دراسات إسلامية

بقلم:     الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي رحمه الله

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: الأستاذ محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

يعتبر عام1283هـ/1866م عاماً مباركاً وسعيداً بالنسبة للمسلمين في شبه القارة الهندية، الذي شهد النشأة الجديدة لحياتهم الدينية والعلمية والثقافية في هذه القرية الأثرية العريقة من شمال الهند، فقد تم تدشين الجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ديوبند يوم الخميس 15/شهر محرم الحرام عام 1283هـ الموافق 30 /مايو عام 1866م في فناء مسجد «تشته» القديم تحت أديم السماء في ظل شجيرة رمانٍ بكل بساطة، ودون اتخاذ المراسيم والطقوس المعتادة، ومن غير رياء أوسمعة. وتمَّ تعيين الملا محمود الديوبندي(1)  الذي كان من أساطين العلم والفضل – مدرساً بها. وكان شيخ الهند محمود حسن الديوبندي (1268-1339هـ/1851-1920م) – رحمه الله – أول طالب يفتح الكتاب ويقرأ في هذه الجامعة. ومن الغريب أن المدرس والطالب اسم كل واحد منهما كان محموداً. ولم يكن ثمة أسباب ظاهرة تعتمدها المدرسة وقتئذ سوى اللفتة الحانية الكريمة والرحمة الإلهية. فقد كان هؤلاء المؤسسون أصفار الأيدي إلا من الإخلاص والاحتساب والرغبة في خدمة الدين والتوكل على الله تعالى. وتمَّ تدشين هذه الجامعة في وضع يعوزه الأسباب المادية، فلا مبنى لهذه الجامعة، ولاطلبة علمٍ، وغاية ما كانت تشتمل عليه: طالبٌ واحدٌ ومدرسٌ واحدٌ. وهذه هي بداية الجامعة التي تعرف اليوم بـ«أزهر الهند: دارالعلوم/ديوبند» في العالم كله.

       وهذا الافتتاح لهذه المدرسة وإن كان يبدو مجرد افتتاح مدرسة عادية على نطاق ضيق جداً إلاأنه كان – في الواقع – يمثل بزوغََ عهدٍ جديدٍ لحركةٍ موسعةٍ تهدف إلى نشر التعليم الديني في الهند، تمَّ الشروع فيها عن فكرٍ ورويةٍ، كما يتَّضح ذلك بالتقدم الكبير الذي أحرزته دارالعلوم/ديوبند في المرحلة التالية من عمرها. ولقد قام زعماء الجامعة: دارالعلوم/ديوبند بإنارة مشاعل الكتاب و السنة حفاظاً على الحياة الدينية والاجتماعية والإبقاء عليها في شبه القارة الهندية. وعملوا حصاراً منيعاً يدفع عنها الأخطار المحدقة بها في تلك الأيام الحالكة الظلام عن طريق تفسيرالقرآن الكريم و الحديث الشريف والفقه وعلم الإسلام وأدبه وعقائده. وكان لهذا الحصار دور بارز في صيانة المسلمين من الهزيمة الروحانية والعلمية. كما سترد تفاصيل ذلك في الصفحات اللاحقة.

إعلان تأسيس دار العلوم:

       والإعلان الذي نشره زعماء الجامعة: دارالعلوم/ ديوبند بمناسبة تأسيسها يفيد بما يلي:

       «نحمد الله تعالى على أن اتفق أولوالعزم والهمة العالية من سكان «ديوبند» على جمع بعض التبرعات، وأنشئت مدرسةٌ عربيةٌ في 15/محرم الحرام عام 1283هـ، وفعلاً تم تعيين المولوي محمد محمود مدرساً بها براتبٍ شهري قدره خمس عشرة روبية. وهو ذوكفاءة عالية، وبما أن هذا الراتب الذي يتقاضاه ضئيل جداً بسبب التبرعات القليلة التي تتلقاها المدرسة والشح في مواردها، فقد عزم القائمون على المدرسة على زيادة راتبه فيما إذا ارتفعت حصيلة التبرعات إلى حدٍ ما، وهو المأمول، كما تنوي تعيينَ من يقوم بتدريس اللغة الفارسية والرياضي.

       فَليكن جميعُ أصحاب الهمة العالية والنصح لأهل الهند عامةً، وسكان «ديوبند» وما جاورها خاصةً، على علمٍ بضرورة تقديم مساعداتٍ كافيةٍ عن رضى وطواعيةٍ، إذا لم يسبق لهم المشاركة في تقديم التبرعات لصالح المدرسة. علماً بأن هناك وجهاً آخر للإنفاق – عدا ما يضمه فهرس التبرعات هذا، والتي يبلغ إجماليها 401 روبيةً – وهو التبرع لصالح أغذية الطلاب الوافدين و مساعداتهم، وقد تمَّ جمع تبرعات تغطي حاجة ستة عشرطالباً، وهو في ارتفاعٍ متواصل بإذن الله تعالى. وتنفق هذه التبرعات على الوجبات الغذائية الجاهزة للطلاب الوافدين وإسكانهم. وسيتم توفير الكتب الدراسية في مراحل متعاقبة. وفيما يلي أسماء القائمين على المدرسة، فمن رغب في التبرع لصالحها، فليرسله باسمه عن طريق البريد، وسيتمّ موافاته بسندات القبض المعدة لهذا الغرض، فقط.

       الحاج عابد حسين حفظه الله

       المولوي محمد قاسم حفظه الله

       المولوي مهتاب على حفظه الله

       المولوي ذوالفقارعلي حفظه الله

       المولوي فضل الرحمن حفظه الله

       المنشي فضل حق حفظه الله   

       شيخ نهال أحمد حفظه الله

العبد: فضل حق

المشرف على المدرسة العربية والفارسية

والرياضية، قصبة «ديوبند»

تحريراً في 19/محرم الحرام 1283هـ/1866م

       ولم يكن هؤلاء أعضاءَ المجلس الاستشاري فحسب، وإنما كانــوا هم في طليعــة بُناة الجامعـة، وكان الشيخ النانوتوي – رحمه الله – أول مشرف على هذه الجامعــة، والحـاج عابــد حسين – رحمه الله – أول مدير لها.

نجاح دارالعلوم المدهش:

       واجهت دارالعلوم/ ديوبند أيام نشأته الأولى كثيراً من العوز في الموارد والشحّ في الإمكانيات، فما كانت تملك مكاناً يليق بتدريس الطلاب، ولا كان يتوفر السكن الطلابي لها. ولكنها كانت تشعر بالغنى على عوزها و فقرها، وتتمتع بالقرار النفسي رغم ضيقها وشدتها. فما قامت قائمته حتى أخذت تخطوخطوات حثيثة نحو التقدم والرقي بصورة مدهشة، وبدأ يتوجه إليها – بجانب الطلاب من المناطق المجاور لها – طلبةُ العلم من أقصى البلاد أمثال «بنارس» و «بنجاب»، وحتى من خارج البلاد أمثال «أفغانستان». و لم تمضِ أيامٌ حتى تحـولت هذه المـدرسة الصغيرة إلى معهد يتلقى فيه الطلاب العلم ولهم فيه سكنى. وتم رفعُ أعداد المدرسين. وتقول التقاريرالسنوية المنشورة في نهاية العام ذاك:

       «لقد انقضى عام 1283هـ بخيرٍ وعافيةٍ – والحمد لله على ذلك – وهذا هوالعام المبارك الذي أنشئت فيه المدرسة العربية بـ«ديوبند»، ولقد شهدت المدرسة – خلال هذه المدة الوجيزة – تطوراً ورقياً لم يأملهما أحد، ولم يكن يتصور أحدٌ – في أول أمرها – أن هذا العدد الهائل من الطلاب سيتوجه إليها، وتتجمع هذه الكمية من التبرعات التي تنفق عليها. وكان الناس في شكٍ من توجه الطلاب الراغبين في تعلم العربية إليها فضلاً عن توفر التبرعات لصالح هذه المدرسة. ولكن لم يتم افتتاحها حتى نَسَلَ إليه الطلابُ – بمحض كرم الله ومنِّه – من كل صوبٍ وحدبٍ، من داخل البلاد وخارجها، حتى خُيِّلَ أنهم كانوا يتحينون نشأتها وقيامها. فلم يَفِد إليه طلابُ قصبات مديرية «سهارن فور» والمديريات والمناطق الغربية من الولاية فحسب، وإنما هُرعَ إليها طلابٌ من ولاية «بنجاب» و«كابل» و «بنارس» وغيرها. وكانت المدرسة تتكفل لهم الطعامَ والسكن، فانصرفوا وأكبُّوا على تحصيل العلم والمعرفة بكليتهم مطمئنين مرتاحين. ولاشك أن موقف سكان «ديوبند» ونواياهم الحسنة تستحق كل تقدير وتثمين، حيث أنشأوا هذه المدرسة – رغم عوزهم وفقرهم – احتساباً ورغبةً في الخير و الصلاح لأهل الهند لاغير، وتكفلوا نفقات الطلاب الوافدين، وقابلوهم بكل حفاوةٍ وتكريمٍ. كما قام المتبرعون لصالح المدرسة بتقديم تبرعاتهم مسبقاً لعام 1283هـ ، ويقومون بتقديمها للعام القادم بصدور رحبة وعن رضىً وطواعية، ولايزال في قلقٍ من لم يتمكن من تقديم مساعداته. وما أحقَّ بالشكر غيرسكان ديوبند، الذين لم يحملهم على المشاركة في التبرعات إلا ظناً منهم أنه عمل نافع و مفيد، كما قاموا بترغيب الناس في هذا العمل الخيري. وهذه المدرسة – رغم أنها تبدو في بلد معينٍ من الأرض و هو «ديوبند» إلا أن نفعها وفائدتها تعمُّ المناطقَ النائية والقاصية. فيجب على أهل الهند كلهم أن يمدوا يد العون والمساعدة لها. ويُرجى ممن سبق له أن شارك في التبرعات لصالحها – أن يبادر بتقديم تبرعاته لعام 1284هـ في أسرع وقتٍ ممكنٍ. ويحاول زيادة حجم المساعدات ما وسعه ذلك، نظراً إلى تكاثف نشاطاتها وتضاعف نفقاتها، ويدعو أصحابَه وأقاربَه إلى المساهمة في هذا العمل الخيري».

       وفيما يلي كشف إجمالي عن تطور نشاطات المدرسة ومواردها ونفقاتها، والشؤون التعليمية و الاختبارات، والجوائز التي توزع على الطلاب الفائزين في كل سنة لعام 1283هـ ، وذلك ليكون الناس على بصيرةٍ من أمرها، ويبعث ذلك في أصحاب الخير – الذين يقدمون مساعداتهم لصالحها – الفرحَ و السرورَ، ويكونوا على ثقةٍ بأن مساعداتهم تنفق في وجهها وتصرف في موضعها بكل أمانةٍ وحيطةٍ من غير إسراف أو تبذير؛ وكي يثير الرغبةَ في غيرهم نحو مد يد العون والمساعدة لها. فقد تلقت المدرسة العامَ الحالي من المساعدات ما يبلغ ست مئة وتسعًا وأربعين روبية هندية وربع روبية، وأنفق منها ما يبلغ 393 روبية هندية وثلثي روبية هنديةٍ وثلاث حبات على رواتب المدرسين و غيرها من حاجات المدرسة. و توفرت مئتان وخمس وخمسون روبية ونصف روبية في نهاية شهر ذي الحجة عام 1283هـ . ويرجع هذا التوفير إلى أن نفقة المدرسة كانت في بداية العام قليلة، حيث لم يتوظف فيها إلا مدرس واحـدٌ، ونائبان. ثم ارتفع عدد المدرسين، وتُقَدَّر نفقاتها الشهرية اليوم بخمسين روبيةً هنديةً. وتقدر نفقات العام القادم بما لايقلُّ عن سبع مئة روبيةٍ هنديةٍ.

       وبلغ عدد الطلاب في المدرسة في شهر محرم الحرام عام 1283هـ واحداً وعشرين طالباً، وارتفع هذا العدد إلى 78 طالباً في شهر ذي الحجة عام 1283هـ  بمن فيهم 58 طالباً وافداً. يتكفل سكان ديوبند طعام 52طالباً منهم، وتوفر المدرسة لستة منهم الوجبات الغذائية. وتنص التقارير السنويةُ لهذا العام الدراسي على ما يلي:

       «إن نشاطات المدرسة ومساعيها لَحَرِيَّةٌ بالتقدير والتثمين كل وقت. وهي ثمرة طيبة أثمرته مساعي المدرسين الطيبة. فإن بعض الطلبة الذين كانوا يقرأون كتاب «الميزان» – في الصرف – ارتقوا إلى مرحلة  كتاب «الكافية» – في النحو – بينما أوشك بعض متوسطي الكفاءة على التخرج منها».

       وإن المساعي التي يبذلها كل من الشيخ محمد يعقوب النانوتوي (1249-1302هــ/1884- 1884م) و المولوي محمد محمود – المدرسَين بالمدرسة – تستوجب منا الشكر والتقدير، فإن عنايتهم الكافية بهذه المدرسة مما زاد الطلاب عدداً وكفاءةً. كما قام غيرهم من المدرسين وهم المولوي محمد فاضل و المولوي ميرباز خان(2) والمولوي فتح محمد(3) و الحافظ أحمد حسن(4) بنشاطاتٍ مكثفةٍ في ذلك. وننوي رفع رواتب المدرسين عما هي عليه الآن شريطةَ أن يرتفع حجم التبرعات و المساعدات. ومن المرجو أن يهتمَّ أصحابُ الخير بتحقيق أمانينا هذه.

       وفي شهر شعبان عام 1283هـ قام كل من الشيخ الفاضل محمد قاسم النانوتوي (1248-1297هـ) والشيخ مهتاب علي (ت1293هـ/1876م) والشيخ ذوالفقار علي باختبارالطلاب بجدٍ ونشاطٍ. وعقدت حفلةُ التخرج التي حضرها وجهاءُ «ديوبند» الذين وزعوا – على حسابهم – الجوائز – وهي كتب تقدر قيمتها بـ27روبيةً هنديةً – على الطلاب باقتراح من الممتحنين(5).

خطوات تعليمية وإدارية:

       كانت المدرسة يوم أسست – تضم مدرساً واحداً وهو الملا محمد محمود. ثم ارتفع عدد الطلاب أثناء العام فتَمَّ تعيين أربعة مدرسين إضافيين للحاجة إليهم ممن سبق سرد أسمائهم. و وُكِلَت رئاسة التدريس إلى الشيخ محمد يعقوب النانوتوي الذي سبق أن تولى منصب المفتش المساعد في مصلحة التعليم في «أجمير» و«بنارس» و«سهارن فور» وغيرها من المدن.

       وتبنت «دار العلوم» منذ نشأتها – في إدارتها قاعدةَ «أمرهم شورى بينهم»، وقامت على أساس الشورى. فأنشئت هيئة تقوم بإدارة شؤونها سميت بـ«المجلس الاستشاري». وتضم النشرة – التي ظهرت عقب تأسيس «دارالعلوم» – أسماءَ أعضاء المجلس الاستشاري كلهم. وكان هذا المجلس الاستشاري – في أول أمره – يضم سبعة أعضاء، وهم كالتالي:

       الحاج عابد حسين (1250-1331هـ/1834- 1912م) والشيخ محمد قاسم النانوتوي (1248- 1297هـ) والشيخ مهتاب علي (ت 1293هـ/ 1876م)، والشيخ ذوالفقار علي، والمنشي فضل حق، والشيخ نهال أحمد رحمهم الله تعالى.

       وقرر المجلس الاستشاري تعيين الحاج عابد حسين – وهوعضو في المجلس الاستشاري – مديراً لدار العلوم، يقوم بشوؤنها المالية (الموارد والنفقات)، وإدارة الشؤون التعليمية. كما قرر المجلس تعيين الشيخ الحاج فضل حق رئيساً لها يقوم بالشؤون الإدارية.

الاختبار السنوي:

       حضرالاختبار السنوي للعام الأول من الجامعة 73طالباً من مجموع الطلاب البالغ عددهم 78طالباً. وقام باختبار الطلاب كلٌ من الشيخ محمد قاسم النانوتوي، والشيخ مهتاب علي (ت 1293هـ/ 1876م) والشيخ ذو الفقارعلي. فقاموا بتقديم نتائجها بالإضافة إلى انطباعاتهم التالية:

       «أمضينا أياماً في اختبار كافة الفئات، وحاولنا التشديد في الأسئلة الموجهة إلى الطلاب، وأفردنا درجات كل طالب في كل كتب الاختبار. وأمرُ المدرسة جدير بالثناء والتقدير في الغالب. ويؤكد الاختبار – تأكيداً شديداً – مساعي المدرسين وجهود الطلاب».

أحداث عام 1284هـ:

       ولم تدخل «دار العلوم» عامها الثاني من عمرها حتى تعرضت لحادثتين خيف منهما أن تذهب هذه الغرسة الناشئة ضحيةَ الأحداث قبل أن تترعرع وتنمو وتقوم على ساقها. ويرجع الحدث الأول إلى انتشار الأمراض والأوبئة التي لم تَدَع معظم الأساتذة والطلاب إلا أصابهم. وعاد بعضهم إلى أوطانهم، مما أدى إلى إيقاف نشاطات المدرسة لمدة شهرين.

       وبعد أن وَلَّت الأوبئة أدبارها عاد الأساتذة والطلبة – والحمد لله على ذلك – وبذلوا جهوداً مضنيةً وغيرعاديةٍ تداركت ما فاتهم من الدروس، وتمَّ إنهاء المقررات الدراسية في موعدها. ومما يبعث على الحيرة والعجب أن عدد الطلاب الوافدين ارتفع بشكل غيرعادي رغم انتشار الأوبئة و استفحال أمرها. حيث كان عدد الطلاب في العام الماضي 78طالباً، وارتفع هذا العدد إلى 120 طالباً في العام الجاري. كما تضاعف حجم التبرعات والمساعدات المالية ضعفين. فقد كان إجمالي التبرعات التي تلقتها يبلغ 649 روبيةً هنديةً، وارتفع هذا القدر في العام الجاري إلى1275روبيةً هنديةً.

       والحدث الثاني – الذي وصفته التقارير السنوية بـ«الأمرالعظيم» و«الفاجئة الفادحة» تمثل في عزم الحاج محمد عابد حسين على رحلة الحج. وتقول التقارير الدورية: «إن هذا الحدث كان يشكل زلزالاً شديداً بالنسبة للمدرسة، فلو تزعزع بنيان المدرسة لم يكن أمراً غريباً؛ إذ لم يكن في سكان «ديوبند» – فيما يبدو – من يقوم مقامه، ويتكفل المدرسة. ولكن كان الله تعالى يتولاها كما يقول المثل الفارسي: «إن الله تعالى هو من يهيئ الأسباب لمن يتوكل عليه وينيب إليه». فأُلقِيَ في روع بعض أعضاء المجلس الاستشاري من ذوي الكفاءة العالية والإخلاص لله تعالى – أن الشيخ رفيع الدين (ت 1308هـ/1890م) هو الأحرى بالقيام بهذه المسؤولية. فوُكِل إليه ذلك في أول شهر شعبان عام 1284هـ، واطمأن الناس على شؤون المدرسة كل الاطمئنان.

       وكانت رواتب المدرسين الذين تم تعيينهم في العام الماضي – ضيئلة جداً، وتم قطع الوعد لهم بالزيادة فيها إذا ما ارتفع حجم التبرعات والمساعدات التي تتلقاها المدرسة، وحيث تضاعف حجم المساعدات لصالحها في هذه السنة زيدت عشر روبيات في راتب رئيس هيئة التدريس وفقاً للوعد المقطوع له، كما ارتفع راتب «المعلم الثاني» من خمس عشر إلى عشرين روبية هندية، و وصلت رواتب النواب إلى ست روبيات هندية، في حين كان في الماضي ثلاث روبيات هندية.

*  *  *

الهوامش:

(1)        الملا محمود من سكان مدينة ديوبند، وفحول العلماء، كان يدرس بمدينة «ميروت» فبعثه الشيخ النانوتوي – رحمه الله – إلى ديوبند براتب شهري قدره خمس عشرة روبية هندية، وردَّ على الحاج عابد حين طلب منه القدوم إلى ديوبند قائلا: ابدأوا نشاطات المدرسة، ولاتنتظروا مقدمي، فإني من وارئكم أسعى لها. (الرضوي)

(2)        هوالشيخ ميربازخان التهانوي(1258-1325هـ/1842- 1907م) من مواليد «مظفر نغر»، تلقى العلم عن كل من الشيخ محمد بن أحمد الله التهانوي والشيخ مظهرالنانوتوي، التحق بدارالعلوم عام 1283هـ، شغل منصب رئيس هيئة التدريس مرتين في جامعة مظاهرعلوم سهارن فور، وسيأتي ترجمته مفصلة في المجلد الثاني من هذا الكتاب(تاريخ دارالعلوم/ديوبند 2/24) راجع أيضاً: نــزهــة الخواطر(2/2876) وسماه: أمير باز السهارن فوري.

(3)        هو الشيخ فتح محمد (ت 1296/1878م) من مواليد «تهانه بهون»، تلقى دراسته في جامعة دارالعلوم /ديوبند، رزِقَ حظاً وافراً من العلوم والمعــارف، وكان من حرصه على العلم والاستفادة من أهله أنه لم يسمع عالماً من العلماء في مكان إلا مشى إليه على قدميه. له ترجمة وافية ستأتي بإذن الله في 2/26من تاريخ دارالعلوم /ديوبند. 

(4)        هوالعالم الفقيه أحمد بن حسن بن أكبرحسين الحسيني الحنفي الأمروهوي (ت1330هـ/1911م): أحد العلماء المشهورين بسعة التقرير والتبحر في الكلام، ولد ونشأ ببلدة «أمروهه»، واشتغل بالعلم أياماً في بلدته، ثم سافر إلى «ديو بند» ولازم الإمام محمد قاسم بن أسد علي النانوتوي وأخذ عنه، وأخذ عن غيره من العلماء أيضاً، وفاق أقرانه في كثيرمن العلوم والفنون، و أسند الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري والشيخ عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الباني بتي وغيرهم وكان حسن الصورة حلو الكلام، مليح الشمائل قوي العمل، كثير الدرس والإفادة. وستأتي ترجمته مفصلة في 2/39 من تاريخ دارالعلوم/ديوبند. راجع أيضاً: نزهة الخواطر2/2833.

(5)        هذه التفاصيل مستقاة من التقريرالسنوي للعام الأول من نشأة الجامعة 1283هـ ص1- 3. وفيما يخص أوضاع المدرسة تمت الاستعانة بالسجلات الغيرالمطبوعة في أرشيف الجامعة بالإضافة إلى التقارير الدورية الصادرة عنها. وتتوزع التقارير السنوية الصادرة عن الجامعة على ثلاثة أقسام: القسم الأول يضم الأوضاع والأحوال التي مرت بالجامعة في السنة الجارية. والقسم الثاني يضم كشوفات عن موارد المدرسة ونفقاتها بالإضافة إلى فهرس لأسماء المتبرعين لصالحها، والأساتذة الذين يعملون بها. والقسم الثالث يحتوي على نتائج الاختبارات السنوية للطلاب.

             وفيما يخص شؤون المدرسة السنوية رجعتُ إلى القسم الأول من التقارير الدورية، وألحقت الكشوفات بالأخير فيما عدا ذلك من شؤونها  مما يكشف تفاصيل الموراد والنفقات السنوية، ومصروفات البناء، وأعداد الأساتذة والعاملين فيها وغيرهم. وقد أشرت إلى المصادر – غيرهذه التقارير – في موضعها. (الرضوي)

*  *  *

*  *


(*)   الأستاذ بالجامعة   Email: almubarakpuri@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، محرم – صفر 1435 هـ = نوفمبر – ديسمبر 2013م ، العدد : 1-2 ، السنة : 38

Related Posts