محليات
إعداد : محمد رضوان القاسمي البجنوري
طالب بقسم التخصص في اللغة العربية وآدابها ، بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند
المحكمةُ العالية في مدينة “دهلي” قد أصدرتْ قرارًا تأريخيًّا؛ حيث إنّها وافقتْ شرعيًّا على الزّواج المثليّ إذا كان ذلك عن تراض من الجانبَين، تضييقًا لإطار المادة الـ 377 من قانون الجزاء الهنديّ؛ فقد قالت المجموعة المكوَّنة من كلّ من رئيس القضاة المستر “أجيت بركاش شاه” والقاضي المستر “ايس مورلي دهران” خلال إجراء النظر في الطلب الموجَّه إلى المحكمة من قبل “مؤسسة ناز”: إذا لم يتمّ إدخالُ التعديل على المادة الـ 377 من قانون الجزاء الهنديّ فسيظلّ متعارضًا مع البند الـ 21 من الدستور الهنديّ؛ إذ أنه ينصّ على أن يُتاح لكلّ مواطنٍ من مواطني البلاد أن يعيش على شاكلتِه كيفما يشاء؛ لأن القانون إنّما يعتبر جميعَ الناس سواسيّةً فيما بينهم، على أنه يرجع أصلُ المادة الـ 377 من قانون الجزاء الهنديّ إلى العهد البريطانيّ الذي كان قد اُعْتُبِر فيه الزّواجُ المثليّ جريمةً تعليلاً بأن ذلك “عمل جنسيّ غير طبيعيّ”.
وقالت مجموعةُ القضاة في المحكمة: إنّه إن مارست امرأتان أورجلان العمل الجنسيّ في الخلوة عن تراضٍ منهم، فلا كراهةَ في ذلك، على حين إن وَصْفَ الزّواج المثليّ بكونه جريمةً مطلقة إنّما يتعارض مع البند الـ 21 من الدستور الهنديّ. وعلى الكلّ فالمحكمة العالية قد أبقت المادة الـ 377 فاعلةً ضدّ الزواج المثليّ والعمل الجنسيّ غير الطبيعيّ، إذا لم يتم ذلك عن تراضٍ من الجانبَين. ويلاحَظ أن هذا القرار الذي اتخذتْه المحكمةُ فيما يتعلق بالزّواج المثليّ قد يحتلّ أهميةً بالنسبة إلى أن الموقف لوزارة الداخليّة ظلّ متعارضًا مع موقف وزارة الصحة بهذا الخصوص؛ ذلك أن وزارة الداخليّة كانت قد أبدتْ رغبتها في أن يتم رفضُ الطلب المرفوع من قبل “مؤسسة ناز” في جانبٍ، وفي جانبٍ آخر كانت وزارة الصحة صرَّحت بأن المادة الـ 377 من قانون الجزاء الهنديّ إنما تعترض سبيلَ المحاولات التي تُبذل من أجل التغلّب على مرض “الإيدز” (H.I.V.). وأفادت المحكمة: أن هذا القرار لن يكن ساريَ المفعول حتى يتمّ إدخالُ التعديل على القانون في البرلمان الهنديّ.
وأكدت مجموعة القضاة في حكمها الذي يقع في 105 صفحة: أنه قد تم الاعترافُ من خلال هذا القرار بالمساواة في الحقوق؛ كي يُتاح لكلّ فرد من المواطنين أن يعيشَ متمتّعًا بالاحترام. ويُذكر أنها هي المرّة الأخرى التي أصدرتْ فيها المحكمة العالية في مدينة “دهلي” القرارَ في شأن الطلب المرفوع من قبل “مؤسسة ناز”، بينما قد سبق أن قامت المحكمة لأول وهلة برفضِ ما قدّمتْ إليها المؤسّسةُ من الطلب في 2004م، وبالتالي راجعت المؤسسةُ محكمةَ الاستئناف العليا في شأن الطلب، فلم تكن محكمةُ الاستئناف العليا قد اسْتَحسَنَتْ أسلوبَ العمل لدى المحكمة العالية فيما يتعلّق بمعالجة القضيّة قائلةً: إن قضيّة الزواج المثليّ بما أنه يدور حولها النقاش في العالم كافّةً، فكيف بقي الطلب الموجَّه من قبل “مؤسسة ناز” طلبًا أكاديميًّا؟ هذا، ومحكمة الاستئناف العليا كانت قد أصدرت التوجيه إلى المحكمة العالية عام 2006م بأن يتم إجراء البحث حول القضيّة بالتفصيل.
ويبدو أنّ موقف وزارة القانون من الأخلاقيات والآداب الإنسانية هو الآخر كان له فعلٌ في القرار الذي أصدرته المحكمة العالية فيما يتعلق بالسّماح بالزواج المثليّ بصفةٍ قانونيّةٍ؛ إذ أنه قد يقال: إن موقفًا من مواقف وزارة القانون ظلّ يعني أن القانون الجنائيّ إنّما تمّ وضعُه لأجل تنفيذ الأخلاقيّات، وهو يقضي بأن الاشتغال بمسؤوليات أخرى خير من التطواف حول مستراح أحد. والجديرُ بالذكر أن كلاًّ من القانون والأخلاقيّات قد سبق أن دارتْ حولهما المناقشاتُ في بلاد “بريطانيا” حينما كانت لجنة “وولفيندين” قد قامت بالتوصية برفعِ الحظر المفروض على الزواج المثليّ. ولايختلف اثنان في أن هناك صلةً فيما بين القانون والأخلاقيّات؛ لكن الدور الذي لعبَه القانونُ للإبقاء على الأخلاقيّات ظلّ مطروحًا للنقاش في كل مجتمع. ولجنة الحقوق هي الأخرى كانت قد وصَّتْ في تقريرها رقم (172) بأن يتمّ إجراءُ التغيير في شرح اغتصاب النسآء؛ كي يضمّ ذلك كلَّ من يتعرّض للمساس بعرضه؛ ذلك أن الاعتداء الجنسيّ ولو كان بشكلٍ ليس أقل ضررًا ذهنيًّا ونفسيًّا للغلمان من الفتيات .
وأثناء ذلك قد أشار وزير الداخليّة المستر “بي جدمبرم” إلى أنّه قد يمكن أن يقع التغيّر في نظريّة وزارة الداخليّة فيما يتعلق بإلغاء المادة الـ 377 من قانون الجزاء الهنديّ بعد أن تم السّماح الشرعيّ بالزواج المثليّ في البلاد.
وقال رئيس الوزراء الهنديّ المستر الدكتور “مان موهان سينغ” لكلّ من وزير الصّحة المستر “غلام نبي آزاد” ووزير القانون المستر “ويربا موئيلي” ووزير الداخليّة المستر “بي جدمبرم”: ليتمّ استيفاء البحث حول هذه القضيّة، حتى تتفق الآراء ويسود جوّ التفاهم. وأفاد المستر “بي جدمبرم”: أنه سيُعقد اجتماعٌ للوزراء المعنيّين في أسرع وقتٍ. وعندما وُجّه إلى وزير الصحة المستر “غلام نبي آزاد” سؤال بهذا الصدد، امتنع عن الإدلاء بأيّ تصريح، فيما قد سبق له أن أكّد على ضرورة المشورة الموسَّعة والبحث حول إجماع الآراء فيما بين القادة الدينيّين والممثِّلين لدى المجتمع المتحضّر داخلَ البرلمان الهنديّ وخارجَه.
(صحيفة “خبر جديد” الأردية اليوميّة الصادرة بدهلي الجديدة، العدد: 245، السنة:6)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1430 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2009 م ، العدد : 10-9 ، السنة : 33