دراسات إسلاميــــــــــة
بقلم: الدكتور أحمد محمد عوف
هناك حقيقة تاريخية تؤكد أن العالم الإسلامي كان متفوقاً على أوربا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا منذ القرن الثامن وحتى القرن السادس عشر. وإذا كان العالم الإسلامي بعد هذا القرن قد شهد تفككاً إلا أن الإسلام ظل يسود من «دهلي»بالهند وحتى «الدار البيضاء» بالمغرب ومن «أدرنة»بشرق «أوربا» وحتى «عدن» ومن «تونس» حتى «تمبكتو» في «السودان» الغربي بغربي أفريقيا.
وقبل الكشوف الجغرابية التاريخية الكبرى كان العالم الإسلامي مركز التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوربا؛ حيث كانت السفن التجارية تمخر مياهه سواء في المحيط الهندي أو بحر العرب أو الخليج العربي والبحر الأحمر. وكانت القوافل المحملة بالبضائع تعبر طرقه لتصل للموانئ الرئيسية في مصر والشام. وكان طبيعيًا أن يتحكم المسلمون في الجزر والممرات المائية لتأمين هذه التجارة العالمية برًا وبحرًا.
المسلمون في «صقلية»
لقد حكم الأغالبة شمال أفريقيا عندما توجه أسد بن الفرات عام 212هـ/827م، لفتح جزيرة صقلية الإيطالية؛ لكنه مات بالطاعون بعد فتحه للعاصمة (باليرمو) بعده ظل المسلمون يفتحون الجزيرة حصناً حصينًا، وكان يقودهم عباس بن الفضل الذي انتصر على أسطول البيزنطيين أما ميناء سرقوسة الصقلي. ومن شدة الصدمة عليهم عندما توفي عام 861م. أخرجوا جثقته من قبره وأحرقوها.
ولم يتوطد الإسلام بالجزيرة لنشوب الفتن بين العرب والبربر والصقليين أنفسهم بسبب اقتسام الإقطاعيات بينهم. ولما زار ابن حوقل الجزيرة وجد أهلها لا يألفون ولا يؤلفون، وكان أهل الرباطات من طائفة المشعمذين الذين لا يصومون ولا يصلون. وكانوا لا يتطهرون أو يزكون أو يحجون، وكانت زيارة ابن حوقل للجزيرة أيام حكم الكلبيين لها الذين كانوا يتبعون الخلافة الفاطمية بالقاهرة اسميًّا.
ولما استولى النورمان بقيادة الملك روجرز (ابتداء من عام 1061م).. على هذه الجزيرة الإستراتيجية ذبح المسلمين بها، ولما زارها ابن جبير عام 1181م شهد فيها عبدة الصلبان، والمسلمون كانوا عبيدًا مسخرين في إقطاعيات النبلاء ورجال الدين.
وفي عام 1160م شن ملكها النورماني حملات التنصير الجماعي للمسلمين بالجزيرة وثاروا ضده ثورة عارمة مما جعله يحسن معاملتهم في (باليرمو) العاصمة وهذا ما لاحظه ابن جبير في زيارته؛ حيث رأى المسلمين يعمرون المساجد ويعلو الآذان من فوق مآذنها، ولاحظ منعهم من خطبة الجمعة؛ لكن في العيدين كان الأئمة يدعون في خطبهم للخليفة العباسي ببغداد.
ومنع النورم ان المسلمين من هجرة الجزيرة ليظلوا دروعًا بشرية أمام أي غزو إسلامي لها من شمالي أفريقيا.. وهذا ما جعل الملك (روجرز) الثاني يستولي على سواحل تونس عام 543هـ/1148م. أيام حكم الصنهاجة، وفي مدينة المهدية ضرب عملته وعليها لقبه (المعتزبالله) وأصدر خلفه (غليام الأول) عملة عليها لقبه بالعربية (الهادي بأمر الله). وبعد اثني عشر عاماً من الاحتلال النورماني استطاع المسلمون تحرير المدن الساحلية كقابس وصفاقس والسوسة، كما طردوا الأسطول الصقلي من جزيرة جربة.
وفي القرن السادس عشر استولى الأسبان على جنوب إيطاليا، وظل أسطول الجزائر يشن غاراته البحرية على صقلية مما جعل الأسبان والمساويين يحصنون الجزيرة بأساطيلهم التي خاضت معارك مع الأسطول العثماني ولا سيما معركة (اليبانتو) عام 1535م، والتي انهزم فيها العثمانيون.
في كريت ورودس
عندما طرد الخليفة الأموي الحكم بن هشام من الأندلس عام 198هـ حوالي خمسة عشر ألف أندلسي من المنشقين على حكمه لجأوا من البحر بالإسكندرية وكان معهم نساؤهم وأطفالهم. ولما احتلوا المدينة أعلنوا قيام المملكة الأندلسية، واستغلوا الصراع العسكري الذي كان دائرًا في الوجه البحري بين أنصار الخليفة العباسي الأمين وقوات المأمون. وفي عام 211هـ أتت قوات المأمون وكان قد تولى الخلافة العباسية بعد مصرع أخيه الأمين وطرد عبد الله الظاهر قائده الأندلسيين من الإسكندرية بصعوبة ولجأ هؤلاء المنفيون لجزيرة (أفريطش)، واستولوا عليها وجعلوها قاعدة بحرية قوية بعد سيطرتهم على بحر إيجه باليونان مهددين الأسطول البيزنطي هناك.
وفي عام 827م احتل الكلبيون الجزيرة واتخذوا من مدينة (كانديا) العاصمة، وأصبحت كريت تابعة للخلافة الفاطمية بالقاهرة؛ لكنها كانت تبعية اسمية. وحاول الكلبيون إحتلال بقية جزر بحر إيجه والسيطرة على الممرات المائية به لمنع الخطر البيزنطي، لهذا دارت بينهم وبين أساطيل البيزنطيين عدة معارك بحرية وظل حكم المسلمين للجزيرة اليونانية لأكثر من قرنين ونصف حتى استولى عليها البزنطيون بعدما أسروا مليكها عبد العزيز بن عمر عام 349هـ/961م وظلت كريت تحت الحكم البيزنطي ثم البندقي إلى أن فتحها العثمانيون عام 1661م، وكانت تابعة وقتها للبندقية، وبعد دخول العثمانيين شعر أهلها بالطمأنينة؛ لأن البنادقة كانوا كاثوليكيين متعصبين ضدهم؛ لأنهم أصلاً «أرثوذكس» لهذا أسلم معظم سكان الجزيرة بعد مجئ العثمانيين؛ لأن أهل كريت شهدوا تحت حكم المسلمين لجزيرتهم العدل؛ حيث حققوا لهم حرية العبادة والعمل لأول مرة في تاريخهم. ولما آلت الجزيرة ليونان بعد ذلك قام اليونانيون بعملية تفريغ ديني للمسلمين بها وهذه قصة أخرى.
بعد إنحسار الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر من الشرق، اتجه فرسان الإسبتالية إلى جزيرة رودس وجعلوها قاعدة للقرصنة البحرية والإغارة على السفن التجارية للمسلمين في البحر الأبيض المتوسط، لهذا فتح العثمانيون هذه الجزيرة الإستراتيجية عام 1522م، وطردوا منها هؤلاء الفرسان القراصنة لتأمين الطرق البحرية التجارية فلجأوا لجزيرة مالطة، واتخذوها موئلاً لهم؛ حيث كانوا يغيرون منها على سواحل شمالي أفريقيا.
ولما نزل نابليون هذه الجزيرة قضى على شأفة هؤلاء القراصنة عام 1798م لتأمين ظهره عندما توجه بأسطوله لغزو مصر.
السلاجقة والتجارة العالمية
كانت دولة سلاجقة الروم بآسيا الصغرى والأناصول إبان القرن الثالث عشر من أكبر الدول التجارية في العالم ومما ساعدها وجود منافذها البحرية على البحرين الأبيض والأسود، ولاسيما وأن الدولة الأيوبية في مصر والشام كانت في مواجهات حربية مع الصليبيين بالمشرق العربي مما جعل طرق القوافل البرية عبر الشام تتوقف.
ولما احتل المغول الإيلخان بلاد السلاجقة سيطروا هناك على المراكز التجارية الكبرى في أضروم وسيواس وقيصرية وأورزنجان بعدما أخضعوا السلاجقة اسميا لهم.
وأسقطت الحدود بين بلاد الفرس الإيلخانية والسلاجقة وأصبحت مدينة سيواس السلجوقية أهم مركز تجاري في العالم؛ لكن الأناضول ظلت منذ أواخر القرن الثالث عشر ومطلع القرن الرابع عشر خاضعة للصراع السياسي والعسكري، فنرى السلطان المملوكي بيبرس يتجه بقواته لمحاربة المغول في (آلبستين) ويعقد معهم صلحاً لحماية الحدود الشمالية الشرقية بالشام وحماية الوجود المملوكي في أعالي نهر الفرات بشمال العراق، وأخذت مصر المملوكية ترقب الموقف في الأناضول بحذر بالغ ولاسيما وأن طريق القوافل الرئيسي بينهما أخذ يتعثر، وكان هذا الطريق يبدأ من ميناء ستوب على البحر الأسود مارًا بأنطاليا بالأناضول عبر الشام موصلاً للإسكندرية.
العثمانيون والتجارة العالمية
كان لسقوط القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية عام 1453م على يد السلطان العثماني محمد الفاتح أثره على التجارة العالمية، ولاسيما وأن العثمانيين ظلوا حتى القرن السادس عشر في مواجهات بحرية ومعارك متواصلة ضد أساظيل الغرب، وكان لاستيلائهم على جزيرة رودس عام 1522م قد عزز وجودهم البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط ولاسيما في بحر إيجه التي تطل سواحلهم الغربية عليه، وكان الأسطول (الأسباني –البندقي) في مواجهة الأسطول العثماني عام 1531م في مياه المورة، وكان (دوريا الجنوى) يقود أسطول التحالف الغربي لكن العثمانيين ردوه.
وفي عام 1541م حاول الملك الأسباني شارل الخامس الاستيلاء على سواحل الجزائر؛ لكن القبطان خير الدين «باربا روسا» بأسطوله الجزائري تصدى له وطارده مهاجماً سواحل ريجيوونيس وكاتالونيا وطولون بفرنسا وتوسكاني وليبانتو بجنوبي إيطاليا. ولما خلف دارغوث القبطان بارباروسا استولى على جزيرة مالطة وجعلها قاعدة بحرية له، فداهم منها مدينة نابولي الإيطالية وأخذ يهدد حزر كورسيكا وألبا والبيليارد متوغلاً لشواطئ كاتالونيا الأسبانية.
وبعد سقوط القسطنطينية وسيطرة العثمانيين على طرق القوافل التجارية في الأناضول والبلقان والدردنيل وبحر إيجه وآسيا الصغرى جعل أوربا توقف تعاملاتها التجارية مع الدولة العثمانية وانصرفت التجارة الدولية إلى أسواق الإسكندرية والقاهرة وبيروت، فتوسعت الجمهوريات الإيطالية في التجارة مع المماليك بمصر والشام ولا سيما وأن البابا بعد سقوط القسطنطينية قد فرض حظرًا اقتصادياً وتجارياً على العثمانيين، وحرم على كل اللاتين التعامل معهم وأخذ العثمانيون بدورهم يفرضون رقابة على السفن التجارية في البحر الأسود وبحر إيجه وخاصة على سفن البنادقة والجنوبين والفلورنسيين.
مصر مركز التجارة
بعد سقوط القسطنطينية أصبحت طرق التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوربا تتخذ ثلاثة محاور رئيسية؛ فالطريق البري كان يبدأ من الصين مارًا بالهند وفارس لتصل القـوافل للبصرة ثم تتجه لبغداد فدمشق، ومنها تتجـه لسواحل الشام ومصر لتعبر البحر الأبيض المتوسط لأوربا. والطريق الثاني كان بالمراكب عبر المحيط الهندي لتدخل الخليج وتفرغ بالبصرة البضائع من الصين والهند وسرنديب (سيلان) وشرق أفريقيا ومنا تنقل لدمشق وسواحل مصر والشام. والطريق الثالث كانت تتجه منه المراكب بالمحيط الهندي حاملة التجارة من الشرق الأقصى وشرق أفريقيا لتدخل البحر الأحمر. لهذا أصبحت عدن وجدة وميناء عيذاب بجنوبي شرقي مصر أهم محطات هذه التجارة وكل هذه الموانئ كانت خاضعة لحكم المماليك بالقاهرة.
وأصبح مرسى بولاق على النيل بالقاهرة له شهرته التجارية العالمية؛ لأن البضائع المستوردة كانت تصله من السودان ووسط أفريقيا وشرقها ومن الهند والصين وسيلان وكان يفرض عليها الجمارك. ومع ازدهار التجارة عبر مصر أصبحت القاهرة حتى مطلع القرن السادس عشر عاصمة المال والاقتصاد في العالم وأصبح الدينار المملوكي هو العملة السائدة في كل الأسواق العالمية شرقًا وغربًا.
وكانت الموانئ المملوكية هي ميناء أبو قير للسفن الشاميـة والإسكندرية للسفن الأوربية والمغربية ودمياط للتصــدير لقـبرص وتـركيا وكريت، وكان ثغرا رشيد والسويس حربيين يحظر دخولهما على الأجانب، وكانت موانئ جدة وعدن وآيلة بالسعودية والطور لتفريغ البضائع وحملها للشام والقاهرة. أما ميناء عيذاب جنوبي شرقي مصر فكانت تصله البضائع لتنقل بالجمال لقوص بالصعيد. كذلك البضائع التي كانت تصل لأسوان من بلاد النـوبة والسودان من طريق الأربعين (البخور) كانت تنقل لقوص حيث كانت تحمل المراكب هذه البضائع لبولاق بالقاهرة. وكان التجار الكرمية (التكرور) يفدون إلى قوص من وسط أفريقيا ومعهم البهارات والبخور والعبيد الأفارقة ليبيعوهم في أسواقها، ولهذا نجد نهر النيل قد لعب دورًا رئيسيًا في نقل هذه البضائع من جنوب الصعيد للقاهرة.
وكانت المنازعات القضائية بين التجار المصريين والأجانب تعرض على السلطان بدار العدل، وكان يعاونه ناظر الحسبة والقضاة الأربعة وحكمه نهائي وكان القانون التجاري البحري المصري يطبق على كل السفن في البحرين الأبيض والأحمر منذ القرن الثالث عشر حيث كان ينظم المعاملات التجارية وقوانين البحر والملاحة. وكان يحدد عدد البحارة فوق السفينة وحجم الهلب ونوع الأشرعة، وعندما تصل أية سفينة لأي ميناء مصري كان عمال السلطان يصعدونها ليحددوا هوية الركاب ويسألونهم عن الأحوال السياسية في بلادهم. وكانوا يقيدون الأسماء في قوائم ويتحققون من السلع التي معهم. وكانت هذه المعلومات ترسل لقصر السلطان بالقلعة أولاً بأول مع الحمام الزاجل ليسمح بتفريغ السفينة. وعند دخول السفينة الميناء كان المراقبون يأخذون الأشرعة والدفة حتى يدفع الربان ما عليها من رسوم، ولو كان على السفينة شخصية سياسية أو مبعوثون دبلوماسيون عرضوا على القاضي. وكان الإقرار الجمركي يقتصر على حلف الشخص بأغلظ الأيمان بأنه لايحمل خلاف ما ذكره. وعند إقلاع السفينة كان المفتشون يصعدونها للتأكد من حمولتها وإنزال أي حمولات زائدة حتى لا تغرق؛ لهذا اشتهرت الموانئ المصرية بدقتها وحسن معاملة الأجانب فيها. وكانت البضائع المصدرة للخارج يتم فحصها بعناية وتختم عبواتها بخاتم المباشرين بعد التأكد من جودتها وجودة صنعها.
المماليك والعثمانيون
نشب الصراع بين المماليك بالقاهرة والعثمانيين بالقسطنطينية على الحدود المملوكية بآسيا الصغرى، وهذا الصراع جعل السلطان المملوكي قايتباي ينشغل عن مسلمي الأندلس الذين واجهوا السقوط الأخير هناك عام 1492م، واستغل الحظر التجاري الذي فرضته الباباوية على الدولة العثمانية ففتح موانيه للدول الأوربية ولاسيما للجمهوريات الإيطالية التي أمدته بالأخشاب لبناء سفنه وبالعبيد لتكوين جيشه وفي أواخر القرن الخامس عشر تحالف العثمانيون مع الفلورنسيين وفتحــوا لهم أســواق البحر الأسود وبلاد التركمان والمغول بفارس والأناضول ومنعوا البنادقة والجونويين من التجارة؛ لأنهم كانوا متحالفين مع مصر.
مصر والبرتغال
وفي أواخر القرن الخامس عشر وقف البابا وقطع بسيفه خريطة العالم نصفين: نصف يضم أفريقيا وآسيا وآخر يضم الأمريكتين أو العالم الجديد وكانت أفريقيا وآسيا من نصيب البرتغال وبقية العالم من نصيب أسبانيا. وأباح لهما ثروات شعوب هذه القارات؛ فأرسلت البرتغال عام 1487م، بعثة استكشافية للقاهرة، وكان يرأسها (بدرو كوفليهام)، وتوجهت هذه البعثة للجزيرة العربية وعبرت البحر الأحمر لشرق أفريقيا وسارت بطول سواحل أفريقيا الشرقية؛ حيث كان العرب يسيطرون على التجارة فيها وفي غرب وجنوب الجزيرة العربية.
ولما أبحر (فاسكودي جاما) حول غرب أفريقيا وجنوبها وصل للمحيط الهندي مكتشفًا رأس الرجاء الصالح عام 1498م، وأصبحت السفن البرتغالية تلف في المحيط الأطلنطي حول أفريقيا لتصل للمحيط الهندي، وكان هذا الاكتشاف ضربة قاصمة للتجارة العربية في جنوبي الجزيرة وغربيها وفي مصر والشام، ولاسيما بعد استيلاء البرتغاليين على حضرموت وعدن عام 1529م.
وأصبح القراصنة البرتغاليون يسطون على السفن التجارية في المحيط الهندي، ولأول مرة يصل الغرب إلى هذه المناطق وينافس العرب في التجارة العالمية، فأصبحت البرتغال سوقًا عالميّاً للبهارات التي كانت تبيعها بأرخص الأسعار في أوربا مما جعل التجارة المملوكية مع البندقية وجنوا تكسد. وكان البنادقة والجنويون يتحكمون في أسعار البهارات التي كانوا يحتكرون تجارتها في أوربا لهذا أثر سوق البرتغال على تجارة الجمهوريات الإيطالية واستغل البرتغاليون مدفعيتهم في القرصنة بالمحيط الهندي ففرضوا إتاوات على السفن العابرة وعلى الموانئ التجارية هناك.
وعلى جانب آخر وقف البنادقة مع السلطان المملوكي أشرف قيتباى في مصر فجهزوا له أسطولاً عام 1507م ووصل الأسطول المصري لميناء (جوجرات) جنوب بومباي بالهند ودارت بينه وبين البرتغاليين معركة بحرية عند (شول) انتصر فيها المصريون بعدما قتل القائد البرتغالي (لورنزو) عام 1508م. وبينما كان الأسطول المملوكي يقف في الميناء للإصلاح والتموين باغته الأسطول البرتغالي قرب (ديو) عام 1509م. وانسحب الأسطول المصري لجدة وحاول السلطان الغوري طرد البرتغاليين من مياه المحيط الهندي فأرسل أسطولاً ثانياً عليه المماليك والأتراك والمغاربة، فوصلوا (جوجرات) وهزموا البرتغاليين بعدها عادوا لجدة قاعدة أسطول المماليك لمنع دخول البرتغاليين للبحر الأحمر. لكن القدر لم يمهل الغوري عندما انهزم أمام العثمانيين في مرج دابق حيث قُتِلَ في الميدان عام 1516م بالشام.
وكانت هزيمة المماليك أمام الجيش العثماني المزود بالأسلحة والمدفعية الحديثة قد جعلت السلطان سليم الأول يفكر في الزحف على مصر التي كانت منهكة القوى بعد حربها ضد البرتغاليين وإقلاسها نتيجة للكساد الاقتصادي الذي عمها بعد إنحسار التجارة العالمية عنها. ولما احتل العمثانيون مصر والشام في عامي 1516 و 1517م تغيرت إستراتيجية البحر الأحمر؛ لأن الأسطول العثماني كان موجودًا هناك يتصدى للاستعمار البرتغالي ويحمي شواطئ جنوبي وغربي الجزيرة العربية والصومال وجيبوتي وإريتريا من الغزو البرتغالي كما حمى شواطئ الخليج من القرصنة البرتغالية.
وأخيرًا وفي القرن السابع عشر أخذ الاستعمار البرتغالي يتقلص لتدخل هولندا وانجلترا وألمانيا حلبة الاستعمار الجنوبي آسيا وشواطئ أفريقيا.
وهذه قصة أخرى…..
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، شعبان 1432هـ = يوليو 2011م ، العدد : 8 ، السنة : 35