دراسات إسلامية

بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه الله-

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

الرئيس المصري السيد أنور السادات في رحاب «دارالعلوم/ديوبند»:

       زرا دارالعلوم/ديوبند السيد أنور السادات(1) – الرئيس المصري، والأمين العام لمنظمة  المؤتمر الإسلامي- وأعرب عن مشاعره بقوله: «إن زيارة هذه المدرسة الدينية التاريخية دفعتني إلى أن أقدم شكرًا جزيلًا نابعًا من أعماق القلوب إلى الإخوة القائمين عليها داعيًا الله تعالى أن يجعل هذه المدرسة منارة العلم والمعرفة، وييسر على المسلمين سبل الاستفادة منها على الدوام»(2).

صدى «دارالعلوم» في أمريكا وكندا:

       بطلب من باحث في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة كندا- موضوع أطروحته «الدراسة الدينية لدى المسلمين في العصر الراهن»- تم إعداد بحثٍ مستفيضٍ يتناول تاريخ دار العلوم الديني والعلمي، وإرساله إليه، و كان ذلك أكبر عون على تعريف الجامعة في الأوساط العلمية في أمريكا وكندا، وأعد هذا البحث كاتب هذه السطور بإيعاز من رئيس الجامعة حفظه الله.

عام 1375هـ، والعلاقات الثنائية بين دارالعلوم/ ديوبند ومصر:

       كان رئيس الجامعة أبدى رغبته في إنشاء العلاقات بين الجامعة والأزهر الشريف لدى زيارة السيد أنور السادات – الرئيس المصري والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي- للجامعة. وقابلت الأزهر الشريف ومنظمة المؤتمر الإسلامي هذا الاقتراح بالحفاوة والترحيب، وبالتالي تم ابتعاث أستاذين جليلين منها وهما الشيخ عبد المنعم النمر(3)، والشيخ عبد العال العقباوي إلى دارالعلوم/ديوبند لمدة عامين لتدريس الأدب العربي وإنشائه، ثم خلفهما الشيخ عبد الوهاب محمود، وأورثت علاقةُ جامعة الأزهر الشريف بدارالعلوم/ديوبند طلابَها مذاقًا خاصًا في الأدب العربي، والقدرة على الخطابة والكتابة باللغة العربية، وتم إنشاء قسم خاص به وهو «الصف العربي»(4) الذي يقوم بتدريب الطلاب وتمكينهم من النطق والإملاء باللغة العربية، وخرَّج آلاف الطلبة المتضلعين من التكلم والكتابة باللغة العربية.

توسعة مسجد دارالعلوم:

       جريًا على عادة البلاد يتوسط فناءَ المسجد بدارالعلوم حوضُ ماء للوضوء، يضطر المتوضئين إلى تجرع كأس المعاناة أيام الحر والقر والمطر حين الوضوء عليه. وضاق فناء المسجد على الطلاب نظرًا إلى عددهم المتزايد، مما دفع إلى نقل الحوض من وسط فناء المسجد إلى أخرياته، و تحت مبنى دارالإفتاء عام 1375هـ، وهذا التعديل كان من شأنه أن تَوَسَّع المسجدُ، كما قضى على المعاناة التي كان يلاقيها المتوضئون في الفناء خلال أيام الحر والقر والمطر.

       أضف إلى ذلك أنهم قاموا بإعداد خزانة كبيرة يستخدم لتسخين المياء في أيام الشتاء، وتم إيصال مياهها إلى الميضاة بنصب المواسير حول الحوض، وقد ركبت فيها الحنفيات، مما يسر كثيرًا الوضوء بالماء الحار على عدد كبير من الناس.

لقاء ديني:

       أقام المواطنون في هذه السنة لقاءين هامين، أحدهما باسم «مؤتمرآريه سماج لعموم الأديان» في «شيركوت» من أعمال «بجنور»، و الثاني باسم «مؤتمر آريه سماج وردت لعموم الأديان» في مدينة «دهره دون». وقام الشيخ سيف الله الهاشمي بتمثيل دارالعلوم/ديوبند في كل منهما، وتطرقت خطبته في المؤتمر الأول إلى «التوجيهات الإسلامية الطبعية والأخلاق السامية». وعلَّق رئيس هذا اللقاء – وهو ينوه بخدمات دارالعلوم/ديوبند- قائلا: «إن محاسن الإسلام تفوق محاسن ما سواه من الأديان، وإن رسالة دارالعلوم/ديوبند أسمى وأعلى من الرسالات كلها».

       وتحدث الشيخ الهاشمي في لقاء «دهرادون» عن توحيد الله تعالى وكبريائه جل وعلا، وبعثة الرسل العامة، والأخوة الإسلامية. وعلَّق على هذه الخطبة صحيفة «اتحاد عالم» الصادرة في دهرادون بقولها: «قال تشرت سينغ – زعيم هندوسي-: إن السيد سيف الله كانت خطبته أحسن الخطب وأبلغها، حيث جاء الشيخ من ديوبند، وتحدث عن الإسلام، ولقد بلَّغ هذه الداعيةُ الإسلامي رسالة الإسلام على وجه لم يستطع أن يعارضه أحد في ذلك، وما أكثر مَن انطلق لسانُه بالثناء عليه والتقدير له»(5).

تدوين فتاوى دارالعلوم:

       بدأ الناس يستفتون دارالعلوم في الدين منذ أول يومها، وأول من تولى هذه المسؤولية هو الشيخ محمد يعقوب النانوتوي ( 1249-1302هـ/ 1833- 1884م)، وخلفه بعد وفاته عدة أساتذة الجامعة في الرد على الأسئلة المؤجهة إليها، وتم إنشاء قسم برأسه خصيصًا لهذا الهدف عام 1310هـ حين ارتفع عددها، وسمي بـ«دارالإفتاء»، فكان أول من ولي منصب الإفتاء في الجامعة هو الشيخ عزيز الرحمن العثماني(1275-1347هـ/1858-1928م)(6)، ولم يهتموا بالاحتفاظ بنسخ الفتاوى الصادرة عنها بادئ ذي بدء، حتى دخلت أواخر ذي القعدة عام 1329هـ فبدأوا الاحتفاظ بها، و وضعوا لذلك آليات وضوابط تضبطها. فلاتحتفظ دارالعلوم بنسخ الفتاوى الصادرة عنها خلال 47 عاما سابقة. ويبلغ عدد الفتاوى الصادرة على عهد الشيخ عزيز الرحمن اعتبارًا من ذي القعدة عام1329هـ حتى عام 1346هـ (37561) فتوى. وكان كل فتوى تتضمن عدة أسئلة، وهَبْ كل استفتاء كان يتضمن ثلاثة أسئلة؛ فإن عدد الفتاوى الصادرة تتضاعف ثلاث مرات ليبلغ عددها مئة وخمسة وعشرين ألف فتوى.

       واستحسن المجلس الاستشاري بالجامعة اقتراحَ رئيسها القائل بضرورة ترتيب الفتاوى الصادرة عنها على الأبواب الفقهية. وعُنيَ الشيخ المفتي محمد ظفير الدين رحمه الله (1344-1432هـ /1925-2011م)(7) -الذي قام بترتيب وتدوين هذه الفتاوى- بشطب الفتاوى التي تكررت اللهم إلا أن يكون ثمة فرق بيِّنٌ بين صفة السؤالين فلم يستبعده حين ترتيب الفتاوى، كما التزم المرتب -حفظه الله- توثيق المسائل الواردة في الفتوى غير الموثقة – بالمصادر الفقهية بالإضافة إلى إيراد نص المصدر مشيرًا إلى كتاب المصدر وبابه ؛ فجاءت الفتاوى والمسائل كلها مبرهنة مشفوعة بأدلتها مما يسَّر على القارئ الرجوع إلى مصادرها إذا ما رغب في ذلك. وذلك مما زاد فتاوى «دارالعلوم» فائدة وأهمية. وكانت هذه الفتاوى منسوخةً في سجلاتها حسب تواريخ ورودها، ثم رتبها الشيخ على الأبواب الفقهية ليتم نشرها وطبعها  في كتاب مستقل. ولِتُدرك ذلك انظُر في كتاب الصلاة – مثلا- الذي يحتوي على ثمانية عشر بابًا وكل باب يتضمن أربعة فصول، وذلك تفاديًا من الصعوبة والعناء في الوصول إلى مسألة بعينها.

       ظهر المجلد الأول من فتاوى «دارالعلوم/ ديوبند» للنور عام1382هـ، وطبع منها إلى اليوم تسعة مجلدات ضخام(8) وثمة مجلدات عدة قيد الطباعة. ولتدرك شعبيــة فتاوى دار العلوم اعلَمْ أن المجلـدات التي تم نشرها من الفتاوى قد صدرت لها عدة طبعات، رغم أنها لاتزال قيد الإصدار(9). ويتضمن المجلد التاسع كتاب الطلاق ومسائله وأحكامه، ويحتوي على نحوخمس مئة صفحة.

       قال الشيخ أبو الكلام آزاد (1306-1377هـ /1888- 1958م) حين اطلع على هذه الفتاوى لدى زيارته للجامعة: «لاعجب أن تُعَدَّ «الفتاوى التاتارخانية» الأخرى بهذا الكم الهائل من الفتاوى، يالها من خدمة!، إنها تُذلل للناس صعوباتهم ومشكلاتهم»(10).

*  *  *

الهوامش:

(1)        السيد محمد أنور السادات (1337 – 1401 هـ/ 1918 – 1981م) رئيس مصر. ولد في قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية، ودرس في مدرسة الأقباط، ثم مدرسة فؤاد الأول، وتخرَّج في الكلية الحربية، واشترك في الحركات الوطنية خلال السنوات السابقة للثورة، واعتقل وسجن، وتنقل في عدة مناصب حكومية وعقب وفاة جمال عبد الناصر انتخب رئيسًا لمصر، حتى اغتيل في السادس من أكتوبر.

            وله مؤلفات، منها: «البحث عن الذات: قصة حياتي» و«بيان الرئيس أنور السادات إلى الأمة». للاستزادة من ترجمته راجع: الأعلام1/543.

(2)        لم أعثر على أصل النص العربي له، وقمت بتعريب النص المترجم إلى الأردية.

(3)        الإسلام في الهند للأستاذ عبد المنعم النمر- وزير الأوقاف المصري الأسبق، الذي عمل أستاذًا زائرًا بالجامعة الإسلامية: دارالعلوم /ديوبند  مدة من الزمان- ص 418ومابعدها.

(4)        علما بأن هذا القسم شهد تطورًا كبيرًا على يد مؤسسه شيخنا الأديب وحيد الزمان الكيرانوي (ت 1415هـ = 1995م)، وأطلق عليه فيما بعد «تكميل أدب» ثم أنشئ قسم عالٍ للتخصص في اللغة العربية،مدة الدراسة فيه عام واحدٍ(م.ع.)

(5)        التقارير الدورية عام1375هـ ص 16.

(6)        لترجمته راجع: موسوعة علماء ديوبند.

(7)        المفتي ظفير الدين بن شمس الدين المفتاحي (1344-1432هـ/ 1925-2011م) من الفقهاء والمفتين النابهين، من مواليد ولاية «بيهار»، بدأ دراسته على مشايخ عصره في عدة مدارس وأكملها في مدرسة مفتاح العلوم/مئو على الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي المحدث الشهير، وولي التدريس في عدة مدارس بعد التخرج، منها: مفتاح العلوم/مئو، ومعدن العلوم/ رام نكر، لكناؤ، وجامعة تعليم الدين بدابيل، وتعين داعيًا في قسم الدعوة والإرشاد بدارالعلوم/ديوبند عام 1956م، وتحول منه دارالإفتاء التابعة لها، ساهم في حرب التحرير، وله مشاركة واسعة في التأليف والتصنيف، وتعين عضوا في مجلس الشورى بالإمارة الشرعية، وفي هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية في الهند، له نحو خمسين كتابًا، أهمها: فتاوى دارالعلوم «جمع وترتيب»، وتعريف بمخطوطات دارالعلوم/ديوبند، وكشف الأسرار – شرح على رد المحتار – ونظام المساجد في الإسلام. للاستزادة من ترجمته راجع: حياة ظفير للأستاذ مسعود عالم القاسمي، ص52، الناشر: إيفا ببليكيشنز؛ أحياء بعد الموت للشيخ نور عالم خليل الأميني.

(8)        ظهرت اليوم –عام 1437هـ- سبعة عشر مجلدا منها .

(9)        للاستزادة منه راجع: مقدمة فتاوى دارالعلوم/ ديوبند  المجلد الأول.

(10)      «الفتاوى التاتارخانية» مصدر فقهي ضخم على شاكلة «الفتاوى العالمكيرية»، تم تدوينه وترتيبه في الهند على كتاب أبواب الهداية.

            قام بترتبيه و وضعه الشيخ الفقيه: عالم بن علاء الحنفي في أربعة مجلدات ضخام برغبة من «الخان الأعظم تاتارخان» على عهد ملوك عائلة تغلق في القرن الثامن الهجري. وكان «الخان الأعظم تاتارخان» يتولى الوزارة على الملك فيروزخان تغلق. واشتهرت هذه الفتاوى في حقبة من الدهر اشتهارا بالغا، قام بتلخيصه  علامة الحلب الشيخ إبراهيم بن محمد. قال في كشف الظنون (1/238، بغداد:  مكتبة المثنى): ولم يسمه، ولذلك اشتهر بـ«تارتارخانية» نسبة إلى «الخان الأعظم تاتارخان».

*  *  *


(*)   أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة  1437 هـ = أغسطس – سبتمبر 2016م ، العدد : 11 ، السنة : 40

Related Posts