الفـكر الإســــــــلامي

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

          عن ثوبانَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن العبد ليُحْرَمُ الرزقَ بالذنب يصيبه ولا يرد القدرَ إلا الدعاءُ ولا يزيد العمرَ إلا البرُّ). وفي حديث ثان: (إن الرجل ليُحْرَمُ الرزقَ بالذنب يصيبه) وفي حديث آخر (الذنوبُ تنقص العمرَ). وأما ما نراه من واقع الكفار أو الفاسقين من سعة رزق وامتداد في العمر، فإنما هو استدراج؛ فإن المقصود بالرزق ما أغنى وكفى، لا ما كثر وأشقى، وكم ممن يملك الدينار والدرهم وهي تشقيه ولا تسعده، وكم من رجل أحوالُه مستورة هو قرير العين، هانيء البال. وعن عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال: (يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابْتُلِيتُمْ بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخِذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَرُوا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم).

          وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  (خمس بخمس قيل: يا رسول الله وما خمس بخمس؟. قال: ما نقض قوم العهدَ إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الموت، وما منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر، ولا طففوا المكيال إلا حبس عنهم النبات) وقال (ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع الله عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير حق إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر قوم بالعهد «أي نقضوا العهد» إلا سلط الله عليهم العدو).

          وقال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) سورة الشورى آية 30. ما أصابكم أيها الناس من مصيبة من المصائب في النفس أو المال، فإنما هي بسبب معاصيكم التي اكتسبتموها عبر أيديكم؛ لأن أكثر الأفعال تزاول بها. وقال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيْقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الروم آية 41. أي ظهرت البلايا والنكبات في بر الأرض وبحرها بسبب معاصي الناس وذنوبهم. قال البيضاوي: المراد بالفساد الجدب وكثرة الحرق والغرق ومحو البركات وكثرة المضار بشؤم معاصي الناس أو بكسبهم إياه. وقال ابن كثير: أي إن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي؛ لأن صلاح السماء والأرض بالطاعة (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي ليذيقهم وبالَ أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بها جميعًا في الآخرة، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لعلهم يتوبون ويرهبون عما هم عليه من المعاصي والآثام.

          وعن الحسن إنه كان إذا رأى السحابَ قال لأصحابه: فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم. وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) سورة الأعراف آية 130. والسنين تطلق في اللغة على سني الجدب والشدة والقحط. وعندما تكون هذه الظروف في أرض مخصبة مثمرة فلابد إنها تلفت النظر وتثير القلق وتدعو للتفكر والتدبر لمعرفة السبب، وعندما تعجز الوسائل المادية عن معرفة السبب لابد أن نبحث عن سنن الله و وعده و وعيده ونثق أن لله قدرة في جدب الأرض ونقص الثمرات ونعترف بالعلاقة بين القيم الإيمانية وواقعيّات الحياة العملية، والعلاقة بين المعصية بكل أشكالها وألوانها وبين الفقر، سواء كان في صورة نقص ثمرات أو جدب أو غيره من صور الابتلاءات. وعلى كل من يسلط الله على زرعه الآفات أو يبتليه بأشكال الفقر أن يعود إلى الله تائبًا مستغفرا نادمًا.

          ومن آثار الذنوب أيضًا ما يحل بالأرض من الخسف والزلازل، قال تعالى (فَكُلَّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا) سورة العنكبوت آية 40. وما في الدنيا والآخرة شرٌّ وداء، إلا وسببه الذنوب والمعاصي فبسببها أخرج آدم عليه السلام من الجنة، وأخرج إبليس من ملكوت السماوات، وأغرق قوم نوح، وسلطت الريحُ العقيمُ على قوم عاد، وأُرْسِلت الصيحة على قوم ثمود، ورُفِعَت قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها الله عليهم، فجعل عاليها سافلها، وأرسل على قوم شعيب سحب العذاب كالظلل؛ فسببُ المصابِ والفتنِ كلِّها الذنوبُ، والتي ما حلّت في ديار إلا أهلكتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها.

          وللمعاصي آثار وشؤم فهي تزيل النعم، وتُحِلّ النقم. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) سورة الشورى آية 30. وقال تعالى: (ذٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) سورة الأنفال آية 53. وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) سورة النحل آية 112. وقال عز وجل: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِيْنَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا) سورة النساء آية 16.

          ومن شؤم المعصية أنها تورث الذلَ، وتفسد العقلَ، وتورث الهمَ، وتضعف الجوارحَ، وتعمي البصيرةَ، وأعظمُ من ذلك كله تأثيرُها على القلب، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنه قال: (إن العبد إذا أذنب ذنبًا نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في القرآن). قال تعالى في سورة المطففين آية 14: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القبر، و وهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق. وقال سليمان التميمي: إن الرجل ليذنب الذنبَ فيصبح وعليه مذلته. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (وجعلت الذلةُ والصغارُ على من خالف أمري) وقال المعتمر بن سليمان رحمه الله: إن الرجلَ ليصيب الذنبَ في السرِّ فيصبح وعليه مذلته.

          ومن خطورة السيئة وشؤمها فعلُ السيئة بعدها، قال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) سورة الشورى آية 40. ومن أضرار الذنوب والمعاصي أيضًا أنها تثخن صاحبَها عن العبادة، كما قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني أبيت مُعَافًى وأحب قيامَ الليل وأُعِدُّ طهوري فما بالي لا أقوم؟. فقال: ذنوبك قيدتك. وقال الحسن أيضًا: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيامَ الليل. وقال الثوري: حُرِمْتُ قيامَ الليل خمسةَ أشهر بذنب أذنبتُه. وقال بعضُ السلف: كم من أكلة «يعني من حرام» منعت قيامَ ليلةٍ وكم من نظرة «يعني حرام» منعت قراءةَ سورة. وقال أبوسليمان الداراني: لا تفوت أحدًا صلاةُ الجماعة إلا بذنب؛ لذا قإن المؤمن العاقل يجتهد في البعد عن الذنوب، ويهجر أهل الذنوب والمعاصي، فإن شؤم معصيتهم يبلغه.

          وهناك من المعاصي ما جرَّت مرتكبها إلى اللعن «وهو الإبعاد والطرد من رحمة الله»، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم  الواشمة والمستوشمة والواصلة، ولعن السارق، ولعن شارب الخمر، ولعن المصورين، ولعن من عَمِلَ عمل قوم لوط، وغيرها كثير. الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ له مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) سورة طه آية 124. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما نراه في بعض دول أوربا، حيث المستوى المعيشي المرتفع لأفرادها، هذا مع انحلال ظاهر في الشهوات، وفساد في الحرية، حتى وصل بهم الأمر إلى إقرار قانون في المجلس التشريعي لديهم يُبِيحُ زواجَ الرجل برجل مثله، ومع كل هذا فإن أعلى نسبة انتحار في العالم هي في هذا البلد، أليس هذا ينبئ عن حياة ضنك، ومعيشة غير طيبة!.

*  *  *


(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

           Email: ashmon59@yahoo.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان وشوال 1432هـ = أغسطس – سبتمبر 2011م ، العدد : 9-10 ، السنة : 35

Related Posts