العالم الإسلامي
الأستاذ الشاعر الكاتب عبد الله بن إدريس
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – وفقه الله وأعانه – منذ تسلمه ولاية العهد حتى يومنا هذا .. وإلى مدى العمر المديد له – إن شاء الله – بالتفاعل الحي والتجاوب الإيجابي. مع دعوات التطوير والإصلاح في جميع مناشط الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والعسكرية، والثقافية، وهو الذي يتبنى عملية الإصلاح هذه الأيام.
كما عرف بروحه الإسلامية والإنسانية الرفيعة، وبتواضعه الجم، وتبسطه مع أصحاب الحاجات الذين يؤمونه مرتين في الأسبوع في جلستيه يومي الثلاثاء والأربعاء مما هو مشاهد ومعروف للجميع في الداخل والخارج عبر القنوات الفضائية، فيحل مشكلة هذا عن طريق مكتبه ويحيل موضوع ذاك إلى المحكمة الشرعية، أوجهة الاختصاص، مؤكدًا على ضرورة إحقاق الحق، وإنجاز حاجات أصحاب تلك العرائض والصكوك والشكاوى المتنوعة.
والأمثل في هذا عنايته بأصحاب تلك الأوراق وغالبيتهم من الطاعنين في السن أو العميان فيساعدهم على الجلوس وعلى القيام ويعدل أحيانًا ملابسهم كالغترة والمشلح والعقال ثم يدعوهم جميعًا لتناول العشاء معه.
بهذه النفس الرضية المتواضعة والرفق واللين أخذ موقعه الأثير من قلوب الناس وفوق ذلك فهو لا يحتمي بعساكر ولا حراس وإنما بالتوكل على الله والثقة في حفظه وسلامته.
ذات مرة قلت له وأنا بجانبه على مائدة العشاء: ألا يرى سموكم أن عدم وجود حراسة عليكم يمثل خطورة – لا قدر الله – قال : لا أبدًا الله وحده يحرسنا، ولست أول من لاحظ هذا بل تساءل صحفيون غربيون حول هذا الأمر، وكانوا لا يصدقون ما يشاهدونه في التلفاز، فحضروا إلى هنا ثم قالوا مثل ما تقول. الحافظ هوالله وحده.
هذا من صدق الإيمان والتوكل على الله .
مشهد إنساني آخر لسمو ولي العهد (الملك عبد الله) حينما ذكرت له بعض الأحياء الفقيرة في الرياض ومكة وغيرها فزارها وتفقد أحوال أهلها وشرب القهوة عند بعضهم دون أن يخشى من عدم نظافة الأواني أو أيدي صانعي تلك القهوة ذلك أن أي واحد منا في هذه السنوات الأخيرة لا يستسيغ أن يشرب أو يأكل كل شيء لم يتأكد من نظافته وسلامته، لكن قوة إيمان عبد الله بن عبد العزيز وصدق توكله على الله، كان المانع الأول له عن إصابته بأي مكروه ساعة مشاركته للطبقة الشعبية الفقيرة طعامها وشرابها .. أليس هذا مظهرًا من مظاهر الخُلُق الكريم الذي يتمتع به الملك الإنسان وهل هناك (ديمقراطية) في العالم تتفوق على هذه.
أعجب وأغرب من هذا كله.. مشهد له وقع في (حائل) لم يسجل في تلفاز فيما أعتقد. ولم يشاهده إلا الجالسون في تلك الخيمة والحكاية ومناسبتها هي كما يلي:
كان الحرس الوطني قبل أكثر من عشرين عامًا قد أعد احتفالاً عسكريًا كبيرًا في مدينة حائل بمناسبة الانتهاء من أعمال التمرين على بعض الأسلحة الجديدة سماه (تمرين نجد) على شرف رئيس الحرس الوطني ولي العهد ودعي إليه عدد كبير من الأدباء والمثقفين. وشرفني الحرس بأن أكون شاعر ذلك الحفل الذي أقيم مساء الأحد 23 جمادى الآخرة 1404هـ وقد ألقيت فيه قصيدتي (حائل) والتي منها:
يقولــون هــــذي (حـائـل) قلت إنني
إليها مشـــــــوق والهــــوى بــي دائـل
أحن لرؤياها على الذكر والصـــــدى
وما كحّلت عينــي على الــدهر حائل
إلى أن دعانــا لاصطحاب جنــابــــــه
كـريم السجايا فارع الأصل، فاضل
بصحبة (عبد الله) ذي المجد والحجى
نعمنا بهـــذا اليـــوم فالسعـد حاصل
وأسعــدنا أخـــرى شهـــود معـــارك
(بتمرين نجــــد) نفــــذتها البـواسل
في صبيحة الغد – الاثنين – جلسنا بجوار الأمير عبد الله بن عبد العزيز في الخيمة الكبرى المعدة لهذه المناسبة وفيما نحن نتحدث معه عن تطلع المواطن. وما يعلقون من آمال على القوى العسكرية السعودية للدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره ضد الأعداء المتربصين إذا برجل يدخل الخيمة وهو يصرخ (تكفى يا أبو متعب أنا دخيل الله ثم دخيلك) ويستمر يشهق بالبكاء (تكلفى يا أبو متعب ولدي يذبحونه .. وهو ما ذبح الرجال إلا دفاعًا عن نفسه).. الخ
قام الأمير إليه وقابله وهو يقوله: اذكر الله تعوذ من الشيطان .. وأخذت الدموع من عينيه وأنفه تهطل بغزارة.
فماذا فعل الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس الحرس الوطني؟
تناول طرف شماغ الرجل الباكي .. ومسح به دموعه!!
ثم قال للرجل وبصوت مسموع: يا أخي ما عندي لك إلاشرع الله ما عندي لك إلا شرع الله .. قضيتك في المحكمة .. وأنا لا أتدخل في شؤونها..
كثير ممن في الخيمة لا يعرفون ما هي القضية؟ ولكنهم ذهلوا لما فعله الأمير عبد الله وهو يمسح دموع الرجل ويحاول تهدئة ثورته النفسية.
لما عاد الأمير إلى مجلسه وكان أربعة من الأدباء والشعراء يحيطون به وهم حمد الجاسر، محمد حسن فقي، عزيز ضياء، وكاتب هذه السطور.. – رحم الله الجميع – سألنا الأمير: أتدرون ما هي قضية هذا الرجل؟ قلنا: لا والله لا ندري ولكن أزهلنا ما كنت تصنع بالرجل في تمسيح دموعه وتنظيف وجهه، وهذا مالم نشاهده في حياتنا.. فأخبرنا بقصته كالتالي:
هذا الرجل له ابن اعتدى على عرضه شاب فقتله دفاعًا عن نفسه كما يدعي.. والقضية ما زالت في المحكمة.. والأب يريد مني التدخل في هذا الأمر.. وهو ما لا يمكن أن أفعله ما دامت قضيته بين أيدي القضاة.
أليس هذا مظهرًا من مظاهر إنسانية الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز.
ويضاف إلى هذا من الشيء الغريب جدًا.. عفوه عن زملائنا الدكتور عبد الله الحامد، الدكتور متروك الفالح، الأستاذ علي الدميني وآخرين والأمر بخروجهم من السجن وإعادتهم إلى أهلهم وبيوتهم.
جزاه الله على هذه الأفعال والأخلاق خير الجزاء.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان – شوال 1426هـ = سبتمبر – نوفمبر 2005م ، العـدد : 8–10 ، السنـة : 29.