الفكر الإسلامي
بقلم : الشيخ الدكتور محمد بن سعد الشويعر
الرياض ، المملكة العربية السعودية
يتجرأ بعض الصحفيين، في بلاد الغرب، وبإصرار متعمّد على النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحالة تشويه مكانتـه: بالكلمات المؤذية، والرسومات المنفرة، وسب تعاليم الإسلام، والكذب على المسلمين، بإلصاق تهم من نسج خيال الأفّاكين منهم، ليلصقوا بهم العيوب والنقائص، التي حصلت أو لم تحصل في أطراف المعمور من الأرض، ووصف القرآن الكريم، والسنة المطهرة، بالإرهاب (كبرتْ كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) (سورة الكهف 5).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي جاءت رسالته، من عند الله بكلّ خيــر وسعادة للبشرية، يرمز هدفها في منظــورهم إلى بثّ الشرّ والفوضى، ولاشك أن هذا الشعور من تلك الفئات الشاذة التي يحركها أناس طبع الله فيهم الشر، وحبّ مسالكه، ليبثوا سمومهم، ويرموا مشكلاتهم على أكتاف المسلمين ودينهم ونبيهم، حسدًا وكراهيةً من عند أنفسهم، وهي نغمة متكررة في كل عصر، وضد كلّ أمر أو دعوة، من الله وحملها رُسله عليهم السلام، كما جاء في المثل العربي: شنشنة أعرفها من أخزم .
يحمل هذا المشعل أقلام تتكلم من الدانمارك، بين حين وآخر، ماجورة باسم الحرّية الفكرية، نشرت هذه الأيام بإحدى صحفهم بالدانمارك، تحت عنوان: معًا في مواجهة الاستبداد بصحيفة (يلاندز يوستن) الذي وقَعه (12) كاتبًا قالوا عن أنفسهم بأنهم مثقفون من عدّة دول غربية، يحمل فكرًا ينبئ عن عدائهم للإسلام، بل ولأبناء جنسهم، وذلك لأن هذه الصحيفة التي يريد القائمون عليها: الشهرة وحبّ الظهور، ولو كان في الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، أكرم الخلق عند الله، ولن يزيده ذلك إلا رفعةً، وأجرًا عند الله، وللإسلام انتشارًا بعكس ما أرادوا.
وعلى حدّ زعم أولئك الذين يريدون تكميم أفواه من عَرفَ الحقّ بدليله، وباتت آثاره بنتائجه أمام المنصفين من أبناء الغرب والشرق، الذين ينبذون فكرهم، ويمقتون ما يدعون إليه من آراء هؤلاء: نراهم يقولون في بيانهم هذا: وعلى الإعلام أن يستفيد من هذه المواقف – التي عرضوها – لتعرية بعض الصحف الغربية، وكُتابها والعاملين بها، وعدم فتح المجال لهم بالمشاركة في المنتديات الصحفية الغربيّة، إلى آخر ما جاء في رأيهم، الذين يريدون فرضه – حكمًا دكتاتوريًا – على ذوي الأقلام النزيهة في بلاد الغرب.. كما يفرض المدرس، معلوماته على طلبته الصغار، في أول دخولهم المدرسة، وكأنهم أوصياء عليهم .
ذلك البيان المملوء بالهذيان، والذي يحاكي مقولة فرعون، الذي ادّعى الربوبية، وعادى موسى عليه السلام، ورسالة ربّ العالمين: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلـٰـهٍ غَيْرِي﴾ (سورة القصص:38).
وغيره من الجبابرة الذين قصهم الله، وجاء ذكرهم في التاريخ عبرةً لمن يريد الاعتبار؛ لأنها مطية العاجز وخاصةً أولئك الذين يعادون الله سبحانه، ويعاندون رسالاته، ويشتمون مَنْ لَمْ يقتلوه من رسله وأنبيائه .
فكان من الواجب على كل قادر أن يغضب لله ولرسوله، من تلك الإشاءات التي تتكرر في الصحف الدانماركية التي وراءها من يدفعها، ويدفع لها، وأن يكون منطلقه: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (سورة الحج:40).
وقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ (سورة الحديد:45). وقوله: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِيْنَ آمَنُوا فِي الحَيَاة الدُّنْيَا﴾ (سورة غافر: 51)، وغيرها من الآيات الكثيرات .
وما ذلك إلا أن المحركين للعداوة والسبّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته، يتكرر عملهم في كل عصر ومصر، أولاً: ضدّ رُسُل الله، ولا يُحرّك إلا من كشف النقاب، وأسفر وجهه وعنده حقد دفين على الله سبحانه ورسله وشرعه، وقد توسع العلماء في هذا الباب، ومنهم ابن تيمية في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول”، بما فيه الكفاية والتعرية لهم.
وهؤلاء عملهم قمّة الإيذاء لله؛ لأنّ من عادى أنبياء الله، وخاتمهم محمد، فقد عادى الله سبحانه، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (سورة الأحزاب:57) .
وما أقوالهم هذه إلا تحريضٌ سافرٌ، على الدين المقبول عند الله: وهو الإسلام، وفي قصة كعب الأشرف اليهودي دينًا، العربيّ نسبًا، والذي تكلم بعد وقعة بدر، محرّضًا على رسول الله، وشاتمًا له، كما قال الخطابي، عن الشافعي رحمه الله، وبعد ما حصل منه الأذى، قال صلى الله عليه وسلم: (من لكعب بن الأشرف، فإنّه آذى الله ورسوله)؟ فاستجاب محمد بن مسلمة، وقال: أنا يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، ففعل حتى أراح الله منه ومن شتْمه .
وقد فهم المسلمون منذ بدأت الدعوة المحمدية في مكة، وحسب النصوص الشرعية: أنّ من آذى رسول الله، فإنه قد آذى الله، ومن حادّ الرسول وعاداه، فإنّه عدو لله، يستحق الجزاء الذي لاتهاون معه، لمن يقدر، أو أضعف ما يستطيعه المسلم، الدعاء عليه في أوقات الإجابة، والله يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء.
وقد اتفقت أقوال العلماء. على أن الذميّ الذي يسبّ الرسول ينتقض عهده، ويعزّر، وبعضهم يرى قتله، وقد فصّل ابن تيمية هذا في كتابه: “الصارم المسلول على شاتم الرسول” (3-19) وغيره .
والآيات الكريمات العديدة في كتاب الله الكريم تعطي حكمًا قاطعًا، على أنّ من آذى الله، ومن حادّ رسوله، فإن عمله محادّة لله، وإذاء له سبحانه، يستحق غضبه ونقمته وشاهد ذلك ما ذكره ابن تيمية رحمه الله، أن رجلاً أعمى كانت له أمّ ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب منها ليلةً، مع أنها أم أولاده، وتكرمه، وأراد منعها فاستمرتْ في الشتم للرسول، فأخذ معْولاً ووضعه في بطنها، واتكا عليه حتى ماتت، فلما أصبح جاء لمجلس الرسول وأخبره بما فعل، فقال لمن حوله: (ألا فاشهدوا أن دمها هدر) رواه “أبوداؤود والنسائي”. وتُعْتَبَرُ مرتدةً عن الإسلام.
وقد قصّ الله علينا، ما حصل في منْ كان قبلنا، من آذوا رُسل الله، وقتلوا بعضهم، فاستحقوا بذلك غضب الله ولعنته، ولعنة الله تعني إبعاده عن رحمته وجنته .
وحتى الجنّ تأخذهم الحمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والانتقام ممنْ يَسُبُّه، ويَشْتم دين الله، من كفّارهم.
فقد ذكر كثير من العلماء، نماذج من ذلك، إذا إن الجنّ الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تترصد وتقصد منْ يَسُب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كفارهم فتقتله، وذلك قبل الهجرة، وقبل أن يأذن الله في القتال للجنّ وللإنس، فيقرهم على ذلك، ويشكر للجن هذه الحمية والدفاع .
فقد جاء عند ابن إسحاق وغيره، أن هاتفًا من الجن، هتف على أبي قبيس بستة أبيات من الشعر قبل البعثة، يمجد أوثان الكفار، ويشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه مِسْعَر، وبعد ثلاثة أيام سمعوا هاتفًا آخر على نفس الجبل يقول:
نحن قتلنا في ثلاثٍ مِسْعَرا
إذْ سفّه الحقّ وسنّ المنكرا
قنّعته سيفًا حُسامًا مبتـرا
بِشَتْمِــهِ نبينا المطهّرا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عفريت من الجنّ اسمه: سمحج، آمن بي وسمّيته عبد الله، أخبرني أنه كان في طلبه: ثلاثة أيام، بعد قصيدته التي شتم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتله غضبًا لله وحميةً لدينه، ودفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي رضي الله عنه، (رحمه الله: جزاه الله خيرًا يا رسول الله ..)، وهكذا نرى الحمية الدفاع عن رسول الله، مع ماله من الأجر العظيم عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه خير له تحرك المسلمين، حتى من مسلمي الجنّ للانتقام منه، دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
خبر الحيّة الشهيدة :
أورد ابن عربيّ في كتابه محاضرة الأبرار، ومسامرة الأخيار حكاية هذه الحية، بالسند إلى معاذ بن عبد الله بن معمر قال: كنت جالسًا عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! بينما أنا بفلاة كذا وكذا، إذا إعصاران قد أقبلتا، إحداهما من مكان، والأخرى من مكان آخر، فالتقتا واعتركتا ثم افترقتا، وإحداهما أقل منها، حين جاءتْ، فذهبتُ حتى جئت معتركهما، فإذا من الحيّات شيء ما رأيت مثله قطّ غيره، فإذا ريح مسك من بعضها، فجعلت أقلّب الحيات، أنظر من أيها هذه الرائحة، فإذا ذلك من حيّة صفراء دقيقة .
قال أبو محمد بن حيان في حديثه: تتثنّى ببطن أبيض ينضح منها ريح المسك، فقلت لأصحابي: أمضوا، لست ببارح حتى أنظر إلى ما يصير من أمر هذه الحيّة، قال: فما لبثتْ أن ماتتْ، فعمدتُّ إلى خرقة بيضاء، فلففتها فيها ودفنتها .
وفي حديث ابن معمر: في عمامتي، قال ابن حيان: ثم نحيّتها عن الطريق فدفنتها، وأدركت أصحابي في المتعشّى. قال: فوالله إنا لقعود، إذْ أقبل نسوة أربع، من قبل المغرب، فقالت واحدة منهن: أيّكم دفن عَمْرًا؟ قلنا: ومن عَمْرو؟ قالت: إيّكم دفن الحيّة؟ قال: قلت: أنا.. فقالت: أما والله لقد دفَنْتَ صوّاماً قوّامًا، يأمر بما أنزل الله عزّ وجلّ، ولقد آمن بنبيّكم محمد صلى الله عليه وسلم، وسمع صفته في السماء، قبل أن يبعث بأربعمائة سنة.
وفي حديث ابن معمر: بعد أن ذكر دفنها، فبينما أنا أمشي، إذْ ناداني مناد ولا أراه، فقال: يا عبد الله، ما هذا الذي صنعت؟ فأخبرته بالذي رأيت، فقال: إنّك قد هديت، هذان حيّان من الجنّ، بني شيبان وبني أقبش، التقوا فكان من القتلى ما رأيت، فاستشهد الذي أخذته، فكان من الذين استمعوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث ابن حيّان: قال الرجل فلما قضينا حجنا، مررْتُ بعمر بن الخطاب، رضي الله عنه بالمدينة، فأنباته بأمر الحيّة، فقال: صدقْتَ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة (ج2 ص62-63).
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الأول 1431 هـ = فبراير – مارس 2010م ، العدد : 3 ، السنة : 34