العالم الإسلامي
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
أولاً: لِماذا أقصى ما نفعله وراء كل اعتداء إسرائيلي على إخواننا الفلسطينيين أو على أيّة دولة عربية، هو الشجب والإدانة؟. ولماذا نتوقف عند هذا الحد؟. وكل ما نتمنّاه هو إصدار قرار من عصبة الأمم المتحدة يشجب ويدين هو الآخر؛ ولكنه للأسف كل قراراتها تُخَيِّب ظنونَنا فيها. في كل مرة يحدث اعتداء على أي منا، نجد ثورةً بركانيةً في جرائد العالم العربي كله؛ ولكن سرعان ما تهدأ وتخمد هذه الثورة، وتتبدل الأحوال، وتبدو والصحف والمجلات كأن لم يكن شيء قد حدث، وكأنها نسيت الخبر بكل ما تسبب فيه، من قتل وجرح وتشريد للبني آدميين، وقصف وهدم وتخريب للمنازل والأبنية، ولا تبقى إلا ذكرى الآلام والجروح في قلوب أهالي الشهداء والمصابين فقط. ولماذا مازال البعض منّا يظل صامتًا تجاه ما تفعله إسرائيل بنا!. ألم يعلم هؤلاء أن الفلسطينيين إخواننا وأهلنا!. وأن ما تفعله إسرائيل تجاههم أو تجاه أية دولة عربية ما هو إلا تصفية للوجود العربي، أي عربي، مهما كان موقعه الجغرافي، ومهما كانت علاقته بالدول الكبرى، وإن لم تصبهم اعتداءاتها اليوم فغدًا ستصيبهم. وهذا هو ما فعلته في “تونس” و”العراق” من قبل، وفي “لبنان” و”السودان” مؤخرًا. إن الحركة الصهيونية تزحف علينا وتنتهك حرماتنا ومقدساتنا وتسردنا لتحقق أطماعها، وذلك إذا استمر بنا الحال على هذه الحالة من الفرقة والانقسام. لماذا لا نوحد صفوفنا؟. لماذا لا نوحد جيوشنا العربية كلها وننشئ جيشًا عربيًا موحدًا لنسترد ما أغتصب منا، ونثأر لكرامتنا وهيبتنا التاريخية، ولنضمن مستقبلنا إن شرف الاستشهاد أشرف لنا من هذا الموت البطيء. وأخيرًا سيبقى لنا سؤال ألا وهو: هل صحيح أن إسرائيل حقًا تريد السلام؟ .
ثانيًا: تعرض الوطن العربي لغزوات استعمارية استهدفت نهب ثرواته وموارده الطبيعية والبشرية وتقطيع أواصله وتقسيم أجزائه، وعندما هبت عليه رياح التحرير، وظفر باستقلاله، فكرت الدول الاستعمارية الكبرى في طرق استعمارية جديدة، من أجل المحافظة على مصالحها الاقتصادية، فاستغلت حاجتنا للمساعدات المالية الضرورية للتنمية، ومارست الضغط علينا ففرضت تبعيتنا الاقتصادية لها؛ ومن ثم بدأت تمارس سيطرتها وتدخلها وتأثيرها على قراراتنا السياسية. وهذا هو الاستعمار السلمي الذي لا يستعمل سلاحًا ولا قوةً عسكريةً؛ ولكنه استعمار شرس يستغل الحاجة إلى لقمة العيش؛ حتى إذا اقتضى الأمر يلجأ إلى التدخل العسكري؛ ولذلك ينشر قواعده العسكرية بين أرجائنا لتكون له سرعة الحركة إزاء أي فعل يشكل خطرًا على مصالحه. هذه الدول الاستعمارية هي المسؤولة عما يجري في منطقتنا من صراعات، وهي المستفيد الأول والأخير منها، فالحروب والخلافات العربية تضمن لها تصفية ذاتية للطاقات العربية، كما أنها هي التي قامت بزرع “إسرائيل” في قلب وطننا العربي؛ لتكون بمثابة اليد العسكرية التي تستخدم عند الضرورة؛ ولكي تغطي على أعمالها الإجرامية، وتستترف مواردنا، اتخذت المؤامرة طابع تصفية الوجود الفلسطيني من خلال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك كخطوة أولى على طريق القضاء على الوجود العربي. ومعروف حجم المساعدات الهائلة التي تقدمها هذه الدول لإسرائيل، فضلاً عن استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون إصدار أية قرارات تدين الأفعال الإجرامية لإسرائيل، وقد يندهش المرء عندما يعرف أننا طرف في مؤامرة نحيكها ضد أنفسنا، فبدلاً من اعتمادنا على أنفسنا في التنمية، نركض وراء الحلول الجاهزة، والانبهار بما هو أجنبي جعلنا نتأرجح بين أنظمة الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي. وإلى الآن مازال هناك من يصر على السلام مع “إسرائيل”، رغم كل ما ذقناه من ألوان القتل والتشريد والأعمال البربرية والاعتداءات اليومية، وكأن السلام في يد “إسرائيل” و”أمريكا” وحدهما، وهما أصحاب الحق. فكيف يتعايش الظالم والمظلوم، وإن حدث ذلك لمن تكون السلطة والحكم، لصاحب الحق أم لسارقة؟. الأسلوب الجديد هو السلام على الطريقة الإسرائيلية، أي سلام مصاحب بالاعتداءات اليومية، فترفع حمامة السلام بيد، وبالأخرى توجه الحمم إلى صدورنا، إنه تصفية للوجود العربي؛ ففكرة السلام مع “إسرائيل” مجرد أضغاث أحلام، تناقض تمامًا حق تقرير المصير للفلسطينيين، والتاريخ وحده كفيل بتأكيد هذه الحقيقة. وهنا لابد أن نسأل أولئك الذين قاموا بإجبار الطائرة المصرية التي كانت تقلّ خاطفي الباخرة الإيطالية، على الهبوط في “إيطاليا”، وأولئك الذي سيحاكمون الخاطفين، من سيحاكم “إسرائيل” التي ضربت مقر منظمة التحرير في “تونس”، والمسؤولة عن مذابح “صبرا” و”شاتيلا، وقانا والجنوب اللبناني و”غزة” ومن قبل مذبحة مدرسة بحر البقر، ومدن القناة، والذي قتلوا وشردوا الآلاف من أبنائنا، وارتكبوا أفعالاً تقشعر لها الأبدان؟.
ثالثاً : ما كاد القرن الماضي يوشك على الانتهاء؛ حتى بدأت الأطماع الاستعمارية تحيك مخططاتها للإيقاع بأوطاننا من جديد، فبالأمس كان الاستعمار البريطاني والفرنسي يتقاسمان احتلال أراضينا، وبعد مرور سنوات قليلة على استقلالنا، بدأنا نقع في براثن استعمار جديد، يتفنن في إحكام سيطرته وهيمنته علينا، وعلى أجزاء كبيرة من العالم، فتارةً يستغل حاجاتنا الاقتصادية لإخضاعنا، طالما أن طعامنا بيده وشبح المجاعة يحوم حولنا، وتارةً أخرى يدفع جيوشه فتمارس تهديدًا وإرهابًا، كما بدا من المواجهة العسكرية بين “روسيا” و”أفغانستان”، والمواجهة بين “أمريكا” و”ليبيا”، ثم “أمريكا” و”أفغانستان” و”العراق” كانت تلك بمثابة استعراض للقوى الاستعمارية على حساب الدول النامية، وتهديد لأية دولة أخرى تسوّل لها نفسها أن تخرج عن طاعة الاستعمار العالمي، ناهيك عن الأفعال الإجرامية التي تقوم بها “إسرائيل”، فإلى متى سيستمر هذا العبث في المنطقة؟. بالأمس أصيبت “تونس” وبعدها “ليبيا”، ومن المشرق وصل الاعتداء الإسرائيلي إلى “الجولان” و”الضفة الغربية” و”غزة” و”لبنان” والمفاعل النووي العراقي وقواعد الصواريخ في “سوريا”، ومن قبلهم “فلسطين”، ناهيك عن الاحتلال الأمريكي للعراق، وفي أقصى الشمال ما إن انتهت الحرب الدائرة بين “روسيا” و”أفغانستان”، حتى بدأت الحرب بين “أمريكا” و”أفغانستان”، والجنوب الأفريقي ما زال يعاني من التفرقة العنصرية، ولا تغيب عن أذهاننا المؤامرات والفتن التي تحيكها القوى الاستعمارية للإيقاع بين الدول وبين أبناء الشعب الواحد. إن ما يحدث الآن في المنطقة لايمكن أن يكون هدفه أقل من عودة للاستعمار؛ ولكن بثياب جديدة، حيث إنه يمهد التربة جيدًا قبل أن يوجّه الضربة القاضية. لذلك علينا أن نعود إلى وحدتنا ونتصدّى بشدة وحزم لألاعيب وحيل الاستعمار الجديد؛ حتى لايعيد التاريخ نفسه فنعيش دائمًا وأبدًا تحت سيطرة وظلم المستعمرين. الاستعمار الغربي هو الاستعمار الغربي ما تغير شيء من طبعه فهو اليوم كما زحف إلينا من ثمانمائة سنة، بما فيه من الظمأ إلى الدماء، والقرم إلى اللحم، وإن هذه المدنية التي يتذرع بدعواها، إن هي إلا غطاء سطحي لما هو كامن في طبعه، متهيئ للظهور لأدنى حادث؛ فالمدنية العصرية لم تزد الاستعمار الغربي إلا تفننًا في الآت القتل، وفصاحةً في التمويه، وتسمية الأسماء بغير أسمائها.
رابعًا: إذا كانت قصة مصاص دماء البشر أسطورةً أو خياليةً؛ إلا أنها تجسد شخصيات لها تأثير وواقع حقيقي يتكرر يوميًا في حياتنا، وهذه الشخصيات تقوم بالدور نفسه أفراد كانت أو كمجتمعات، كلما تعددت وتطورت طرق استتراف وامتصاص دماء وثروات الآخرين. فما قامت به الولايات المتحدة ورئيسها “رونالد ريجان” بالاشتراك مع “إسرائيل” في إمداد “إيران” بأسلحة أمريكية كان من شأنه إطالة مدة اشتعال الحرب بين “العراق” و”إيران” كوسيلة لانهيار هاتين الدولتين وليس واحدة منهما، وبغض النظر عن ما أعلنه “ريجان” كمبرر لهذا الفعل الإجرامي الذي يتناقض مع ما أعلنته “أمريكا” من حياد زائف في هذه الحرب، إلا أنه يدل أيضًا على مدى الاستهانة بالكم الهائل من الدماء التي ستسفك في هذه الحرب، كمقابل للإفراج عن بعض الرهائن من الرعايا الأمريكيين بدلاً من العمل على إخماد نيران هذه الحرب. لذلك كفى توهمًا بأن الغرب يعمل على الإسهام الجاد في حل مشاكل وأزمات العالم الثالث بوجه عام والشرق الأوسط بوجه خاص، وكفى إهدارًا للطاقات في السعي للحصول على رضاه، وكفى إهدارًا للوقت في انتظار اللقاء المسمى بلقاء القمة الدولية، فمن لا يهتم ويعمل على حل مشاكله بنفسه لاينتظر من الآخرين حلها له. وعلى الدول العربية أن تعمل بشتى السبل والوسائل على وقف نزيف الدماء في الحرب بين “العراق” و”إيران”، وما شابه من حروب أخرى بين الشعوب العربية وداخلها؛ لتدخر الأموال والطاقات من أجل العدو الحقيقي، ونقطة البدء لوقف هذا النزيف المدمر يكمن في ضرورة التعجيل بالوحدة العربية.
* * *
* *
(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، محرم – صفر 1431 هـ = ديسمبر 2009 م ، يناير – فبراير 2010م ، العدد : 1-2 ، السنة : 34