كلمة المحرر
يمر الشعب الفلسطيني اليوم بمرحلة تُعَد «الأصعب على الإطلاق» وسط انهيار عملية السلام من جراء استمرار «إسرائيل» في النشاطات الاستيطانية، وفرض الحقائق على الأرض وخاصةً في مدينة «القدس» المحتلة، والاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، وتهجير السكان والاستيلاء على بيوتهم ومصادرة أراضيهم واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة. وتستغل «إسرائيل» الواقع المرير الذي يعيشه العرب والمسلمون عامةً باشتغالهم أو انشغالهم في صراعات ومؤامرات داخلية يضرب بعضهم رقاب بعض؛ وتسعى – إسرائيل – بخطى حثيثة إلى إزالة المعالم الإسلامية الراسخة في المدينة القديمة وتهويد بيت المقدس. والحق أن إسرائيل تريد أن تسابق الزمن لحسم معركة القدس والأقصى عبر إقامة المشاريع التهويدية والاستيطانية بالمدينة المحتلة وإقرار قوانين بالكنيست تكرِّس سيادةَ الاحتلال على ساحات الحرم تمهيدًا لبناء الهيكل المزعوم.
ففي أحدث اعتداء على المسجد الأقصى المبارك – وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في ملحقها الأسبوعي – وَضَع المهاجرُ الأميركي آدم ليفيكس (30 عامًا) خطتين لتنفيذ الهجوم على المسجد الأقصى: الأولى بصاروخ، والثانية بواسطة طائرة صغيرة بلاطيار مفخخة، وبتوجيه من منظمات صهيونية متطرفة وبمساعدة جندي متَّهم بتزويده بوسائل قتالية ومتفجرات سرقها من قاعدة عسكرية خدم فيها. واستهدفت العملية تفجير قبة الصخرة. وقبيل تنفيذها بقليل تم إحباطها عن طريق مخابرات الاحتلال مما جنَّب – كما تصف الصحيفة – إسرائيل حريقًا هائلاً في الشرق الأوسط. واستطردت الصحيفة: «تعتبر المخابرات الإسرائيلية هذا الموضوع أحد أخطر الملفات الأمنية في مسيرة إسرائيل، وتقول: إن ليفيكس وأمثاله يمثلون الكأبوس الأكبر؛ لأنهم يتحركون بمفردهم دون تنظيم إرهابي مما يصعب إحباط عملياتهم التي تعتبر بمثابة عود ثقاب بإمكانه إضرام الشرق الأوسط كله».
ولا شك أنه إخفاقٌ أو تغاضٍ متعمد من السلطات الإسرائيلية – التي تحاسب الشعب الفلسطيني على أنفاسه ولو لم تمس أمنها وسلامتها – عن مخططات المنظمات الصهيونية المتطرفة الرامية إلى القضاء على المعالم الإسلامية، وإزالة بيت المقدس من على وجه الأرض لصلتها بالمسلمين صلةً عميقةً، ولاسيما أنها – إسرائيل – تدرك أن المساس بالأقصى وقبة الصخرة من شأنه أن يؤدي لحرب دينية تأكل الأخضر واليابس.
وتصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية التي يقوم بها جيشها وشرطتها في مدينة الخليل التاريخية، فتقول بعض التقارير: إن الجيش الصهيوني فرض الحظر على رفع الأذان من مئذنة جامع إبراهيم الخليل ما لا يقل عن 52 مرةً في شهر ديسمبر 2014م وحده. ويقول المسؤولون في الأوقاف الفلسطينية: إن الجيش الصهيوني والشرطة الصهيونية أفادا بأن رفع الأذان في مسجد إبراهيم الخليل يسبب إحراجاً للسمتوطنين اليهودي في الشطر الخاضع للإدارة الإسرائيلية. فيجب احتراز رفع الأذان بالمذياع في المسجد.
وعلى ساحة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية شهد النصف الثاني من عام 2014م ارتفاعًا ملحوظاً في أعدادها نتيجة عمليات الاعتقالات الواسعة للشعب الفلسطيني العزل، التي نفذتها السلطات الإسرائيلية وشملت هذه المداهمات والاعتقالات العشوائية مالا يقل عن أربعة آلاف فلسطيني وزُجَّ بمعظمهم في مختلف مراكز الاعتقال الإسرائيلية، بمن فيهم 200 طفل قبل الثامنة عشرة من العمر و 21 امرأةً. كما اعتقلت سلطات الاحتلال 500 فلسطيني من غير توجيه تهمة ضدهم. وبلغ إجمالي عدد المعتقلين الفلسطينيين في نهاية هذا العام (2014م) 65000 معتقلاً، في 18 سجنًا ومركزًا للاعتقال الإسرائيلي. وعشراتٌ منهم قد قضى ربع قرن في الزنزانة الإسرائيلية، ومنهم من أمضى أكثر من 32 سنة فيها، ومنهم من حُكم عليه بالسجن مدى الحياة 67 مرةً، ومنهم من أصيب بالأمراض الفتاكة، ومنهم من لايستطيع التحرك بنفسه، ممن يعتبرهم إسرائيل خطرًا وتهديدًا لأمنها وسلامتها.
وقد كانت سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت عام 1987م، سنوات الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000م، من أصعب المراحل التاريخية التي تعرض فيها الشعب الفلسطيني لعمليات اعتقال عشوائية شملت الآلاف من أبناء وبنات هذا الشعب؛ فقد بلغ عدد الاعتقالات التي حدثت في المدن والبلدان والمخيمات الفلسطينية بين 500 إلى 700 حالة اعتقال شهريًّا، وهي نسبة أعلى بكثير بالنظر إلى السنوات التي سبقت اندلاع الانتفاضتين.
أليست هذه الجرائم وأمثالها الكثيرة التي لانهاية لها تُملي ضرورةَ محاكمة ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي وقادة جيشها وقتلة الشعب الفلسطيني العازل على ممارساتها بدم بارد، إلى المحكمة الجنائية الدولية. [التحرير]
(تحريراً في الساعة الرابعة من مساء يوم السبت:18/ربيع الأول1436هـ = 10/يناير 2015م )
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1436 هـ = فبراير – مارس 2015م ، العدد : 5 ، السنة : 39