كلمة المحرر
يشهد العالم اليومَ وضعًا عصيبًا من النفور و الصراع بين الإسلام وغيره من الأديان التي يرمي كثيرٌ من أتباعها الإسلامَ والمسلمين بالتخلف والتسبب في إثارة القلائل على وجه البسيطة، ويستغل أعداء الأمن والسلام هذا الوضعَ المزريَ لإذكاء نارالعداوة والبغضاء والشحناء بين بني البشر من حين لآخر وفي مختلف أصقاع العالم.
هذا، والإسلام أحرص الأديان في العالم على الأمن والتعايش السلمي بين بني البشر كلهم، وقد غرس في أتباعه أخلاقَ الرحمة والعدل حتى في أشد الحالات مع أعدائهم، قال الله – عز جل-: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾[الأنفال/58].
لقد أقام الإسلام مبدأ الإخاء الإنساني على الرحم المشتركة -أصل التناسل والتكاثر- آدم وحواء عليهما السلام، قال الله – عز وجل-: ﴿يٰأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء/1]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقٰكُمْ﴾[الحجرات/13].
وجاء القرآن الكريم بالدعائم الأساسية للأمن والسلم، وحضَّ على الأخذ والالتزام بها على أرض الواقع، ودعا إليها أكثرَ من أي أمةٍ تدَّعِي الزعامةَ في إرساء الأمن والسلام والدعوة إليه في العالم.
وأمر الإسلام أتباعه بالبر والإحسان حتى إلى الذين يخالفون في الدين والعقيدة، يقول الله تعالى: ﴿لَا يَنْهٰكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة/8]، وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «من ظلم معاهدًا أو انتقصه من حقه أوكلَّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة». (سنن أبي داود3052).
وحفظُ النفوس من أعظم القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية، فكان النهي عن قتل النفس من أهم وأعظم الوصايا التي أسداها الإسلام إلى معتنقيه وأتباعه في آية جامعة، وهو قول الله– تعالى-: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰنًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾[الإسراء/33].
والذين يستهينون قتل النفس المحرمة يعارضون إرادةَ الله رب العالمين، وهي أنه تعالى خلق الإنسان ليُعَمِّر به الأرض؛ حيث يقول جل شأنه: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها﴾ [هود/61]، فالتجرأ على إعدام نفسٍ هدمٌ لما أراد الله تعالى بناءه، ولذا شاع وتواتربين الأمم في سائرالأزمان والشرائع من لدن آدم – عليه السلام- حقنُ الدماء وصيانةُ النفس من الاعتداء عليها.
وجعل القرآن الكريم قتل نفسٍ واحدةٍ بغير حقٍ قتلَ الناس جميعًا، يقول الله تعالى: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [ المائدة/32]. [التحرير]
(تحريرًا في الساعة الثانية والنصف من ظهر يوم الأربعاء: 22/ربيع الأول 1438هـ = 23/نوفمبر 2016م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الآخر 1438 هـ = يناير 2017م ، العدد : 4 ، السنة : 41