دراسات إسلامية
بقلم : الدكتور عبد الحكم الصعيدي
أبوبكر الرازي وهب نفسه للمعرفة، ووقف حياته على إسعاد الآخرين، شاءت له الأقدار أن تكون حياته سلسلة من الكفاح والتحصيل العلمي، بدأ حياته بدراسة الكيمياء، ونبغ فيها نبوغ الأفذاذ، إليه ينسب اختراع البارود، تلك المادة العجيبة التي لاتزال تستخدم حتى الآن في صناعة المفرقعات، وهو أول من حضَّر حمض الكبريتيك، والكحول، وغير ذلك من المواد، ولما ادرك خطورة هذه الأشياء تعلم الفلسفة بمعناها الواسع واتخذ الأخلاق الحميدة منطلقا لذلك، إيمانا منه بأن الأخلاق هي سياج العلم وحصنه كما يقول القائل:
لا تحسبن العلم ينفع وحده
ما لم يتوج ربه بخلاق
ثم درس الطب، وضرب فيه بسهم وافر ونصيب كبير، واعتبره ضربا من ضروب الكيمياء، ومنطلقا من منطلقاتها، واهتم في طبه بالشرائح الكادحة من المجتمع، والذين ربما لايتيسر لهم استشارة الطبيب إذا ما مرضوا لضيق ذات اليد، لقد اهتم بطب الفقراء، فيسَّر لهم ذلك في كتاب أسماه «من لا يحضره الطبيب».
ونظرا لارتباط الطب بالصيدلة واعتماده على الدواء فقد درس الصيدلة على نحو جديد، واقتضاه ذلك أن يدرس النبات والحيوان والمعادن، كما اهتم بتغذية كل من الإنسان والحيوان، فقدم للناس لونا بارعا من الصيدلة، أطلق عليه: «الصيدلة الكيماوية»، واستخدم الاكسير في تحويل المعادن الخسيسة كالرصاص والنحاص إلى المعادن النفيسة كالذهب والفضة.
وتقلد المناصب الرفيعة في الطب، ونذر نفسه وجهده لخدمة الإنسان، وإعلاء صرح الأخلاق الفاضلة التي نبع من مشكاة الدين، حتى شهد له محبوه وشانئوه بالنبوغ والسبق، شهد له علماء الشرق، وتتلمذ على يديه علماء الغرب.
ولو شاء صاحبنا أن يكون فاروق عصره لفعل، فقد كانت الظروف كلها مواتية له، وكان أثيراً لدى الأمراء، وكان رئيسا للأطباء، ولكنه كان يرى بثاقب فكره ورجاحة عقلة، وصفاء قريحته وذهنه، أن الكمال في الاعتدال، وأنه يجب على العالم أن يضرب من نفسه المثل والقدوة حتى يصير أهلا للاتباع، كما يقول القائل:
يا أيها الـرجل المعلم غـيره
هلا لنفسك كان ذا التعـليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
كيما يصح بـه وأنت سقيــم
ابدأ بنفسك فـانهها عن غيها
فإذا انتهت عنــه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويشتفى
بالقـول منك وينفــع التعليم
النشأة الأولى
وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي، وهذا اسمه الكامل ولد في مدينة «الرَّي» الفارسية، وهي مدينة إيرانية، تقع حالياً جنوب شرقي طهران، وقد كان ميلاده في منتصف القرن الثالث الهجري (250-313هـ) الموافق النصف الأول من القرن العاشر الميلادي (864-925م)، عاش حياة حافلة بالكفاح والجد أَرْبَتْ على اثنين وستين عاماً.
وكانت «الراى» آنذاك موطناً للعلم والأدب والنبوغ والتفوق، فنهل من معين هذه البيئة، فاعتكف في محراب العلم، وصرف نحوه جُلَّ همه وهمته، كما أعرض عن مغريات الحياة التي يهيم بها أترابه وأقرانه، من نحو التجارة والصيرفة وغيرها، فكان منذ نعومة أظفاره، وخلال صباه الباكر، مولعاً بالعلوم العملية والعقلية؛ لما امتاز به من ذكاء وفطنة، ساعد على إبرازها علو الهمة، حتى صار من أشهر فلاسفة الإسلام والأطباء التجريبيين.
الاهتمامات العلمية دراسته للكيمياء:
تمثل الكيمياء العربية علماً معترفاً به، وبأسسه الفلسفية والتجريبية، ولما كان الاتجاه السائد في دراسة الكيمياء هو الوصول إلى الثراء والشهرة، والعيشة الرافهة، لما يمكن أن تدره من عائد على أصحابها، فقد أقبل الرازي على دراستها، ولكن يبدو أن الأقدار كانت تعده إعاداً أسمى من ذلك، وكما يقال: «تقدرون وتضحك الأقدار»، فقد رمدت عيناه ذات مرة من كثرة اشتغاله بالاكسير والكيمياء، فذهب إلى أحد الأطباء للعلاج، فطلب منه ذلك الطبيب خمسمائة دينار مقابل العلاج، فقال الرازي في نفسه لنفسه: هذه هي الكيمياء الحقيقية، وكانت تلك الواقعة بمثابة حجر الزاوية في تغيير مساره العلمي، فاتجه إلى تعلم الطب.
لقد أحدثت واقعة الرمد هذه تغيراً جذرياً في اتجاهات الرازي، ولكن هذا التغير ربما كان تصحيحاً للمسار، وتصويباً لاتجاه السير، فقد كان هذا الفتى شغوفاً بالطب والأطباء منذ طفولته، وربما أنه اندفع إلى تعلم الكيمياء في أول الأمر لما لها من أهمية جعلت الكثيرين يتعلقون بدراستها، ولكنه تنبه إلى أن الاشتغال بالطب أهم من ذلك وأخطر، ورب ضارة نافعة؟!
ولم يغب عن فطنة الرازي أن يستفيد بثقافته الكيميائية، ويوظفها في خدمة الطب؛ ذلك لأنه نظر في هذا الأمر نظرة فلسفية عقلية، فرأى أن للكيمياء بالطب وثيق صلة، وأنها لازمة له، إلى حد أنه اعتبر الطبَّ كيمياء، فالمرض والعلاج لايدلان إلا على حدوث عمليات كيميائية داخل جسم المريض، حتى يمكن الوصول إلى البرء والحالة السوية، ولذلك فقد اعتبر الطبيب المسلم أبو بكر الرازي مؤسس الطب الكيميائي.
فلسفة جديدة
لما كان المجتمع العربي في تلك الأثناء يحتم على الطبيب أن يدرس الفلسفة، وأن يلم إلماماً جيداً بها، فقد اتجه الرازي إلى دراسة هذا الفن، ولقد نحابها نحواً جديدًا، فلم يجعلها قاصرة على مجرد تحصيل علم المنطق، والبحث في قضاياه ومسائله، بل نطر إليها من مفهوم عام، فامتد مفهومها عنده ليشمل كل العلوم التي تنشط الذهن وتقوى ملكاته، وتعينه على التصور والإدراك، فهي تشمل العلوم الرياضية والطبيعية والمنطقية، فهذه الفروع جميعاً تجعل صاحبها أقدر على الاستنتاج والتحليل، فضلاً عن قدرته على التفسير والتعليل.
ولقد أثمر ذلك في سلوكه، أصبحت الفلسفة عنده تعنى المشاركة الفعالة في الحياة، بدلاً من الانزواء والانطواء، والبعد عن معايشة المجتمع والمشاركة في حل قضاياه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لايخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، فكان الرازي يرى أن من شروط الفيلسوف أن تكون له مهنة شريفة يتكسب منها؛ حتى لا يكون عالة على الناس، ولقد سرت هذه النظرية العامة إليه من دراسته لعلم الكيمياء، فالكيمياء يمتد مفهومها ليشمل تلك التفاعلات الحياتية التي تمتد بين الإنسان ومجتمعه ولا تقتصر على مجرد التفاعلات التي تحدث في المادة فحسب، وفي هذا يقول: «أنا لا أسمى الفيلسوف فيلسوفاً إلا إذا تعلم صناعة الكيمياء؛ لأنه يكون قد استغنى عن الناس، وتنزه عما في أيديهم».
الفلسفة بالصيدلة
وإذا كان الرازي قد أوجب على الفيلسوف أن يتعلم الكيمياء، فلم يكن غريباً أن نراه يلزم نفسه بدراسة الصيدلة لما لها من صلة قوية بالكيمياء والطب، وفعلاً فإليه يرجع الفضل في تقسيم المواد طبقا لمواصفاتها الكيميائية إلى ما يلي:
درس الفلسفة وحولها إلى أخلاق
1 – مواد ذات أصل نباتي.
2 – مواد ذات أصل حيواني: وتشمل: الشعر والصوف، والمخ، والمرارة والدم واللبن والبول والبيض، وغيرها.
3 – مواد ذات أصل معدني.. كالرصاص والنحاس، وغيرهما من المعادن.
4 – المواد المشتقة (العناصر المولدة: وتشمل عددًا من الأكاسيد المختلفة للرصاص، والنحاس، والخارصين، وغيرها.
وهو بهذا الصنيع يعتبر أول مصنف لهذه المواد على هذا النحو، وإليه يرجع الفضل والسبق في تحضير كثير من المواط الكيميائية التي لا تزال معروفة حتى يومنا هذا، فهو أول من حضَّر حمض الكبريتيك، وقد سماه «الزاج» أو «الزاج الأخضر»، كما يرجع الفضل إليه أيضاً تحضير البارود والذي يستخدم في المفرقعات وفي الحروب حتى الآن، وإن كان هناك من يعزو ذلك لغيره، جرياً على عادة الذين يستهويهم سلب فضائل الناس، كما قام بتحضير الكحول من المواد النشوية المتخمرة، وقد أباحه للصيادلة لتركيب الأدوية، وهو أول من ابتكر خيوط الجراحة، وأول من حضَّر مراهم الزئيق.
وإليه يرجع الفضل أيضاً في الارتقاء بمستوى الصيدلة؛ حيث صبغها بالصبغة الكيميائية؛ ذلك لأن الصيدلة – قبله – كانت مختلطة بالفلسفة العقلية، فكان الصيادلة العشابون يفسرون تأثير النباتات تفسيراً فلسفياً بحتاً، مع مزج ذلك بروح دينية وأدبية، فكانوا نباتيين في معظمهم، أي أنهم كانوا يعتمدون على الاقناع النفسي للمرضى، ومن هنا بدأ الرازي يفكر في دراسة النباتات دراسة وافية ليقف على طبيعة المواد الفعالة التي تحتويها حتى تكون الصيدلة مبنية على العلم لا على الحدس والتخمين، فذلك أدعى لثباتها، لأن الحدس والتخمين يختلف من شخص لآخر، وبالمثل درس الحيوان دراسة مستفيضة، كما درس المعادن، وقد نحا بالصيدلة نحواً جديدًا، حيث أدخل التغذية الصحيحة ضمن الدواء، فهي أساس للعلاج، فكان يرى أنه يتحتم على الطبيب الإلمام بخصائص الأغذية والأدوية فضلاً عن إلمامه بالكيمياء.
في الطب النفسي
ولم يغب عن بال الرازي أن يهتم بالنفس، لأن الانسان مركب من مادة وروح، وكما أن البدن تعتريه الصحة والمرض، فلا يستبعد أن يطرأ على النفس مثل ذلك، فاهتم بالطب الروحاني، أي الطب النفسي، والطب الروحاني أوالنفسي عنده يعنى تقديم السلوك والأخذ بالأخلاق الحميدة، فكان يقول: «إن أشرف شيء وأروعه هو قدرتنا على قمع الهوى وترويض النفس الأمارة بالسوء».
وهو بهذا المنهج وبهذا الاتجاه يصوب الاتجاهات الخاطئة التي وقع فيها غيره، من الذين يعتمدون في الطب الروحاني على الطلاسم والتعاويد التي لا تعدو أن تكون شيئاً من التهويم غالب الأحيان، وقد اتجه إلى ذلك من منطلق إيمانه بالمصارحة بالحقيقة، ومحاولة الوصول إليها في وضح النهار، بدلاً من التسلل إليها تحت جنح الظلام.
منهجه في الدراسة والعلم:
لقد اتبع هذا العالم منهجاً علمياً ممتازاً، فقد استفاد بعلوم غيره من السابقين أمثال جابر بن حيان، والجاحظ، وجالينيوس، وغيرهم، مما جعل لتآليفه وكتبه أكبر الأثر في تقدم العلوم وازدهار المعارف البشرية، وتتضح لنا ملامح هذا المنهج عند استعراضنا النقاط التالية:
اهتم الرازي بالتجربة؛ ذلك لأنها تعتمد على الملاحظة الدقيقة، وتكون النتائج التي يتوصل إليها عن طريقها مقبولة ومعقولة، وفضلاً عن هذا وذاك فإن استخدام التجربة والقياس وسيلة من وسائل دفع المعرفة إلى الأمام؛ فهي تعمل على تحرير العقل من الجمود والتقليد، وهذا لا يعفى من تمحيص الآراء والنتائج المجمع عليها أو التي يتم التوصل إليها عن طريق البسطاء من الناس نتيجة لكثرة ملاحظاتهم.
وإليه يرجع الفضل في استخدام حيوانات التجارب بالنسبة للأدوية التي تطبق على الإنسان، فكان يجري تجارب الأدوية على الحيوانات قبل تطبيقها على الإنسان والتوصية بها في علاجه، فاستخدم القرد كحيوان للتجارب، وكان يعطى الحيوان كوباً من الخمر ليجرب الدواء عليه وهو في هذه الحالة أحياناً، فقد كان يرفض تجريب الدواء على الانسان المريض.
ولاشك في أن العلم الحديث قد أيد ذلك، نظراً لما يمكن أن يكون لهذه المواد من آثار جانبية لا يتحملها الإنسان، وهي بطبيعة الحال تختلف من شخص لآخر، كما كان يرى أن اللصوص وأدعياء الطب سواء، بل ربما كان اللصوص أقل خطراً من أدعياء الطب، الذين يعرضون حياة الناس للخطر.
ولم يغب عن فطنة هذا البحاثة الاهتمام بدقة الملاحظة، حتى لقد أصبحت ملكة وسجية له، يستطيع عن طريقها تشخيص العلل والأمراض، حتى عُدَّ من أهل الفراسة، فكانت له القدرة على سبر أغوار النفس على طريق ملاحظة المظاهر الحسية، واهتم كذلك بتأثير البيئة على الكائنات الحية إيماناً منه بأن على الطبيب أن يبحث عن كل مظهر يستدل منه على حدوث العلة، كما كان يقوم باستجواب المرضى للوقوف على تاريخ عللهم، ومن الطريف في ذلك ما يلي:
* عرض عليه فتى يقئ دماً، فلم يعرف علته، فهداه تفكيره إلى سؤاله عن مصدر الماء الذي شرّبه، فعلم أنه شرب من بركة ماء راكدة، فخطر في باله أنه ربما يكون قد وصل إلى أمعائه شيء من طفيليات هذه البركة فطلب طحلباً من البركة، وهو نوع من النباتات المائية، ثم دفع قدراً منه في فم الفتى حتى أجبره على القئ، فخرجت مع القئ علقة، وهي نوع من الحيوانات الطفيلية التي تمتص الدماء وتحدث قروحاً في جدار المعدة والأمعاء، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على شمولية معرفته.
* أراد الخليفة العباسي «عضد الدولة» أن يمتحن مواهب الرازي، وحسن تصرفه، فاستشاره في بناء مستشفى في بغداد، وأراد منه أن يحدد له المكان الملائم لاقامته، فقام بوضع قطع متفرقة من اللحم النيئ في عدة مناطق من مدينة بغداد، وأخذ يلاحظ سرعة تعفنها وفسادها في تلك الأماكن، وفي النهاية اختار المكان الذي تأخر فيه فساد اللحم، إذا اعتبره هو المكان المناسب لبناء المستشفى أو «البيمارستان» لأنه علم من بطء فساد اللحم أنه أنقى هواء وقد كافأه الخليفة على استخدام هذه الطريقة المبتكرة بأن جعله مديرًا لهذا المستشفى، وذلك ضمن سلسلة من الاختيارات والمفاضلات.
وكان يرى أن المهن والبلدان واختلاف الأجواء لها تأثيرات شتى على صحة الإنسان، وكذلك تفعل الأدوية ويرتبط تأثيرها باعتدال المنطقة أو انحرافها، وهو ما يؤيده العلم الحديث، كما كان يعتقد في أن فترة الشفاء قد تقتصر عن فترة المرض، فالعلة التي تتجمع في أيام أو في شهور، قد يبرأ صاحبها في ساعة، ولذلك فقد ألف كتابه «برء الساعة»، كما كان من منهجه أن يبحث للمرض الواحد عن عدة أدوية، فكان يرى أن الصداع يمكن علاجه بالحجامة، أو بتناول الوصفات النباتية، كالعناب أو الكزبرة الناشفة.
وكان اهتمامه بالطرق الوقائية على مستوى اهتمامه بالطرق العلاجية.
مع المعارف العلمية
ولقد كان لاطلاعه الواسع، وجولاته المتعددة، ومعرفته بأسرار الكائنات الغريبة والعجيبة، أثر في نبوغه واتساع مداركه، وقد استفاد بذلك في استخدام خواص بعض الكائنات في العلاج، فلما تحقق من وجود «سمكة الرعاد» في نيل مصر، اقترح الاستفادة منها في علاج بعض أنواع الصداع؛ ذلك لأنها بها نوعاً من التيار الكهربي البطئ، الذي تستخدمه في الدفاع عن نفسها، فمن يلمسها تخدر يده، لا يلبث أن يخفق قلبه، وبالتالي فإنه يتركها فتهرب.
وألف الرازي طائفة من الكتب التي أودعها عصارة فكره وخلاصة تجاربه، وهي تعتبر آية في الاتقان والدقة، ونذكر منها ما يلي:
1 – كتاب الحاوي:
كتاب قيم، ألفه في الطب، وجمع فيه حصيلة علوم اليونان والهند والفرس، بالاضافة إلى خبراته وتجاربه وبحوثه، وهذا الكتاب آية في الدقة والملاحظة، وقد توخى في أن يكون طبقاً للمنهج العلمي التجريبي، فهو بهذا أكبر موسوعة عربية، وقد ضمنه فصولاً عن الأدوية النافعة لكثير من الأمراض والعلل.
2 – الأسرار.
3 – سر الأسرار: ويلاحظ أن هذا الكتاب والذي قبله يقومان على أساس الأدوية واستخدامها في العلاج.
4 – كتاب المنصوري: وهو كتاب عجيب في الطب؛ حيث يضم وصفاً دقيقاً لتشريح أعضاء الجسم البشري، وقد ظل هذا الكتاب دستوراً يرجع إليه علماء أوروبا كلما اختلط عليهم الأمر في النواحي الطبية، وهو يحمل اسم «أمير الرى» في وقته.
5 – كتاب من لا يحضره الطبيب: وهو كتاب طريف، يمكن أن نعتبره من كتب الاسعافات الأولية، حيث يتعرض فيه لكيفية معالجة المرض أو تسكينه في غيبة الطبيب، وكذلك الأدوية التي يمكن للمريض أن يتناولها، وقد اعتبره البعض لوناً من ألوان طب الفقراء، أو الطب الشعبي.
6 – كتاب برء الساعة.
7 – كتاب الأكسير.
8 – الطب الروحاني: ويتكون من عشرين فصلاً قصيرًا، ويهتم بطب النفوس وعلاجها.
9 – كما كان له عدة كتب أخرى في أمراض الأطفال والحصبة والجدرى، وقد ذكر فيها للمرة الأولى تفاصيل هذه الأمراض وعلاجها وأعراضها.
الاعترافات بفضله
لقد شهد له بالنبوغ والسبق والتفوق خلق كثير ممن يوثق بآرائهم، شهد له العدو قبل الصديق، فالفضل ما شهدت به الأعداء.
قال عنه «الشهرزوري» أحد خصومه «إن الرازي قد بلغ الغاية في الطب».
وقال عنه ابن النديم: «إنه أوحد دهره، وفريد عصره».
كما اهتم علماء الغرب بمؤلفاته وتصانيفه، واعتبروها مراجع مهمة في الطب والكيمياء لعدة قرون بعده، فقد درس «ستايلتون» الانجليزي الكيمياء عن الرازي دراسة موسوعية موسعة، وشهد له بأنه بقى بلا ند حتى بزغ فجر العلم الحديث.
كما احتفى به في الأوساط العلمية في الشرق والغرب، كما خصصت جامعة «برنستون» الأمريكية أفخم ناحيــة في أجمل مبانيها لعرض مآثره.
كما علقت كلية الطب بباريس صورة ملونة للرازي إلى جوار صورتي ابن سينا وابن رشد.
ودعت صحيفة المقتطف إلى تعيين يوم 30 من يناير عام 1930م يوماً للاحتفال بالعيد الألفى له في الأوساط والهيئات الطبية في الشرق والغرب.
ملاحظات مهمة
وفي ملاحظاتنا المهمة عن الرازي نرى:
أولاً: يعتبر أبوبكر الرازي صاحب الفضل والسبق في ابتــكار فلسفـة العلــوم العملية، كالطب والصيــدلة والكيميــاء، وحتى لا يخـدع الكثيرون في غمــرة الحياة وزحمتها، فيزعم الزاعمون بأن شهادات الدكتوراه التي تمنح تحت مسمى فلسفة العلوم في المجالات المختلفة، هي من صنع وابتكار علماء العصر الحديث، فإننا نصوب ذلك ونصححه، عندما نشير إلى أن هذا العالم الفذ هو واضع هذا المنهج.
ثانيا: لقد كانت فلسفة العلوم عند الرازي تقوم على مبدأ الأخلاق، وتقديم النفس البشرية أملاً في صفاء الروح واستقامتها، طبقاً لما أوردناه عنه في هذه الدراسة، أما ما يصنعه العلماء اليوم في فلسفة العلوم فإنه شيء مختلف تماماً؛ ذلك لأن الفلسفة عندهم تقوم على أساس مادي لا على أساس روحي، ومن هنا يتضح اختلاف المنهجين.
ثالثاً: يعطينا هذا النموذج فكرة عن الدراسة المفيدة للعلوم، والتزاوج بين الروح والمادة، وإعلاء صرح الأخلاق الفاضلة، وأن على جامعة الأزهر – قبل غيرها – أن تتبنى هذا الفكر في كلياتها المختلفة، وأن على أساتذتها عبئاً كبيراً، كل في تخصصه، من حيث ربط فلسفة العلوم العملية بالأخلاق؛ فهم أقدر على ذلك من غيرهم، نظراً لما عندهم من علم بالثقافة الدينية، وحتى نستطيع تقديم برنامج متكامل ينير للناس الطريق، أملاً في تقليده والسير عليه، وتحديد ملامح الشخصية الإسلامية في مجال العلوم، وهذا أمل ننشده، وينشده كل مسلم، لأن الفساد والإفساد الذي يحدث في هذا العالم اليوم باسم العلم والحرية الفكرية ما كان له أن يحدث في وجود الأخلاق الفاضلة. والسلوك المنضبط القويم، وكما يقول القائل:
فالعلم إن لم يكتنفه شمائل
تعليه كان مطية الإخفاق
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1433 هـ = ديسمبر 2011م ، يناير 2012م ، العدد : 1-2 ، السنة : 36