الفكر الإسلامي
بقلم : الكاتب الإسلامي الأستاذ أنور الجندي رحمه الله
كان السؤال : كيف يمكن حماية الشباب المسلم من التيـــارات الوافـــدة وأخطارها نقول : منذ أن سيطر النفـــوذ الأجنبي على الأمـــة الإسلامية في الجولة الأخيرة (مرحلة الاستعمار والصهيونيــة) وبناء على تجربتـــه الواسعة مع المسلمين في الحروب الصليبية والحملات المتصلة على الأندلس وشـــواطيء المغـــرب وشرق أفريقيا في تلك الحملات الاستعمارية التي أطلق عليها البعثات الاستكشافيــــة تغطية لأهــــدافها المدمّـــرة في السيطرة على معابر البحار والبواغيز الإسلامية ، منذ ذلك الوقت والمحاولـــــة تجــــري مع المسلمين من أجل تفريغ مفهومهم الإسلامي من أصالته وقيمه ودفــع المسلمين بوسائل الإغراء والرخاوة تحت اسم الترف والعصرية أملاً في تحقيق هدف أساسي هو احتواء هذه الأمة احتواء كاملاً بحيث يجعلها مستسلمة للنفوذ الغربي خاضعة له بكل ماتملك من مقدرات .
وتجري هذه المحاولة اليوم عن طريقين : عن طريق التعليم وعن طريق أدوات التسلية والترفيه (المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون) .
وفي مواجهة الصحوة الإسلامية التي تحاول أن تثبت قواعدها في عديد من أقطار الأمة الإسلامية (الباكستان – الأردن – السودان – الجزائر) . نجد أن هناك استماتة في تقديم مفاهيم زائفة للأدب والفن والعمل على إعلاء أسماء لمعت بالباطل في ظل النفوذ الأجنبي وإعادة فرضها من جديد ، وكذلك إعادة عرض كتب رفضها المجتمع الإسلامي لأنها تختلف مع مفاهيمه وقيمه ، يجري الآن طبعها من أمثال كتب ابن عربي والحلاج في التقديم وكتابات على عبد الرزاق وطه حسين وسلامة موسى ولويس عوض، هذه التي فاتها الزمن وتخلفت عن العصر الذي يشهد مشرق عصر جديد للإسلام .
كما نرى أن بعض المشتغلين بالتراث الإسلامي (ويسمونه العربي) هم أكثر الناس استهانة به ونقدًا له واستصغارًا لشأنه .
كــذلك فإن بــرامج ثابتــة تكاد تكون يومية لا تقدم لأبناء المسلمين والعرب إلا تراجم أعلام الغرب مع التعظيم والتفخيم والدعاوي العريضة بأننا لا نملك مثل هؤلاء الأعلام ومن هنا فيجب أن تنحني الجباه لهم تقديرًا وإعجابًا ويغيب في هذا المجال الدور الذي قام به الإسلام أساسًا حين قدم لأوروبا وللغرب المنهج العلمي التجريبي ، وقدم القواعد الأساسية التي قامت على علوم التجريب والفلك والبحار والطب والجراحة وإنه من واجب الانصاف أن يعلم المشاهد العربي والمسلم أن أجــداده كان لهـم دور في هذه النهضة وأنهم وضعوا الأسس التي بني عليها هؤلاء الأعلام الغربيون في المرحلة التالية وأن الصورة بهذا الشكل الذي تقدم به إنما توحي بأننا أيتام أمة خالية من كل فضيلة منقبة .
نحن لا ننتقص دور الغرب في العلوم ولكن يجب ألا يزيل المسلم والعربي دور آبائه ودور حضارته الإسلامية التي كان القرآن والسنة أساسًا لهما مصدر (التجريب) الذي لم تكن تعرفه الحضارات السابقة للإسلام كذلك فقد اختلطت كثير من المفاهيم في الفترة الأخيرة بحيث لم يعد الشاب المسلم يعرف الحقائق الأصيلة والثوابت الحقيقيـــة ولربما تخدعه هذه المفاهيم المغلوطة عن أن الإسلام هو وحده المنهج الأصيل القادر على العطاء في هذه الساحة المضطربة من الدعاوي والأكاذيب .
وأنه وحده دون جميع الايدلوجيات القادر على الثبات مع تعبر الأزمنة والبيئات والقادر على العطاء مع اختلاف العقول والأمزجة وهو الأمل الباقي اليوم بعد فشل التجربة الغربية التي طبقها العرب والمسلمون منذ أكثر من مائة عام من خلال قانون نابليون والمناهج التعليمية الوافدة والنظام الــربوي في عــالم الاقتصاد وبعد سقوط الماركسية في معاقلها الأساسية بعد سبعين عامًا من محاولات فـــرضها على العقــول والنفوس بما فيها من معارضـــة للفطرة والعلم والدين ، لا ريب أن الصحوة الإسلامية اليوم هي التي تدفع هذه القوى المختلفة للتجمع للمـواجهة بهدف تدميرها والقضاء عليها أو إجهاضها قبل أن تستكمل قدرتها على العطاء والبناء .
فنحن اليوم في حاجة إلى استيعاب الموقف تمامًا والحذر من الوقوع في الأخطاء وفي مقدمتها التعصب والعنف والجمود وعلينا أن نتحرك في أناة وصبر وثبات في المواقع .
﴿وَعدَ الله الذين آمنوا وعَمِلُوْا الصَّالِحَات لَيَسْتَخْلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا﴾. سورة النور آية : 55 .
إن هذه الأمة الإسلامية الممتحنة اليوم بهذه القوى التي تطمع في أن تحتويها لقادرة على أن تمتلك إرادتها وتصح مفاهيمها وتستكمل كل ما ينقصها من خلال برنامج شعبي لتربية المسلم على منهج الله بما يكمل النقص الموجود في المناهج الدراسية والثقافية وبما يقدم وجهة النظر الإسلامية لكل ما تطرحه الشاشة الصغيرة من قضايا وما تتناوله الصحف والمجلات الثقافية بحيث يستكمل المسلم ثقافته على نحو سليم بما يعينه على حركة الحياة والتعامل في المجتمع وفق شريعة الله في البيع والشراء وغيرها وبذلك يتجنب الانحراف إلى الربا أو الوقوع في المحرمات .
وبـــذلك تقــــوم المجتمعات الصغيــرة على تقوى الله تبـــارك وتعالى وتتحرر من أخطار الأزمات التي تحــاصر الأمة الإسلاميـــة من كل جانب ثم نلتقي في مشـــروعات اقتصادية واجتماعية محررة من الربا مطبقة لمفاهيم المضاربة والمرابحة وبذلك يوجد المنطلق الاجتماعي لقيام المجتمع الإسلامي القائم على قاعدة: ﴿وأحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ .
لقــــد تــــدارس علمـــــاء المسلمين ســـر الأزمة الطارئـــــة على الأمــــــة الإسلاميـــة وتعددت وجهات النظــــر ولكن الشـــيء الــــذي أجمعت عليه كل القوى الصادقـــــــة والمؤمنـــــة هو أن تخلف المسلمين نتـــج عن شعــــــور بالتــراخي والفتور والأخـــذ بالرخص والانفصال عن تطبيق المنهج الــــرباني وتلك سنـــة الأمم التي علمها القرآن الكريم للمسلمين إذا غفلوا عن منهج الله وتجاوزوه ضربهم الله فسلط عليهم أعداؤهم ينالون منهم فلا يرجع عنهم هذا حتى يعودوا إلى الله ويطبقوا شريعته .
فلابد أن تعود هذه الأمة إلى العزائم بعد أن حطمتها الرخص والتجاوزات ، ولابدّ من بناء الشباب المسلم على قاعدة المرابطة والقدرة على النضال والاستعداد للبذل والفداء وبيع النفس والمال لله تبارك وتعالى فإن هذا وحده هو منطلق التحرر من التبعية وحماية الثغور واستعادة القدس .
ولقد تبين للمسلمين أن للإسلام أسلحته مقاييسه وقيمه الخاصة التي لا ينتصر إلا بها ولا يقوم إلا على أسسها فـإذا ذهبت هذه الآن بعد أربعـــة عشر قـــرنًا من العمل بمنهج ربــاني إلى منهج مادي ومقاييس مادية فإنها لن تفلح في تحقيق النصر . إن لنا نحن المسلمين مقاييس وقوانين وقيم تختلف اختلافًا واضحًا عن قيم المجتمعات الغربية في كل شيء .
في الثقافة ، والحضارة ، والفن ، والمرأة والأدب والحياة والاجتماع والاقتصاد .
هذه القيم لابدّ أن تكون واضحة تمامًا أمام المسلم بحيث لا تخدعه الكلمات البراقة ولا الكتابات المزخرفة عن أصالته ومنابعه ومنهجه القرآني وعن مثله الأعلى الذي قدمه رسول الله ﷺ للإنسانية والذي سيبقى قائمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1426هـ = أبريل – يونيو 2005م ، العـدد : 4–3 ، السنـة : 29.