستهم ومواقفهم السياسية على الطائفية والعرقية – كيف تنتشر سمومهم – التي بثوها – في المناطق البعيدة انتشار النار في الهشيم، وماذا جَنَت على البلاد من الويلات والمصائب. وتصب التكنولوجيا الحديثة اليوم الزيتَ على النار لينتشر أخطبوط الكراهية والنفور في المجتمع الهندي.
هذا، وقد اتهم شريف الدين – المقتول شنقاً- على يد هذه الحشود في الولاية – باغتصاب امرأة من عائلة «ناجا»، مع أن التقارير الطيبة لاتُثبتُ ذلك. وهنا يتساءل المرء: ما الذي حمل الشرطة على اعتقال شريف الدين خان وزجِّه في السجن؟ فرد عليه كبير الشرطة في المنطقة: «إن كاميرات المراقبة (C C tv Camera) تشير إلى تردد شريف الدين إلى الفندق مرتين بصحبة المرأة، وإنه ربما كان نازحًا من بنغلاديش». إذًا كان شريف الدين ضحية (ربما كان نازحاً من «بنغلاديش»).
ولقد آن الأوان أن تتخذ المصالح الأمنية مواقف صارمةً و إجراءاتٍ حاسمةً تقتضيها منها مسؤوليتها تجاه القضية قبل أن يستفحل أمرها ويستطير شرها كما يجب على الحكومة المحلية توفير ضمان أن كل شخص كان موجودًا بين الحشد سيقدم للمحاكمة. [التحرير]
(تحريراً في الساعة السابعة من مساء يوم الأربعاء: 19/جمادى الأولى 1436هـ = 11/مارس 2015م )
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب 1436 هـ = أبريل – مايو 2015م ، العدد : 7 ، السنة : 39