المسؤول السياسي بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الهند يزور الجامعة برغبة من السفارة، ويجتمع برئيسها ويبحث معه قضايا ساخنة فضيلة الرئيس يحيطه علماً بمشاعر المسلمين في العالم التي جرحتها أمريكا بتصرفاتها الإجرامية ضد الإسلام والمسلمين

أنباء الجامعــة

       يوم الأربعاء: غرة رجب 1433هـ الموافق 23/مايو 2012م، زار الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند، المسؤول السياسي بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بدهلي الجديدة «جامس بلازمان» (Jams Plasman) . حَضَرَ الضيفُ الجامعةَ في نحو 11 من صباح اليوم المذكور برفقة عامل هندوسي اسمه «دنيش دوبي» (Denish Dobe) يعمل بالسفارة منذ سنوات طويلة، واستقبله في المضيف الجامعي رئيس الجامعة فضيلة الشيخ المفتي أبوالقاسم النعماني/ حفظه الله ورعاه، ونائباه: الشيخ عبد الخالق المدراسي والشيخ عبد الخالق السنبهلي وكبار أساتذة الجامعة.

       وكان مسؤول السفارة الأمريكية في زيارة للجامعة كممثل للسفيرة الأمريكية التي تولّت أعباء السفارة منذ شهور خلفاً للسفير الأمريكي الذي غادرها إلى أمريكا حسب النظام المبرمج لدى الإدارة الأمريكية المعنية.

       وقد أعرب فضيلة رئيس الجامعة في حديثه العفوي الذي دار في قاعة الاجتماع في دارالضيافة الجامعية في المجلس الذي اجتمع فيه بالمسؤول الأمريكي على مأدبة الشأي والذي حَضَرَه كبارُ الأساتذة ونائب رئيس الجامعة الشيخ عبد الخالق المدراسي ونائبه الآخر الشيخ عبدالخالق السنبهلي.. أعرب عن مشاعره الجريحة ومشاعر مسلمي العالم المكلومة، وعن موقف الجامعة – الذي هو موقف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ولم يستند في حديثه الصريح كلَّ الصراحة إلى أيّ أسلوب من المجاملة يستند إليه المضيف عادة لدى حديثه مع ضيفه؛ لأن جرح القلب كان قد انتقض بنحو لايقدر الجريح على احتمال ألمه – وقد بَدأَ الحديث وساهم فيه بفعاليّة نائبه الشيخ عبد الخالق المدراسي وتخلل حديثَهم من حين لآخر حديثُ كاتب هذه السطور: نور عالم خليل الأميني الذي أثار بعض النقاط الهامّة، ووضع النقاط على الحروف في شأن بعض القضايا الحرجة.

       أعرب فضيلته عن موقف الجامعة وموقف المسلمين في العالم مما تصنعه أمريكا مع الإسلام والمسلمين في العالم، باسم «الحرب على الإرهاب» قائلاً: إنّ المسلمين في شبه القارة الهندية وفي مشارق الأرض ومغاربها يكرهون أمريكا أشدّ الكراهية لتدميرها لأفغانستان وباكستان والعراق دون أي مُبَرِّر، وكيلها الكيلَ المزدوجَ؛ حيث إن إسرائيل تصنع مع الإنسان الفلسطيني ما تشاء من الظلم الوحشي، فتقتله صباح مساء، وتحتل أراضيه، وتدمر مقدساته، وتهتك أعراضه، وتعذبه في السجون، وتمنع منه الماء والكهرباء والغذاء والدواء، وتنفي منه من تشاء إلى خارج الوطن، وتدوس جميع القوانين الدولية والقرارات الأممية؛ ولكن أمريكا لاتوجه إليها حتى كلمة زجر وتوبيخ؛ بل تعلن من حين لآخر أنها ستقف بجانب إسرائيل تجاه أي ضرر ينالها. وإن أمريكا بدل أن تؤدب إسرائيل تعتبر فصائل المقاومة الفلسطينية إرهابيّة، وتندد بها، وتدينها بـ«جرائمها» أي بعملياتها المقاومية التي تقوم بها في غياب عن الأسلحة والعتاد.

       وإن إسرائيل لديها كل نوع من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التقليدية بجانب الأسلحة النووية؛ ولكن أمريكا لاتطالبها بالحدّ من أسلحتها أو إجراء التفتيش حول برنامجها النووي المتطور من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية، كما تطالب جميع الدول الإسلامية بذلك وطالبت بذلك العراق، وشنّت عليه الحرب الشعواء بدون أي رضا من قبل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، بحجة أن لديه أسلحة دمار شامل، ودمرته عن آخره، وقتلت أكثر من مليون إنسان عربي مسلم في العراق وجرحت ملايين آخرين، وتركته خراباً يباباً لايمكن إصلاحه في قرون آتية، وزرعت في ربوعه الخلاف والشقاق والصراع والتناحر حتى لايصلح أبدًا. وخاضت ولاتزال حرباً مدمرة مع أفغانستان بحجة واحدة وهي أنها تؤوي أسامة بن لادن الذي دَمَّر مركز التجارة العالمي بأمريكا؛ ولكن أمريكا لم تقدر لحد الآن إثبات أن تفجيره تم بيد أسامة ورجاله؛ بل إن كثيرًا من خبراء الغرب وأمريكا أكدوا أن تفجيره تمّ بأيدي الصهاينة الذين تعاون معهم مسؤولون أمريكيون كبار.

       كما ثبت أن العراق لم يكن لديه أي من أسلحة الدمار الشامل، فهل يحق للعالم أن يطالب بمحاكمة «بوش الابن» ورجال زمرته وأن يطالب بإعدامهم شنقاً على رؤوس الأشهاد في العالم، حتى يكون ذلك بعض العوض عما صنعه «بوش» ورفاقه مع صدام حسين العربي المسلم – الذي كان عربيًّا مسلماً على علاته الكثيرة وذنوبه الكبيرة – ويكون ذلك بعض الجزاء عن قتل وجرح ملايين المسلمين في هذه الدول ويكون ذلك مسحاً لبعض الدموع الغزار التي جرت من دموع المسلمين في العالم عندما شاهدوا بعض صور التعذيب الذي جرى من قبل أمريكا وحكامها المجرمين مع مسجوني «غوانتانامو» و«أبي غريب» في العراق و«بغرام» في أفغانستان.

       لماذا تقتحم أمريكا جميعَ الدول الإسلامية بجيشها وأسلحتها وعتادها دون دعوة منها لتدمرها ولتقتل شعبها المسلم؟ إننا لن نرضى عن أمريكا إلاّ إذا صنعت ما يأتي:

       1 – تُعَاقِب «بوش الابن» وغيره من القادة الإجراميين معاقبة عادلة؛ بل تعدمهم شنقاً حسب المحاكمة العادلة.

       2 – تعاقب إسرائيل معاقبة عادلة، وتقعد عن الوقوف بجانبها، وتمنعها من تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى، وتعلن أن مدينة القدس هي عاصمة فلسطين الإسلاميّة، وتمتنع عن مساعدة إسرائيل عسكريًّا وماديًّا، وتتخذ اللازم عاجلاً للعودة للاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين، وتوجد الحلّ العادل للقضية الفلسطينية الذي يرضاه المسلمون في العالم.

       3 – تسحب جميع جيشها وعتادها عن كل الدول الإسلامية إلى أمريكا، ولا تهجم مستقبلاً على أي دولة مسلمة.

       4 – تسحب جميع قواتها دونما تأجيل من كل من أفغانستان وباكستان، ودول الخليج العربية التي هي أصلاً تراث إسلامي محمدي لا نصيب فيه لليهود والنصارى والوثنيين الذين يتقلّبون فيها اليوم.

       5 – تُقَدِّم أمريكا على لسان رئيسها وقادتها الكبار اعتذارًا واضحاً إلى العالم الإسلامي العربي عما صنعت معه من جرائم الحرب والقتل والتدمير، مع التعهّد الأكيد بأنها لن تعود لمثله أبدًا.

       6 – تمتنع عن التدخل الثقافي أو السياسي أو العسكري أو الاقتصادي في بلادنا العربية الإسلامية، وتتعهد أنها تعيش معنا كفرد سوي السيرة من أفراد المجتمع الإنساني، وتتوب توبة نصوحاً من جرائمها الماضية وذنوبها السابقة.

—————

       وقد قال فضيلة الرئيس حفظه الله للمسؤول الأمريكي: أن يُبَلِّغ عواطفنا هذه رجالَ الإدارة الأمريكية في أمريكا والسفيرة الأمريكية لدى الهند، حتى يعلموا بمشاعرنا الصادقة، وحتى يتأكدوا أن أمريكا يموقفها الأخرق حَوَّلَتِ العالم الإسلامي والعالم العربي عدوًّا لدودًا لها، وليس في العالم مسلم صادق يحب أمريكا. والعلاجُ لذلك لايكمن في المزيد من البطش والإجرام اللذين ترتكبهما أمريكا، وإنما العلاج لذلك يكمن في تغيير الموقف، ومراجعة الحساب، وتصحيح المسار، والكيل بالمكيال المُوَحَّد العادل؛ لأن العدل هو الذي يزرع الأمن، ويبسط السلام، وينشر الأمان، والظلمَ – الذي ترتكبه أمريكا – هو الذي يُعَمِّم الخوفَ، و اللااستقرارَ، واللاأمنَ واللاسلامَ واللاثقة.

—————

       وعندما رأى مسؤول السفارة الأمريكي أنه ليس لديه ما يقول لنا – نحن مسؤولي وأساتذة الجامعة – لكي يُقْنِعَنا بموقف أمريكا الحالي من العالم الإسلامي، فغيّر مسار الحديث، وقال: وهل أنتم المسلمين تعانون مشاكل داخلية في بلادكم الهند؟ فقال فضيلة رئيس الجامعة: إن المشاكل التي نعانيها هنا كلها قابلة للحلّ والعلاج؛ لأننا نعلم أن الجمهورية عندنا قوية الجذور، وأن دستور بلادنا رحب الصدر، وأن المحاكم عندنا حرّة ونؤمن بعدالتها. وإن هذه المشاكل إنما تحصل من قبل متطرفين هندوس يتلقون الدرسَ والتوجيهَ من قبل الصهاينة والصليبيين في كل من إسرائيل وأمريكا، وقد تَوَطَّدَت صلاتهم بهم في السنوات الأخيرة، فعادوا ينحون منحى الصهاينة والصليبيين في اعتبار الشباب المسلم المثقف ثقافة عالية إرهابيًّا، وإلقاء القبض عليهم والزج بهم في السجون دونما إدانة قضائية وتعذيبهم فيها، وإضاعة شبابهم ومؤهلاتهم العلمية؛ ولكن هذه المشاكل جديرة بالعلاج؛ لأن برلماننا قويّ ديموقراطي، ومحاكمنا حرة مستقلة في النظر وإصدار الحكم، ولأن دستور الهند ضامن بحلّ كل مشكلة تعترض طريقَ اي طائفة من طوائف البلاد، ولا نحتاج في ذلك إلى طلب مساعدة من أمريكا أو دولة غربية أثارت في جميع بلادنا الإسلامية والعربية من المشاكل والقلاقل ما لايكاد يقبل حلاًّ.

—————

       وفي نحو الساعة الواحدة تناول المسؤول الأمريكي الغداء بحضور فضيلة رئيس الجامعة وكبار الأساتذة بقاعة الاجتماع بمضيف الجامعة، ثم تَجَوَّلَ الرجل في محيط الجامعة واطّلع على المساجد الثلاثة في المدينة الجامعية والمباني القديمة، والمباني الجاري إنشاؤها، بما فيها مبنى المكتبة المركزية وخزان ماء شامخ، وفي الساعة الثانية والنصف غادر الجامعة.

—————–

       ولدى توديعه على بوابة دارالضيافة الجامعية قال فضيلة رئيس الجامعة لمسؤول السفارة الأمريكية: نذكركم – ولا نذكر ناسيًا – بأن تبلغوا مشاعرنا المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى عن طريق السفيرة الأمريكية، حتى لا تَغْتَرَّ أمريكا بأنها ستظل تجني من الشوك العنب؛ لأن أحدًا لا يطلعها على الغضبة العارمة التي تشتعل في صدور المسلمين في العالم تجاهها، وقد تدرك ذلك؛ ولكنها لاتعالجه بالدواء الشافي الذي يمكن أن يعطي مفعوله فيه، وإنما تعالج الأمراض بالأمراض أو بما يزيدها تعقيدًا وشدّة.

       وقال له: إن دارالعلوم/ ديوبند، أو الشعب المسلم الهندي أو الشعب المسلم في العالم لا تكره الأمريكيين من حيث كونهم إنساناً، وإنما تكره أمريكا لموقفها الإجراميّ الذي عاد لايحتمله أي مسلم في قلبه حياة أو أي ذرة من الحميّة.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1433هـ = يوليو – سبتمبر 2012م ، العدد : 9-10 ، السنة : 36

Related Posts