دراسات إسلامية
بقلم: د. سامية منيسى
الإسلام هو دين العالمية، لذا فهو دين السلام والرحمة لجميع البشر والإنسانية؛ بل أيضًا دين الرحمة لجميع خلق الله تعالى حتى للبيئة التي نحيا فيها جميعًا.
فمن أسماء الله تعالى (السلام) يقول جل وعلا عن نفسه في كتابه الكريم: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلـٰهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ﴾ (الحشر:23) ويقول تعالى لعباده المؤمنين: ﴿يٰـأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾ (سورة البقرة:٢٠٨) فهذا أمر من الله تعالى أن يكون عباده المؤمنون، من أنصار السلام لأنه يعقبها بقوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوٰتِ الشَّيْطٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (سورة البقرة:٢٠٨) فلا ينحرفوا عن طريق الخير والصلاح.
كما أنه تعالى قال: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ اُسْلِمَ لِرَبِّ الْعٰلَمِيْنَ﴾ (سورة غافر:66) قال ذلك لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم معقبًا بقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعٰلَمِينَ﴾ (سورة غافر:66) فقد أمر الله تعالى بإسلام الوجه له تعالى دون سواه بتوحيده لا شريك له. كما قال لرسوله ونبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعٰلَمِينَ﴾ (البقرة:١٣١) فكان الأنبياء كلهم مسلمين لله تعالى وعلى ملّة الإسلام كما كان إبراهيم أبو الأنبياء على ملّة الإسلام حنيفًا مسلمًا فقال تعالى عنه: ﴿مَا كَانَ إِبْرٰهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ (سورة آل عمران:67) وقال يوسف عليه السلام: ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصّٰــــلِحِينَ﴾ (سورة يوسف:101). وأوصى إبراهيم عليه السلام ويعقوب أبناءهم بالإسلام قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعٰلَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (سورة البقرة: 131-132) وأوصى الأنبياء بعدهم كما أوصى محمد صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّٰـهِ رَبِّ الْعٰلَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (سورة الأنعام:161-163) كما قال أبناء يعقوب وأسباط إبراهيم عليه السلام غير مفرقين بين الرسل لأبيهم يعقوب: ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبَائِكَ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمٰعِيلَ وَإِسْحٰقَ إِلهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (سورة البقرة: 133).
وقد كان سلام الله تعالى على الرسل سلامًا دائمًا قال تعالى في كتابه الكريم في سورة الصافات: ﴿سَلٰمٌ عَلَىٰ نُوح فِي الْعٰلَمِينَ﴾ (سورة الصافات:79) ﴿سَلٰمٌ عَلىٰ إِبْرٰهِيم﴾ (سورة الصافات:109)، ﴿سَلٰمٌ عَلىٰ مُوسَىٰ وَهَارُوْنَ﴾ (سورة الصافات:120) ﴿سَلٰمٌ عَلىٰٓ اِلْ يَاسِيْنَ﴾ (شورة الصافات:130) ﴿وَسَلٰمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلّٰـهِ رَبِّ الْعٰلَمِيْنَ﴾ (سورة الصافات: 181-182).
كذلك تحية الملائكة لإبراهيم عليه السلام (السلام) قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلٰـمًا قَالَ سَلٰمٌ﴾ (سورة هود:69)، كما أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن ينشروا السلام بين البشر كافة قال تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلٰمِ﴾ (سورة المائدة:16)، وقال أيضًا: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باٰيٰتِنَا فَقُلْ سَلٰمٌ عَلَيْكُمْ﴾ (سورة الأنعام:54)، أما الأعداء، فإما الحرب لمن قاتلنا وإما السلام لمن سالمنا، يقول تعالى: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا﴾ (سورة النساء:90)، ﴿فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ﴾ (سورة النساء:91)، وقال تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ (سورة النساء:94)، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (سورة الأنفال:61).
أما عن الليالي المميزة عند الله تعالى ولها قدرهافمنها ليلة القدر قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنٰـــــهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرٰكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلٰٓـئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلٰمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ (سورة القدر:1-5)، فهي ليلة خير من ألف شهر فيها تنزل الملائكة وجبريل عليه السلام ليملأوا الأرض والسماء بنورهم ويكتبوا أعمال البشر حتى مطلع الفجر.
حتى النار تكون بأمر ربها سلامًا على عباده المؤمنين قال تعالى: ﴿قُلْنَا يٰنَارُ كُوْنِي بَرْدًا وَسَلٰمًا عَلىٰٓ إِبْرٰهِيْمَ﴾ (سورةالأنبياء:69)، كما أن الله تعالى رضي عن المسلمين الذين آمنوا بالله ورسله، والإسلام هو الدين الظاهر على كل الديانات، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ (سورة المائدة:3) وقال أيضًا: ﴿إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾ (سورة آل عمران:19) والإِسلام هو السلام، يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّٰـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقٰى﴾ (سورة لقمان:22)، كماقال تعالى عن رسول الإسلام: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (سورة التوبة:33)، أما عن الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين الصالحين فهي دار السلام، قال تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلٰمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (سورة الأنعام:127) أما أصحاب الجنة فيُنادى عليهم بالسلام قال تعالى: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلٰمٌ عَلَيْكُمْ﴾ (سورة الأعراف:46)، وقال تعالى للعباد الصابرين على اختبارات الدنيا ﴿سَلٰمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ (سورة الرعد:24)، وتحية أهل الجنة (السلام) قال تعالى عن عباده: ﴿خٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلٰمٌ﴾ (سورة إبراهيم:23).
أما عن الرحمة: فرحمة الله وسعت كل شيء يقول تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ (سورة الأنعام:54) وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ (سورة الأنعام:147)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِيْنَ﴾ (سورة الأعراف:56).
وقرن الله تعالى الغفران بالرحمة لجميع خلقه قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحَمَةِ﴾ (سورة الكهف:58)، وبدأ سبحانه بالفاتحة التي تقرأ في كل صلاة بقوله جل وعلا: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـٰنِ الرَّحِيم * الْحَمْدُ لِلّٰـهِ رَبِّ الْعٰلَمِينَ * الرَّحْمـٰنِ الرَّحِيمِ﴾ (سورة الفاتحة:1-3) فكرر الرحمة أكثر من مرة وتكررت الرحمة في آيات الله تعالى، وقال: ﴿وَرَحْمَتِي وسعَتْ كُلَّ شيء﴾ (سورة الأعراف:156) وقال جل وعلا لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعٰلَمِين﴾ (سورة الأنبياء:107)، فالإسلام ورسوله وهو رحمة لكل البشر، بل ولكل الخلق.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم النموذج والمثل الأعلى لكل ذلك، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فكان رحيمًا بأهله، بأمهاته وعماته وخالاته وبأزواجه وبناته وأحفاده، وأصحابه، وخدمه وعماله وحتى الحيوان والجماد كان صلى الله عليه وسلم رحيمًا بهم جميعًا.
كذلك في مجال الحرب والغزوات كان يوصي صحابته بألا يقتلوا امرأة أو طفلًا أو عجوزًا، وألا يحرقوا شجرة أو يهدموا بيتًا، كما أوصاهم بألا يتعرضوا لأحد من الرهبان في الصوامع أو الأديرة.. الخ، حتى إن رحمته صلى الله عليه وسلم بلغت درجة عالية مع الجماد حينما حَنَّ جذع النخل إليه وهو يخطب على المنبر للصحابة – رضوان الله عليهم – وبلغت رحمته بالأطفال – كقدوة لنا جميعًا – حينما كان يدلل أحفاده ويحملهم على عاتقه في الصلاة، سواء أكانوا ذكورًا أم إناثًا ورحمته ببناته كانت منتهى الرحمة وسط مجتمع لا يعتد بالمرأة.
فالإسلام أعطى للمرأة كل حقوقها، وزاد عن أحلامها في هذا المضمار حتى فاقت كل حقوق المرأة في الشرائع والقوانين الأخرى في أنحاء العالم.
هذا جزء قليل من رحمة الإسلام، دين السلام والرحمة لكل العالم والخلق.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1439 هـ = أغسطس – سبتمبر 2018م ، العدد : 12 ، السنة : 42