إلي رحمة الله
في الصباح الباكر، أي في نحو الساعة الخامسة والنصف من يوم الأربعاء : 17/ ربيع الأول 1426هـ الموافق 27/ أبريل 2005م ، استأثرت رحمةُ الله تعالى بالقائد المسلم والزعيم السياسي الهندي البارز الشيخ الحاج إبراهيم سليمان سيت ، بمستشفى «مني بال» بمدينة «بنكلور» عاصمة «كرناتكا» الهندية بعد مرض طويل ، وهو في 83 من عمره ؛ فقد كان من مواليد يوم السبت 11/ ربيع الآخر 1341هـ الموافق 3/ نوفمبر 1922م . وكانت زوجته السيدة «ياسمين» فارقَتْه قبل أعوام . خلّف رحمه الله وراءه ابنين ، هما : سليمان خالد وسراج إبراهيم ، وثلاث بنات . ووُرِّي جثمانه بمقبرة «قدوس» بمدينة «بنكلور» .
كان الشيخ «سيت» خؤولتُه بـ «كيرالا» وعمومتُه بـ «بنكلور» وكان والده ذا تجارة ومال ، كان يتّجر بمدينة «ميسور» الأثريّة ذات الآثار والمآثر الإسلامية في الأقمشة ؛ ولكنه اتخذ مقرَّ تحرّكاته السياسيّة منطقةَ «كيرالا» ولاسيّما مدينة «أرناكولم» التي كانت مُنْطَلَقًا لأعماله وانتصاراته السياسية ؛ حيث كانت إحدى مدنه «تلاشري» التابعة لـ «كنوركالي كت» مسقط رأسه ، وعاش صباه ومراحلَ وعيه وشبابه في هذه المدينة ، وبها تلقّى ما تلقّى من التعليم منذ الابتدائية حتى الدراسات العليا ، وتخرج عام 1943م / 1362هـ من كلية «سينت جوزف» وأصبح يمارس تدريسَ مادّة التاريخ لغاية عام 1946م / 1365هـ . وشغل منصب أمين «العصبة الإسلامية» بمدينة «ميسور». وذلك في الفترة ما بين 1946-1949م (1365-1368هـ) كما ظلّ في الفترة نفسها مديرًا للجنة الإسلامية للمساعدة التعليمية، إلى جانب تحمّله مسؤوليّةَ رئيس لاتحاد الطلاب المسلمين بمدينة «ميسور» وعمل قاضيًا مساعدًا في الفترة ما بين 1954-1957م (1374-1377هـ) وانْتُخِبَ رئيسًا للعصبة الإسلامية بمدينة «أرناكولم» للفترة من 1955-1956م (1375-1376هـ) وفي عام 1958م (1378هـ) عُيِّنَ نائبَ رئيس للعصبة الإسلامية لعموم ولاية «كيرالا» ، كما عُيِّنَ عام 1960م (1380هـ) أمينَ صندوقٍ للعصبة ، وعُيِّنَ نائب رئيس لها مُجَدَّدًا عام 1962م (1382هـ) .
أمّا السياسة الساخنة ، فقد خاضها ابتداءً من 1960م (1380هـ) إذ انْتُخِب عضوًا في مجلس الشيوخ الهندي ، وعمل بجد وإخلاص بالغين لصالح الشعب بصفة عامّة وصالح الشعب المسلم بصفة خاصة ، مما أكسبه شعبيّة كاسحةً ، حتى ظل يُنْتَخَبُ نائبًا لمجلس الشعب الهندي عبر نحو ثلاثة عقود ، أي ثمانية فصول برلمانية ، ولاسيما في الفترة ما بين 1967-1992م (1387-1413هـ) ، وشغل منصب الأمين العام والرئيس للصعبة الإسلامية لعموم الهند طوال 30 عامًا .
* * *
ظلّ الشيخ «سيت» مرتبطاً بكل عمل إسلامي هامّ ومنظمة إسلامية ذات مكانة في أرجاء البلاد ؛ فقد كان سياسيًّا محنكاً ، وقائدًا مخلصًا ، غيورًا على دينه ، واعيًا بمسؤولياته ، ملتزمًا بالشعار والشارة الإسلامية ، تنطق سحنته بتدينه وإسلاميته . وإذا كان القادة والساسة المسلمون في الجنوب ينحصرون نشاطاً – في الأغلب – في شؤون وقضايا منطقتهم ، فلا تهمهم قضايا مسلمي الشمال إلاّ قليلاً أو نادرًا ، فإن القائد الشيخ إبراهيم سليمان سيت كان يمتاز عنهم جميعًا بأنّه ساهم منذ البداية حتى النهاية بفعّالية وجدّ في كل تحرّك إسلامي عبر البلاد بالرأي والمشورة ، وبالبحث والنقاش ، وبإيجاد الحلول، وبتقديم المساعدة المادية والمعنوية ، حسب ما اقتضته الظروف وتطلبته المصالح . وكان يتقن الإنجليزية والأردية كتابةً وخطابةً ، إلى جانب لغته المحلية التي رُضِعَ بلبانها، وكان يقول الشعر بالأردية ، ويتذوّق أدبها ولغتها وأساليبها ، ويعرف الفرق بين كل منها .
* * *
كان الشيخ سيت من جيل القادة المسلمين القدامى الذين خَرَّجَتْهم الغيرةُ على الدين ، والرغبةُ القويةُ في خدمة الأمة ، وهمُّ البلوغ بها مكانةً لائقةً في المجتمع الوطني الذي رَكَّز الاهتمام على تحويلها مواطنين من الدرجة الثانية ، حتى لاتتفرغ للاجتهاد في مجالات الاقتصاد والزراعة والتجارة والتعليم ، وتَظَلَّ مشغولةً بتقديم الأدلة على كونها مُوَاطِنَةً صادقةً .
ظلّت العصبة الإسلامية في الهند على علاقةِ مجاملةٍ وتحالفٍ مع المؤتمر الوطني حتى يتاحُ لها مجالُ العمل والتحرك في الهنـد فيما بعـــد انفصال باكستان عنها حتى لا تُتَّهَمَ في صدق مُوَاطَنَتها للهند وإخلاصها للحب لها . وظلت محتفظةً بعلاقتها الوطيدة بالمؤتمر ، حتى حدثت كارثة هدم المسجد البابري الأثري بمدينة «أجودهيا» بولاية «أترابراديش» بأيدي الهندوس المتطرفين يوم 6/ديسمبر 1992م (الأحد : 10/ جمادى الثانية 1413هـ) ، فتألَّم لها قلبُ هذا القائد المسلم ، وحزن حزنًا شديدًا جعله يسيء الظن – بحقّ – بالمؤتمر الذي ظلّ يُمَارِسُ الازدواجيّة ويعمل بالثَّنَوِيَّة منذ اليوم الأول ، ويَصْدُرُ في جميع خطواته تجاه الشعب المسلم وقضاياه عن النفاق ؛ فحاول أن يحمل زملاءَه في العصبة على أن يشاطروه الرأيَ في شأن المؤتمر ؛ ولكنهم لم يرضوا بذلك ، وإنما آثروا أن يُبْقُوا على علاقةِ ودّ معه ، ودعا الشيخُ سيت وأنصارُه في المجلس الإقليمي إلى التصويت لصالح طرح الثقة عن حكومة المؤتمر المركزية ، وقرّر معارضوه في العصبة عدمَ المساهمة في التصويت ؛ فتألّم الشيخ كثيرًا ، وأقدم زملاؤه في العصبة المتحكمون فيها على تحويله مشرفًا عليها ، وتعيين الزعيم الثاني فيها رئيسًا لها مكانه ، وهو «غلام محمود بنات والا» ؛ فازداد ألماً وجرحًا ، وقرّر هو وأنصاره عام 1996م (1417هـ) أن ينشئ حزبًا مستقلاً باسم «العصبة القومية الهندية» وظل يتحرّك لحين وفاته من منبرها في مجالات الخدمة الملية ، والوطنية والاجتماعية ، والسياسية والدينية .
كان للشيخ عناية كبيرة بهيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند ، وكان من الزعماء الذين ساهموا في تأسيسها ، كما كان له مشاركة فاعلة في معظم المنظمات الإسلامية ذات التحركات البناءة . وزار كثيرًا من مدن العالم بما فيها لندن ، وبغداد ، وجدة ، وطهران ، وإسلام آباد ، وأنجارا ، وكولمبو ، و واشنطن ، ونيويورك، وعمان ، حيث شارك مؤتمرات فيها أو ندوات .
وعلى ذلك كله كان حظيًّا بثقة معظم الشعب المسلم الهندي ، ولاسيّما لأنه كان يتصف بصفاء العقيدة ، واستقامة السلوك ، والثبات على الدين ، والتصلّب في ثوابته ، والاعتدال والهدوء في أسلوب العمل .
رحمه الله وأدخله فسيحَ جنّاته ، وقيّض من يخلفه في القول والعمل والسيرة .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية – رجب 1426هـ = يوليو – سبتمبر 2005م ، العـدد : 7–6 ، السنـة : 29.