دراسات إسلامية

بقلم:  الأستاذ عبد الحكيم خلفي (*)

غالبا ما تكون أحكامنا منطلقة من تصوراتنا القبْلية لما حولنا من وقائع وأحداث، إذ تلعب خلفياتنا دورًا كبيرًا في الحكم على الأشياء، وتكون هذه الخلفيات ناشئة أساسا مما تعلمناه واكتسبناه من محيط عيشنا وتقاليدنا ومعتقداتنا.. ونجد من السور التي تناولت موضوع تصحيح طريقة التفكير والنظر إلى الأمور، والبحث عن جوهر الشيء لا عن عرَضه وظاهره؛ سورة الكهف، هذاإضافة إلى ما تناولته من مواضيع أخرى تتعلق بتصحيح العقيدة وغرس القيم النبيلة.

       تطرح هذه السورة مجموعة من الصور والأحداث التي اتخذ منها الإنسان مواقف خاطئة لعدم اطلاعه على حقيقتها، لذا فإن السورة تدعو في عدة آيات منها إلى التحدث عن علم، وعدم اطلاق العنان للظن، قال تعالى: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوٰهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا﴾ [الكهف:4-5] وقال سبحانه: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ﴾ [الكهف:22] وقال سبحانه: ﴿قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف:26] وقال سبحانه: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَﯨٰﻪُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28] وقال أيضا: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَـٰلاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: 103-104].

الصورة الأولى: حقيقة الكهف:

       تبتدئ السورة بقصة من أعجب القصص، وهي قصة فتية أيقنوا بوحدانية الله وأنه مالك السماوات والأرض، وأن غيره إنما هي مخلوقات لا تستحق العبادة، قاموا ليقولوا لقومهم ما استيقنت عقولهم وقلوبهم، متحدين إياهم بأن يأتوا بدليل أو برهان يثبت ادعاءاتهم الشركية، لكنه الظن والجهل قد غطى عقولهم، فما كان منهم إلا الصد والرفض والإيذاء، ليفر الفتية بدينهم ويلجؤوا إلى الله بقلوبهم، وإلى الكهف بأجسادهم.

       لقد استجاب الله دعاءهم عندما دخلوا كهفا ضيقا مظلما مجهولٌ ما فيه فقالوا: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف:10] فأجابهم الله تعالى بقوله: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾ [الكهف:16]، فظاهر الكهف ضيق وظلمة، لكن الحقيقة أن ضيقه سعة وفرج، وظلمته نور وبلج، وفيه نشر الله لهم من رحمته، حتى جعل لجوءهم إليه معجزة.

       إنه مشهد يتكرر مع كل شاب قابض على دينه، موحد لربه أراد أن يدعو إلى الخير والعمل الصالح، فلم يجد غير الصد ونظرة الازدراء، أراد أن يعبد الله ويتقي المحرمات التي سقط فيها كثير من شباب زمانه، فوجد نفسه غريبا في مجتمعه، وكأنه في كهف مظلم ضيق، يصعب أن يلبث فيه يوما أو بعض يوم.

       لبث الفتية في الكهف يوما أو بعض يوم بظنهم، جريا على ما يلبثه الإنسان عادة، وعليه اتخذوا موقف الحذر في إرسال من يأتيهم بالطعام من السوق بعد استيقاظهم، لكن المفاجأة كانت عظيمة، عندما وجدوا المدينة غير المدينة، والسوق غير السوق، والناس غير الناس، والنقود غير النقود، ليتبين لهم أنهم لبثوا في الكهف ثلاث مئة وتسع سنين.

       لقد خاض بعض الناس في عدد هؤلاء الفتية بغير علم، وقد نهى سبحانه وتعالى نبيه عن مجادلة أهل الكتاب في هذا الأمر؛ لأن عددهم لا يعلمه حقيقة إلا الله، ودعاه إلى التمسك بما أنزل الله من الحق والهدى وأن يصبر نفسه مع الصحبة الصالحة التي عرفت الحق ولزمته، ونهاه عن طاعة أصحاب القلوب الغافلة، الذين آثروا اتباع أهوائهم حتى ضلوا وخاب مسعاهم في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28].

الصورة الثانية: أهي نعمة أم نقمة:

       صورة أخرى من صور حكمنا على الظاهر تظهره لنا قصة صاحب الجنتين الذي غرّه ما عنده من نخيل وزرع وأعناب وماء، وما تحت يده من أعوان وأنصار كلهم طوع أمره، وفي خدمته، حتى أدى به غروره إلى اعتقاد عدم زوال ما عنده، بل وإنكاره لقيام الساعة، عندما قال لصاحبه المؤمن: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف:35-36] وهي حال كثير من عباد الله الذين أنعم الله عليهم بالمال، فنظروا إلى هذه النعمة على أنها محبة لله لهم، وأنه ملك يدهم، لا مال الله الذي استخلفهم فيه ليمتحنهم، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى نسيان يوم البعث والحساب، وتوهم الخلودفي الحياة، وإن ذُكِّروا بيوم القيامة مَنُّوا النفس بنعيم الجنة كما نُعموا في الدنيا.

       انطلق لسان المؤمن المُذَكِّر الذي درى حقيقة الأمر ولم يغره لمعان شهوة المال ولا أبهة الجاه، فقد علم مآل هذا المال وصاحبه، ولم يكن من الفئة التي تقول: ﴿يَـٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَـٰرُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [القصص:79] لذا نجده بادر إلى تنبيهه وتوجيه نظره إلى حقيقته وحقيقة ماله، فذكّره بأصله الترابي، وأصل خلقته الذي كان من نطفة، فكيف لمن كان هذا أصله أن يتكبر على خالقه الذي خلقه؟ وعلى العباد الذين خُلقوا من نفس ما خلق منه؟ فكما خلقك فإنه قادر على أن يميتك، وكما رزقك فإنه قادر على أن يحرمك، فيجعل جنتك التي اغتررت بها أرضا ملساء لا حياة فيها، أوالماء غائرا في الأرض لا تناله أبدا.. وهذا ما حدث.

       إن الله عز وجل يحيلنا إلى النظر إلى حقيقة الأشياء، واستخلاص الحكمة من خلقها وتسخيرها للإنسان، وعاقبة ما تؤول إليه، وهذا جلي في تشبيه الحياة بالمطر الذي يهطل من السماء فيخرج النبات مخضرا، ليفرح الإنسان ويبهج لذلك، لكن سرعان ما يصير هذا النبات متكسرا تذروه الرياح في كل اتجاه، ونفس الشيء بالنسبة للمال والأولاد، فهم زينة الحياة كما وصفها الله تعالى، لكن هذا المال وهؤلاء الأبناء مصيرهم الفناء، وما سيبقى هو عمل الإنسان، قال سبحانه: ﴿الْـمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَالْبٰقِيَـٰتُ الصَّـٰلِحٰتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا﴾ [الكهف:46].

الصورة الثالثة: ليست الأمور كما تبدو:

       ثم تأتي رحلة طلب العلم، وطريق طلب العلم ليس يسيرا كما يبدو من أول وهلة، بل يحتاج إلى صبر وأناة وإعمال فكر ونظر، خاصة في الأمور التي يوحي ظاهرها بشيء وحقيقته خلاف ذلك.

       بعد أن استأذن سيدنا موسى الخضر عليه السلام في التعلم منه، ووعده بالصبر على طلب العلم، ينبهه الخضر إلى أنه لن يستطيع صبرا معه، ولن يتحمل ما سيجده منه، لكن إصرار سيدنا موسى على التعلم دفعه إلى وعده قائلا: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَآءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف:69].

       يأتي أول امتحان لسيدنا موسى عندما يصعد على متن سفينةٍ لبعض العاملين في البحر، فإذا به يرى الخضر عليه السلام قد بادر إلى اقتلاع لوح من ألواحها، لينتفض سيدنا موسى، ويعاتبه على صنيعه الذي قد يودي بحياة الأبرياء، ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف:71]، وكل صاحب نظر سيدرك أن هذا الفعل لا يقوم به إلا من أراد سوءا بأصحاب السفينة، غير أن الأمر ليس كما يبدو.

       يُذكّر الخضر سيدنا موسى باتفاقهما الأول قبل انطلاق رحلة طلب العلم، ووعده له بالصبر على مرافقته، فيبادر سيدنا موسى إلى الاعتذار ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف:73]، إنه أدب طالب العلم مع المعلم وثقته به وبعلمه.

       ينزل موسى عليه السلام والخضر من السفينة بعد أن رست، ويلتقيان بغلام فيبادر إليه الخضر فيقتله، وسيدنا موسى ينظر مستغربا لهذا الفعل المنكر، ويقول: كيف تقتل نفسا لا تستحق القتل؟ نظر إليه الخضر وأجابه بهدوء: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف:75]، وليس لأحد أن يصبر على قتل طفل لم يُعلم عنه ذنب يستوجب ذلك، ورغم هذا فإن سيدنا موسى ما زال متمسكا بمرافقته، ويعطي لنفسه فرصة أخرى لعله يصيب المراد مما يقوم به معلمه.

       دخل موسى عليه السلام بمعية الخضر إلى قرية فطلبا من أهلها الاستضافة فرفضوا وأغلقوا الأبواب في وجههما، وبقيا يجولان في القرية وقد نال الجوع منهما، ومكثا على هذه الحال، إلى أن قام الخضر إلى جدار مائل يوشك أن يسقط فأصلح ميله، وموسى عليه السلام ينظر إليه في استغراب وحيرة، وهو يتساءل: يصلح جدارا لقرية لم تضيفنا وأغلقت الأبواب في وجهنا؟ يصلح جدارا وهو غريب عن هذه القرية ومتعب من السفر والجوع؟ لماذا لم يطلب أجرة على هذا العمل ونحن في أمَس الحاجة إلى نقود نشتري بها طعاما يعيننا على الطريق؟ لم يملك سيدنا موسى لسانه إلا وهو يبادر الخضر بالسؤال: ﴿لَوْشِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف:77]، فإذا بالخضر يفاجئه قائلا: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ﴾ [الكهف:78]، وما رأيته من أفعالي منذ أن صحبتني فهي بخلاف ما رأيت، وسأنبئك بحقيقتها.

       أما ما رأيته من خرق للسفينة على أنه اعتداء على ملك الغير وتعريض أصحابه للهلاك إنما هو في حقيقة الأمر حفاظ عليها وعلى مصدر رزق هؤلاء الذين لم يملكوا سواها، ولو بقيت على حالها سليمة لأخذها ملك ظالم يسلب كل سفينة يجدها سليمة بغير وجه حق، فخرقتها ليتركها لأولئك المحتاجين، فظاهر ما رأيت ظلمٌ واعتداء على ملك الغير، لكن حقيقته أنه حفاظ على هذا الملك ورحمة بأصحابه.

       كم من شخص خسر ماله في تجارة، أو سرق، أو ضاع حقه، فاعتبر ذلك خسارة، وهي في الحقيقة رحمة من ربه.

       يستطرد الخضر قائلا: أما ما رأيت من قتلي للغلام فقد سبق في علم الله أنه سيكون كافرا، ولو بقي حيا لحَمَل أبويه على الكفر فيطيعانه حبا فيه وتعلقا به وخوفا من فقدانه، فرحمة بهما وبه أراد الله أن يبدلهما خيرا منه برا وصلاحا، فما بدا لك أنه ظلم واعتداء إنما كان رحمة بهم.

       ما أقسى فقدان الأبوين للولد، يرعيانه ويسهران على راحته ويبذلان الغالي والنفيس في سبيله، ثم يأتيهم نبأ موته..أي قلب لا ينفطر لهذا؟ وأي مصيبة أعظم من هذا؟ ورغم ذلك فإنه رحمة من الله، علم الحكمة منها من علم، وجهل الحكمة منها من جهل، ولو مُكنا من أن نطلع على الغيب لما اخترنا إلا ما اختاره الله لنا.

       أما إقامة الجدار الآيل للسقوط دون أجرة فكان سببه وجود كنز لغلامين يتيمين تحته، فلو تُرك لَوقع وظهر الكنز ولأخذه غيرهما، فرحمة بهذين الغلامين أراد الله أن يستخرجا كنزهما بعد أن يكبرا، لينتفعا به، وكل ما رأيت – يقول الخضر- لم يكن اجتهادا بشريا، بل كان أمرا من الله سبحانه وتعالى العليم بعواقب ومآل الأمور.

       إنها دعوة إلى عدم الانتقام ودفع الإيذاء بالإيذاء، فكم من مصالح تقضى، ومفاسد تدفع،وحقوق ترجع،بسبب الصفح وخدمة الناس وقضاء حوائجهم.

       إن مثل هذه الأحداث توضح لنا جليا أن كل ما يصيبنا من محن وابتلاءات إنما هو أمر مقدر لنا، ويجب الرضا به كما هو، موقنين أن الله لا يُقدر أمرا إلا إذا كان خيرا لنا في عاجلنا وآجلنا، فما يظنه الإنسان شرا أو ظلما أو محنة قد يكون في حقيقته خيرا وعدلا ومنحة، وما يبدو نعمة وعطاء وسبب سعادة كما مع صاحب الجنتين، قد يكون في حقيقته نقمة وسبب شقاء.

الصورة الرابعة: عدم الاغترار بالقوة:

       لقد أعطي ذو القرنين من التمكين والسلطان ما جعله يملك المشرق والمغرب، وهذا لاتِّباعه الأسباب التي وهبها الله له، والعمل بها متوكلا عليه تعالى، غير مغتر بماله وجاهه وقوته، أو مستغل لحاجة الناس، فعندما عرض عليه قومُ ما بين السدين أن يجعلوا له خرجا مقابل أن يبني لهم سدا يمنع مِن وصول يأجوج وماجوج إليهم لم يقبل منهم ذلك، بل استعان بالله، وطلب منهم أن يعينوه بقوتهم على بناء ردم من حديد ونحاس مصبوب، فلم تجد يأجوج وماجوج كيف تتسوره ولا كيف تخرقه، وهنا يقف ذو القرنين موقف الرجل الذي لا تخدعه مظاهر القوة، فلم يرجع هذا العمل الضخم لنفسه وعلمه وقوته، بل رده لرحمة الله تعالى، وأن هذه القوة والمنعة والشدة التي عليها هذا الردم سيجعلها الله في آخر المطاف مستويا بالأرض، فيتواضع ذو القرنين لله تعالى في أوج قوته وسلطانه.

       تأتي الآيات بعدها لتشير إلى قصور النظرة البشرية ومحدودية قدرته الفكرية في التعامل مع الأمور، ليعتبر أخسر الناس عملا من ظن سداد رأيه وفعله، وهو في حقيقة الأمر ضال لم يعرف للهدى سبيلا، قال سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَـٰلًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف:103-104].

       وتنقلنا الآيات إلى سعة علم الله تعالى، ومحدودية الإدراك البشري، بتصوير مشهد البحر وغزارته كمداد لكلمات الله وعلمه، فينفد هذا البحر ويُمد ببحر ثان فينفد أيضا وكلمات الله لا تنفد، فرغم ما يتخيله الإنسان من شساعة البحر إلا أنه أمام علم الله لا يعد شيئا، قال سبحانه: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَـٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَـٰتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف:109] ليقرب إلى العقل البشري المحدود معنىً غيرَ محدود.

       تختم السورة بالدعوة إلى التمسك بالمنهج الرباني الذي رسمه لنا ربنا لنيل مرضاته والفوز بجنته، فهذا منهج الله، وهذا رسول الله مبلغ لهذا المنهج، فمن أراد الهدى في غيره فقد ضل، مهما زُين له هذا الضلال وبدا على غير صورته وحقيقته.

*  *  *

*  *


(*)      أستاذباحث في الدراسات الإسلامية والتراث العربي الإسلامي. المغرب .   الهاتف: 671027129+212

         البريد الإلكتروني: abdelhakimkhalafi@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1438 هـ = أغسطس- سبتمبر 2017م ، العدد : 12 ، السنة : 41

Related Posts