الفكر الإسلامي
بقلم : أ. د: عبد المعبود عمارة/ جمهورية مصر العربية
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: آية 183.
ويقول سبحانه: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: آية 184.
والطب الحديث يعتبر الصيام جزءًا لايتجزأ من العلاج العضوي الوقائي لكثير من الأمراض، وهو ضروري للجسم كالماء والهواء، ولاشك أن الإنسان الذي يحرص على إقامة هذا الركن الإسلامي يجد نفسه بعد شهر الصيام وقد تخلص من بعض الظواهر التي تؤدي إلى كثير من الأمراض كالسمنة وزيادة الوزن.
والصوم علاج روحي أيضًا فهو يجعل الإنسان يشعر بما يشعر به المحرومون – من نعم الطعام والشراب – فتزكو نفسه وتطهر روحه بإطعام الطعام للمحتاجين والفقراء والمساكين ويدخل فيمن قال الله فيهم: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ الإنسان: الآيات8-11.
ومنه أن الصائم يشعر بالظلم الذي يقع على البشر المحرومين من أدنى حقوق الحياة وهو الطعام في الكثير من بقاع الأرض فيحاول أن يمد لهم يد العون والمساعدة.
إن الصوم يجعل الصائم في روضة عظيمة وينصرف الجسد عن النزوات والعواطف المدمرة كالحقد والحسد والغيرة وحب التسلط، ويشعر الإنسان بروح الاتحاد والتجاوب مع الناس.
وظهور الوحدة الإسلامية حيث إن المسلمين في بقاع الأرض على قلب واحد صدر نداؤه من السماء فاستجاب له أهل الأرض جميعا من المؤمنين.
الأمراض التي يساعد الصوم في علاجها أو الوقاية منها:
1 – مرض ضغط الدم المرتفع وتصلب الشرايين وزيادة نسبة دهون الدم والكوليسترول وأمراض القلب وخاصة الشرايين التاجية:
والكوليسترول هو المادة التي تترسب على جدران شرايين الجسم وتؤدي إلى تصلبها وتسبب تجلط الدم في شرايين القلب والمخ والأعضاء الأخرى كشبكية العين وشرايين الكلي وتؤدي – لا قدر الله – إلى الذبحة الصدرية والشلل والعمى والفشل الكلوي.
2 – مرض السكر:
هو مرض من أمراض الغدد الصماء حيث لا يستطيع البنكرياس أن يفرز مادة الأنسولين التي تقوم بالتمثيل الغذائي للمواد النشوية، وهذا المرض يؤدي إلى زيادة مستوى الجلوكوز في الدم وفي نفس الوقت لا يستطيع الجلوكوز تغذية الخلايا والأعضاء الجسدية إلا في وجود الأنسولين الذي يحول السكر إلى مواد نشوية صالحة للتخزين في الأنسجة.
وبهذا تجد مريض السكر ينقص وزنه ويظهر عليه الهزال ويشكو من كثرة التبول والعطش إذا لم يعالج، وبتحليل الجلوكوز في الدم يكون مرتفع المستوى.
والآن توجد مراكز لعلاج مرض السكر بالصيام لفترات محدودة ثم يتبعها غذاء خفيف لمدة معينة مما يساعد في تنشيط غدة البنكرياس ويسمى هذا بنظام «العلاج بالنظام الغذائي لمرضى السكر» أو الصوم.
3 – أمراض السمنة:
إن السمنة وزيادة الوزن من أشد أعداء سلامة البدن، والسمنة ترتبط في معظم الأحيان بالأكل والشراب المفرط.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع»، وأن المعدة بيت الداء؛ وأنه «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه».
والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وهذه التعاليم للوقاية من أمراض السمنة التي تؤدي إلى أمراض المفاصل وأمراض الضغط والسكر وزيادة دهون الدم وأخطار العمليات الجراحية ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ البقرة: آية185.
والذين يصومون شهر رمضان ثم يصومون ثلاثة أيام من كل شهر يكونون قد أخذوا بنظام الوقاية من أخطار السمنة وأمراضها.
والصوم راحة للجهاز الهضمي والكبد والبنكر ياس والمعدة ويجدد نشاطها ويريح القولون من ظاهرة القولون العصبي والانتفاخات والتهابات المعدة المزمنة؛ كما يعمل على راحة الجهاز البولي.
4– أمراض الجلد ومرض النقرس:
إن الصيام يقلل من حدة الأمراض الجلدية مثل الصدفية والحساسية الجلدية؛ كما يحد من مشاكل البشرة الدهنية؛ ويقلل التخمر الذي يسبب بعض الدمامل والبثور الجلدية.
كما يقلل الصيام من مستوى حمض البوليك في الدم الذي يسبب مرض «النقرس» أو «داء الملوك» الذي يزيد من آلام المفاصل؛ وهذا المرض سببه الرئيسي كثرة التهام البروتينات.
5 – أمراض المفاصل:
ترجع أمراض المفاصل في معظمها إلى زيادة الوزن وكثرة التهام الطعام حيث تتورم الأجزاء المصابة وقد تتوقف عن الحركة مع وجود آلام شديدة، وقد تحدث تشوها في اليدين والقدمين، والعلاج هو الأخذ بالأسلوب الوقائي الإسلامي وهو الصوم ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: آية 184.
وكثير من الناس يسيئون إلى أنفسهم بسبب شهيتهم الزائدة إلى الطعام والشراب ونسوا أن الإسلام حرم الإسراف في الطعام والشراب حيث قال: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف: آية 31.
الصوم والأمراض النفسية:
الصوم يكبح جماح النفس ويؤدي إلى ترك الرفث والفسوق والجدال؛ كما يؤدي الصوم إلى القرب من الله سبحانه وضبط السلوك الإنساني وقد ثبت إحصائيا انخفاض نسبة الجرائم في شهر رمضان.. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم» حديث متفق عليه.
والصوم مع عمل الخير وصلة الرحم وإطعام الطعام وعيادة المريض والعطف على الفقراء والمساكين يساعد على شفاء الأمراض لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة»، وفي كل ذلك شفاء للنفوس قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ الشمس: الآيتان 9، 10.
إن الصائم يشعر بالسكينة وطمأنينة القلب وانشراح الصدر والرضا وهذا يؤدي إلى شفاء وتحسن العديد من الاضطرابات الأمراض والقلق وهواجس النفس مثل الخوف؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «الصوم جُنة» أي وقاية.
وقد أمر صلى الله عليه وسلم من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وجاء لهذه الشهوة.
وبعد: فنحن أمام شعيرة عظيمة وركن من أركان الإسلام فيه من الفوائد الدينية والدنيوية مالا يحصى ولا يعد حيث جعل الله تعالى الصوم له وهو سبحانه يجزي به.
وهذا الركن لا يمكن أن ينافق فيه الصائم فهو سرٌّ بين العبد وربه يعلم الصبر والاخلاص والدقة في العمل؛ ويعلم النظام والأخذ بروح الجماعة والاتحاد وترك الحسد والحقد والجدل.
وأما من الناحية الصحية فهو يعالج ضغط الدم والسكر وأمراض الشرايين، والقلب ويجدد نشاط الجهاز الهضمي ويقي من السمنة، وأمراض المفاصل وداء الملوك «النقرس» ويعالج الكثير من الأمراض النفسية.
وأخيرًا .. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وزكاتنا وأن يتجاوز عن سيئاتنا إنه سميع مجيب.
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1434 هـ = يوليو – سبتمبر 2013م ، العدد : 9-10 ، السنة : 37