كلمة العدد
التطوراتُ السريعةُ المُتَلاَحِقَة على الأراضي السوريّة تُؤَكِّد أنّ النظام السوريّ قد تَخَلْخَلَتْ أركانُه، وتَدَاعَىٰ بنيانُه، وأنّ أيّامه معدودة لامَحَالَةَ، وأنّ نهايتَه محتومة، وأنّها مسألةُ وقت فقط؛ حيث إن الجيش النظامي الأسدي فَقَدَ سيطرتَه بالتأكيد على أرض المعركة، مما يُبَشِّر بأنّ تحوّلاً حقيقيًّا بات قابَ قوسين أو أدنى بإذن الله عزَّ وجلَّ؛ ولذلك بدأ الحديث الجادُّ، والحوارُ الساخنُ، والنقاشُ المتصلُ، وتبادلُ الآراء يدور في المحافل الدوليّة وأروقة الأوساط السياسيّة الإقليميّة والعالميّة فيما يتّصل بمرحلة ما بعد الأسد ونظامه الدكتاتوري الفاسد.
نقلُ الجيش الحرّ للمعركة إلى «حلب» و«دمشق» العاصمة بقوة وبسالة وصمود ليس هو المُؤَشِّر الوحيد للنصر المُؤَزَّر القريب الذي يكاد الشعبُ السوريُّ الباسلُ يحظى به إن شاء الله، وإنما الانشقاقات شبهُ اليوميَّة في صفوف كبار الضُبَّاط والمسؤولين رفيعي المستوى وعامّة الجنود – التي بدأت تزداد كلّ يوم بل كلّ ساعة – ولاسيّما بعد انتقال المعركة الفاصلة إلى قلب «دمشق» هي الأخرى تُشَكِّلُ مُؤَشِّرًا قويًّا للنصر المُؤَكَّد الذي صار نصيباً محتّماً للأشقّاء السوريين المرابطين على ثغر الغيرة والعرض والعدل مُوَاجِهين جميعَ أنواع الظلم والبطش وسفك الدماء والمجازر الوحشية التي أبكت حتى الأعداءَ المتفرجين فضلاً عن الأَشِقَّاء المُشَاطِرِين للدموع والآلام.
أفادت الأنباءُ الأخيرةُ أنّ الأسد فَقَدَ السيطرةَ على أكثر من ثلاثة أرباع الجيش؛ فقد صَرَّح مدير ا لشبكة العربية العالميّة «غسّان إبراهيم» أن ربعَ الجيش فقط يُوَالِي عصاباتِ «بشار» بما فيه الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.
ذكرت الصحفُ الهنديَّةُ الصادرةُ صباحَ يوم الجمعة: 5/شوال 1433هـ = 24/أغسطس 2012م أن عددًا كبيراً من ضباط الجيش بمن فيهم أصحاب رتبة لواء وعقيد وعميد انشقّوا عن الجيش النظاميّ السوريّ، ولجأوا إلى الأردن في الساعة المُتَأَخِّرَة من الليلة المُتَخَلِّلَة بين الأربعاء والخميس: 3-4/شوال 1433هـ = 22-23/أغسطس 2012م؛ وأن النظام الأسدي قد فَقَدَ السيطرةَ حسب المصادر العليمة على 80٪ من أراضي البلاد.
وصباحَ يوم الأحد: 7/شوال 1433هـ – 26/أغسطس 2012م نشرت الصحف الهندية أن القائد العسكري الفِرَقِيّ (Divisional commander) الجنرال موسى الخيرات أيضاً انشقّ عن الجيش الأسديّ و وصل لاجئا إلى الأردن.
فالانشقاقات متلاحقةٌ في صفوف الضُبَّاط وكبار المسؤولين؛ حتى رجال الاستخبارات التي اصطنعهم حزبُ البعث السوريّ على عينه ومَتَّعَه بصلاحيات لامحدودة وامتيازات مُغْرِيَة؛ ففي الأسبوع الأول من رمضان الكريم 1433هـ نشرت الصحف الهندية أنباءً تفيد انشقاق أهمّ مسؤول في الاستخبارات العسكرية بـ«إدلب» العميد محمد مفلح.
كما طالت موجةُ الانشقاق عن النظام الأسدي رئيسَ الوزراء السوريّ «رياض حجّاب» الذي لَجَأَ برفقة عائلته وتسع عائلات أخرى هي عائلات أشقائه وشقيقاته إلى الأردن ليلة الأحد: 6/أغسطس 2012م = 17/رمضان 1433هـ. وكانت حادثةُ انشقاقه ضربةً قاصمةً لظهر النظام الأسدي.
إن الشعب السوري قدّم – ولازال – تضحيات جسيمة في سبيل التخلّص من نظام الطاغية الأسد الذي شنّ حرباً شعواء ضدّ شعبه وبلاده فاقت بكل المقاييس التضحيات التي قدّمها كلٌّ من الشعبيين التونسي والمصري للتخلص من نظامي طاغوتيهما، فقد أفادت المصادر العليمة – التي لا تتمكن من التوصل إلى معلومات صحيحة مما يجرى من الأحداث الرهيبة في سوريا ضدّ أهلها إلا ما يشكل 20٪ فقط؛ لأن النظام قد فرض تعتيماً إعلاميًّا شاملاً على الأفاعيل التي يفعلها مع الشعب الباسل الصامد في وجه الطاغية – أن ما يقارب 25 ألف شهيد سقطوا في سبيل التحرير منذ اندلاع الثورة في مارس 2011م حتى منتصف أغسطس 2012م علاوة على الشهداء المجهولين الذين لم يتم العثورُ عليهم،ومن حين لآخر ينكشف اللثام عن قبور جماعية تضم رفاتهم؛ ففي أنباء أخيرة نشرتها الصحف الهندية يوم الأحد: 7/شوال 1433هـ = 26/أغسطس 2012م وَرَدَ أنّ مئتي جثة اكْتُشِفَتْ من شتّى المنازل في بلدة مُحَاوِرَة للعاصمة «دمشق» وهي لشهداء قتلتهم القواتُ النظاميّة بإطلاق الرصاص عليهم عن كثب ودفنتهم في حفر في منازلهم، وفي جانب آخر اطَّلَح مُتَطَوِّعُون مُكَلَّفُون بإحصاء جثث القتلى من أبرياء الشعب على 50 جثة في مسجد في مدينة «درعا» قتلها الجيش النظامي لدى تمشيط المنازل بإطلاق رصاصات في الصدور. وخلالَ أسبوع واحد أخير عُثِر على 120 جثة مُعْظَمُها للأطفال والنساء الللاتي تم قَتْلُهن على عجل وعن قرب.
ومن المعلوم أنّ هذه الأعدادَ والأرقامَ ليست هي كلّ ما حدث ويحدث وإنما هي غيضٌ من فيضٍ مما يحدث على أرض «سوريا» الصامد أهلُها الشُجْعَان في وجه الطاغية القاسي القلب؛ علماً بأن النظام قد فَرَضَ الحظر الكامل على وسائل الإعلام، وطَبَّقَ التعتيمَ الإعلاميّ الشامل، بحيث لايَطَّلِع أحدٌ على ما يجري هناك من فظائع الأحداث؛ وإنما الذي يُعْلَم هو ما يتسرّب من المعلومات عن طريق الأنباء الحاصلة بشتى الطرق الصعبة التي يُعْمِلها الخبراء من الإعلاميين العالميين.
هذا إلى جانب مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى بلاد مُلاَصِقَة لبلادهم ممن فَرُّوا نجاةً بأعراضهم وأنفسهم من النظام الطاغي الذي لم يرحم حتى الأطفالَ والنساءَ والعَجَزَةَ والمُسِنِّين من الشعب؛ فمنذ تفجّر الثورة في مارس 2011م لجأ أكثر من مئتي ألف من المواطنين إلى الدول المجاورة، حسب ما صَرَّح به المعتمد السامي للأمم المتحدة المعنيّ باللاجئين «إيدريان إيدواردز» في «جنيف» في بيان صحفي أدلاه يوم الجمعة: 5/شوال 1433هـ = 24/أغسطس 2012م قائلاً: إنّه خلال أسبوع أخير فقط لجأ إلى كلّ من تركيا والعراق ولبنان والأردن أكثرُ من ثلاثين ألفاً من السوريين، وأضاف: إن عدد اللاجئين السوريين المُسَجَّلِين في المناطق حولَ سوريا ارتفع إلى 202512 (مئتي ألف وألفين وخمس مئة واثنتِي عشرة) نسمة، مؤكدًا أن تَدَهْوُرَ الوضع الأمنيّ في لبنان يُعَرْقِل عَمَلِيَّاتِنا الإسْعَافِيَّة بشأن اللاجئين السوريين، مشيرًا إلى أن تركيا وحدَها تحتضن اليوم 78 ألفاً من اللاجئين السوريين.
إنّ اللاجئين السوريين الذين فَرُّوا إلى دول ملاصفة نجاةً بأنفسهم مُشَرَّدين من منازلهم في بلادهم؛ حيث نسفتها قوّاتُ النظام الأسدي الدكتاتوري، يعانون وضعاً مأساويًّا ومعاناةً مريرةً اللهُ وحدَه يعلم مدى مرارتها ومَأْسَاوِيَّتها. وقد أشار المعتمد السامي المعنيّ باللاجئين لدى الأمم المتحدة إلى التدهور المتسارع للوضع الأمني في بعض البلاد التي لجأوا إليها؛ ليأمنوا فيها على أنفسهم وأعراضهم، وعلى رأسها دولةُ لبنان التي بَدَأَ بفعل فيها رجالُ «جزب الله» اللبنانيّ المتطفل على مائدة إيران الشيعيّة والمُتَغَذِّي بأفكارها المَذْهَبِيّة والسياسيَّة مع أهل السنة في لبنان بمن فيها المواطنون اللبنانيّون واللاجئون السوريّون. وذلك على إشارة من دولة «إيران» وتعاطف مذهبيّ معها؛ لأن «إيران» تقف وقفةً صامدةً شاملةً مع النظام السوريّ الأسدي البعثيّ النصيريّ العلويّ بكل الإمكانيات السياسية والدبلوماسيّة والعسكريّة والمادية والمعنوية بشكل علني، مُتَكَاتِفَةً مع كلٍّ من روسيا والصين اللَّتَيْن تُشَكِّلاَن اليوم صَمَامَ أمانٍ للنظام الأسدي على الأَصْعِدَة كافّةً.
ورغم كلِّ ما يصنع ثالوث روسيا والصين وإيران لن يستطيع أن يوجد حاجزًا غيرَ قابل للاختراق دون سقوط النظام الأسدي الإجرامي، ووظيفتُه اليوم تَتَلَخَّص في محاولة تأجيل الانهيار الذي صار مُحَتَّماً؛ لأنه – كما أسلفنا – لن ينجو بشار الأسد مهما تَوَقَّعَ حدوثَ «المعجزة» ورَاهَنَ على وقوع المُفَاجَأَة وأَخْلَدَ إلى مُنَاصَرَة الثالوث. ويخطئ كلَّ الإخطاء من تروح به حماقتُه إلى الاعتقاد بأن النظام السوريّ سينتصر بشكل أو آخر على الشعب الذي بلغ الغايةَ في تقديم التضحيات من أجل الحرية والنجاة من مخالب النظام القمعي التسلّطي، والحقُّ أنّ الله الرحيم بعباده لن يجعل هذه التضحيات الثمينة هدرًا، وإنما سيُعْقِبها بنصر مُؤَزَّر بفضل دموع ودماء الأطفال والنساء والمظلومين وبفضل دعاء المسلمين في كلّ مكان؛ لأن الله يُمْهِل الظالمَ ولا ولن يُهْمِله؛ تلك هي سنَّتُه التي وَضَعَها لإدارة الكون ومحو الفساد من الأرض.
النظامُ السورسيُّ اليومَ يُعَايِش حقًّا مشهدًا أشبهَ بما كان قد حدث في «ليبيا»بالأمس، وإذا لم يَهْرُبِ الأسدُ إلى دولة أخرى ناجياً بنفسه ولو لأجل محدود – ويبدو في ضوء القرائن أنه لن يفعل ذلك الذي هو خيرٌ له بكلِّ الاعتبارات من البقاء في سوريا يُوَاجِهُ مصيرَ العقيد معمر القذافي – فسيترامى قريباً في قبضة الثوّار؛ فإن التطوّرات الميدانيّة – كما أسلفنا – تتلاحق وتتسارع على صعيد واسع وبكل قوة وبنحو رهيب جدًّا؛ فلن يشكّ إلاّ الغبيُّ المُغَفَّلُ أن النظام السوريّ قد ولّى دورُه؛ بل انتهى، ولم يَعُدْ هناك إلاّ قضيةُ وقت. والعالم العربيّ أدرك من خلال ا لثورات العربية الأربع السابقة كثيراً من الحقائق فيما يتعلّق بالسياسة العالميّة التي ظاهرُها دائماً يختلف عن باطنها تماماً، وعاد يقدر على أن يُفَرِّق بين الواقع على الأرض وبين ما يلوكه الساسة العالميّون اللاّعبون بمصير الشعوب في المحافل الدوليّة.
وأَخْوَفُ ما نخافه ويخافه العالم كلُّه هو الفراغ الذي يُخَلِّفه النظام الأسدي البَعْثِيّ النُّصَيْرِي العَلَوِيّ في البلد الذي استند فيه في البقاء طويلاً على إثارة الطائفيّة الشديدة؛ لأن سوريا تتوزعها مذاهب وديانات وأعراق، رَاهَنَ الأسدُ في بقائه على الصراع الذي أثاره فيما بينها، وزَادَ المنطقةَ كلَّها التهاباً التدخّلُ الإيراني الشيعيّ وربيبُ «إيران» في لبنان «حزب الله» الذي بدأ يُؤَدِّي دورًا فعّالاً في لبنان لإثارة الطائفيّة الشديدة الالتهاب التي أَدَّتْ إلى اشتباك مُسَلَّح بين السنّة والشيعة في لبنان إثر لجوء السوريين المنكوبين إليها؛ فالسؤال الذي يطرح نفسَه بكل قوة: ماذا عسى أن يكون مستقبل «سوريا» بعد النظام الأسدي؟ وبكلمة أخرى: هل سيرث الثوّارُ المُضَحُّون اليومَ بأغلى مالديهم دولةً وعافيةً أم سيرثون أزمةً وعذاباً لاقدّر الله؟ كما حَدَثَ ولا زال يحدث في العراق؛ حيث جعلته الطائفيّة مُتَأَكِّلَةً بل جحيماً لا تُطَاق، وعاد المُوَاطِنُون يتمنّون عودةَ النظام الصدّامي، وبدأوا يعدّونه نعمة سُلِبَتْ إيّاهم. فالمخاوف قائمةٌ من حدوث حرب أهليّة فيما بعد الأسد بين السوريين الذين أشعل بينهم طائفيّة قويّة المفعول مُسَبَّقاً، ويُخَافُ أن يتحوّل الجيش لاحقاً مجموعات مُسَلَّحَة تتقاتل وتتصَادم وتقتل الشعب البريء، أو أن تتحول فئات الشعب مجموعات متصارعة متناحرة، ولاسيّما في الأقاليم الطائفية التي يُحَذِّر الخبراء أن هناك خطرًا كبيرًا لأن تُوَاجِه مصيرًا مُؤْلِماً، ولاسيّما إذا دخلت الأزمة مرحلة التصفيات والانتقام، وخصوصاً عندما تأتي مرحلةُ احتلال المدن والمراكز ورفع الأعلام على ربوعها، وهذا الخطر يُؤَكِّده ويُدَعِّمه الإرادةُ المُتَعَمَّدَة من قِبَلِ النظام السوري الأسدي الذي بدأ يستخدم شتى الأساليب في محاولة لأن تصل سوريا فيما بعده إلى المشهد الدامي والسيناريو الرهيب من الحرب الأهليّة. وذلك بمساعدة دول ومنظمات لها مصالح ومُخَطَّطَات مشبوهة تريد تنفيذَها ضدَّ السوريين وبلادهم الحبيبة، حتى يكونوا ضحية المخططات، وتذهب تضحياتهم الطويلة العظيمة سدى، ويحصد المُتَرَبِّصُون ثمارَها حلوةً يانعةً. إن استقرار سوريا بعد سقوط النظام – الذي بَدَتْ تباشيره كاملة – وإجراء برامج ديموقراطيّة، وبناء دولة على أسس العدل ومراعاة حقوق جميع الطوائف إلى جانب منح الشريعة الإسلاميّة لتُؤَدِّي دورَها المسلوبَ في هذه البلاد العربية الإسلامية العريقة، هو الهدف الذي ينتظره المسلمون أصلاً فيما بعد الأسد، حتى تذوق جميعُ شرائح الشعب السوري نعمةَ الحريّة وطعمَ التخلّص من النظام القمعيّ الذي أذاقه ويلات لا تُحْصَىٰ طَوَالَ هذا التاريخ الطويل.
* * *
وفي ظل هذه الآمال والمخاوف لقد أحْسَنَ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود/ حفظه الله ورعاه مع كامل الصحة والعافية ومزيد التوفيق لكل خير، عندما قام بمبادرتين كبيرتين سترجحان ميزانَ حسناته يومَ لاينفع مال ولابنون، وتُكْسِبَانِه حسنَ الذكر ودوامَ الدعاء من ألسنة كلِّ المسلمين ولاسيّما الصالحين وبالأخص المظلومين المنكوبين المُشَرَّدِين المسحوقين من الأشقاء السوريين. وهما:
(الف) دعوتُه جميعَ السعوديين والمقيمين في المملكة إلى المساهمة الفعّالة في الحملة الوطنية لجمع التبرعات للأشقّاء في سوريا نصرةً لهم و وقوفاً بجانبهم في محنتهم. وبدأت الحملةُ في الساعة 11 (بتوقيت مكة المكرمة) بعد انتهاء صلاة العشاء والتراويح بالمسجد الحرام في الليلة المتخللة بين الاثنين والثلاثاء: 4-5/ رمضان المبارك 1433هـ = 23-24/يوليو 2012م. وافتتح خادم الحرمين/حفظه الله الحملةَ بتبرع سخيّ من قِبَلِه قدره عشرون مليون ريال، كما قدّم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود/ حفظه الله وليّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء تبرعاً قدره عشرة ملايين ريال. وعقب ذلك توالت التبرعات من المؤسسات والشركات والمواطنين والمقيمين في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها استجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين بنصرة الأشقاء في سوريا. واستمرت الحملةُ لمدة خمسة أيام، وقد بادر الشعب السعودي إلى تقديم التبرعات النقدية والعينية بسخاء ورضا نفس مدفوعاً بالإيمان والغيرة بنحو غير مسبوق، فجزاى الله خادم الحرمين الشريفين خيراً، وجزى الشعبَ السعوديَّ والمسلمين كلَّهم الذين شاطروا أشقاءهم في العقيدة والدين محنتَهم.
(ب) دعا خادمُ الحرمين الشريفين/ حفظه الله إلى عقد مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي في مكة المكرمة في يومي 26-27/ من شهر رمضان المبارك 1433هـ = 14-15/أغسطس 2012م، في هذه المرحلة التاريخية الصعبة على العالم الإسلامي الذي يرغب فيه الشعوب في شتى بلادها في الخروج من عهد القمع والبطش والاستبداد والديكتاتورية إلى الحكم المبني على الرشد والوعي الحضاري والحسّ الإسلامي والاستقرار الأمني والسياسي، والذي تُسْفَكُ فيه الدماء وتُزْهَق الأرواحُ وتتساقط فيه حكومات وأنظمة إثر حكومات وأنظمة، مُوَجِّهاً رسائل عاجلة إلى جميع رؤساء وقادة العالم الإسلامي للمشاركة في هذا المؤتمر الاستثنائي الهامّ، وقد وَجَّهَ رحمه الله الدعوةَ إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نزاد هو الآخر، رغم أنه يقف بجانب النظام السوريّ الذي يَسْفِك دماءَ الشعب السوري رخيصةً، بكل إمكانيّات دولته الشيعيّة؛ مما يؤكد حرصَ خادم الحرمين/ حفظه الله البالغ على تضامن العالم الإسلامي، و وحدة كلمة الأمة، بكل مذاهبها ومدارسها الفكريّة، وعلى إخراجها من النفق المظلم، وتجنيبها خطرَ التفكك والتشرذم. وقد أتى هذا المؤتمرُ للتأكيد على معنى التضامن الإسلامي الحقيقي من أجل تجاوز حالة التشرذم والتمزق التي تعيشها الأمة، ودُرِسَتْ فيه سُبُلُ الخروج من الأزمات التي تعصف بالعالم الإسلاميّ، ولاسيما قضية سفك الدماء البريئة في سوريا وقضية القدس اللتين تصدّرتا ملف جدول الأعمال في المؤتمر. وفيما يخص بالوضع المأسوي المتفاقم سوءًا في سوريا ظلّ المجتمع الدوليّ منذ اندلاع الثورة في مارس 2011م بين معسكرين شرقيّ وغربيّ فارتأى المؤتمرون أن إيجاد اتفاق عاجل مؤثر مثمر بين القوى الخمس العالمية هو الطريق الوحيد لعلاج الوضع الحالي في سوريا؛ لأن الحرب الباردة عادت مُجَدَّدًا من الباب السوريّ؛ حيث إن روسيا والصين في جهة وأمريكا والغرب في جهة أخرى. وأكد المؤتمر على الزعماء أن يُضَحُّوا من أجل شعوبهم لا أن يتناحروا من أجل مصالحهم، واتفق القادة في المؤتمر على إعفاء سوريا من عضوية منظمة التعاون الإسلامي على غرار جامعة الدول العربية إلى أن تتوب من سفك دماء الشعب السوري، كما اتفقوا على إدانة النظام السوريّ بكل الفظائع التي يرتكبها ضدّ الشعب البريء. وكان هناك ملفّ مهم فيما يتعلق بأعمال العنف والمجزرة الوحشية والظلم والاغتصاب والأزمة الإنسانية الخانقة التي يعيشها المسلمون في «بورما» – ميانمار – واتفق القادة على طرح قضية مسلمي «ميانمار» في مجلس الأمم المتحدة لدى دورته القادمة. ودرست ملفات أخرى كثيرة تهم الأمتين العربية والإسلامية.
وبذلك فقد استحق خادم الحرمين الشريفين ثناء وشكر الأمة الإسلامية وجزاءَ ربّه الكريم بفضله ومنّه. وقد كان جديرًا بما صنع، لأنه يُعْتَبَرُ في الوقت الحالي حارس الأمة جمعاء، لمكانه الذي يتمتع به من حيث كونه مَلِكاً رشيدًا للمملكة العربيّة السعودية التي تحتضن الحرمين الشريفين ومهد العروبة والإسلام ومطلع الدعوة الإسلامية والمكان الذي تم فيه آخر اتصال للسماء بالأرض، ومَوْلِد ومُهَاجَر ومدفن النبيّ العربي الأمي الهاشميّ القرشي المطلبيّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي تحبه الأمة أكثر من حبّها لنفسها ولأوطانها؛ فكل دعوة تنطلق من هذه الأرض المباركة تجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية وجوارح مطيعة، فجزاه الله كلَّ خير، وأحسن إليه كما يحسن هو دائماً إلى الأمة، ومدّ في عمره مع مزيد التوفيق لما يُرَجَّح كِفَّة حَسَنَاته، ومع موفور الصحة. واللهُ لا يُضِيْعُ أجرَ المحسنين.
نور عالم خليل الأميني
(تحريراً في الساعة 12:30 من ظهر يوم الخميس: 11/ شوال 1433هـ الموافق 30/أغسطس 2012م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذو القعدة 1433 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2012م ، العدد : 11 ، السنة : 36