دراسات إسلامية

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

قال تعالى في سورة الإسراء آية 80  ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ هذا الدعاء الذي لقنه الله عز وجل نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام معناه: أن تعطيني السلطة أو تسخر لي حكومة، تنصرني وتشد من أزري، حتى أتمكن بسلطانها وقوتها، من تقويم اعوجاج الدنيا، وإيقاف تدفق طوفان الفواحش والمعاصي، وتنفيذ قانون عدالتك، وهذا هو تفسير الحسن البصري وقتادة لهذه الآية الكريمة، وقد أورده كل من: ابن جرير وابن كثير، وهما من أجلة المفسرين وأيداه بما ورد في الأثر: أن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن. أي أن الله يكف بقوة الحكومة، ما لا يكف ويمنع بالقرآن. وهذا يبين أن الإصلاح الذي يبغيه الإسلام في الدنيا لا يتأتى بالوعظ والإرشاد فقط، وإنما تلزم قوة سياسية لتنفيذه وتحقيقه، ولذلك فإن الجهاد في سبيل الحصول على حكومة تطبق الشريعة الإلهية، وتقيم الدين، وتنفذ حدود الله، لا يعتبر أمرًا جائزًا فحسب بل مطلوباً ومندوباً…(1) كما يعتبر إيجاد مجتمع مسلم، ضرورة من ضرورات الدين، فلا يقام الدين بغير الدولة، كما لا تصلح الدولة بغير الدين، وهذا ما يؤكده لنا اختلاف التشريع في عصر النبوة، بين التشريع المكي في مكة المكرمة، والتشريع المديني في المدينة المنورة، ففي المكي حيث كان المسلمون، حديثي العهد بالإسلام، وقلة قليلة لا قوة لهم ولا سلطان كان طابع التشريع يتسم في غالبه، بطابع الدعوة إلى الله وتوحيده، ونبذ ما كان عليه الناس قبل الإسلام، من مختلف المعبودات، وصرفهم عن الأديان الباطلة، وتوجيههم إلى الدين الحق، وإقامة الأدلة على ذلك، والدعوة إلى الإيمان بالرسل والملائكة والبعث والحساب واليوم الآخر، والإرشاد إلى محاسن الصفات، ومكارم الأخلاق، كما دعاهم إلى التفكير في ملكوت السماوات والأرض، وعدم إهمال عقولهم، وشدد النكير على تقليد الآباء، وأكثر من ضرب الأمثال وقصص السابقين، وما حل بهم من عذاب، لمخالفتهم دعوة رسلهم، كذلك دعاهم إلى ترك آثار الجهل التي خلفها لهم السابقون كالعصبية ووأد البنات. أما التشريعات العملية فلم يعرض القرآن لها، فترة إقامة الرسول عليه الصلاة والسلام بمكة، إلا بالقدر الذي يتصل بحماية العقيدة، كتحريم الميتة والدم، وتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه عند ذبحه، أو بما له أثر في ارتباط المخلوق بالخالق، وتوجيه النفس إلى الخير، كالصلاة. وحينما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأخذت شوكه المسلمين تقوى، وأصبح لهم سلطان، بدأ التشريع يأخذ مرحلة جديدة، حيث أخذ الوحي ينزل بالتشريعات المفصلة، التي تنظم حياة المسلمين ومعاملتهم ومجتمعهم، إذ بدأت تتكون الدولة الإسلامية وتحتاج إلى ما تقوم به من نظم وتشريعات وقوانين، تحدد العلاقات بين أفرادها وبينها وبين غيرها من الأمم، فلم تبق مهمة التشريع دينية خالصة، بل أخذ الإسلام يوضح أنه دين عقيدة وشريعة…(2) لم تفرض هذه التشريعات عليهم وهم أفراد متفرقون أو جماعات صغيرة يكتم بعضها إيمانهم ويجهره البعض الآخر، لم تفرض عليهم إلا وهم قوة واحدة، لهم سلطان وسلطة، تقوم على تنفيذ ما أمروا به، وخاصة أن أكثر ما جاء به لا يدخل تنفيذه في اختصاص الأفراد، وإنما هو من اختصاص الحكومات، كإقامة الحدود مثلاً، وهذا يدل على أن هذه التشريعات في حاجة ضرورية لإقامة مجتمع مسلم يقوم على تنفيذها، حتى تؤتي الهدف المطلوب منها، وكذلك لكي نرى آثار الإسلام في حل المشاكل الاقتصادية، التي تعانيها المجتمعات، ودوره في سعة الرزق لأبنائه، ومن هم في كفالتهم، لابد من وجود مجتمع إسلامي. فأي من الوسائل التي سيأتي الحديث عنها والتي عالج بها الإسلام مشكلة الفقر إنما تحقق هدفها وتؤتي أكلها على الوجه المرضي في ظل مجتمع إسلامي تقوده عقيدة الإسلام، ويحكمه نظام الإسلام، ويستظل بشريعته السمحة في حياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. أما أن يطلب من الإسلام علاج الفقر ومطاردته، في مجتمع يسوده فكر وفلسفة غير إسلامية أو يحكمه نظام أجنبي مستورد من الشرق أو من الغرب أو من كليهما، ويراد ترقيعه بأجزاء إسلامية، فليس هذا من شرعة العدل والإنصاف، ولا من المنطق السليم الذي يقره العقلاء. كما أن نظام الإسلام للحياة والمجتمع، نظام متماسك متكامل، لا تصلح تجزئته، ولا أخذ بعضه دون بعض، فقد يكون الذي ترك مكملاً أو شرطاً للذي أخذ، ولذا أمر الله تعالى بالدخول في الإسلام كله والعمل بشرائعه كافة، فقال تعالى في سورة البقرة آية 208 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ أي في شرائع الإسلام جملة. كما أن الأخذ يجزء من نظام الإسلام خروجاً على منطق الإسلام نفسه، الذي برفض التجزئة، قال تعالى ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾ سورة البقرة آية 85، ثم هو أخذ لا يجدي في علاج أمراض المجتمع من الجذور.

       فالعمل واجب، وهو السلاح الأول لمحاربة الفقر، وعلى الإنسان أن يعمل ليغني نفسه؛ ولكن هل يحقق العمل فائدته المرجوة، إذا كان المرء يعمل في غير ما يحسنه؟ أو يعمل فيما يحسنه؛ ولكنه لا يعطى أجره العادل؟ أو يعطى أجره؛ ولكن لا تتاج له فرصة للترقي بإظهار مواهبه وإبداعه؟ وقد يجتهد ويبدع ويحسن؛ ولكنه لا يلقى جزاء إحسانه من الأجر، والتشجيع؛ بل يؤخر عن مكانه، انتقاماً أو حسدًا، ويقدم من لا يستحق، محاباةً أو اتباعاً للهوى، وإرضاءً لبعض الرؤوس الكبيرة والنفوس الصغيرة، وقد يأخذ الأجر المناسب لجهده؛ ولكن طريقة الحياة التي يفرضها عليه المجتمع من حوله، تجعله ينفق الكثير من دخله فيما لا خير فيه ولا نفع له ولا للمجتمع، كالمتع الرخيصة والشهوات العفنة وفي الأزياء والموضات والمكيفات والملاهي والمراقص وغيرها من المكروهات أو المحرمات، وقد لا يكون من هذا الصنف المنحرف؛ ولكنه يعيش في مجتمع سيطر عليه الاحتكار والربا والاستغلال، أو تحكم فيه الاستبداد، وسرى فيه الفساد، فلا يشتري شيئاً إلا من السوق السوداء بضعف ثمنه، ولا يقضي عملاً إلا بدفع رشوة، ولا يعطى قرضاً يحتاج إليه إلا بالفوائد الربوية.

       مثال آخر: لو فرض أن أحد المجتمعات التي يعيش الإسلام فيها غريباً اليوم أراد أن يأخذ نظاماً كنظام الزكاة وحده ويطبقه، ونظام الزكاة يعتبر أحد أهم عوامل سعه الرزق لمستحقي هذه الزكاة، ولكن ماذا ستكون النتيجة:

       أ- جمع حصيلة ضيئلة، لا تكفي لمواجهة الفقر المنتشر والمشكلات الاجتماعية، لعدة أسباب أهمها ضعف الوازع الديني والوعي الإسلامي لدى كثير من الناس نتيجة الغزو الفكري الأجنبي، أضف إلى ذلك تهرب الناس من أداء الزكاة للحكومة، لكثرة ما ترهقهم به من ضرائب، ولعدم ثقتهم بالحكومات التي تجبي الزكاة، وهي لا تحكم بما أنزل الله، ولاعتقادهم أنها لن تصرفها في الوجوه المشروعة، كأكثر الضرائب التي تعبث السياسة بمصارفها، كما أن جمهور الشعب لا يملك ثروة ولا دخلاً ذا قيمة بحيث يكون موردًا للزكاة، وذلك نتيجة طريقه الحياة التي يحياها المسلمون في هذا العصر، وهي نفس طريقة الحياة التي يعيشها غير المسلمين، والذين يتبعهم المسلمون للأسف، شبرًا بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه.

       وهي طريقة تقوم على الإسراف في الكماليات والمظاهر وألوان الترف واللهو الحرام، والتي نستوردها من الخارج، وتستترف مواردنا وطاقاتنا فيما لا يعود على ديننا ولا دنيانا بنفع.

       ب- هذه الحصيلة سينفق جزء منها على المكاتب والأدوات والموظفين الذين سيخصصون لهذا العمل نتيجة للتعقيدات الإدارية والتوظيفية والعناية بالأبهة والسطحيات التي تبتلع الأموال قبل أن تصل إلى الفقراء.

       ج- عند التوزيع يحدث الاضطراب والفوضى، ويحرم كثير من المستحقين، ويأخذ كثير ممن لا يستحقون الزكاة، وذلك لضعف التربية، وضمور الإيمان، وسقم الضمير والطمع والأنانية سواء عند القائمين بأمر الزكاة أم عند الجمهور.

       د- وأخيرا تكون النتيجة عجز الزكاة وحدها، أن تحقق الكفاية لجميع الفقراء، ويعقب ذلك بلبلة وشكوى وسخط عام على الزكاة وعدم جدواها. وهذا يؤدي إلى التشكيك في نظام الإسلام كله. وبهذين المثالين يتضح لنا أن ترقيع الأنظمة الأجنبية الحاضرة، ببعض أجزاء أو قطع من تعاليم الإسلام وأحكامه، لا تحل المشكلة من جذورها ولا تعالج الداء من أساسه…(3) والحل الأساسي هو في إيجاد مجتمع مسلم يطبق كل تعاليم الإسلام. إن البشرية لا تستجيب عادة لمنهج مقروء أو مسموع، قدر استجابتها لمنهج حي متحرك، مجسم ممثل في حياة جماعة من البشر، مترجم إلى واقع تراه العين وتلمسه اليد وتلاحظ آثاره العقول، وألف كتاب عن الإسلام وألف خطبة ومسجد وألف بعثة من الأزهر، كل أولئك وغيرهم لا يغنون عن قيام مجتمع مسلم، يقوم في ركن من أركان الأرض، يعيش بمنهج الإسلام، ويعيش لمنهج الإسلام، وتتمثل فيه خصائص هذا المنهج، وتتمثل فيه صورة الحياة في الإسلام، والمسلمون مطالبون اليوم وكل يوم بالعمل على تحقيق بناء المجتمع الإسلامي الرباني. ويتردد في الأذهان أن المجتمع الإسلامي هذا، سيمنع السياسة بشكلها الحالي وسيمنع صنع وبيع وشرب الخمور والمخدرات ويلغي كل المعاملات الربوية وغيرها من المعاملات والصور والعادات غير الإسلامية، والتي لا تمت بصلة للإسلام مما سيؤثر على الدخل القومي؟!.

       ولنجيب عن هذا من القرآن الكريم عندما أنزل قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ سورة التوبة آية 28 وكان نزولها في سنة تسع، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ينادى في المشركين أن لايحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. قال محمد بن إسحاق: إن الناس قالوا لتقطعن عنا الأسواق، ولتهلكن التجارة، وليذهبن عنا ما كنا نصيب فيه من المرافق. حيث كان المشركون يجلبون معهم الأطعمة والتجارات، إذن فالموسم الاقتصادي الذي ينتظره أهل مكة، والتجارة التي يعيش عليها معظمهم، ورحلة الشتاء والصيف التي تكاد تقوم عليها الحياة كلها ستتعرض للضياع، بمنع المشركين من الحج، ولذا قال تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾….(4) وهذا هو الأساس، وهذا هو المرتكز الأساسي، في المجتمع المسلم، وهو تنفيذ ما أمر الله به، وإن خفتم الفقر، فإن الله وهو الرزاق سوف يغنيكم من فضله، إن شاء وهو العليم الحكيم؛ فلا نخاف من تحريم سياحة تقام على إباحة المحرمات، بحجه أنها مورد اقتصادي هام للبلد، فتلك المحرمات حرمها الله علينا، وحرم ممارستها أمامنا، والسكوت عليها، وحرم ما تدره من أموال، فإنها أموال خبيثة، حرام أكلها فيجب منعها. وإن خفتم عيلةً أي فقرًا فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء. أطيعوا كل ما أمر الله به، وانتهوا عما نهانا عنه، وإن خفتم عيلةً فسوف يعنيكم الله من فضله إن شاء. أقيموا كل شعيرة من شعائر الإسلام، وأقيموا كل فريضة فرضت علينا، وأقيموا حدود الله، وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء. فالمجتمع المسلم لا ترتكب فيه المنكرات ولا الفواحش تحت أي حجة من الحجج، فلا أحد ينكر تأثير مثل هذه الفواحش والمنكرات على الإنسان الذي هو عصب العملية الإنتاجية.

       والإسلام يحرص على طهارة المجتمع ونظافته من القبائح والرذائل، فالزنى محرم، والقذف محرم، وبذاءة اللسان محظورة، والقمار بأنواعه محرم، وشهادة الزور من الكبائر، والتجسس والغيبة والنميمة وكل ما يوقع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع يجب البعد عنها، والمعاملات يجب أن تقوم على الطهر وحسن النية والأمانة؛ فلا يجوز الخداع أو التضليل أو الغش أو الكذب في أية معاملة بين الناس. وواجبٌ تعطيل وهدم وتحريق أماكن المعصية التي يعصى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فيها، وإن اختبأت هذه الأماكن عن أنظار الناس، وراء مظاهر الخير والبر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بهدم مسجد الضرار، الذي بناه المنافقون، لخداع المسلمين، فما بالك بأماكن المعاصي والفواحش التي يعصى الله فيها جهارًا علناً، وقد أحرق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قرية بكاملها كان يباع فيها الخمر. وقد حذرنا الإسلام في القرآن والسنة النبوية من عواقب التفريط في المحافظة على طهارة المجتمع. وإذا كان الناس يؤمنون بالوقائع العملية، أكثر من إيمانهم بالمبادئ النظرية، فسنذكر بعض الأمثلة التي سجلها التاريخ كشهادة حق، عندما أقام المسلمون الإسلام كدين ودولة، وطبقوه في كل شؤون حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كيف تم القضاء على الفقر من حياتهم، فقد جاء على المسلمين وقت لم يوجد في مجتمعهم من يستحق الصدقة، وذلك حين استقر بهم الأمر، وتهيأ لهم حكم عادل وخلافة راشدة، وذلك في عهد عمر بن العزيز رضي الله عنه. روى البيهقي في الدلائل عن عمر بن أسيد «ابن عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب» قال: إنما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرًا، لا والله ما مات، حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر من يضعه فلا يجده، قد أغنى عمر الناس. وقال يحيى بن سعيد: بعثني عمر بن عبد العزيز، على صدقات أفريقية، فاقتضيتها وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيرًا، ولم نجد من يأخذها منا، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بهم رقاباً فأعتقتهم. ولم يكن هذا الغنى والرخاء والسعة في أفريقية وحدها، كما روى يحيى بن سعد؛ بل الذي يبدو من الأخبار الواردة أن الأقاليم الإسلامية كلها كانت في مثل هذا الرغد من العيش. روى أبو عبيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو بالعراق أن أخرج للناس أعطياتهم «أي رواتبهم ومخصصاتهم الدورية». فكتب إليه عبد الرحمن: إني قد أخرجت للناس أعطياتهم وقد بقي في بيت المال مال فائض في الخزانة. فكتب إليه: أن انظر كل من دان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه. فكتب إليه: أني قد قضيت عنهم وبقي في بيت المال مال. فكتب: أن انظر كل بكر «أي عزب» ليس له مال، فشاء أن تزوجه، فزوجه، واصدق عنه أي ادفع صداقه. فكتب إليه: أني قد زوجت كل من وجدت وقد بقي في بيت مال المسلمين مال. فكتب إليه أن انظر من كانت عليه جزية أي خراج فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوي به على عمل أرضه فإنا لا نريدهم لعام ولا عامين…(5) وهكذا بلغ الرخاء والغنى في ظل مجتمع مسلم تحكمه حكومة إسلامية، تطبق شرع الله في كل كبيرة وصغيرة من شؤون حياتها، وهذه هي بعض الثمرات التي أنتجها تطبيق نظام الإسلام، حينما كانت له دولة تحكم به، وقد تبدل الحال فور تولي الحكم من أزاحوا الإسلام عن الدولة حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.

*  *  *

المراجع:

  • الحكومة الإسلامية أبو الأعلى المودودي ص 68.
  • الشريعة الإسلامية تاريخها وبعض نظرياتها العاملة، بدران أبو العنين بدران ص 33-34.
  • مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام د. يوسف القرضاوي ص 127-131.
  • تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2، ص 346-347.
  • مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام د. يوسف القرضاوي ص137-138.

(*)   6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

        Email: ashmon59@yahoo.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ربيع الثاني 1434 هـ = فبراير ، مارس 2013م ، العدد : 4 ، السنة : 37

Related Posts