دراسات إسلامية
تقرير : الأستاذ منيف خضير
وتبلغ تكلفة ثوب الكعبة المشرفة الواحد ما يقرب من 17 مليون ريال سعودي شاملة لتكاليفه وأجور العاملين والإداريين ويستهلك الثوب الواحد 670 جراماً من الحرير الطبيعي، ويبلغ مسطح الثوب 658 متراً مربعاً، ويتكون من 47 طاقة قماش طول الواحدة 14 متراً بعرض 95 سنتيمترًا، وتبلغ تكاليف الثوب الواحد للكعبة حوالي 17 مليون ريال سعودي، هي تكلفة الخامات وأجور العاملين والإداريين وكل ما يلزم الثوب.
وتتم صناعة الكسوة على عدة مراحل: أولا مرحلة الصباغة حيث يستورد الحرير الخام على هيئة لفائف مفطاة بطبقة من الصمغ الطبيعي تسمى سرسين تجعل لون الحرير يميل إلى الإصفرار وتتم صباغته على مرحلتين:
مرحلة إزالة الصمغ، وتتم في أحواض ساخنة تحتوي على صابون (زيت الزيتون) وبعض المواد الكيميائية، ثم تغسل بالماء عدة مرات حتى تعود للون الأبيض الناصع.
والثانية: مرحلة الصباغة، وتتم في أحواض ساخنة تمزج فيها الأصبغة المطلوبة، وهي: الأسود بالنسبة للكسوة الخارجية للكعبة المشرفة، والأخضر لكسوتها الداخلية.
بعد الصباغة، مرحلة النسيج: حيث كان يعتمد على النسيج اليدوي، ومع التطور أصبح النسيج الآلي يشكل معظم الإنتاج مع الاحتفاظ بعراقة النسيج اليدوي ويقسم النسيج إلى قسمين النسيج السادة وهو المستخدم في الحزام والستارة وفي قماش البطانة التي توضع تحت الباب، نوع يسمى (الجاكارد) وهو الذي تكتب به الآيات وعبارات مثل لا إله إلا الله محمد رسول الله – الله جل جلاله – سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم – يا حنان – يا منان ويوجه في الأعلى منه حزام الكسوة بعرض 95 سم.
ثم مرحلة الطباعة ويستخدم فيها أحدث الأجهزة مما يساعد على سرعة الإنجاز وبعدها مرحلة التطريز وهي أهم ما يميز ثوب الكعبة وتشمل تطريز الآيات والعبارات والزخارف الإسلامية بالأسلاك الفضية والذهبية ويتم ذلك يدويًا وأخيراً مرحلة التجميع وفيها يتم تجميع الجاكارد ليشكل جوانب الكسوة الأربعة ثم يثبت عليه قطع الحزام والستارة.
ويبلغ عدد العاملين في إنتاج الكسوة 240 عاملاً وموظفاً وفنيًا و اداريًا.
الجدير بالذكر أن كسوة الكعبة تستبدل مرة واحدة كل عام، فيما يتم غسلها مرتين سنويا: الأولى في شهر شعبان، والثانية في شهر ذي الحجة، ويستخدم في غلسها ماء زمزم، ودهن العود، وماء الورد.
ويتم غسل الأرضية والجدران الأربعة من الداخل بارتفاع متر ونصف المتر، ثم تجفف وتعطّر بدهن العود الثمين.
أول من كسا الكعبة:
تقول بعض المصادر التاريخية أن أول من كسا الكعبة هو سيدنا إسماعيل عليه السلام بينما تشير مصادر أخرى إلى أن عدنان الجد الأعلى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من كساها، غير أنه من الثابت تاريخيا أن أول من كسا الكعبة كسوة كاملة هو تبع أبى كرب أسعد ملك حمير في العام 220 قبل الهجرة، وفي حديث يروى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم).
كسوة الكعبة قبل الإسلام:
وفي عهد قصي بن كلاب فرض على قبائل قريش رفادة كسوة الكعبة سنويا بجمع المال من كل قبيلة كل حسب مقدرتها، حتى جاء أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي وكان من أثرياء قريش فقال: أنا أكسو الكعبة وحدي سنة، وجميع قريش سنة، وظل يكسو الكعبة إلى أن مات وكانت الكعبة تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء، ثم صارت تكسى في يوم النحر.
وأول امرأة كست الكعبة هي نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبد المطلب إيفاء لنذر نذرته.
كسوة الكعبة بعد الإسلام:
وبعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين.
وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب أصبحت الكعبة تكسى بالقماش المصري المعروف بالقباطي وهي أثواب بيضاء رقيقة كانت تصنع في مصر بمدينة الفيوم.
وفي عهد معاوية بن أبي سفيان كسيت الكعبة كسوتين في العام كسوة في يوم عاشوراء والأخرى في آخر شهر رمضان استعدادا لعيد الفطر، كما أن معاوية هو أيضا أول من طيب الكعبة في موسم الحج وفي شهر رجب.
كسوة الكعبة في عهد الدولة العباسية:
اهتم خلفاء الدولة العباسية اهتماماً كبيرًا بكسوة الكعبة حتى إنها كانت تكسى في بعض السنوات ثلاث مرات في السنة، وكانت الكسوة تصنع من أجود أنواع الحرير والديباج الأحمر والأبيض والقماش الأبيض القباطي.
وفي عهد الخليفة المأمون كانت الكعبة تكسى ثلاث مرات في السنة ففي يوم التروية كانت تكسى بالديباج الأحمر، وفي أول شهر رجب كانت تكسى بالقباطي، وفي عيد الفطر تكسى بالديباج الأبيض.
واستمر اهتمام العباسيين بكسوة الكعبة إلى أن بدأت الدولة العباسية في الضعف فكانت الكسوة تأتى من بعض ملوك الهند وفارس واليمن ومصر حتى اختصت مصر بكسوة الكعبة.
(عدل) مصر وكسوة الكعبة:
مع بداية الدولة الفاطمية اهتم الحكام الفاطميون بإرسال كسوة الكعبة كل عام من مصر، وكانت الكسوة بيضاء اللون.
وفي الدولة المملوكية وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس أصبحت الكسوة ترسل من مصر، حيث كان المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى ولو وصل الأمر إلى القتال، فقد أراد ملك اليمن * المجاهد * في عام 751هـ أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها كسوة من اليمن، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسل مصفدا في الأغلال إلى القاهرة.
كما كانت هناك أيضاً محاولات لنيل شرف كسوة الكعبة من قبل الفرس والعراق ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا لأي أحد أن ينازعهم في هذا الشرف، وللمحافظة على هذا الشرف أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر في عام 751هـ وفقا خاصا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وهذا الوقف كان عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما بيسوس وأبو الغيث، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويا، وظل هذا هو النظام القائم إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني.
واستمرت مصر في نيل شرف كسوة الكعبة بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، فقد اهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية الشريفة، وكسوة مقام إبراهيم الخليل عليه السلام.
وفي عهدالسلطان سليمان القانوني أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قرى أخرى اتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسعة قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة، وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.
وقد تاسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحي * الكخرنفش * في القاهرة عام 1233هـ وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين الصورين وميدان باب الشعرية، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة المشرفة داخلها، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
كسوة الكعبة في العصر الحديث:
في العام 1927م أصدر الملك عبد العزيز آل السعود أمرا ملكيا بتشييد مصنع أم القرى لصناعة الكسوة الشريفة، وفي العام 1977م أنشأت المملكة مصنعا جديدًا لكسوة الكعبة في أم الجود مازال مستمرًا إلى الآن في تصنيع الكسوة الشريفة.
ويتم تغيير كسوة الكعبة سنويا وذلك خلال موسم الحج، والكسوة التي يتم إزالتها من الكعبة تقطع إلى قطع صغيرة ويتم إهداؤها إلى شخصيات إسلامية، في سنة 1982م قامت المملكة بإهداء قطعة إلى الأمم المتحدة التي تقوم بعرضها في قاعة أو الاستقبالات.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ذوالقعدة – ذوالحجة 1432 هـ = أكتوبر – نوفمبر 2011 م ، العدد : 12-11 ، السنة : 35