دراسات إسلامية
بقلم : حكيم الأمة الشيخ أشرف علي التهانوي المتوفى 1362هـ / 1943م
تعريب : الأستاذ محمد ساجد القاسمي / أستاذ بالجامعة
(4) «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنـٰـت يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (إلى قوله) وَلاَ يَضْرِبْنَ بأَرْجُلِهِنَّ لِيُبْدِيْنَ مَا يُخْفِيْنَ مِن زِينَتِهِنَّ» (1) .
هذه الآية تُنصُّ نصًّا صريحًا على ستر المحاسن والمفاتن ، الذي هو عبارة عن الحجاب . وأما قوله تعالى : «إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا» فالمراد به الوجه والكفّان، كما ورد في الحديث(2) ، و موقع هذا الاستثناء هو الضرورة ؛ فالضرورة تُسَهِّل الحكم وتُسَوِّغ العمل بالرخصة بدل العزيمة انطلاقًا من المبدأ الثاني من المبادئ المقررة . والحكم الأصلي هو الحجاب الكامل مما يدل عليه ما قبل «إلاَّ ما ظَهَرَ منْها» وما بعده إذا تأمَّلنا فيه . فقد أمر – فيما قبل – بغض البصر وحفظ الفروج ، مما يدل دلالةً واضحةً على أنَّ العلَّة الأساسية في الحجاب هو مكافحة فتنة الشهوة ، فأمر بستر الوجه والرأس بالخمار ، حيث قال : «وَاضْرِبْنَ بِخُمُرهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ» ومن البديهي أنَّ الوجه الذي هو مجمع المحاسن أشدُّ إثارةً للفتنة وأدعى إلى الميل إليه من العنق والرأس ؛ فلما أمر بستر الذي أضعف وأخف في إثارة الفتنة أمرًا مؤكَّدا فما ظنُّك بالوجه الذي هو أقوى في إثارة الفتنة .
على كلِّ حالٍ فاتحاد العلَّة تؤكِّد اتحاد المعلول، إن لم يكن بالمــرتبة الأولى فعلى الأقل بالمرتبة المساوية ، مما يؤكد أن الحكم الأصلي هو الحجاب الكامل فيحثما لاتدعو الضرورة أو تُخْشَى الفتنة لأجل الشباب ، سواء كانت فتنة الإبصار أو فتنة الفروج وجب العمل بالحكم الأصلي .
وهكذا نهى – فيما بعدُ – عن الضرب بالأرجل وعلَّله بإخفاء الزينة ، وبديهي أنّ فتنة صوت الحلي أكبر بمراتٍ من فتنة الوجه ، فلما أمِرَ بمكافحة الأولى فكيف لايؤمر بمكافحة الثانية . فثبت مما أسلفت أنَّ الحجاب الكامل واجب .
(5) وَالقَواعِدُ مِنَ النِّسَآءِ اللاَّتى لاَيَرْجُوْنَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِيْنَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ (3).
والمراد بالثياب في الآية زوائد الثياب التي يُسْتَر بها الوجه والكفان ؛ لأنَّ ستر الجسم كله ماعدا الوجه والكفين يجب على كل شابة وعجوز، فقد اشترط في الآية «غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بزِيْنَة» والزينة تعُمُّ الجسم كله ، واستُثْنِيَ منه الوجهُ والكفان بقوله: «إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْها» كما مر في الآية السابقة، وهي تُفسِّر هذه الآية . ولما كانت الشوابُّ والعجائز يستوين في وجوب ستر أجسامهن فلا يكون المراد بزوائد الثيابِ الثيابَ التي يُسْتَر بها الجسم ، وإنما المراد بها الثياب التي يُسْتَر بها الوجه والكفان . ثمَّ اخْتُصَّت القواعد من النساء ، بوضع ثيابهن أي كشف الوجه والكفين . وأما غير القواعد من الشوابِّ والكهلات اللاتي يَصْلُحنَ للنكاح فلا يجوز لهن وضع الثياب أي كشف الوجه والكفين إلا عند الضرورة . فقد عُلِمَ منه وجوب ستر الوجه والكفين . ولما كان سترهما واجبًا لغيره فقد ارتفع في شأن القواعد ، فأوذِنّ بكشف الوجه والكفين ، إلا أنه قيل لهن : «أن يَّسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لهنَّ» مما يؤكِّد أنَّ هذا الإذن هو الرخصة ، والعزيمة والحكم الأصلي هو وجوب الستر . ولما كان العمل بالعزيمة أفضل أفادت الآية بخيرية الاستعفاف الذي يعمل به معظم النساء المسلمات في بلادنا عن رضا وطواعية .
وخلاصة ما في هذه الآيات من الأحكام أنه أُذِنَ للذين لم يبلغوا الحُلُم والعَبِيْد الخَدَمَة أن يدخلوا البيوت دونما استيذان من أهلها إلا في فترات ثلاث، ينكشف فيها الجسم غالبًا ، وهي قبل صلاة الفجر وفي الظهيرة وبعد صلاة العشاء ، وأما البالغون الأحرار فوجب عليهم الاستيذان دائمًا. وعند هذا الاستيذان فُرِّق بين الشوابِّ والعجائز في كشف الوجه والكفين .
(6) لاتُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أن يَّاتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ط تِلْكَ حُدُوْدُ الله ط ومن يَتَعَدَّ حُدُوْدَ اللهِ فقد ظَلَمَ نَفْسَه.(4)
في هذه الآية أُمِرَت المطلَّقات بأن يُحْبَسْن في البيوت ويَحْبِسْن أنفسهن فيها . وإنَّ هذا الحبسَ ليس عقابًا للطَّلاق ؛ لأنه إن كان الطلاق أمرًا مكروهًا في شكلٍ من الأشكال فمقارفه الزوج لا المرأة فتُعَاقَبَ بالحبس . على هذا فيلزم القول بأنَّ طبيعة المرأة تقتضي أن تَقِرَّ في البيت ، وطبيعتها هذه كانت قبل الطلاق ، إلا أنَّ الطلاق له تأثير ليس على وجوب الحجاب بل على التشديد في الحجاب ؛ وذلك أنَّ المرأة كانت تحت رجل قبل الطلاق ، مما كان يقطع طمع الطامعين فيها إلى حدٍّما . وأما الآن فلخروجها من تحت الرجل أصبحت موضع طمع الطامعين ، فمسَّت الحاجة إلى الاحتفاظ بها ؛ فالضرورات التي كانت تُسَوِّغ لها الخروج قبل الطلاق يُشَدَّدُ فيها ولا تكفي للجواز بالخروج . أما الخروج بعد انقضاء العدَّة ، وطمع الطامعين فيها أقوى ، فلأمرين : الأول : أنه يمكن الآن تدارك الطمع بالنكاح ، بخلاف العدة فالنكاح فيها حرام . والثاني أنَّه ليس لها من يكفلها فسُمِحَت بالخروج مراعاةً لضرورتها . وأما الآن فنفقتها على الزوج فلا حاجة إلى مراعاة الضرورة .
وقد أكَّد الله هذا الحكم حيث عدَّه من حدوده وهدَّدَ من يتعدى حدوده . وفي تفسير عُدَّ الخروج من قِلَّة الحياء ، إذا كان الاستثناء يتعلق بـ«لايخرجن» فذلك يزيد هذا الحكم تأكيدًا ، وعلى تفسير آخر الاستثناء يتعلق بـ«لا تُخْرِجُوْهُنَّ» ومعناه أنَّهنَّ لا يُخْرجْنَ إلا إقامةً للحدود ، وفيه أيضًا نوع من التأكيد أي أنهنَّ لا يُخْرَجْنَ من البيت إلا لضرورة شرعية . وهي ضرورة أكيدة ، فهن يُحْبَسْنَ في البيوت إلا أن تدعو الضرورة الشرعيّة الأكيدة فَيُخْرَجْنَ منها .
(7) واللاّتِي يَأْتِيْنَ الفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أربعةً مِنْكُمْ فإنْ شَهِدُوْا فَأمْسِكُوْهُنَّ فِيْ البيُوتِ حَتّى يَتَوَفـٰـهُنَّ الموتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيْلاً.(5)
نزلت هذه الآية قبل تشريع حد الزنا ؛ فأمرهم الله بإمساكهن في البيوت شأنَهن من قبل حتى يأتي أمر منه ، فلفظة «الإمساك» تُفِيْدُ بأنهن كنَّ في البيوت من ذي قبل ، مما يؤكِّدُ أنَّ طبيعة النساء تقتضي أن يبقين في البيوت ، وقد أمرهم الله بالإمساك في البيوت ؛ لأنه كان من المحتمل أن يخرجوهن من البيوت إذا أتين فاحشة مدفوعين بالغضب والغيرة ، فلما تمَّ تشريع حدِّ الزنا علموا أنهن يُخْرَجْنَ إقامةً للحد .
الحجاب في ضوء الأحاديث النبوية :
(1) عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال : المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان.(6)
هذا الحديث الشريف يَنُصُّ نصًّا صريحًا على أن تبقى المرأة قابعةً في بيتها ؛ فإنَّ خروجها من البيت مدعاة إلى الفتنة الشيطانية .
(2) عن أم سلمة أنها كانت هي عند رسول الله ﷺ وميمونة ، إذ أقبل ابن أم مكتوم ، فدخل عليه، فقال رسول الله ﷺ : احتجبا منه . فقلت : يا رسول الله ! أليس هو أعمى لايبصرنا ؟ فقال رسول الله ﷺ : أفعمياوان أنتما ؟! ألستما تبصرانه؟(7)
انظروا في هذا الموقف ، إنه لم يكن هنا مظنة أيِّ مفس فقال رسول الله +في بيتها ؛ فإنَّ خروجها من البيت مدعاة إلى الفتنة الشيطانية .
رَدْندة ؛ لأنه ليس هنا إلا أزواج النبي ﷺ التي هُنَّ أمهات المؤمنين في جانبٍ ، وصحابي جليل أعمى في جانب آخر ، وبالرغم ذلك أمرهما النبي ﷺ بالاحتجاب منه إما أخذًا بالاحتياط وإما تعليمًا لنساء المسلمين ، فإن كان الأمر في هذا الموقف هكذا ، فما ظنُّك بالمواقف التي ليست كهذا ، وكيف لا يكون الاحتجاب فيها أوجب .
(3) عن عائشة رضي الله عنها في قصة طويلة فقال رسول الله ﷺ : هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش وللعاهر الحجر . ثم قال لسودة بنت زمعة : احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة . فما رأها حتى لقي الله .(8)
كان لوليدة زمعة ابن ، ولدته على فراشه لعتبة، وقد عَهِدَ عتبة بن أبي وقاص إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أنه ابنه . فلما توفي عتبة ادَّعى أخوه سعد بن أبي وقاص أنه ابن أخيه ، أوصى إليه فيه أخوه . وادَّعى عبد بن زمعة أنه أخوه لأنه ولدته وليدة أبيه على فراشه . فترافعا إلى رسول الله ﷺ ، فقضى به رسول الله ﷺ لعبد بن زمعة قائلاً : «هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش وللعاهر الحجر» .
على هذا فيكون هذا الابن أخًا لسودة بنت زمعة زوج النبي ﷺ ، ومحرما لها ، ولا تحتجب منه شأنَ المحرم . إلا أنَّ رسول الله ﷺ قال لسودة بنت زمعة زوجه : «احتجبي منه لما رأى شبهه بعتبة» فاحتجبت منه فما رأها حتى لقي الله .
فهذه القصة تدل دلالة صارخةً على شدة الاحتجاب والمبالغة فيه حتى لشبهة يسيرة .
(4) عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ: إياكم والدخول على النساء . فقال رجل : يا رسول الله ! رأيت الحمو ، قال : الحمو الموت.(9)
نهى رسول الله ﷺ عن الدخول على النساء والاختلاف إليهن دونما حاجة ، ويدل الطبع السليم على أنَّ الدخول على النساء والاختلاف إليهن لايمكن مكافحته إلا بالحجاب ، وليس هنا مانع قوى من ذلك سوى الحجاب كما نرى ونشاهد بأم أعيننا ، فإن لم يحتجبن يختلف إليهن الناس دونما حاجة ، والاختلاف إليهن حرام ، فالسفور الذي هو سببه حرام كذلك وفقًا للمبدأ الثالث من المبادئ المقررة ؛ فالحجاب واجب .
(5) عن عمر عن النبي ﷺ قال : لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثًا الشيطان.(10)
نهى رسول الله ﷺ عن خلوة الرجل بالأجنبية، فالخلوة بها حرام ، فإن لم يكن هذا الحجاب لما حال دون الخلوة بها حائل كما نشاهد ، لاسيما في هذا العصر عصر الحرية . فالسفور يؤدي إلى الخلوة ، والخلوة حرام ، فالسفور الذي هو سببها حرام كذلك وفقًا للمبدأ الثالث من المبادئ المقررة.
(6) عن الحسن مرسلاً قال : بلغني أنَّ رسول الله ﷺ قال : لعن الله الناظر والمنظور إليه .(11)
معنى الحديث أنَّ النظر إلى الأجنبية أو إتاحتها الفرصة للنظر إليها حرام ، ولاشك أنَّ السفور مدعاة إلى ذلك ؛ فالسفور حرام كذلك وفقًا للمبدأ الثالث من المبادئ المقررة .
(7) عن عائشة رضي الله عنها أنَّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها ، وقال : يا أسماء ! إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لن يصلح أن يُرَىٰ منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه وكفيه.(12)
قد نهى رسول الله ﷺ عن أن تلبس المرأة ثيابًا رقاقًا تَشِفُّ عن الجسم ، ومن عادة النساء الهنديات في السفور أنهن يلبسن ثيابًا رقاقًا تشِفُّ عن الجسم ويخرجن أمام الأجنبي ، واللبس من هذا النوع من الثياب حرام ، فالسفور الذي يؤدي إليه حرام كذلك وفقا للمبدأ الثالث من المبادئ المقررة .
وقد جاء في حديث أنَّ كشف الرأس حرام ، والسفور يؤدي إلى كشفه ، فالسفور حرام كذلك وفقًا للمبدأ الثالث .
ولما كان ستر الوجه والكفين حكمًا أصليًا كما سلطت الضوء على النواحي المختلفة للحكم، فهذا الاستثناء في الحديث السابع إما قبل نزول حكم الحجاب وفقًا للمبدأ الأول وإما في حالة الضرورة والرخصة وفقًا للمبدأ الثاني .
وقد تكاترت الأحاديث في كتب الصحاح التي تنهى أن تخرج النساء للأجنبي متعطرات ، وتؤكد أن يصلين في بيوتهن ، بل أفضَل صلاتهن في كسر بيوتهن ، كما تنهى أن يكشفن رؤسهن أو يبدين زينتهن للأجنبي وتؤكد أنَّ النظر من الزنا وما إلى ذلك ، مما يدل دلالةً واضحةً على أنَّ الحكم الأصلي هو الحجاب الكامل ، وأنَّ السفور مدعاة إلى مفاسد كثيرة . وحيثما أذِنَ بكشف الوجه أو الخروج فهو إما لضرورة أو مصلحة إسلامية وذلك بقيود وشرائط ، وإما قبل نزول حكم الحجاب وفقًا للمبدأ الأول والثاني والثالث .
صفة ملابس أزواج النبي ﷺ وبناته :
مما ثبت من الآيات المذكورة أنَّ النساء العرب كن يلبسن الجلباب والخمار . وإليكم أحاديث ورد فيها ذكر ملابس النساء العرب :
(1) عن أم سلمة أنَّ النبي ﷺ دخل عليها وهي تختمر فقال : لية لا ليتين.(13)
(2) دخلت على عائشة وعليها درع قطر. الحديث (14)
قال صاحب القاموس : الدرع هو القميص . وقال صاحب المُغْرِب : هو ما يُلْبَس فوق القميص.
(3) عن أم سلمة أنها قالت لرسول الله ﷺ حين ذكر الإزار : فالمرأة يا رسول الله ، قال : ترخي شبرًا ، فقالت : إذا تنكشف أقدامهن ، فقال: فيرخين ذراعًا.(15)
(4) قالت امرأة – أم عطية – يا رسول الله : إحدانا ليس لها جلباب ، قال: لتلبسها أختها من جلبابها.(16)
(5) عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : فيلبس السراويل .(17)
تدل هذه الأحاديث على أنَّ النساء العرب كن يلبس الخمار والدرع والإزار والسراويل . أما الجلباب فكن يلبسن إذا خرجن من البيت لضرورة. وأما الملابس الأخرى فكن يلبسنها في البيت ، وهي تستر الجسم كله إلا الوجه والكفين . أما الاحتفاظ بالوجه أو الكفين فأمروا بالاستيذان كما مرَّ في تفسير الآية الخامسة . والأحاديث في مسئلة الاستيذان كثيرة . وأما كون الجلباب ساترًا للوجه والكفين فقد يدل عليه الآية الثالثة .
صفة الحجاب في العهد النبوي :
قد ثبت من الآيات والأحاديث المذكورة صفة الحجاب في عصر النبوة إلا أني أسوق عدة أحاديث في صفة الحجاب وشروطه .
عن أم عطية قالت : أمرنا أن نخرج الحُيّض يوم العيدين وذوات الخدور . الحديث(18)
فكلمة «ذوات الخدور» تدل على أن صفة الحجاب في عصر النبوة كانت كما هي اليوم ، وأما إخراجهن فكان إظهارًا لشوكة الإسلام لا الحكم الأصلي وفقًا للمبدأ الثاني ، ولذلك أخرجت الحيض ، وفهم الصحابة الكرام ببصيرتهم كون هذا الحكم غير أصلي ، فعملوا في عهدهم بالعزيمة كما ورد في الأحاديث .
(2) عن عائشة أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله ﷺ . الحديث(19)
يفيد هذا الحديث بأن النساء كن يحتجبن من الرسول ﷺ . وفي حديث الإفك ظنَّ الصحابي الذي كان يسوق الجمل أنَّ عائشة رضي الله عنها في الهودج ، فحمله على الجمل ، مما يدل على أنَّ الجمَّال كان لا يتحدث إليه النساء في ذلك العصر .
(3) عن أبي السائب عن أبي سعيد الخدري في قصة الفتى حديث العهد بعرس: فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته.(20)
وقد عُلِمَ منه أنَّ عادة الحجاب كان مركبةً في طبائعهم، حتى أخذته الغيرة عندما رأها قائمةً بالباب.
بداية الحجاب المتَّبع اليوم :
عن أنس في قصة تزوج زينب من الحديث الطويل قال : فرجعت فإذا هم قاموا فضرب بيني وبينه الستر ، وأنزل آية الحجاب.(21)
وقد علم من هذا الحديث بداية الحجاب بأن الله تعالى أوحى إلى النبي ﷺ بالحجاب . ويُفِيْدُ مارواه مسلم بأنَّ عمر رضي الله عنه كان يرى ألا تخرج أزواج النبي ﷺ إلى الناس حتى نزل الوحي بالحجاب ، فأمر النبي ﷺ بأوامر صارمة عن الحجاب والاستيذان ، قد ذكرت تفاصيلها في الصفحات المذكورة ، وكان يمكنني أن أطيلَ الكلام ، إلا أني رأيت هذا القدر من الرواية والدراية كافيًا بغيةَ الاختصار .
وأما قولك : «علَّني أعالجه بالكتابة» فأقول : إن لم توافقني فيما كتبتُ ، فراسلني قبل أن تؤلف رسالة أو كتابًا لعامة القراء .
* * *
الهوامش :
- النور / 31 .
- عن عائشة أنَّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله ﷺ وعليها ثياب رقاق ؛ فأعرض عنها ، وقال : يا أسماء ! إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لن يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه وكفه . (رواه أبوداؤد في كتاب اللباس باب فيما تبدي المرأة من زينتها، 2/567 ط: الهند)
- النور / 60 .
- النساء / 19 .
- النساء / 15 .
- رواه الترمذي في كتاب الرضاع 1 زينتها فيما تبدي المرأة من زينتها ، 2/567 ط: الهند)
- وكفه . . أني رأيت هذا القدر من الرواية والدراية كا/222 ، ط: الهند .
- رواه أبوداؤد في كتاب اللباس ، باب «قل للمؤمنـٰـت يغضضن من أبصارهن» 2/568 .
- رواه البخاري في كتاب البيوع ، باب تفسير الشبهات 1/276 ، ومسلم في الرضاع ، الولد للفراش 1/470 .
- رواه البخاري في النكاح ، باب لايخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم 2/787 ، ورواه مسلم في كتاب السلام ، باب تحريم الخلوة بالأجنبية 2/216 .
- رواه الترمذي في الرضاع ، باب كراهية الدخول على المغيبات 1/1221 .
- رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/99 ، دارالكتب العلمية ، بيروت .
- رواه أبوداؤد في كتاب اللباس ، باب فيما تبدي المرأة من زينتها 2/567 .
- رواه أبوداؤد في كتاب اللباس ، باب كيف الاختمار 567.
- رواه البخاري في كتاب الهبة ، باب الاستعارة للعروس عند البناء 1/358 .
- رواه أبو داؤد في كتاب اللباس ، باب في الذيل 2/568 .
- رواه الشيخان واللفظ لمسلم ، البخاري في كتاب الحيض ، باب شهود الحائض للعيدين 1/46 ، ومسلم في العيدين 1/29 .
- رواه النسائي في كتاب الحج ، باب الرخصة في لبس السراويل لمن لايجد الإزار 2/6 .
- رواه البخاري في كتاب العيدين ، باب اعتزال الحُيَّض المصلي 1/134 ، ورواه مسلم في العيدين 1/291 .
- رواه أبوداؤد في كتاب الترجل ، باب في الخضاب للنساء 2/574 .
- رواه مالك في الموطا في باب قتل الحيات ، وما يقال في ذلك / 384 .
- رواه البخاري في الاستيذان ، باب آية الحجاب 2/921 ، رقم الحديث 5997 .
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1426هـ = أبريل – يونيو 2005م ، العـدد : 4–3 ، السنـة : 29.