الفكر الإسلامي
بقلم : الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي
العقل هذا الكنز الإلهي في الإنسان، هذا الجوهر النقي هبة السماء للبشر؛ هذا المحرك لقوى الإنسان خليفة الله في الأرض.. إنه صديق الدين دائمًا، صديق الإسلام، صديق القرآن.. لاعداوة بينه وبين خاتم الرسالات، وآخر النبوات؛ لأنها حق وعدل، والعقل مع الحق والعدل أبدًا ودائمًا، يقف مؤمناً بالله وبالرسل وبالدين وبوجود الملائكة وبالآخرة وبالبعث والنشور والحساب؛ لأن العقل يأبى أن يرى قدرة الله وآثارها الظاهرة في السماء والأرض وفي خلق الإنسان، ثم يكفر بوجود الله، ولأن العقل لايستطيع أن يفهم أن الحياة خلقت عبثًا، ولا أن الناس خلقوا سدى، ولا أن الإنسان يعيش لدنياه فحسب، ولأن العقل يأبى أن يصدق مزاعم الجاحدين والكافرين والمشركين: من أن الدين خرافة، وأن الحياة ليس وراءها بعث ولا نشور ولا حساب.
إن العقل دائمًا في صف الإيمان. إنه يقف مشيرًا إلى وجود الله وقدرته، إنه يقول ما قال القرآن الكريم: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَه تَضَرُّعًا وخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هـٰـذِه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وِمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثـُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام/63-64)، العقل يقف متعجبًا من خلق الإنسان، وما ركب في جسمه من أذنين وعينين وساقين ويدين، وما أودع جوفَه من قلب، و رأسه من عقل، ولا يجد مناصًا من أن يعترف بأن خالق ذلك كله هو الله الذي أتقن كل شيء صنعًا، وأحسن كل شيء خلقًا. والعقل يدعو إلى جعل القرآن الكريم طريقًا من طرق المعرفة، ووسيلة من وسائل الإِدراك. يقول الله تعالى: ﴿ومِن النَّاسِ مَن يُجَادِلُ في اللهِ بغَيْرِ عِلْمٍ، وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ (الحج/3) ويقول: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ (لقمان/ 20-21). ويقول: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ، ثـَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (الحج/ 8-10).. ففي هذه الآيات الكريمة تحديد واضح لمنهاج المعرفة ومذاهب التفكير والفهم عند البشر، وقد عني القرآن الكريم في هذه الآيات وفي سواها مما لم نذكره أن يوضح للبشر – ودون لَبْسٍ – منابعَ الحقيقة واضحة بينه حتى لايضلوا في الحياة، أو يتشعب بهم الظن في مجال البحث واليقين، وحتى يبنوا عقائدهم وآراءهم على أساس سليم مستقيم؛ ففي الآية الأولى يذكر الله عز وجل صنيع بعض المشركين المتمردين على عقيدة التوحيد، الدائبين على اللجاج والجدل في الله، دون أن يرتكز لجاجهم وجدلهم على دعامة من العلم والبرهان والمنطق ودون أن يخضع نقاشهم لحكم العقل والإنصاف، وإنما يخبطون خبط عشواء، ويسيرون في صحراء ظلماء، ولا يفرقون بين حق وباطل، ولا يحاولون الرجوع إلى الحق أو التزامه أو الدفاع عنه.. فهم ينازعون في ذات الله وفيما يجوز عليه وما لايجوز من صفات وأفعال، ويقولون من الأباطيل ما يقولون، ملابسين للجهل، ويتبعون في أقوالهم وأعمالهم وعقائدهم كل شيطان عاتٍ ضال مضل عن سبيل الله. وذلك من أشباه: أبي جهل، والأخنس بن شريق، والنضر بن الحارث، وسواهم، وكان النضر يقول: الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، ويقول: إن ما يأتيكم به محمد هو ما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية، ويقول: الله غير قادر على إحياء من بلي وصار ترابًا، وكان يذهب إلى فارس، فيشتري كتب الفرس وأساطيرهم، فيحدث بها قريشاً، ويقول: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بحديث رستم وبهرام والأكاسرة ، وملوك الحيرة. والآية عامة في كل من أمعن في الجدل دون علم أو برهان، وفي كل من ضل ويضل بذلك عن سبيل الله ودينه وشريعته .
وكذلك الآيتان الأخريان من سورة لقمان تؤكدان هذه المعاني، وأن من الناس من يدأب على الجدل في ذات الله وصفاته، أو في دينه وشرائعه دون علم واستبصار ويقين مأخوذ من دليل عقلي ودون هدى وإرشاد، مستفادين من كل هاد ومرشد من الرسل والأنبياء، ودون كتاب منير واضح جلي هاد لاخفاء في هديه، منزّل من الله عز وجل إلى رسول من رسله المكرمين، فهو لايؤمن بالدين وإنما يؤمن بالأوهام والتقاليد والأساطير الكاذبة يتخذها منهجًا له في التفكير والبحث، ويهمل عقله إهمالا، ويفسد فطرة الله في نفسه إفسادًا شديدًا، وهل هناك ما هو أضر على الإنسانية من التقليد الأعمى والاتباع المرذول، وهل حارب القرآن الكريم شيئًا كما حارب التقليد وصنيع المقلدين؛ ولذلك ذهب الأئمة إلى أن التقليد في أصول العقائد ضلال غير جائز حتى قال الرازي (وأكثر العلماء على أن التقليد لايكفي في أصول العقائد، ويؤكد القرآن أن مثل هؤلاء إنما يتبعون سبيل الشيطان، والشيطان إنما يدعوهم إلى عذاب السعير).
أما الآيات الثلاث الأخيرة وهي من سورة الحج، فهي كذلك تأكيد لهذه المعاني الشريفة وتقرير لها، وتوضيح لصنيع هؤلاء الذين يتخذون الجدل بالباطل وسيلة للضلال والإِضلال عن سبيل الله، فهم لايرجعون في جدلهم في الله إلى العلم أو الهدى أو الكتاب المنير، وهنا يفسر المفسرون العلم بالعلم الضروري، والهدى بالاستدلال والنظر الذي يهدي إلى المعرفة، والكتاب المنير بالوحي، وإن كنا نحن لانرى مانعًا من تفسيرها بما فسرناها به آنفًا، أو بما فسرها به المفسرون هنا، أو بتفسير آخر نذهب إليه ونرجحه، وهو أن المراد بالعلم الحقائق التي تستقر في النفس، ويرشد إليها التفكير والبحث والدليل والتجربة، والهدى المراد به الإلهام النفسي الذي تمده فطرة الله في النفس الإنسانية التي فطرها الله على التدين والإيمان، والكتاب المنير هو المنزل من السماء على رسول من الرسل يدعو إلى مبادئه، ويبشر بشريعته، وتكون أقواله وأفعاله تفسيرًا لما تضمنه من أحكام وآداب وشرائع وشعائر وعقائد ومُثُل. ويؤكد الله عز وجل هنا أن الإعراض عن الحق والاستكبار عن السماع من الرسل هما ديدن هؤلاء الناس الذين حاربوا الرسالات الإلهية، وضلوا وأضلوا عن سبيل الله، وأن لهم خزيًا وهوانًا في الدنيا، وعذابًا أليمًا في الآخرة، بما اجترحوا من سيئات وما اقترفوا من آثام في حق الله والعقل والإنسانية والشعوب والجماعات، والله عادل في عقابه لايظلم أحدًا، ولاشك في أن مثل هؤلاء يستحقون هذا العذاب، فقد صدوا عن الله ودينه وتوحيده، وجادلوا في الله مجادلة عن عناد واستكبار، دون أن يخضعوا في جدلهم ولجاجهم لأصول العقل أو برهان العلم أو هداية السماء، فإذا ما حاولت إقناعهم وإرشادهم وهدايتهم أصروا واستكبروا استكبارًا، وجادلوا بالباطل وقالوا زورًا وبهتانًا، وأخذوا يثرثرون بما لايعقله العقل، ويهرفون بما يزينون من الشرك والضلال والإضلال.
وهنا نجد القرآن الكريم يبني صرح الحياة الإنسانية المثلى، ويقيم دعائم المدنية والحضارة على أساس رائع عظيم من الفطرة والعقل وهداية السماء. فهذه الآيات، وإن تضمنت في عمومها بيان جزاء الصادين عن دين الله – الذين يضلون ويلوون رؤوسهم عنادًا واستكبارًا – في الدنيا والآخرة، فهي تضمنت أيضًا التحذير من الجدل والمناظرة في العقيدة بالهوى والقياس، لأن في ذلك الضلال والابتداع، والتقليد الأعمى المرذول، وتعطيل حكم العقل؛ بالسير على منهج الآباء والأجداد في كل شيء، حتى فيما يؤدي إلى الضلال والبهتان والشرك.. ومع أنها تضمنت كذلك نفي الظلم عن الله وبيان أن الإنسان هو الذي يجني على نفسه بعناده واستكباره ومشايعته للباطل، فهي كذلك تقرر أصول المعرفة الثلاثة: العلم الفطري المركوز في طبائع الناس كافة الذي يرشد إلى الخير والفضائل والتوحيد والإيمان. والعلم النظري المستفاد من الوحي والكتب السماوية المنزلة على الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. فأنت إذا خلوت إلى وجدانك وقلبك وذوقك ونفسك وعواطفك ومشاعرك، لأرشدتك إلى الله موجودًا، وإلى الملك القدوس خالقًا، وإلى رب الأرض والسماء إلهًا معبودًا، وإلى محمد رسولاً، وإلى القرآن كتابًا منزلاً من عند الله. والإيمانُ به وبجميع ما تضمنه من أوامر ونواه، ومن طاعات وعبادات وشرائع، فرضٌ على الناس كافة. وأنت إذا رجعت إلى عقلك وخلوت إلى فكرك، وبحثت وفتشت، وقدرت ونظرت واعتبرت، هداك العقل إلى الله ﴿الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ، المَلِكُ الْقُدُّوْسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنىٰ، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمـٰـوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيْزُ الْحَِكِيمُ﴾ (الحشر/24). وأنت إذا رجعت إلى القرآن كتاب الله الحكيم، ومنهج الإسلام القويم، أرشدك إلى الله ربًا، وإلى الإسلام دينًا، وإلى محمد نبيًا ورسولاً، وإلى الملائكة جند الله، وإلى البعث والنشور والحساب، وكل ما جاء في الدين من الغيب، مما فرض الله الإيمان به ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلـٰـوةَ، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِـرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (البقرة/3-5).
والمؤمنون يرون أن المعرفة بالله إنما تكون بحق حينما يعتمدون على القلب الذي هو مركز المعرفة وموضع الإِيمان، ومحل الدين، إنهم يفتشون في وجدانهم فيجدون الله منقوشًا على كل ذرة، مضيئًا على كل شيء.. يرونه عن طريق الكشف والذوق.. يرونه بوجداناتهم وقلوبهم ومشاعرهم وعواطفهم، ويؤمنون به إيمانًا صادقًا لايزعزعه شيء، ولا يؤثر فيه أي شيء. لقد جاهدوا أنفسهم وطهروها، وأخلصوا لله حتى كشف عنهم حجاب الحسرة ورأوا الله بعين الإدراك وعين اليقين؛ فعبدوه حق عبادته، وأطاعوه حق طاعته؛ ففازوا في الدنيا والآخرة برضائه ومحبته. أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأولئك هم المؤمنون حقًا، لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم.
والماديون في ضلالهم، وفي إنكارهم لوجود الله، وفي زعمهم أن المادة إله من دون الله يخالفون كل منطق..
إن المذهب الواقعي يرى في المعرفة أنها ما يطابق الواقع؛ فوجود العالم الخارجي هو وجود واقعي حقيقي مستقل عن الذات، فالمعرفة عنده هي صورة مطابقة للموضوع لا أثر للذات أو للعقل فيها، ويرى الفيلسوف الإنجليزي “جون لوك” أن المعرفة، وإن تكن مستمدة من الواقع عن طريق الحواس ، فإنها مع ذلك ليست في مجموعها صورة مطابقة للواقع تمامًا، لذلك يحلل “لوك” المعرفة أو الأفكار ليبين ما يطابق منها الواقع وما لايطابقه، فالمعرفة عند “لوك” – وإن كانت مستمدة من الواقع – ليست في مجموعها صورة مطابقة للواقع، فبعض عناصر المعرفة عنده موضوعي يصور الواقع كما هو تمامًا، وبعضها ذاتي من نتاج العقل ولا يصور الواقع بل هو تحوير للواقع .
وأما المذهب العملي فلا يفصل بين الفكر والعمل، فالمعرفة عنده ليست تصوير الواقع كما يذهب الواقعيون، وإنما هي أداة للسلوك أو خطة تقود إلى عمل. والفكرة عنده هي تصور النتائج العملية التي يمكن أن تترتب على الاعتقاد بفكرة، ومعيار الصدق والكذب في المذهب العملي هو الاختبار العملي للفكرة من حيث نتائجها، لا من حيث مصدرها وأصلها. وهذا فيه الكثير من الإِسراف، فإن الفكرة تكون صادقة أو كاذبة بصرف النظر عن النتائج العملية.
وأما المذهب المثالي فهو عكس الواقعي، إنه ينكر وجود شيء خارج العقل، ويزعم أن (ماله وجود هو العقل، وما بالعقل من أفكار) فالشيء لا وجود له إلا إذا كان فكرة في العقل، ومعرفة الشيء هي وجوده، فالشيء موجود في المذهب المثالي؛ لأنه مدرك، وفي المذهب الواقعي: الشيء مدرك؛ لأنه موجود؛ فالموجود في المذهب المثالي هو الإدراك، ومعرفة الشيء هي وجوده؛ فطبيعة المعرفة هي طبيعة الوجود، ومن دعاة المذهب المثالي “هيجل” الذي يرى أن المعاني الكلية أو المقولات هي مبدأ المعرفة أو شرط المعرفة والمعرفة عنده هي الوجود .
ومصدر المعرفة عند أصحاب المذهب التجريبي هو التجربة الحسية، وعند أصحاب المذهب العقلي هو العقل وحده، ويمثل “ديكارت” هذا الاتجاه. وأما المذهب النقدي فيرى أن مصدر المعرفة هو التجربة والعقل جميعًا، فالتجربة تقدم مادة المعرفة والعقل يقدم صورة المعرفة، ومثَّل هذا المذهب “كانت” أما المذهب الروحي فيذهب إلى أن مصدر المعرفة هو الإِلهام.
وعندما نرجع إلى “ديكارت” نراه يقيم الأدلة على وجود الله من أن في الذات فكرة واضحة متميزة لكائن لانهائي كامل، ووجود هذه الفكرة في العقل دليل على وجود مدلول لها في الخارج هو الله، وإثبات وجود الله كما يرى “ديكارت” وسيلة لإِزالة الشك ولبلوغ اليقين في المعرفة فالله الذي أثبتنا وجوده لا يضللنا ولا يخدعنا، وإذًا فحواسنا التي وهبها الله لنا لابد أنها صادقة – غير خادعة – والعالم الخارجي الذي خلقه الله لابد أنه حقيقة وليس وهمًا، وينتهي ديكارت إلى أن معرفتنا عن العالم الخارجي التي مصدرها الحواس ليست معرفة يقينية بعد أن اعتبر العقل وحده مصدر المعرفة اليقينية .
وهذه المذاهب كلها تنتهي بالخطأ حينًا، وبالقصور حينًا آخر، وقد شك الغزالي في مبادئ العقل، ولم يطمئن إلى شهادة الحواس، ولم يسلِّم بآراء الذين يبنون آراءهم في الله على ذلك وحده، ولا بآراء الذين لايؤمنون إلا بالمنطق وحده كطريق يوصل إلى الإِيمان بوجود الله، ورجع بالمعرفة إلى الإِلهام الوجداني فهو الطريق إلى معرفة الله والإِيمان به، وعن طريق الإِلهام يعرف الإنسان ذاته معرفة مباشرة ومتى عرف ذاته عرف الله.
إن جميع الطرق الصحيحة الموصلة إلى المعرفة توصل أيضًا إلى الله، وأنا لا أؤمن إلا بما ذكره القرآن الكريم من طرق المعرفة، وهي النظر العقلي، والوحي السماوي، والإلهام ؛ فهذه الطرق توصلنا إلى الله، وتدفعنا إلى الإيمان، وتحتم علينا الثقة بالله ووجوده، وهي كلها تناهض المذاهب “الماركسية – والوجودية” وتناهض الإلحاد والملحدين ، والشك والشاكين، والريب والمرتابين .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذو القعدة – ذوالحجة 1429هـ = نوفمبر–ديسمبر 2008م ، العـدد : 11-12 ، السنـة : 32