كلمة المحرر
يمر الهنود ولاسيما المسلون بمرحلةٍ عصيبةٍ حاسمةٍ من تاريخهم، حيث تشهد البلاد استعداداتٍ نهائيةً لعقد الانتخابات العامة. وتشهد الساحةُ الانتخابية أحزاباً سياسيةً ذاتِ توجهاتٍ علمانيةٍ، وأحزاباً طائفيةً تمثل أيديولوجية الهندوتفا الهندوسية التي تعتبر الهندَ أرضَ الهندوس، والتي لامكان فيها للأقليات وعلى رأسها المسلمون، وتحرص على كسب أصوات الشرائح المختلفة في المجتمع الهندي، واعتلاء منصة الحكم مهما كلَّف ذلك من سفك الدماء ونهب الأموال وهتك الأعراض وترويع الآمنين. وتعيش الأحزاب السياسية كلها – دون استثناءٍ – حالة طوارئ لاستقطاب الناخبين المسلمين لما يتمتعون به من قدرةٍ لايستهان بها على التأثير في المنافسة على 200مقعدًا على الأقل من بين مقاعد البرلمان البالغة عددها 543مقعداً.
وتعكس دراسةُ قائمةِ المرشحين المسلمين من قبل الأحزاب السياسية أن تمثيلهم السياسي في البلاد في تنازلٍ بشكلٍ مستمرٍ، ففي ولاية أترابراديش – التي يشكل المسلمون فيها حسب إحصائيات عام 2011م نحو 15 % من مجموع عدد سكان الهند، البالغ 1.2 مليار نسمةً، والتي يمكن أن يغير الوعاء الانتخابي لهم فيها من الحسابات السياسية المعقدة في البلاد – رشح حزب «بهوجان سماج» (B.S.P) 19مسلماً، وهو يشكل 24% من مجموع المرشحين في الولاية،ورشح حزب «عام آدمي» 16 مسلماً، بينما رشح حزب «سماج وادي» (S.P) – الحزب الحاكم في أترابراديش، والذي يعتبر نفسه أكثر الأحزاب عنايةً بحقوق المسلمين -رشح 13 مسلماً. و أما حزب المؤتمر – الذي يتظاهر دائماً بأنه هو المحسن الأكبر إلى المسلمين والأكثر عنايةً بمصالحهم – فهو أبخل الأحزاب بترشيح المسلمين. وأما حزب «بهاراتيا جاناتا» (B.J.P) – الذي عجنت طينته أصلاً بالعداء للمسلمين و محاربة مصالحهم، والذي حاول أخيراً استمالةَ قلوب المسلمين نظراً لأهمية الوعاء الانتخابي المسلم في عددٍ لابأس به من المقاعد – فلم يرشح أحداً من المسلمين. وردَّ قياديٌ بارزٌ في الحزب حين سئل عن ذلك بقوله: «إن المسلمين يصوتون لصالح أي مرشحٍ إذا لم يكن منتمياً إلى حزب «بهاراتيا جاناتا». وذلك مما يثبِّط الحزبَ عن ترشيح المسلمين».
ويرى المحللون السياسيون أن طريق مرشح حزب«بهاراتياجناتا»- نارايندرا مودي – إلى سدة الحكم ليس مفروشاً بالورود؛ فإن المشكلة الأساسية التي لايمكن التغاضي عنها – كما تشعر بها قيادات الحزب أيضاً – أن الهندوس الذين يرى الحزبُ نفسه حامياً لذمارهم ومحافظاً على مصالحهم منقسمون في مختلف الطبقات والطوائف، ولايشكِّلون في الحقيقة وحدةً تمكن الحزبَ من الفوز الكاسح في الانتخابات، وحصد أصوات الناخبين على مستوى البلاد.
وهنا يتساءل المحللون السياسيون: هل يكون بوسع مرشح حزب «بهاراتيا جاناتا» أن ينفِّذ خطته العدائية للمسلمين فيما إذا وصل إلى الحكومة؟ وهل بإمكانه أن يفوز – ليشكِّل الحكومةَ – بدعم الأحزاب الصغيرة التي صَدَعت بأنها لن تؤيد سياسة الهندوتفا العدوانية؟ وهل بإمكانه أن يتّبع – على مستوى البلاد – السياسةَ التي اتَّبَعها في «غوجرات»، والتي لايؤمن بها الأغلبية الساحقة من سكان البلاد؟ وهل يَهُونُ عليه أن يتغاضي عن التعددية التي يمتاز بها البلاد، ولايأخذها بعين الاعتبار؟ وهل سيواصل الحزب تأجيج عواطف الهندوس ضد الأقليات وخاصةً المسلمين، مما يؤدِّي إلى تفاقم الأوضاع المتوتِّرة أصلاً بين الهندوس والمسلمين؟وهل تتلاشى -مع مرورالأيام – ذكرى المذابح والإبادة الجماعية التي مارسها ضد المسلمين في «غوجرات»؟ أسئلة ستردُّ عليها الأيامُ اللاحقة للانتخابات، وإفراز الأصوات.
وفي مثل هذا الظلام الحالك الذي يتطلب من المسلمين الهنود أن يراجعوا نفوسهم ويوحدوا صفوفهم، تلوح بارقةُ أمل؛ حيث أعلن المسلمون بولاية «بيهار» عن تحالفهم وتوحيد أصواتهم للإطاحة بـمرشح حزب «بهاراتياجاناتا» الهندوسي في الانتخابات، وذلك بسبب ضلوعه في أحداث شغب «غوجرات»، التي أَرْدَت بـ 2000 مسلمٍ.
وجاء ذلك تلبيةً لنداء بعض المنظمات الإسلامية بنبذ الخلاف والفوارق الاجتماعية والمذهبية بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم، وتشكيل كتلةٍ تصويتيةٍ كبيرةٍ تصل إلى16%، واختيار المرشح الأفضل من الأحزاب السياسية العلمانية التي تتبنى الديموقراطية في البلاد، كلٌ في دوائرهم الانتخابية، دون أن يرتبطوا بحزبٍ واحدٍ، و التصويت بشكلٍ تكتيكي لهزيمة حزب «بهاراتيا جاناتا» للتخلص منه، ومن مرشحه المتطرف.
وعلى كلٍ فالأمل قائمٌ بأن يصوت الأغلبية الساحقة لا من الناخبين المسلمين والأقليات الأخرى؛ بل من الناخبين الهندوس-كذلك- لصالح المرشحين العلمانيين الحريصين على انتشال البلاد من الفساد المالي الشامل لجميع قطاعات الحكومة، والتخفيف من وطأة التضخم المالي، والفقر الجاثم على صدور الأغلبية الساحقة من الهنود؛ وإن البدر لايطلع إلا إذا شقَّ ردا ء الليل، والفجر لاينبلج إلا من مهد الظلام.
[التحرير]
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1435 هـ = يونيو 2014م ، العدد : 8 ، السنة : 38