العالم الإسلامي
بقلم: التحرير
منذ أيّام – ونكتب هذه السطورَ في 28/رجب 1433هـ الموافق 19/يونيو 2012م: الثلاثاء – أفادت الأنباء أن بعثة المراقبين الأمميّة الموسّعة الأخيرة هي الأخرى أعلنت فشلها في إحلال الأمن والسلام للعجزة والمرضى والنساء والأطفال والمسنين وعامة المواطنين الأبرياء في سوريا، التي يسحقون فيها تحت رحى الحرب المدمرة التي شنها منذ أكثر من عام جزار «سوريا» المدعو بالاسم العربي الجذاب «بشّار الأسد» البعثي العلوي النصيري الذي يؤمن بألوهية سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
وما إن أعلنت البعثـة فشل مهمتها في جولتها الأخــيرة هي الأخــرى، التي كان قـــد علَّق عليها المسلمون في العالم آمالَهم الكبيرة في شأن استتاب الأمن والسلام وحقن الدماء البريئة التي ظل يريقها بشار الأسد – ولا زال – حتى اشتد هجــوم جيش النظام السوري على المواطنين الأبرياء العزَّل الذين لايجدون منذ أكثر من سنة دواءً ولا غذاءً ويعيشون حياةَ المعاناة الشديدة القاسية التي لايعلم إيلامها إلا الله العليم الخبير؛ حيث أفادت الأنباءُ اليومَ: الثلاثاء 28/رجب 1433هـ الموافق 19/يونيو 2012م أن المعارضة السورية التي تقوم بمقاومة النظام وتقود الثورة ضدّه صَرَّحت لوسائل الإعلام العـالمية أن بعثة المراقبين ما إن أعلنت إيقافها لعمليتها حتى بدأ جيش الأسد عمليات القصف على المستوى الوحشي الشامل ولاسيّما في منطقة سوريا الشمالية، الأمر الذي ذهب ضحيته 50 من المواطنين على الأقل وسقط منه مئات من الجرحى يوم السبت: 16/يونيو 2012م = 25/رجب 1433هـ (بالتقويم الهنديّ) حيث قال أحـد قيــادات الثورة أبوعماد من مدينة «حمص» التي هي على 140 ك م من دمشق العاصمة، لـ«رويـترز» في اتصال هـاتفي أن 85٪ من المدينــة تتعـرض الآن لقصف عنيف، ويستخدم الجيش النظامي والشبيحة آليات عسكرية هائلة في استهداف المواطنين، مما سَدَّ طريق المرضى والجرحى إلى المستشفيات ولاسيّما لأن الشبيحة تسيطر على المستشفيات منعاً لجرحى الثورة من تلقي العلاج بها.
وقد أجمعت المصادرُ الموثوقُ بها على أن الشعب السوري المنكوب يعاني المشكلات بأنواعها كلها في طريق الإبقاء على حياته وعرضه، وكلّه صار ثورة ضد النظام باستثناء أعداد محدودة جدًّا من العلويين والشيعة والدروز والإسماعليين والمسيحيين، وكلهم يشكلون قلة قليلة بالنسبة إلى جماهير الشعب السوري الذي ينضم بخطى متسارعة إلى «الجيش الحرّ» الذي يقوم بمقاومة «الجيش النظامي» والشبيحة الموالية. مما عاد يُشَكِّل قناعة كبيرة بحتمية سقوط النظام السوريّ، تزداد مع الأيام وتسارع الأحداث والتطورات في الواقع الميداني. والمُعَلِّقون العالميّون يُجْمِعُون على أن قضية سقوط النظام قضية وقت لايمكن التنبأ بتحديده بدقة؛ ولكنه حتمي مؤكد.
وذلك الرأي ليس مبنيًّا على التفاؤل المجرد أو إحسان الظن فقط، وإنما هو مؤسس على قراءة الواقع الميداني والخطط الموضوعة لإسقاط النظام من قبل «قوى الثورة» التي أثبتت بسالتها وإصرارها على الاستمرار في تقديم كل نوع من التضحيات، مما جعل المراقبين يتأكدون أن النظام بدأ يتراجع على جميع المستويات العسكرية والأمنية، والسياسية والاقتصادية، والميدانية والشعبية؛ لأن المؤشرات كلها تقول: إنّ «الجيش السوريّ الحرّ» يحقق إنجازات ميدانية ملموسة مقابل انحسار في نفوذ وحضور أجهزة النظام العسكرية والأمنية. وقد تكوّن هذا الجيش في 29/يونيو 2011م، أي بعد اشتعال الثورة بأربعة شهور ونصف تقريباً. ويعتمد هو في عتاده العسكري الذي يقوم به بعمليات باسلة ضدّ الجيش النظامي على الغنائم التي يغتنمها من الجيش النظامي؛ وعلى شراء السلاح من «الأسواق السوداء» لبيع السلاح؛ وعلى شحنات السلاح التي تصل عن طريق المُهَرِّبِين وتجار السلاح من تركيا ولبنان.
وتمكن «الجيش الحر» من الانتشار تدريجيًّا في غالبية المحافظات والمدن والقرى السورية، ويتركز حاليًّا بكثافة في كل من محافظة «درعا» ومحافظة «حمص» ومحافظة «حماة» ومحافظة «إدلب» ومحافظة ريف «دمشق» ومحافظة «حلب» ومحافظة «دير الزور» ولعل من التطورات اللافتة للنظر مؤخرًا، تسلل عناصر من الجيش الحرّ إلى أكبر وأهم محافظتين، وهما «دمشق» و«حلب» حيث تمكّن من تنفيذ عمليات عسكرية في مدينتي «دمشق» و«حلب».
وأكدت المصادر أن عامل الوقت يُصَبّ في مصلحة الثورة وليس العكس؛ فصمودُ الثوار يرفع الحالة المعنوية لدى جماهير الثورة، وبالمقابل يضعف الحالة المعنوية لدى النظام؛ وأن عزلة النظام تزداد إقليميًّا ودوليًّا، وخصوصًا بعد مجزرة «الحولة» الأخيرة التي لم يتمكن النظام من تقديم إجابات مقنعة حولَ الجهات التي نفّذت هذه المجزرة التي ذهب ضحيتها كثير من الشعب وبادت قرى بأسرها، وإن تكوين لجنة محايدة من مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في المجزرة زاد من أزمة النظام، بالإضافة إلى شعور القوى الدولية المساندة للنظام السوري بالحرج الشديد نتيجة جرائم النظام المتزايدة المتصلة. كما أن النظام لم يقدر بعد – ولن يقدر – على إيجاد قوى شعبية محترمة لدى العالمين العـربي والإسلامي تؤيده، واقتصرت القوى الشعبية المؤيدة للنظام على القوى الشيعية في العراق ولبنان وإيران والبحرين، بالإضافة إلى فلول القوى القومية واليسارية، ولم يقدر – ولن يقدر – على إيجاد الغطاء العربي والإسلاميّ السنّي؛ لأن جميع القوى الشعبية السنّية وقفت ضدّه، حتى إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي الأخرى وقفت ضده، وكان لخروج قيــادتها من سـوريا دور كبير في نزع أحد أهمّ الأوراق التي كان يحاول أن يتغطى بها في الماضــي، ومما أضعف مـوقف النظام بشدة هو دخول مدينتي «دمشق» و«حلب» على خط الثورة بقوة كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة؛ لأن هاتين المدينتين هما اللتان ستحسمان المعركة النهائية مع النظام.
وتشير المعلومات الأخيرة الواردة من سوريا المنكوبة أن القيادات السياسيّة والأمنية والعسكرية الكبيرة في النظام، تقوم بتهريب أموالها إلى الخارج والسعي الحثيث لإيجاد ملاذات آمنة لها بعد انهيار النظام، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أنهم على تأكّد من أن النظام سينها وفي لحظة ما.
ورغم التفاؤل الكبير الذي يفيد أن المظلومين في سوريا سينتصرون عما قريب، هناك مخاوف أن يحاول النظام عن طريق إيران وروسيا والصين والقوى الشيعيّة في الدول المجاورة لإثارة حرب أهلية طويلة تزهق الأروح، وتبيد الممتلكات، وتأتي على كل أخضر ويابس في هذه البلاد العربية الإسلامية التي بارك الله فيها، و وردت أحاديث كثيرة في فضلها.
لأن رئيس البعثة الأممية الموفدة إلى سوريا صَرَّح مؤخرًا أن سوريا الآن في حالة حرب أهلية، وفي هذا السياق اتهمت أمريكا روسيا أنها زوّدت النظام السوري الغاشم بمروحيات مقاتلة بعدد كبير، كما وردت الأنباء تقول: إن كلاًّ من روسيا والصين وإيران أزمعت على القيام بمناورة عسكرية كبيرة في سوريا بالاشتراك مع جيش النظام السوري تكاتفاً معه ورفعاً للروح المعنويّة لديه وتزويدًا له بالأسلحة الكافية بالتستر بالمناورة.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1433هـ = يوليو – سبتمبر 2012م ، العدد : 9-10 ، السنة : 36