دراسات إسلامية
بقلم : سعود بن عبد الله بن طالب(*)
إن الأعمال الجليلة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لبلاد الحرمين الشريفين، ولضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين، وزوار، تأتي أهميتها العظيمة ومكانتها الجليلة، من عظمة المكان، وجلالة الشعيرة، أما عظمة المكان فتتجلّى في مكة المكرمة أم القرى، وفي المسجد الحرام، وفي بيت الله العتيق الذي هو قبلة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأول بيت وضع للناس للعبادة، كما تتجلّى عظمة المكان لتشمل المشاعر المقدسة منى، ومزدلفة، وعرفات، وتمتد تلك العظمة إلى طيبة الطيبة، مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم والمسجد النبوي الشريف، وهي الأمكنة التي بزغ فيها فجر الإسلام، وهي مهوى أفئدة المسلمين ومهد الرسالة النبوية ومتنزّل الوحي على خاتم النبيين المرسلين، ومهبط خاتمة الرسالات، وتلك – والله – عظمة للأماكن التي لا تماثلها ولا تدانيها أي عظمة لأي مكان في الدنيا.
وأما عظمة الشعيرة، وجلالة العبادة، فتتجلّى في فريضة الحج التي هو أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام كما قال تعالى: ﴿وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِيْنَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذّكَّرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم من بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾، ولعظمة المكان، وجلالة العبادة، أمر الله تعالى بإكرام ضيوفه، وخدمتهم، وتطهير المكان، ليؤدوا هذه الشعيرة العظيمة، والعبادة الجليلة، فقال تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِيْنَ وَالْعَاكِفِيْنَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.
وقد امتثل ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية هذا الأمر الإلهي، وجعلوه نصب أعينهم، وفي مقدمة أهتماماتهم وأولوياتهم، لا يقدمون عليه شيئًا كائنًا ما كان.
فبعد أن مكّن الله لمؤسس هذه المملكة الملك المجاهد عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل – رحمه الله – وفّقه إلى توحيد الجزيرة العربية تحت راية التوحيد، (لا إله غلا الله محمد رسول الله) كان أول عمل قام به هو تأمين المدينتين المقدّستين، وتوطيد الأمن للحجاج والمعتمرين، والزوار، وتمهيد الطرق، والعناية بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وتطهيرهما، وإعداد المشاعر المقدسة، والإنفاق على ذلك بكل سخاء من ماله الخاص، نظرًا إلى قلّة موارد الدولة في ذلك الوقت، وضيق ذات اليد.
وعلى ذات المنهج سار أبناؤه الملوك من بعده، الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد – رحمهم الله أجمعين – وكلما فتح الله أبواب خيراته على المملكة، وأفاض عليها من نعمه، ازداد الإنفاق بسخاء، وعظمت المشروعات التي تخدم الحرمين الشريفين، والمدينتين المقدّستين، والمشاعر، حتى وصل الأمر إلى ذروته في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أظهر تعلقًا عظيماً بالحرمين الشريفين وعناية منقطعة النظير بالمشاعر المقدسة، فانعقد عزمه واتجهت همّته السامية إلى بذل أقصى الجهود، وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه من خدمة للحرمين والمشاعر المقدسة، ومن رعاية واهتمام بضيوف الرحمن، فرأينا أكبر مشروع في التاريخ لتسهيل رمي الجمرات في منى وأكبر توسعة للحرم المكي الشريف، وكذلك توسعة المسعى، وغير ذلك من المشروعات الضخمة التي تكلف مليارات الريالات.
وأما في موسم الحج فإنّ الدولة تسخّر كل إمكاناتها، وقدراتها لإنجاح الحج، وتمكين الحجاج من أداء مناسكهم بيسر وسهولة وأمان واطمئنان، ولهذانجد كل قطاعات الدولة، ووزارتها، ومؤسساتها تشارك في هذا العمل الجليل الذي تفتخر به المملكة، وتعتز به حكومة وقيادة وشعبًا.
ومن أهم قطاعات الدولة المشاركة في أعمال الحج، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد التي تقوم بأعمال جليلة، وجهود عظيمة، وهي أعمال تبدأ قبل موسم الحج بكثير، وتتمثل في إعداد المواقيت، وتجهيزها، وصيانتها، وتشغليها، وتهيئتها، وكذلك العمل في المساجد والمشاعر المقدسة، ومن أهم أعمال الوزارة التي تمس جوهر الحج أعمال التوعية، والتوجيه، والإرشاد، حتى يتمكن الحجاج من أداء مناسكهم وعباداتهم على الوجه المشروع الموافق للسنّة، لأنّ من شرط العمل أن يكون صحيحاً موافقاً للشرع، وهذا العمل الجليل يبدأ من لحظة دخول الحجاج إلى أراضي المملكة، إذ تستقبلهم الوزارة بهدية خادم الحرمين الشريفين وهي مصحف المدينة النبوية، وعدد من الكتب القيِّمة الميسرة في الحج والعمرة والزيارة، وغير ذلك من الموضوعات التي تهم الحاج والمعتمر والزائر، وتستمر هذه الأعمال الجليلة اثناء الحج من خلال مراكز للتوعية، وتوجيه الحجاج، والإجابة على استفساراتهم، وحل مشكلاتهم.
وأعمال الوزارة كلها تخضع بعد انتهاء الحج مباشرة للدراسة والتحليل، والتقويم، لتطويرها وزيادتها، وترقيتها في الموسم التالي، وهكذا دواليك، مما يدل أنّ هذه الأعمال، لم تتوقف – ولن تتوقف – إن شاء الله – عز وجل – وذلك كله بمتابعة حثيثة، وإشراف مباشر، من لدن قادة المملكة وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين، وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، ونائب رئيس لجنة الحج العليا، وبتوجيه من صاحب المعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – حفظهم الله ورعاهم –.
نسأل الله أن يوفق ولاة الأمر في بلاد الحرمين الشريفين إلى خدمة الإسلام والمسلمين، وأن يحفظ هذه البلادالمباركة من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ حجاج بيت الله الحرام حتى يعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين، وأن يتقبل من الجميع صالح العمل وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
(* ) وكيل وزارة الشؤون الإسلامية للشؤون الإدارية والفنية.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ذوالقعدة – ذوالحجة 1432 هـ = أكتوبر – نوفمبر 2011 م ، العدد : 12-11 ، السنة : 35