دراسات إسلامية
بقلم: محمد نوشاد عالم القاسمي(*)
لقد ازداد في العصر الراهن اغتصاب المرأة و انتهاك الحرمات، والتحرش الجنسي في كل مكان: في الشوارع والحدائق، في المواقف والمحطات، في المدارس والجامعات، حتى في القطروالحافلات، فضلاً عن الأمكنة الخالية، وفي ضوء النهار، فضلاً عن هدءات الليل ووحشات الظلام، وملأ الجو بالفتن المتنوعة المتجددة، وقداشتدت النداءات والهتافات، والتنديدات والاستنكارات ضد اغتصاب المرأة و انتهاك حرمتها، واشتدت مطالبة الناس في شتى البلاد، وفي أنحاء العالم كله، خاصة في شبه القارة الهندية، بأن توضع القوانين الشديدة لصيانة المرأة و حفظها.
ولا شك أن التحرش الجنسي، واغتصاب المرأة يولد في المغتصبة اضطراباً عميقاً، يمكن أن يستمر مدى العمر، ويخرب حياتها، و يعطل مسيرتها، ويقضي على مستقبلها، وإن فعلة الاغتصاب تمس أفراد المجتمع كافة دون استثناء، وهي بمثابة المساس بالدين، والأخلاق، والتقاليد العامة في المجتمع، وعلى عاتق المجتمع مسؤولية كبيرة في التطهير لكثير من الظواهر السلبية.
ولكن هل المسؤول عن ذلك الرجال وحدهم،أو النظام و حده، أو الدولة وحدها، وليست المرأة مسؤولة؟ هل فكر أحد ما هي أسبابه؟ وما هي مسئولية المـرأة تجاه نفسها؟ هل المرأة حريصة على صيانة نفسهامن تربص أعدائها؟ وهل تبذل جهدًا في الاحتراس مما يثير الآخرين نحوها؟ وهل هي تسلك مسلك الفرارمن مكر الأشرار وحيلهم؟ وهل هي تجتنب الوقوعَ في أيدي الشياطين، وفي وسائلهم المخربة الهدامة؟ وهل هي تنتهج غير ما نراه في وسائل الإعلام من دور كبير في تحريك الشهوات، والمشاعر والعواطف والغرائر، بالإضافة إلى دورها بنقل بعض المفاهيم والقيم والعادات التي لاتتناسب مع المعايير العامة لمجتمعنا؟ وهل تنائ بنفسها عن الولوج في ما نشاهده من الإعلام المدمر من مظاهر الفتن والفساد، والتحلل الأخلاقي سواء كانت مرئية أو مقروءة أو مسموعة، بل هي تصبح في أيديهم كلعبة ودمية، يلعبون بها ويديرونها كيف يشاؤون، فتلبس ملابس خليعة، قصيرة، ضيقة، رقيقة، غير محتشمة، غير ساترة، ماسكة الجسم بحيث تصف الجسم لضيقها ورقيقتها، وتظهر إدلالها بلبس النعال المرتفعة، وقد ازداد استعمال الباروكة واستخدام المكياج، والتجمل بكل نوع من مستحضرات التجميل، والتطيب بعطور قوية الرائحة عند ما تريد الخروج من البيت، وتقص شعرها إلى الكتف وإلى الأذن، حتى يصبح كشعر الرجال وتتركه مكشوفًا كالمظلة، لتلفت نظرالمشاهدين والمتفرجين والمارين، ولقد كثر فيهن الميل في الحياة الأصلية، والأسرية إلى تقليد عارضات الأزياء، والموضات، والممثلات والفنانات، والراقصات المهنية – اللاتي يستغلهن أهل صناعات الأزياء والموضات، وأدوات التجميل والمكياج للإغراء والإثارة في تسويق هذه الأشياء، في أساليب غير أخلاقية، حتى لاتكون على أجسامهن إلاخرق متوزعة على شتى أعضائهن – كي ترى مثل نجمة، أو ملكة جمال العالم، و ملكة جمال الكون، وتظهر جسدها الممشوق حينما تخرج من البيت، خاصة في محافل ونواد، ومناسبات؛ فإنه يثير مشاعر الرجال، ويؤجج الشهوات لدى الشباب، وتوفر بيئة غير شريفة ومرتعًا خصبًا لذوي القلوب الضعيفة.
فمن مسؤليتها:
1- الاجتناب عن التبرج، والسفور، والانفتاح الثقافي، حتى لا تصيرفريسة سائغة لأحد من الرجال.
والقرار في البيت إلا لحاجة ماسة، والعناية بلبس الملابس الفضفاضة، الساترة المحتشمة، خاصة حينما تذهب إلى الخارج، والارتداء برداء الاحتشام، والتحلي بالحياء، حتى ولولم ينظر إليها إنسان، ولاتكشف إلا ما جرت العادة بكشفه ودعت له الحاجة، والاجتناب عن مصافحة الرجال الأجانب.
2- تحصين نفسها علمياً وفكرياً وعملياً، واحترام نفسها، ومعرفة قدرها ومنزلتها في المجتمع، والشعور بأنها بنت لأب، وأخت لأخ، وأم لابن، وأن لأقاربها عليها حقاً، وعزهم وشرفهم مكنون في ذاتها، والإلمام بأنها ليست سلعة رخيصة ينالها كل عابث.
3- أن تبتعد عن القيام بالإعلان والتسويق للترويج للسلع التجارية، التي يستغل أهل صناعتها أنوثتها بصورة متبذلة، مخلة بالآداب الإنسانية، وأن لاتعرض نفسها عبر وسائل الترويج التجاري كسلعة.
4- أن تتخذ المحاذير لكي لاتقع في كارثة الاغتصاب:
منها وجودها بمفردها، خاصة في الليل، أو وجودها بمفردها حتى في المنزل مع شخص، حتى ولو كان من الأقرباء.
ومنها الانخراط في سلك الزواج في عمر مبكر، وتسهيل الزواج بتقليل التكلفات.
5- أن تبذل قصارى جهدها في بناء مجتمع صالح، سليم نزيه، مثقف محتشم، تحكمه الآداب السامية، والأخلاق الفاضلة، والقيم العائلية النبيلة، ويمتلأ بالأخوة والمودة، والتحالف والتناصر؛ لأنها عامل مهم أساسي من عوامل الإصلاح والتثقيف، ومن المعلوم أن الجرائم لا تحدث إلا في المجتمعات المنحلة، المدعية للتحضر والرقي العاري عن القيم والمثل.
6- مسؤولية المرأة تجاه كيد أعدائها
منذ أن بعث محمد – صلى الله عليه وسلم – وأعداء الإسلام من اليهود، والنصارى، وسائر الكفار يكيدون للإسلام وأهله، ويبذلون في ذلك جميع قدراتهم وإمكاناتهم ومكرهم وحيلهم، لا يألون في هذا العداء جهدًا إلا بذلوه، ولا سبيلاً إلا سلكوه. ويقود هذا الكيد شياطين الإنس والجن، واتخذوا في ذلك جهات عديدة، فتارةً يركزون على الغزو العسكري، وأخرى على غزو الفكر والثقافة وإشاعة الشبهات على هذا الدين، وأخرى يركزون على إفساد مناطق التأثير في الأمة على الطفل والمرأة، مستغلين الإعلام والتعليم والثقافة وغيرها.
وفي هذا الزمان، ابتداء من بداية القرن الماضي، ركزوا تركيزًا غير عادي على المرأة المسلمة باسم تحريرها، أو مساواتها مع الرجل، أو التباكي على حقوقها.
فمن مسؤليتها أيضاً ما سوى المذكورة أعلاه:
أ- تحصين نفسها علمياً وفكرياً وعملياً.
ومن مقررات هذا التحصين ما ذكر في مسؤوليتها عن نفسها، ويركز هنا على قضية التعلم، والقراءة، والتثقف بالثقافة الإسلامية العامة، ومعرفة أسرار التشريع، مع قوة الإيمان به – سبحانه-؛ لأنه لم يشرع أمراً إلا لحكمة فيها مصلحة الخلق.
ب- العلم بأن هناك أعداءً يتربصون بها الدوائر من يهود، ونصارى، ومنافقين وعلمانيين، وقد يكونون من بني جلدتنا ودرسوا في مدارسنا، لكن أرادوا الضلالة بعد الهدى، فضلوا وأضلوا! والإنسان أول ما يحذر من مأمنه؛ لئلا يلدغ منه، كماقيل: «يؤتي الحذرمن مأمنه»، فهؤلاء يظهرون للمرأة المسلمة بمظهر المصلح الباكي المتباكي على مصلحتها وحقوقها، ولكنه تحت أثوابه ضبع ماكريريد أن يفتك بهذه المسكينة فيرديها المهالك، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
ج- ويتبع ذلك التعرف على وسائل هؤلاء الأعداء ومخططاتهم ومطالبهم وأهدافهم ومقاصدهم (عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه)، ومعرفة تلك الوسائل تفيد في مزيد من التحصين والحذر.
د- مجابهة هذاالغزوبكل ماتملك من وسائل، وعلى حسب كل امرأة، سواء كانت طالبة، أومعلمة، أو مربية؛ لأنه من أخطر، وأشد الموضوعات.
هـ- الشعور بالمسؤولية أمام الله: أن تشعر بمسؤوليتها أمام الله، وأن تشعر بمسؤوليتها عن بيتها وأمتها. كون هذه المسؤولية أمام الله يحملها على مضاعفة الجهد، والبعد عن التقصير؛ لأن الله – تبارك وتعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وهذا يقتضي منها أن تنبذ اللامبالاة، والاقتصار على الاهتمام بشؤونها الخاصة، كما تفعل كثيرمن السيدات المثقفات في هذه الأيام، ويقتضي منها أن تتحمل قسطًا من أعباء الإصلاح والبناء. وإذا كانت الحياة الإنسانية لا يمكن أن تقوم ولا أن تستمر إلاَّ بالمرأة، فطبيعي أن تشارك المرأة في كل ما يتصل بهذه الحياة.
ومنها أمور عدة تتصل برفعها من مستواها، وإعدادها للقيام بمهمة الإصلاح ونذكرمنها:
1- أن تزداد صلتها بكتاب الله – تبارك وتعالى – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – فكتاب الله هو الهدى والنور، وهوالحبل المتين، من تمسك به أفلح، وهُدِيَ إلى صراط مستقيم، وحيزت له السعادة الدنيوية والأخروية، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي البيان الشافي والمنهج الواضح. فما يليق بالمرأة المثقفة المسلمة أن تشغلها شؤون الحياة المتشعبة عن الرجوع إلى هذين المصدرين والتزود من معينهما.. نعم لا يليق أن يمر يوم دون أن تخصص وقتًا للاتصال بكتاب الله وسنة رسوله تلاوةً وتدبرًا ووعيًا. وينبغي أن تنتقل هذه الصلة الوثيقة بصاحبتها إلى ميدان التطبيق والالتزام، فتعنى بأن تكون حياتها ترجمة حية ناطقة لما جاء فيها، وتعنى بروحها وعبادتها الواجبة والمستحبة، فاليقظة الفكرية والتألق الروحي وسيلتان رائعتان تمكنان الراغبة في الدعوة من النجاح والعمل الجاد البناء.
2- ومنها أن تنمو ثقافيًّا عن طريق المطالعة والاستزادة من المعرفة، فذلك ينأى بها عن الإسفاف الذي تنحدرإليه كثيرات ممَّن ودَّعن القراءة والاطلاع بعد أن حملن الشهادات العالية.
3- ومنها أن تلزم نفسها بتهيئة الوسط الصالح الذي تحيا فيه، وتتعاون معه على الخير، وتتبادل معه النصح، وألاَّ تكون صلاتها إلاَّ بمن يعينها على مهمتها الجليلة مهمة الإصلاح والبناء، وقد أمر الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – بذلك فقال عز من قائل: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَــدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَاقَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَاوَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ [الكهف:28].
4-ومنهاأن تقوم بعملية مزدوجة بينها وبين نفسها، هذه العملية ترتكزعلى عنصرين:
أولها: تقويم عملها دائمًا بموضوعية محايدة، ونقدٌ ذاتيٌّ لتصرفاتها وتناقش هذه التصرفات، كما لوكانت من امرأةغريبة.
وثانيها: التخطيط للخروج من الوضع الحالي إلى الوضع الأمثل بناءً على التجربة التي عانتها وانتقدتها.
إن ما سبق ذكره يُعدُّ المرأة المثقفة المسلمة للقيام بواجبها الذي نجد له مجالين هما: (أ) البيت (ب)المجتمع.
(أ) البيت قلعة حصينة:
أما البيت فإنه القلعة الحصينة التي ما يزال أعداء الإسلام يوجهون نحوها سهامهم، يريدون أن يمحوا كل أثرالإسلام عنه، ولم يستطيعوا حتى الآن اقتحامه والسيطرة عليه بصورة عامة، ولكنهم مع الأسف استطاعوا أن يتسللوا إلى بعض أعضائه عن طريق مناهج التعليم و وسائل الإعلام، وهم سائرون في عملهم التخريبي بمكر، ماضون فيه بتخطيط، وبمقدار غياب الوعي عن هذا البيت يستطيع هؤلاء الأعداء أن يحققوا أغراضهم بيسر وسهولة. والمرأة في البيت هي الدعامة الرئيسية، وواجبها صيانة بيتها من وسائل الأعداء المدمرة، والمحافظة على أن يستمر البيت بأداء مهمته الخالدة في تنشئة أبناء هذه الأمة على الإسلام وموالاته.
وهي- إن كانت مثقفة- تستطيع أن تجعل منه منطلقًا لتخريج الأبطال، وقدعرفنا- فيما يقصه علينا التاريخ من أنباء- عمالقةً كان للبيت المسلم تأثير كبيرعليهم، ونستطيع أن نضرب مثلاً على ذلك: ابن تيمية الذي كان لبيته الفاضل أثر واضح في تنشئته على العلم والجهد والصلاح والإصلاح، وغيره كثير.
وعرفنا في العصرالحاضرعددًا من رواد الإصلاح والدعوة الإسلامية كان للبيت المسلم أكبر الأثر في تكوينهم.
وهي- إن كانت مثقفة مخلصة حكيمة- تستطيع أن تحمي أولادها وزوجها من الانحراف، بل إنها-إن كانت قويةالشخصية- لتستطيع أن تصلح من أوضاع إخوتها ووالديها، وتحملهم جميعًا على جادة الإسلام.
(ب) تنشئة الجيل المجاهد لا المترف:
إن الجيل الحاضرجيل مترف مترهل أفسدته وسائل الراحة والرفاهية، وعوامل التسلية والمتعة، حتى غدا بعيدًا عن الرجولة والاستقامة والصواب، إن هذا الجيل لايستطيع أن يستعيد الأرض ولا أن يزيل العار.
وحلُّ قضية الإسلام والسياسية، لا يمكن أن يحققه إلاجيل مؤمن مجاهد.
وهذه مهمة المسلمة الواعية في البيت المسلم، وقد حدثنا القرآن عن نساء فضليات كان لهنَّ الأثر العظيم، من أمثال «مريم»، وأم موسى، وملكة سبأ، وامرأة «فرعون» وقد حفل تاريخنا بالعدد الوافر من هؤلاء النساء على مرالعصور من أمثال خديجة وعائشة وأم سلمة… وكثيرات.
إن سلامة البيت الذي يستقبل الوليد، تضمن له السلامة النفسية والعقلية والصحية، وتغرس فيه القيم الأصيلة التي نحتاج إليها في حياتنا عامةً وفي معركتنا خاصةً.
فإلى هذه المهمة العظمىٰ أيتها الأخت الكريمة وأسأل الله أن يسدد خطاك على طريق الحق.
* * *
(*) أستاذ للحديث في الجامعة الإسلامية، شانتابورم، كيرالا.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1435 هـ = نوفمبر – ديسمبر 2013م ، العدد : 1-2 ، السنة : 38