إلي رحمة الله
بعد حياة حافلة بالإبداع في مجال الصحافة والإعلام ، انتقل إلى رحمة الله تعالى الصحفي والإعلامي الرائد الأستاذ هشام علي حافظ مؤسس «الشرق الأوسط» الدولية . وذلك يوم الاثنين 28/محرم 1427هـ = 27/ فبراير 2006م . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
كان الأستاذ هشام وأخوه محمد أوّل من حوّل الصحافة السعودية عالميّة . ويصح أنه كان مؤسس إمبراطورية صحفية سعودية غطّت العالم وفرضت سيادتها على الصعيد الدولي . من هنا سمّاه كثير من الصحفيين والإعلاميين «الصحفي والإعلامي الرائد» وقد حققت مؤسسته النشرية والصحفية أرباحًا كبيرة إلى جانب نجاحها في توفير مادة إعلامية طازجة يقبل عليها القراء ويتلقّفونها بنهم وحرص بالغين ، مما أسال لعاب كثير من ذوي الطموح من ذوي النفوذ و رجال المال والأعمال ، وحاولوا أن ينافسوا هشام في ساحته العملية هذه ؛ ولكن الرزق على الله ، فلم يُصَبِ الرجل بالإحباط، وظل يركض في طريقه قدمًا ، ويرسم معالم بارزة لجميع السعوديين والشباب العربي الطموح الذي لديه حرص على ترفيه الحياة وتوفير وسائل حديثــة لها ، ويتمنى أن يحفر في جبين التأريخ اسمَه بحروف جليّة تُقْرَأُ من بعد وتَلْمَحُ عن مسافة طويلة.
هشام على حافظ اسمٌ لامعٌ في دنيا النشر والصحافة ، والحرف الكلمة ، يتألق تألّق النجوم في السماء ، ولكن قليلاً من الناس يستطيعون أن يدانوها ، فضلاً عن أن يقنصوها ، وأن يكونوا صنوها في التألق وبعد المرتقى .
* * *
ولد الأستاذ هشام على حافظ بالمدينة المنورة عام 1350هـ / 1931م .
درس بالمدينة المنورة وبمكة المكرمة إلى المرحلة الثانوية ، انضمّ بعد ذلك إلى بعثة حكوميّة إلى مصر ودرس بجامعة القاهرة ، وأخذ ليسانس في العلوم السياسية ، وبعد ذلك أخذ شهادة دبلوم في العلوم العسكرية ، وانضم إلى الحرس الملكي .
ثم عمل في وزارة الخارجية ، وخدم في الدبلوماسية في كل من واشنطن وطهران وجنيف .
عاد بعد ذلك إلى المملكة واشترك في رئاسة تحرير جريدة «المدينة» مع أخيه محمد بالتناوب . وكانا يطبعانها في مطابع الشربتلي ، فنجحت نجاحًا كبيرًا ؛ حيث أدخلا عليها الأساليب الحديثة في الصحافة ؛ لأن أخاه محمد كان خريج صحافة من مصر ، ولديه ليسانس ؛ فكان ذلك في العصر الذهبي للصحافة المصرية في الأربعينيات والخمسينيات .
فَكَّر الأَخَوَانِ بعد ذلك في إصدار جريدة عربية بنمط خاصّ ، وهو أن تكون دولية ؛ حيث تحرر في لندن ، وتطبع في المملكة ، ثم في عواصم أخرى ؛ فكانت أول صحيفة عربية يومية دولية تُقْرَأُ في لندن وجدة والرياض والدار البيضاء ونيويورك وباريس .. كانت «الشرق الأوسط» أول جريدة عربية دولية بهذه المواصفات .
فبينما كانت جريدة «عرب نيوز» الإنجليزية – التي أصدرها هشام – سابقة للشرق الأوسط ؛ فكانت أول جريدة إنجليزية يومية بالمستوى الدولي يصدرها سعودي بدءًا من أبريل 1975م ، تلتها «الشرق الأوسط» فصدرت بعدها بثلاث سنوات، وتلتها مطبوعات وصحف بلغت 18-20 مطبوعة، بعضها اختفى وبعضها لايزال مزدهرًا .
ظل الأستاذ هشام مع أخيه محرر الشركة السعودية للأبحاث والنشر ، وكان رئيس مجلس إداراتها صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز – رحمه الله – . واستمر الأستاذ هشام يعمل بهمة ونشاط في المطبوعات الخليجية للإعلان ومطابع المدينة وشركة التوزيع التي سمّى مجموعتها سمو الأمير «المجموعة السعودية للأبحاث والنشر». ومنذ 4 أو 5 سنوات كان قد تقاعد الأستاذ ، وتولّى نشاطات تجارية منها الشركة السعودية للسيارات وشريك في شركة السواني ومجمع البساتين وشركات أخرى . وظل الأستاذ عبر حياته رمزًا للإبداع والابتكار. وكانت مهنة الصحافة عشيقته التي يسكن إليها سكونًا لايسكنه إلى مهنة أخرى .
ولئن ذهب عن دنيانا – وذلك هو مسار كلّ حيّ – فإنه سيظل حيًّا بمواقفه الإعلامية وإرثه الصحفي الطويل وما أكسبه صحيفة الشرق الأوسط ومطبوعاتها الإعلامية الأخرى من ثقل إعلامي المملكةَ العربية السعودية ، التي عادت تُعَدُّ حقًّا ، رائدة ممتازة في المجال الإعلامي المطبوع ، وصارت ذات هويّة صحفية خاصّة تعرف بها وتزيدها احترامًا إلى كونها محترمة لاحتضانها الحرمين الشريفين ومهد الإسلام والعروبة .
رحم الله هذا الإعلامي الفريد ، الذي خدم بمهنته وفكرته الفريدة دينه و وطنه وأمته ، وأسكنه فسيح جنّاته . وأنتهز المناسبةَ لأعزّي أصالة مني ونيابة عن أسرة تحرير المجلة – التي استفادت كثيرًا من «الشرق الأوسط» التي ظلت تصل مكتبَها باستمرار إلى ما قبل سنوات – أشقاءه الأساتذة : محمد وسعود وإبراهيم وعبد الفتاح وأخواتهم وأبناء الفقيد وبناته : قسورة ومحمد وآمنة ونسيبة وفاطمة وداليا وأروى ، وجميع أفراد أسرة آل حافظ ، مُتَضَرِّعًا إليه تعالى أن يعظم أجرهم ويلهمهم الصبر.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية – رجب 1427هـ = يوليو – أغسطس 2006م ، العـدد : 6-7 ، السنـة : 30.