محليات
بقلم: فضيلة الشيخ أسرار الحق القاسمي(*)
ترجمة: أبو فائز القاسمي
يكرس رئيس الوزراء الهندي اليوم كافة طاقاته وقواه في إنشاء اقتصاد هندي قائم على غير عملة ورقية أو معدنية، في حين تقوم شعوب الدول الراقية أمثال الولايات المتحدة الأميريكية وأوربا – التي سبقت الهند كثيرًا في استخدام التكنولوجيا أضعاف ما تستخدمه الهند، وتشهد من الرقي على نطاق أوسع مما تشهده الهند- بالتبادل التجاري بالشيكات المصرفية وبطاقات الائتمان وبطاقات الدين (debit)، والمصرفية الشبكية، أو غيرها من الصور الإلكترونية بالإضافة إلى التبادل التجاري بالعملات. ويُذكر أن التبادل التجاري في الولايات الأميريكية وأوربا يتم ليومنا هذا بالعملات أكثر من أربعين في المئة. ويحرص رئيس الوزراء الهندي اليوم أن يتعامل الشعب في بلدٍ نامٍ مثل الهند أن يقوموا بشراء حاجياتهم الحيوية كلها وبيعها لا بالفلوس والعملات؛ بل بالطرق الإلكترونية سواء كان لحد روبية أو روبيتين أو يبلغ الآلاف والملايين. وهو يعلن عن التشجيعات والمحفزات إلى ذلك، ويبدو أن رئيس الوزراء الهندي في ارتباك شديد. وسبق أن أعلن إلغاء العملات فئة خمس مئة وفئة ألف بصورة مباغتة قائلا: إن هذا الإلغاء مما يعين على القضاء على الإرهاب، والعملات المزوّرة، وكأبوس المال الأسود، و ظاهرة الرشوة ونحوها من الهنات التي يئنّ تحت وطأتهـا المجتمـع الهنــدي اليـوم، إلا أنـه لم نشهد ليومنا هذا من آثارذلك شيئا.
ويرى المتخصصون أن المال الأسود الذي يملكه كبار الأثرياء لايحتفظون به في الغالب في صورة العملات؛ بل في الأراضي والحلي والمجوهرات. فلن يلقي إلغاء العملات بظلاله عليها قليلًا أوكثيرًا، وإنما المال الأسود خارج الدولة، والذي ينيف عن المال الأسود المتواجد في الدولة بنسبة تسعين في المئة فصاعدًا. وكان المستر مودي وحزبه قطع للشعب السذج وعدًا بأنه يسترد هذا المال الأسود إلى الدولة فيما إذا تم له النجاح في الانتخابات الهندية العامة وتشكيل الحكومة. كما أكد المستر مودي على الشعب بأنه يودع حساباتِ كل واحد من أفراد الشعب على قدر نصيبه منه وهو مالايقلّ عن مليون ونصف مليون روبية هندية بعد استرداده إلى الدولة. وأصبح هذا الوعد اليوم «مواعيد عرقوب»، في حين قد مضى على تولي المستر مودي سنتان ونصف سنة، وهو قاصر عن اتخاذ أي خطوة في سبيل استرداد هذا المال الأسود إلى الدولة. واشتدت مطالبة الشعب باسترداد هذا المال الأسود إلى الدولة كما وعده رئيس الوزراء الهندي قبل الانتخابات، وحان موعد الانتخابات الإقليمية في ولاية «أترابراديش»، ولابد أن الناس يتساءلون عنه يومئذ، فماذا عسى أن يجيب عنه؟ فذَرًّا للرماد في عيون الشعب استهدف – كما يزعم- المال الأسود المتواجد في الدولة، ولكن ماذا جلبت هذه الخطوة على الدولة؟ فقدانعكس– كما يقال: إن المسلم هو الضحية- سلبًا على الشعب الكادح الفقير الذي ضحى بنفسه في سبيل سحب ماله الذي استودعه المصارف، وأما الأثرياء الذين يملكون القناطير المقنطرة من المال؛ فقد تحيلوا على تبييض المال الأسود، ومارسوا حيلًا شتى ناجحة في سبيل ذلك. ولم تتأثر ظاهرة الإرهاب من قريب أوبعيد. ولانزال نشاهد كل ما يملكه الإرهابيون في العالم من الموارد المالية. ولو أمكن القضاء على الموارد المالية التي يملكها الإرهابيون أو تعسيرها عليهم لتمكنت الولايات المتحدة الأميريكية والدول الغربية من قصم ظهرهم – الإرهابيين-ولماتت هذه اللعنة حتف أنفها من ذي قبلُ، في حين نرى الإرهابيين يملكون من الموارد المالية ما يملكه دول العالم، وقد تكالب الدول كلها على القضاء عليهم، وتم استخدام مئات الملايين من الأطنان من القذائف والمواد المتفجرة؛ ولكنهم ثابتون قائمون؛ بل ينتشر الإرهاب مع مرور الأيام لكثرة الأموال و الثروات والأسلحة انتشارًا مروعًا. وليت شعري كيف اعتبر رئيس وزرائنا إلغاء العملات دواءً ناجعًا للقضاء على الإرهاب. ويستحيل أنه يتمكن من شرح ذلك في الأيام القادمة. نعم ، لن تَضيع دقيقةٌ واحدةٌ لاعتبار من يتساءل عنه خائنًا للدولة.
نعم، إن الرشوة التي اعتُبِرَت هذه الخطوةُ قاضيةً عليها- نراها تتخذ أشكالًا وصورًا متنوعة بعد تنفيذ قرار إلغاء العملة. وصَبَغَ أصحابُ الثروات الهائلة الخائنون البنوكَ حتى بعض الموظفين في البنك الاحتياطي المركزي بصبغتهم. ولاننكر أنه تم القبض على بعض الناس بتهمة التحيل على العملات و ادخارها، إلا أن ما تشهده بلادنا من صور المعرفة السياسية وتعاطي الرشوة يدفعنا إلى القول بأن معظمهم ربما اتخذوا حذرهم و وقايتهم. والحاصل أن العيوب التي زعموا تلاشيها بتنفيذ قرار إلغاء العملات لم تتلاشَ؛ بل خلق هذا القرار عيوبا جديدة لم يشهدها المجتمع الهندي.
واعتبرت المجلة التجارية الأميريكية الشهيرة الموقرة (Forbus) في تعليقاتها إلغاءَ العملة شبيهًا بنهب أموال الشعب وقطع الطريق عليها، وقالت: مما يبعث على الحيرة أن تقوم دولة جمهورية بإلغاء عملات ذات الرواج الأكثر كلمح بالبصر، ولم توفر للشعب إلا أسابيع معدودة لاستبدال عملاتهم. و قالت المجلة: «لقد هجر العمال الكادحون في المدن إلى قراهم، فإن الأعمال تتوقف مع مررو الأيام، و اعتبرت المجلة قرار إلغاء العملات غير أخلاقيٍ وأضافت قائلة: «إن الحكومة تحاول التكتم على أن الدولة خسرت عشرات البلايين من الدولارات وهو أمر واقع» وقالت المجلة: إن هذا القرار لم يجلب للشعب إلا القلق والاضطراب، وقدَّم للعالم صورةً مروعةً؛ فإنه ربما لايزيد أوضاع الفقراء إلا سوءًا.
رغم ذلك كله لايزال رئيس وزرائنا –كالمعتاد- يتحاشى عن الاعتراف بالواقع والحقائق؛ بل يضرب صدره بيده مما يعتبره الخبراء – بأصوات حسيسة- عبارة عن إلقاء النفس في التهلكة. وقارنت المجلة قرار إلغاء العملات بقرارتحديد النسل الذي أصدره حزب المؤتمر الهندي إبان حكمه في البلاد مما حرمه السلطةَ في الانتخابات التي جَرَتْ في أعقابه.
ولنَنْظُر إلى متى ينجح المستر ناريندرا مودي في إقناع الشعب و خاصةً الموالين له ممن سدوا وجوه الفهم والإدراك إلى نفوسهم، وهو اليوم يبعث السرورفي نفوس مواليه باستهزاء معارضيه السياسيين ورئيس الوزراء السابق «مان موهن سينغ» و «راهول غاندي» وغيرهم من قيادات الأحزاب السياسية الأخرى.
وفي الأيام الأخيرة حاول حزب المؤتمر الوطني تنبيه الحكومة الحالية على أن الاقتصاد القائم على غير العملات غير نافع وغير عملي في البلاد؛ فإن عددًا من مناطق البلاد لايزال محرومًا من الكهرباء، وليس الشعب كله مثقَّفًا، وليس كلهم يحملون الحسابات في البنوك، والشبكة العنكبوتية غير متوفرة توفرًا كافيًا، فرد عليه رئيس الوزراء الهندي: مودي بأن الحزب – حزب المؤتمر- بقوله هذا يقدِّم «بطاقةَ أعماله» طوال حكمه في البلاد، وأنه عجز عن حلّ معظم القضايا الأساسية التي تعانيها الدولة. ولكن هل برئت ساحة رئيس الوزراء من المسؤولية بهذا الاستهزاء والسخرية؟ وبِغَضِّ النظر عمن أخطأ في ذلك فإن من الحقائق التي لاتجحد أن البلاد تئنُّ تحت وطأة كميةٍ هائلةٍ من المشكلات المتمثلة في الكهرباء و المياه وقضايا الرقي والازدهار. وماذا عسى أن تكون أولويات الحكومة في خضم هذه المشاكل والقضايا العالقة؟ إنه يجب على الحكومة أن توفّر للشعب التعليم الأساسي والكهرباء في كل مكان، وتحاول القضاء على الفقر والعوز، وتتخذ الخطوات اللازمة لترويج الشبكة العنكبوتية وتكنولوجيا الإعلام، أو وضع البرامج التي تشجِّع على التعامل القائم على النقود والعملات، و رصد الجوائز للقائمين بذلك. وإنه يجب القضاء على هذه المشكلات أولاً إذا كنتم تحرصون على تغيير حظ البلاد. وأما الخطوات التي تتخذ لأجل المصالح السياسية أو جلب المنافع للأصدقاء أصحاب الصناعات والإنتاجات فلن يجلب على البلاد إلا الأضرار بدلاً من المنافع والخيرات.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الآخرة 1438 هـ = مارس 2017م ، العدد : 6 ، السنة : 41
(*) عضو مجلس الشعب الهندي، ورئيس المؤسسة التعليمية الوطنية لعموم الهند.