دراسات إسلامية
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية
شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
من بين النفايات أو المخلفات، التي تركها لنا المؤتمرُ الدوليُّ للسكان والتنمية، الذي عُقِدَ في القاهرة، في الفترة من الخامس إلى الثالثَ عشر من سبتمبر عام 1994م، ثم عُقِدَ بعد ذلك في “بكين” عام 1995م، وما تلاهما من مؤتمرات في هذا الصدد، وثيقة جد خطيرة، حيث تطالب هذه الوثيقةُ في أحد بنودها، بإدماج برنامج تعليم الصحّة الجنسيَّة الإنجابيَّة، في إطار برامج التعليم الرسمي لكلِّ دولة، وهذا من شأنه تعليم الجنس للأطفال في المدارس الرسمِيّة الإلزاميّة، أو بمعنى آخر تثقيف الأطفال والمراهقين جنسيًا من خلال المدارس. كما طالبت: بضرورة توفير الخدمات والمعلومات الصحِّيَّة الجنسية للنساء وبخاصة المراهقات، وإتاحة خدمات الصحة الإنجابيّة لجميع الفتيات، غير المتزوجات، وأن تتكفل الحكومة، أيّ حكومةٍ بالمراهقة الحامل من غير زواج، كما أقرت: التخلص من الحمل غير المرغوب فيه عن طريق إباحة الإجهاض، ولو على حساب الدولة، مع توفير الرعاية الصحّيّة والاجتماعية للواتي يتمُّ إجهاضُهن على نفقات الدولة؟. والغرب أن هذه الخطوات، التي تتبعها بعض الدول في الغرب، للتعامل مع ظاهرة المراهقين والمراهقات، وَضَعتْ في وثائق دولية، يُخَطِّطُ لها الآن أن تفرضَ على جميع الشعوب، مهما اختلفتْ أديانُهم وعقيدتُهم وثقافتُهم، ومن يرفض العملَ بها يتعرض، إما للحرمان من المعونات الدولية، وإما لفرض عقوباتٍ قاسية عليه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا يحاول الغربُ فرضَ هذه الأفكار على أمَّتِنا؟ ولماذا نرضخ نحن إلى هذه الرغبة، حتى من دون أن ندرس عواقبها على المستوى الأخلاقي؟. وكما هو متوقع أصبحتْ، هذه الفقرة على الأخص، مادة خصبة لكثير من المفكرين والكُتّاب، اتخذوها قضيتهم أو معركتهم الكبرى التي يقاتلون فيها بكل سلاح، حتى تتحقَّقَ مآربُهم وتصبح الثقافة الجنسية، إحدى أهم المواد الدراسية، في مُقرَّراتِنا التعليمية في مدراسنا وجامعاتنا، لذا على أصحاب الفكر الإسلامي أن يدلوا بدلوهم في هذا المقام، وألا يتركوا الساحةَ لأصحاب الهوى والمفسدين ومن يبتغونها.
بدايةً فقد أوجب الإسلامُ تعليمَ الأولاد الأحكامَ الشرعية المرتبطة بنضجهم الجنسي وبلوغهم سن التكليف، الذي يجب عليهم ما يجب على الكبار، من مسؤلياتٍ وتكاليفَ؛ بل أوجب تعليمهم كل ما يتعلق بحياة الذَكَرِ والأُنْثـٰـى من بني آدم بدءًا من الحمل، فالولادة، فالإرضاع، فالفطام، فستر عورة الصبي والفتاة، والتفريق بينهما في المضاجع، وعلامات البلوغ وآثاره، والأحكام الخاصة بالطهارة من الجنابة والحيض، والغسل والوضوء، وتحجب النساء عن الأطفال الذين اطلعوا على عورات النساء، واستئذان الذين لم يبلغوا الحُلْمَ من الأولاد إذا دخلوا على من هو أكبر منهم في الأوقات الثلاثة (مِنْ قَبْلِ صَلـٰـوةِ الْفَجْرِ وَحِيْنَ يَضَعُوْنَ ثِيَابَهُمْ مِنَ الظَّهِيْرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلـٰـوةِ العِشَاءِ). وكل الأحكام والسنن التي شرعها الخالقُ عزَّ وَجلَّ، والأسئلة التي وَجَّهَها الصحابة والصحابياتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والمتعلقة بأحكام الزواج وآداب المعاشرة الزوجيَّة من محظوراتٍ وسُنَن، والترغيب في الزواج، وكل ما يدفع إليه، وآداب الفراش، والتحذير من إشاعة ما يحصل بين الزوجين، والمحارم، والإخوة من الرضاعة، وغضِّ البصر، وحفظ الفرج، وكيف يتجنب المسلم مواضع الإثارة الجنسيّة وكيف يصون نفسه عن الوقوع في مستنقعات الآثام والفواحش والتحذير من فاحشة الزنا واللواط والشذوذ الجنسي، وأحكام ذلك ليكون على دراية بحدود الحلال والحرام. ولا يعيب الفني أو الفتاة، ولا ينقص من قدرهما، إذا استفسر أيٌّ منهما، من أهل العلم والتقى، عن آيَّةٍ من الأمور المرتبطة بأحكام البلوغ والمراهقة، فقد ذهبتْ امرأةٌ أنصاريّةٌ تدعى أمَّ سُلَيم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، نسأله هل على المرأة من غسلٍ إذا احْتَلَمَتْ؟. ممَّا دفع عائشةَ رضي الله عنها أن تقول: نعم النساء، نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياءُ أن يتفقهن في الدين، فقد تميز الإسلام بشموليته بالطرح لجوانب حياة المسلم كافةً، حتى قبل أن يولد، حين اهتَمّ بالزواج والتناسل، ولم يتحرَّجْ عن التطرق إلى كل ما يشغل تفكير المسلم في أمور حياته الخاصة. إنه أمر فعله الرسولُ صلى الله عليه وسلم حين علم الصحابةُ والصحابياتُ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بلغةٍ راقيةٍ وبأسلوبٍ بسيطٍ، لا إفراطَ فيه ولا تفريطَ، كل ما يتعلق بالأمور الخاصة جدًا، لأن الجنس جزء من الحياة، اعترف به الإسلامُ ووضع له الأُطُرَ الصحيحة للتعامل معه، قال النبي صلى الله عليه وسلم (مُرُوْا أولادَكم بالصلاة وهم أبناءُ سبعِ سِنين واضربوهم عليها وهم أبناءُ عَشَر وفرِّقُوا بينهم في المضاجع) وعن عائشة رضي الله عنها إنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النكاح سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوَّجوا فإني مكاثرٌ بكم الأممَ ومن كان ذا طولٍ فلينكحْ ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصومَ وجاءٌ له) رواه ابن ماجة. وهناك مرحلة من المراحل لابد فيها من تعريف الفتى والفتاة بمعنى الحديث الذي جاء في سؤال الصحابة الكرام للرسول صلى الله عليه وسلم : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟. قال (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك، إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ) رواه مسلم. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوَّج النساءَ فمَن رغِبَ عن سنتي فليس مني) رواه البخاري. كما أن هناك بعض آيات في القرآن الكريم، اشتملتْ على ثقافة جنسية لا بأس بها، ينبغي أن يتفَهَّمَها الصغارُ والكبار والشيب والشبان والنساء والرجال، حيث ذكرَتْ بوضوح، عمن يحفظ الإنسانُ فرجَه وعمن لا يحفظه، قال تعالى في سورة المؤمنون آية: 5-7 (وَالَّذِيْنَ هُمْ لِفُرُوْجِهِمْ حـٰـفِظُون إلاَّ عَلىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُوْمِيْنَ فَمَن ابْتَغىٰ وَرَاءَ ذٰلِكَ فَأُولـٰـئِكَ هُمُ الْعَادُوْن). وعن الرفث “الجماع” ليلة الصيام، قال تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلىٰ نِسَائِكُمْ) سورة البقرة آية: 187. وعن المحيض واعتزال النساء فيه، قال تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أذىً فاعْتَزِلُوْا النِّسَاءَ فِيْ الْمَحِيْضِ وَلاَ تَقْرَبُوْهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فإذَا تَطَهَّرْنَ فأتُوْهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمَرَكُمُ الله) سورة البقرة آية 222. وعن الموضع الذي يكون فيه منيت الولد، قال تعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فأتُوْ حَرْثَكُمْ أنّىٰ شِئْتُمْ) سورة البقرة آية 223. وعن طلاق المرأة قبل مسّها، قال تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوْهُنَّ مِنْ قَبْل أنْ تَمَسُّوْهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيْضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) سورة البقرة آية: 237. وعن النطفة وتكوينها في رحم المرأة، قال تعالى في سورة المؤمنون آية: 12-13 (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِّنْ طِيْنٍ ثـُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِيْ قَرَارٍ مَّكِيْنٍ). وعن خلق الإنسان من أخلاط النطفتين الرجل والمرأة، قال تعالى (إنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أمْشَاجٍ نَّبْتَلِيْهِ فَجَعلْنَاهُ سَمِيْعًا بَصِيْرًا) سورة الإنسان آية:2. وعن حمل الولد في بطن أمه ومدة إرضاعه، قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بوَالِدَيْهِ إحسانًا حَمَلَتْه أمُّهُ كُرْهًا وَّوَضَعَتْهُ كُرْهًا وحَمْلُه وَفِصَالُه ثـَلاَثـُوْنَ شَهْرًا) سورة الأحقاف آية: 15. وعن الزنا وكونه فاحشةً وساء سبيلاً، قال تعالى (وَلاَ تَقْرَبُوْا الزِّنَا إنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَّسَاءَ سَبِيْلاً) سورة الإسراء آية: 32. وقال تعالى (الزَّانِيْ لاَ يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إلاَّ زَانٍ أوْ مُشْرِك وحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلى الْمُؤمِنِيْنَ) سورة النور آية:3. وعمن يأتون الرجال شهوةً من دون النساء “اللواط”، قال تعالى (وَلُوْطاً إذْ قَالَ لِقَوْمِه أتأتُوْنَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أحَدٍ منَ الْعَالمِيْنَ إنَّكُمْ لَتأتُوْنَ الرِّجَالَ شَهْوةً منْ دونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُوْنَ) سورة الأعراف آية: 80-81. إلى آخر هذه المعاني التي تتصل بالجنس وترتبط بالغريزة، وعلى كل من يتولى تعليم القرآن سواء في المسجد أو المدرسة أو أيّ مكان آخر بيان تفسير هذه الآيات ومعانيها وأحكامها، لا يطمس معانيها بتفسيرات أخرى، لاتمتّ إلى المعنى المراد بصلة، ولا يمر عليها مر الكرام، دون توضيح لها أو تفسير لمضمونها، كما أنه على كل من يقرأ القرآن أن يتدبر آياته بكل ما تقصده كلمة التدبر من المعاني، وهذه الآيات من جملة آيات القرآن التي تنطبق عليها التدبر. ففي القرآن الكريم العديد من الموضوعات التي تتحدث عن قضايا جنسية وهناك ألفاظ شديدة العمق بالعلاقة الجنسية موجودة في القرآن الكريم كالرفث والمني والحرث والمس وغيره كثير إلا أن المعلومة الجنسية في القرآن لم يُفْرَد لها سياقٌ مُخَصَّصٌ أو فُصِلَتْ عن سياق الحياة وقُدِّمَتْ بصفتها معلومةً منفردةً، وإنما جاءت في سياق الكلام ولم تُفْرَدْ له خانة محددة وهذه هي منهجيتنا في التعاطي مع القضايا الجنسية بصفتها ضرورةً حياتيَّةً غير منفصلة عن الحركة الطبيعية للوجود من أخلاق وفطرة وسنن كونية وأسرة وشرائع وحدود وسماء وأرض وزرع وحساب ودنيا. ولم يرد تعبير العلاقة الجنسية في معنى المعاشرة بين الرجل والمرأة، وإنما جاءت ألفاظ أخرى لها دلالتها الذوقية الرقيقة كقوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوْهُنَّ وَابْتَغُوْا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) سورة البقرة آية 187 وقوله جل شأنه (أوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ) سورة النساء آية 43؛ بل إن لفظ النكاح في القرآن لا يعني أكثر من العقد الذي هو الإيجاب والقبول، قال تعالى (ولا تَنْكِحُوْا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) سورة البقرة آية 221؛ لأن الإسلام حريص على أن تكون هذه الممارسة للشهوة أو الغريزة، باسم الله، وفي منهج الله، وتحت أطياف المودّة والرحمة والسكن النفسي والعاطفي، قال تعالى (وَمِنْ آيـٰـتِه أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجًا لِتَسْكُنُوْا إليْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَّودَّةً ورحْمةً إنَّ فِي ذٰلِكَ لآيـٰـتٍ لقَوْمٍ يَّتَفَكَّرُوْنَ) سورة الروم آية 21 قال الله تعالى (وليستعففِ الَّذِيْنَ لاَ يَجِدُوْنَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه) سورة النور آية 33 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) إن رب العالمين قد ذكر في كتابه العزيز في أكثر من موضع آيات كثيرة تتحدث عن الاتصال بالجنس وعن خلق الإنسان وعن الفاحشة فهذه الآيات القرآنية تتحدث بوضوح عن الإنسان الذي يحفظ فرجه ومن لا يحفظه، عن المحيض واعتزال النساء فيه، عن النطفة وتكوينها في رحم المرأة، عن الزنا وكونه فاحشةً وساء سبيلا، عمن يأتون الرجال شهوةً من دون النساء، إلى آخر هذه المعاني التي تتصل بالجنس، فهل نريد أن يمر أبناؤنا على هذه الآيات وغيرها دون فهم، وتصبح صور القرآن نصوصًا يحفظوها، دون فهم أو إدراك لمعانيها؟.
وما عدا هذه الأمور لم نر في كتب السلف الصالح أيّة أشارةٍ ولو من بعيد إلى تعليم الجنس كما هو متبع الآن في الغرب ويراد كمثله لنا، بل أشارت إلى تعليم الأبناء القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وحكايات الأبرار، والأحكام الدينية، وتاريخ الملاحم والمغازي والسرايا، والأخلاق والشعر الجيد، والخطابة.
والإسلام يحمل الأبوين أولاً وأخيرًا، مسؤوليةَ تعليم الأولاد كل ما يتصل بحياتهم الجنسية ومولهم الغريزية وكل ما يترتب على ذلك من واجبات دينية وتكاليف شرعية، وما من شك فيه أنه لا توجد فتاة إلا وأمها تُعَلِّمها في فترة البلوغ والزواج واجباتها وحقوقها، وليس أصدق وأوفى من الأمّ معلِّمًا، فليس هناك أمّ على سطح البسيطة جاهلةً كانت أم متعلمةً عاملةً كانت أم سيدةَ بيت، إلا وتعلم بنتها مثل هذه الأمور، مهما انشغلت عنها، فالأم هنا هي المدرسة الحق بل خير مدرسة ومدرسة لتعليم بناتها، وانصراف قلة قليلة من الأمهات عن بناتهن ليس حجةً ولا سببًا يتخذه البعض ذريعةً لتعليم الجنس في المدارس. ومعشر البشر منذ خُلق آدم وإلى يومنا هذا، لم يعلِّمهم أحد كيف يأكلون وكيف ينامون ولا كيف يتكاثرون، وكذلك سائر الكائنات الحية، لم تحتاج إلى تدريس مادة الجنس، لتعلموا كيف يتكاثروا، فهم بالطبع في غير حاجة إلى ذلك، لأن هذه المسألة فطريّة، فطر الله سائر الكائنات عليها، وبعد الزواج يلتقي الرجل بإمرأته على فراش الزوجية تلقائيًا، حسبما يشتاقان لبعضهما، وحسبما تتوافق وتتناسب حالتهما النفسية والصحية والبدنية، حيث يحدث نوع من التوافق بينهما، متى يشتاق كل طرف للآخر ومتى يلتقيان، وكيفما يشبع كل منهما رغبة الآخر بما لا يخرجه عما أحل الله، أما الأفلام الجنسية وصور العرايا فهي إثارة للغرائز في غير وقتها وغير محلها، مثل كثير من الناس الذين يتعودون على تناول عدد معين من الوجبات اليومية في ساعات معينة، فإذا جاء ميعادها شعر تلقائيًّا بالجوع، ودائمًا الأكل على جوع يعطي شهية أكثر للطعام، واستمتاع أكبر به، وشعور بالشبع أقوى، ويغني الفرد عن تناول المشبهيات وأي مواد فاتحة للشهية، أما من يأكل على شبع، فلا يشعر بطعم الأكل، ويضطر لاستعمال فاتحات الشهية، وكذلك هو الجنس. مع العلم أنه لا تخلو المناهج الدراسية لمادة العلوم أو الأحياء، من شرح ولو مبسط للأجهزة التناسلية، ودورة حياة وتكاثر كثير من الكائنات الحية، كما أن منهج التربية الدينية يتناول قضايا مرتبطة بالجنس كالجنابة والاغتسال منها، بما فيه الكفاية، لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية ولبعض طلاب الكليات العملية.
وفي مرحلة التحول من الطفولة إلى المراهقة، عندما تطرأ على الشاب أحوالُ نفسية واجتماعية متقلبة وغير مستقرة، قد تصل إلى مرحلة التمرد، فهو يرى تغيرات جسمانية، تحدث له، وتتواتر على ذهنه خواطر وهواجس، وتساؤلات بعضها حرج جدًا، قد لا يستطيع توجيهها للأب أو الأم، لكن قد يثيرها مع بعض أقرانه، ومن هم في نفس سنه، ولكن الآباء بتربيتهم الصحيحة لأبنائهم، يستطيعون كسب ثقتهم، ومناقشتهم في كل ما يدور بخلدهم من أمور بما فيها هذه الأسئلة المحرجة، والبحث عن حلول نفسية واجتماعية وعلاجية، وكذلك البنات فهناك فتيات أقمن علاقات حميمة مع أمهاتهن، أما إذا كانت هناك موانع تدفع الشاب أوالفتاة لعدم الثقة أو اللجوء إلى ذويهم في مثل هذه الأمور، فعلينا أن نجد البديل الموثوق فيه إلا وهو إنشاء مراكز متخصصة، يعمل بها أطباء وعلماء دين ومتخصصون نفسيون، واختصاصيون اجتماعيون، توكل إليها مهمة توضيح كل الالتباسات المرتبطة بمشكلات المراهقين والشباب، وإمداد الشباب من الجنسين بالمعلومات التي يرغبون في معرفتها عن العلاقة الجنسية، والمشكلات التي يمكن أن يتعرضوا لها، وكيفية التعامل مع أمراض الجهاز التناسلي للذكور والإناث، مع توضيح الأعراض والأسباب وتقديم النصائح اللازمة لتجنب ذلك، كما يمكننا الاستفادة من مراكز تنظيم الأسرة في تعليم مثل هذه الأمور للمقبلين على الزواج، ولا مانع من نوعية الأزواج بالأمور الصحية، طبيعة المعاشرة ليلة الدخلة، والأوضاع الصحيحة، وتوضيح طرق الممارسات الزوجية الخاطئة، والعواقب التي يمكن أن تؤدي إليها.
أما أننا ندرس الجنس في مدارسنا، والتي في أغلبها مشتركة بنين وبنات، كما يفعل الغرب، بالشرائط التسجيلية، والصور الإيضاحيّة، والرسومات المبيّنة لكل كبيرة وصغيرة، ما خفي منها وما ظهر، والتي تجعل من الطلاب كما لو كانوا يتفرجون على فيلم من أفلام الجنس، فهذا مرفوض رفضًا تامًّا لأضراره، لأسباب عديدة نوجز منها الأتي: ستبدأ حياة المراهق في الممارسة العملية لهذه الدراسة، بالتعريف على الذات، أي الأعضاء التناسلية الخاصة به، ثم مقارنتها بزملائه، والتي تؤدي بهم إلى اللواط أو السحاق، إذا كانوا من أبناء جنس واجد، وإلى الزنا إذا كانوا من الجنسين، ومن المعلوم بداهةً أن المراهق تكون لديه رغبة في أن يسمع المزيد عن هذه الثقافة، وتنطبع في ذهنه الصور الجنسية التي شاهدها وتعلمها، وتتأصل في مخيلته هذه المشاهد، فيعمد حتمًا إلى محاكاتها وتقليدها إذا تحس الميل إلى الجنس الآخر، واستشعر بلذة العملية الجنسية، ولاسيما إن كان مفلوتَ الزمام، متروكَ الرقابة والرعاية، ومما لا يختلف فيه أثنان أن للمشاهد الآثمة أثرًا بالغًا في نفوس المراهقين، بحيث لا ينفع معه نصح الآباء أو توجيه المربّين والمعلمين، وستصير هذه الحصة أحبَّ الحصص للطلاب، وستزدهم دورات المياة والأماكن الخلوية بالطلاب الذين ينفسون عن أنفسهم بما درسوه، وفي ظلّ أجهزة إعلام تنقل ما يثير الجنس ويُحَرِّك الشهوات، مع عدم وجود ما يشغل وقت فراغ الشباب، ويستنفذ طاقاتهم، فيما يُقَوِّي الجسدَ على احتمال الجهد، ويُقَوِّي الروحَ على مقاومة الغواية، وفي غياب التربية الدينية، لن يستطيع المراهقُ مهما كان أن يستذكر هذه الدروسَ، ولا يتخيلها بذهنه، ويذوب فيها بأفكاره، وتتشوق أحاسيسه لممارستها. ومن ذا الذي سيدرس الجنس للأبناء في المدارس، هؤلاء المدرسون الجائعون إلى الجنس، وهل يتقون الله في تدريسهم، أما سيكون التدريس وسيلةً لإشباع رغبات المحرومين والمكبوتين من الدارسن والمدرسين، وكيف نفي أبناءَنا شرَّ مُدَرِّس أساءَ استغلالَ شرح هذه الدروس؟. فالاغتصاب والتحرش الجنسي بالطالبات في المدارس، والحال هكذا، أصبح ظاهرةً، فما بالنا إذا تعرِّتِ الأمورُ وانكشفت الأوضاعُ وسال لعابُ الجائعين فما الذي يكبح جماحَهم عن الممارسة، وماذا لو وسوس الشيطانُ للمدرس بشرحها عمليًّا على الطلبة والطالبات، وإعطائهم دروسًا خصوصيّة في هذه المادة، ودرجات أعمال السنة في يد الأستاذ من نصيب من تَوَفَّى الأستاذُ حقَّه وتشبَّع نهمه ورغبته.
كما أن الإسلام يحرِّم النظر إلى العورات، إلا في حالة المداواة، أو التعليم العلم النافع، والذي به صلاح الدين والدنيا، وكلٌّ يداوي أو يتعلم في أبناء جنسه، وبشروط أخرى لامجال لذكرها هنا، وأقرب العلوم للتربية الجنسية هي المواد الشرعية، لأن الدين يعترف تمامًا بالغريزة الجنسية، وينظم السلوك الجنسي تمامًا من الناحية الإسلامية قبل أيّ شيء آخر، ولهذا فالمفروض أن نهتم بتعليم أحكام الدين، وحدود الله فيما يتعلق بالسلوك الجنسي والحلال والحرام فيه. لذا تتساءل ما الفائدة والنفع الذي سيعود علينا من تعلم هذا العلم؟. وهل انتهينا من تعلم سائر العلوم التي وصلتْ بالغرب إلى ما هُمْ عليه من تقدّم ولا ينقصنا إلا هذا؟. وما الفائدة التي عادت على الغرب من تدريس الجنس في المدارس؟. فلم يقض على انحراف الفتيات، ولم يقلل نسبة مرتكبات الرذيلة، ولا نسبة الحوامل بدون زواج، ولا المواليد غير الشرعيين، ولم يؤثر على ارتفاع نسبة الإجهاض، وانتشار الأمراض الجنسية بين الطلاب ولن ولم يؤثر علينا في غير ذلك، وأيّ من الحجج التي يتخذها البعض لتبرير تعليم الجنس في مدارسنا بظروفنا الحالية وبالطريقة المكشوفة باطلةٌ، باطلة يجب التصدي لها.
وأخيرًا لقد أدرجت هيئة الأمم المتحدة برنامجَ الثقافة الجنسية، في برامج الصحة الإنجابية، والمطلوب تدريسها في مدارسنا لطلابنا، ومهما كان تغيير الأسماء ثقافةً أسريةً أو ثقافةً زوجيةً فالمضمون واحد، وهو برامج الأمم المتحدة الرسمية التي تنفذها عن طريق المدارس والجمعيات. ألم يكن حريًّا بهيئة الأمم المتحدة، أن تضع خططاً وبرامج جادة لإعداد الأجيال، وتأهيلهم لاستغلال الطاقات المطورة في الأرض وفي الآفاق وفي البحار والصحارى وفي المناجم، والاختراع والابتكار في ميادين الحياة الواسعة ليجدوا حلولاً لمشكلات الإنسانية في مجالات الطب والهندسة والزراعة والصناعة والثروات الطبيعية، وأن تبذل قصارىٰ جهدها في تنمية البحث العلمي في مختلف الميادين، وشتى التخصصات، ألم يكن هذا أولى بالأمم المتحدة أن توليه عنايتَها بجدّ وإخلاص بدلاً من هذه المخطّطات الهابطة، التي أدارت ظهرها لقيم وتقاليد الإنسانية الفاضلة ولغايتها النبيلة، وطموحاتها المرجوة؟!. إن وثيقة “بكين”، وما سبقها من مؤتمرات في هذا الشأن، وما سيلحق بها، لتمثل أكبر خطر على حقوق الإنسان. ألم يئنْ لنا أن ننتبه إلى الهدف الحقيقي وراء هذه البرامج حتى ولو تم تعديل بعض محتواها لمناسبة مجتمعاتنا المحافظة؟.
المراجع :
مجلة الأزهر العدد: 87. مارس/ إبريل 2005م للأستاذ الدكتور/ عبد العظيم المطعني.
مجلة المستقبل الإسلامي العدد: 167 إبريل 2005م، ربع الأول 1426هـ.
جريدة اللواء الإسلامي العدد 1227 بتاريخ 28/7/2005م ص6
جريدة الحياة عدد 785/344 بتاريخ 19/6/2005م ص4.
جريدة حواديت عدد 59 بتاريخ 11/4/2006م ص 3.
مجلة منار الإسلام العدد: 38-1427هـ، 2006م.
كتاب التربية الجنسية عند الأطفال والمراهقين نظمي صبحي عريان ص 302.
كتاب التأصيل التربوي للأبناء السيد أحمد المخزنجي ص 123.
كتاب التربية الجنسية للأبناء، على مدكور ص 132.
كتاب تربية الأولاد في الإسلام عبد الله ناصح علوان، ج2 ص464.
مجلة المعرفة العدد: 118 عام 2005م وزارة التربية والتعليم المملكة العربية السعودية، ص 59.
مجلة النفس المطمئنة ، السنة: 20 العدد: 81، ص:15-16 مقال التربية الجنسية للفتية والفتيات وإعدادهم للحياة لسليمان عبد الواحد يوسف، الجمعية العالمية الإسلامية للصحة النفسية القاهرة.
مجلة زهرة الخليج السنة: 27 العدد: 1364 مقال البيت أولا لبومي محمد الضحاوي ص 22.
كتاب مشكلات الأبناء النفسية والتربوية أسبابها وطرق علاجها طلعت ذكرى ص 141.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند ¯العـدد : 5-4 ، السنـة : 32 ¯ربيع الثاني – جمادى الأولى 1429هـ = أبـريل – مـايـــو 2008م