تحقيق «سيد الشهداء» للمحدث الكبير العلامة أبي المآثر حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله  المتوفى 1412هـ / 1992م

دراسات إسلامية 

تعريب : الأستاذ مسعود سعيد الأعظمي

(نشر هذا المقال أولاً بمجلة «النجم» الأردية الصادرة من لكناؤ تحت إشراف إمام أهل السنة مولانا عبد الشكور الفاروقي رحمه الله في عدد محرم سنة 1355هـ ، ثم أعيد نشره بمجلة «المآثر» الأردية الفصلية الصادرة من «مئو» بذكرى المحدث الكبير العلامة أبي المآثر حبيب الرحمن الأعظمي ، في عددها الثاني للمجلد الرابع)

       إن لقب «سيد الشهداء» يُسْتَعْمَلُ في الهند للحسين بن علي رضي الله عنهما ، وهذا ليس مما يختص بالجهلة والعامة ، بل قد تورط فيه كثير من أهل العلم والدين ، وبما أن إطلاق مثل هذه الألقاب والألفاظ على أحد من الصحابة ربما يكون إعتمادًا على التقاليد الدينية والروايات الشرعية فلا غرو أن يكون زعمهم أن لقب «سيد الشهداء» للحسين بن علي رضي الله عنهما مما هو ثابت بالنصوص والروايات . فمست الحاجة إلى البحث عن هذا اللقب ، وهل ورد له (للحسين) في الأحاديث والآثار أم لا ، ومن الأمر المعلوم أنه ليس لنا أن نتدخل في تعيين معنى الشهيد الشرعي لأحد من الناس ، وأن معناه إنما يتعين بدلالة القرآن وأحاديث النبي ﷺ ، أي لا مساغ لنا أن نقوم بتحديد معنى الشهادة من عند أنفسنا وتطبيقه على من نشاء ، ولكن تعيينه وتطبيقه إنما يكون من الطرق التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله .

       وكذلك فإن الحكم لأحد من الشهداء بأنه «سيد الشهداء» مما هو خارج من وسعنا واستطاعتنا، فالشهادة هو بذل النفس والروح في سبيل الله . والله عزّ وجلّ لوحده يعلم بالذي دمه أكبر قيمة وأعظم قدرًا ، وبالذي مفرقه أحق بتاج سيد الشهداء . وله الحق أن يقضي لمن تسعد روحه بسيادة جميع الشهداء في جنابه ، ومن البين أنه لا يمكن الوقوف على قضاء الله عز وجل لأحد من أفراد الأمة إلاّ بإخبار النبي ﷺ وتوقيفه ، فاشتدت الحاجة إلى أن نتفحص ذلك في الأحاديث والآثار. ونظرًا إلى ذلك فقد تصفحت كتب الحديث والسير وقمت بدراسة الكتب التي توفرت لي في هذه الفرصة ، فها أنا ذا أقدّم إلى حضرات أصحاب العلم المعلومات والنتائج التي وصلت إليها بعد دراسة واسعة عميقة ، عسى أن يوجهوا إليها عنايتهم .

       (1) إن لفظ «سيد الشهداء» قد ورد في الأحاديث لرجلين من أصحاب النبي ﷺ ، هما حمزة وبلال رضي الله عنهما . فروى الحاكم في مستدركه ج 3 : ص 199 من طريق جابر أن رسول الله ﷺ قال : «سيد الشهداء عند الله تعالى يوم القيامة حمزة» . وصحّح الحاكم الحديث بقوله: «هذا حديث صحيح الإسناد» وصحّحه الذهبي أيضًا . وأخرج الحاكم أيضًا في المستدرك ج 3 : ص 192 عن علي رضي الله عنه أنه قال : «إن أفضل الخلق يوم يجمعهم الله الرسل ، وأفضل الناس بعد الرسل الشهداء ، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب». وفي كنز العمال ج 6 : ص 171 ، معزوا إلى كتاب الألقاب للشيرازي عن جابر رضي الله عنه أنه قال : «حمزة سيد الشهداء يوم القيامة» وفيه أيضًا معزوًا إلى المعجم الكبير للطبراني عن علي رضي الله عنه أنه قال : «سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب» وفي نصب الراية للزيلعي ج 2 : ص 250 : «والمعروف في قوله عليه السلام سيد الشهداء إنه حمزة (إلى قوله) ورد نحو ذلك في بلال ، رواه البزار في مسنده من حديث زيد بن أرقم» وكذا في الدراية لابن حجر، أما الزيلعي فيقول بعد إيراد الحديث الذي ورد فيه لفظ سيد الشهداء لبلال رضي الله عنه: «وينظر في بقية السند والمتن» فتبيّن مما ذكرنا أن لفظ سيد الشهداء لحمزة قد ورد في العديد من الأحاديث والآثار التي صحّحها أصحاب العلم والفن ، و ورد في رواية لبلال أيضًا ولكنها ليست في تلك المنزلة من الصحة .

       (2) وما وجدت هذا اللفظ لأحد غيرهما، وإن أحدًا إن أمعن النظر في الروايات التي وردت في نصب الراية والدراية ليتجلى عليه أن كلا المحدثين ما اطلعا على رواية ، صحيحة كانت أو ضعيفة ، يكون فيها إطلاق لفظ سيد الشهداء لأحد ما عدا حمزة وبلال رضي الله عنهما ، وإلا فذكرا تلك الرواية لمقتضى الحال والمقام .

       وملخّص القول أن استعمال «سيد الشهداء» لريحانة الرسول وفلذة كبد فاطمة البتول الحسين بن علي رضي الله عنهم لايقوم على أساس ديني أو نص شرعي ، ولسنا نعلم على التحقيق أن تلقيبه به متى ابتدأ وكيف ابتدأ ؟ وإنما يبدو أنه من محدثات الذين يعتقدون معنى أهل بيت النبي أن يثبت لهم من الفضائل والمناقب مالا أصل له ولا أساس ، فينكرون فضائل سائر الصحابة ومزاياهم ويطبقونها على أهل البيت ، على أن التعبير عن الحب والتقدير وإظهار الإجلال على هذا النحو مما يمجه العقل وتاباه الطبيعة ، فالحب الصادق والتقدير الحقيقي أن يقال ويعبر عما ثبت بالنص ، وأن لا يتخطى في إبداء الحب حدود الشرع ونصوصه ولكن يكون في مثل هذا الأمر أن غلاة الناس يحدثون شيئا ثم الذين يسلكون سبيل الحق والهدى يقبلون عليه لإعجابهم وتقديرهم لجميع الأولياء والأسلاف . ولا يخطر ببالهم ما يحفز على إحداثه من ميول وأفكار خطيرة هدامة ، وما ينجم منه أو يمكن أن ينجم منه من مفاسد شرعية .

       دونكم كلمة «الإمام» فإن كثيرًا من أهل السنة يستعملونها للحسن والحسين رضي الله عنهما ، مع أنها من مخترعات الشيعة بلا ريب ، فانهم يطلقونها عليهما للإمامة المزعومة التي بها صارا معصومين عندهم ، والتي تفرض عليهم طاعتهما والخضوع لهما ، وفي هذا المعنى لايجوز لأحد من أهل السنة إطلاق «الإمام» لغير النبي .

       ثم إن أهل السنة إذا استوجبوا إجلالهما وتقديرهما أخذوا يطلقون عليهما تلك الكلمة مع إرادة معنى المقتدي ، على أنه إن لم تكن قد تسيطرت نزعة التظاهر بالتسامح فأمعنوا النظر وأجالوا الفكر لعرفوا أنه ليس من شك في كونهما المقتدي ، فإنهما لإمامان في هذا المعنى ، ولكن الشيعة لما أنهم يطلقون هذه الكلمة للحسين في معنى لا تبرره الشريعة البتة ، يخشى أن إستعمالها في حقهما يوجد اللبس ، وأن تسنح لأعداء الإسلام والدين الفرصة لإستغلال جهالة الناس والخديعة بهم ، إلا أن يكون إستعمالها لمن لا يعتقده المعارضون معصومًا ومفترض الطاعة فلا بأس لعدم إمكان اللبس والإشتباه .

       وهكذا إستعمال «عليه السلام» لهؤلاء الأولياء والأسلاف ، كما نرى في كتابات كثير من أهل السنة ، رغم أن الشيعة يتسمون بأنهم يستخدمون «عليه السلام» لأئمتهم الذين يزعمونهم معصومين في مثل عصمة الأنبياء عليهم الصلوات والتحيات .

       فأريد أن أقول إن كثيرًا من أساطير الأعداء والمعاندين وخرافاتهم وألقابهم ومناقبهم وفضائلهم المزعومة والمخترعة تدب إلينا وتسرب من أجل سذاجتنا وتسامحنا ، منها لقب «سيد الشهداء» الذي يُطْلَقُ ويُسْتَعْمَلُ للحسين رضي الله عنه ، مع أنه لادلالة ولا إشارة إليه في الكتاب والسنة .

       فإن الولاية أو العظمة إذا لم تثبت بالدليل الذي به يجب إثباتها ، ثم إثبات تلك الولاية لذلك الولى بالإكراه ليس من الإجلال والتقدير في شيء، ولكنه ينفيهما ، إلى جانب ذلك فإن مناقب الحسين وفضائله الحقيقية الثابتة أكثر من أن يخترع له مالا أساس له ، ألا يكفى لإبداء فضله ومجده والتعبير عن إجلاله وتقديره ما قال النبي ﷺ : «هما ريحانتاي من الدنيا» ، و «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» و «اللّهم إني أحبهما فأحبهما» فيطبق عليه لقب «سيد الشهداء» دون جدوى ومن غير دليل ، وخصوصًا إذا كان سيادة الشهداء من الأمور التي لايمكن الإطلاع عليها دون إعلام النبي ﷺ وإخباره .

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم 1426هـ = فبراير – مارس 2005م ، العـدد : 1 ، السنـة : 29.

Related Posts